كثيرًا ما يفتري الرافضة على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه افترى رواية: «ما تركناه فهو صدقة»
في قصة فدك الشهيرة, وقد يهم بعض العلماء أن هذا الحديث تفرد به أبو بكر
رضي الله عنه خطأ منهم, لكن المصيبة أن ينسب الكذب للصديق رضي الله تعالى
عنه كما يدعي الكفرة.
وهذا كلام شيخهم
ابن المطهر الحلي: أن أبا بكر رضي الله عنه انفرد بهذا الحديث, ورد عليه
شيخ الإسلام قائلًا له: "قوله: والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها كذب؛ فإن
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث, ما تركنا فهو صدقة»
رواه عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف
والعباس بن عبد المطلب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة,
والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد مشهورة" [منهاج السنة].
فأقول مستعينًا بالله مؤكدًا لكلام شيخ الإسلام, وأنقل من روى الحديث غير الصديق رضي الله عنه:
قال الإمام ابن حبان البستي رحمه الله في صحيحه: "ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث, ما تركنا صدقة» تفرد به الصديق رضي الله عنه..".
وساق عدة أحاديث عن عمر وعائشة وأبي هريرة, وتفنن في تبويب الأبواب على هذا الموضوع وأحسن وأجاد رحمه الله [صحيح ابن حبان (14/ 575) طبعة الرسالة – بيروت].
وهذه أمثلة مختلفة ومنوعة للحديث:
1- في المعجم
الأوسط للطبراني: طبعة دار الحرمين القاهرة (ص:223) جاء الحديث عن حذيفة
رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث, ما تركنا صدقة».
وفي الطبراني أيضًا: جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الألباني في
صحيح الجامع: "إن الحديث روي عن عمر وعثمان وسعد وطلحة والزبير وعبد
الرحمن بن عوف وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم".
2- وفي موطأ مالك: باب النبي صلى الله عليه وسلم هل يورث؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتسم ورثتي دينارًا, ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة».
3- وفي البخاري في باب نفقة القيم للوقف عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا؛ مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَؤونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ».
4- وفي رواية
البخاري الطويلة في نزاع علي والعباس رضي الله عنهما عند عمر بن الخطاب رضي
الله عنه, كان في نفس المجلس عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن
أبي وقاص رضي الله عنهم, فقال لهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أنشدكم
بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض, هل تعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: لا نورث, ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم
نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك, فأقبل عمر رضي الله عنه على علي وعباس رضي
الله عنهما فقال: أنشدكما الله! أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك».
وهذا يدل على إقرار كل من علي والعباس وعثمان والزبير وسعد بن أبي واقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم على صحة رواية: «ما تركناه فهو صدقة».
5- وفي في صحيح البخاري باب فرض الخمس, وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث, ما تركنا صدقة».. وفي غيره من الأبواب.
6- وفي مسند أحمد: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا لا نورث, ما تركنا صدقة».
7- وفي المسند أيضًا: عن مالك بن أوس قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد رضي الله عنهم: «نشدتكم
بالله الذي تقوم به السماء والأرض -وقال سفيان مرة-: الذي بإذنه تقوم
أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا لا نورث, ما تركنا صدقة,
قالوا: اللهم نعم» تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وفي الموطأ: باب
ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة
بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «أن
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أردن أن يبعثن عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه
فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت لهن عائشة: أليس
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث, ما تركنا فهو صدقة».
فالنتيجة أن هذا الحديث, وأحدد رواية: «ما تركناه فهو صدقة» رواه كل من عمر وعائشة وأبو هريرة وحذيفة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
وأقره علي والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.
فالنتيجة يكون
عندنا: أحد عشر صحابيًا رضي الله عنهم ونزيد أبا بكر الصديق رضي الله عنه,
فيكون رواة الحديث بعدد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة, فكيف تقولون يا
رافضة: إن هذا الحديث من اختراع أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟!!
والحمد لله رب العالمين.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).