محبّة النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وتعد محبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
فريضةً على كلّ إنسان، وهذه المحبّة لازمةٌ للإيمان؛ ومن الآيات والأحاديث
في ذلك قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ
بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذى نفسي بيده لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده"[1]، وقال: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهن طعم الإيمان" وذكر منهن "من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما"[2]،
وعن أنس - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: "لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده، وولده، والناس
أجمعين"[3]، وفي رواية للنسائي: "حتى أكون أحبَّ إليه من ماله وأهله والناس أجمعين"[4]،
وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده"[5]،
وفي الصحيح قال عمر: يا رسول الله! لأنت أحبُّ إليَّ من كلِّ شيءٍ إلا
نفسي، فقال: "لا والذي نفسي بيدِه حتى أكونَ أحبّ إليكَ من نفسِك التي بين
جنبيك"، فقال عمر: فأنت الآن والله أحبُّ إليّ من نفسي، فقال: "الآنَ يا
عمر"[6].
من هنا نُدرِك أن الإنسان إذا آنس من نفسه
ضعف محبّة، أو آنس غلبة محبّة شيءٍ آخر على حبّ رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -؛ فعليه أن يداوي نفسه، وهذا واجبٌ على كل مسلم. وإذًا فمحبة رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فريضةٌ، وأن هذه المحبة ليست محبّة عقلية
فحسب؛ بل هي محبة عاطفيّة، فالإنسان يحب ابنه وأهلَه ووالده ونفسه ليس مجرد
حبٍّ عقليٍّ بل هناك شيءٌ وراء ذلك، والمسلم مطالبٌ بأن يحبّ رسولَ الله -
صلى الله عليه وسلم - أكثر من ماله وولده وأهله وعشيرته ومسكنه وتجارته
ونفسه، وتلك فريضةٌ من فرائض الله على الإنسان[7].
ويعد حبُّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
أصلاً من أصول الإسلام ومبدأً من مبادئه.. لا يستقيم إيمان إنسان بدونه..
ولا يسع مسلم أن يتجاوزه.. ولا يصح لمسلم أن يكون متردِّدًا فيه؛ فهو
مرتبطٌ بمحبّة الله - عز جل -؛ إذ إنه مبعوثُه ورسوله ومصطفاه ومجتباه؛ ففي
الصحيحين عن أنسٍ قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا
رسول الله متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددتَ لها؟". قال: لا شيء، إلا أنِّي
أحبُّ اللهَ ورسولَه، فقال: "أنت مع من أحببْت". قال أنس: فما فرِحنا بشيءٍ
فرَحَنا بقول النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنت مع من أحببت"، قال
أنس: "فأنا أُحِبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن
أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم"[8].
وقد اقترن حبّه - صلى الله عليه وسلم - بحبّ الله تعالى في كثيرٍ من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة؛ فمن الآيات قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ ﴾ [آل عمران: 31]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ
إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ
وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 24] الآية، ومن الأحاديث قوله - صلى الله
عليه وسلم -: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهن طعم الإيمان: من كان الله ورسولُه
أحبّ إليه مما سواهما..." الحديث[9].
ثالثًا: محبة أهل البيت - رضي الله عنهم - وأرضاهم:
أ- المقصودون بأهل البيت - رضي الله عنهم -: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب: 33]...
قال الطبري:
اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله [أَهْلَ الْبَيْتِ]
فقال بعضُهم: عُنِي به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليٌّ وفاطمة
والحسن والحسين -رضوان الله عليهم- قالت عائشة: خرج النبيُّ - صلى الله
عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه
ثم قال ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾[10].
وعن أبِي عمّار قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدِّث قال: سألتُ عن عليّ بن
أبي طالب في منـزله فقالت فاطمة: قد ذهب يأتي برسول الله - صلى الله عليه
وسلم -؛ إذ جاء فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلت، فجلس رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - على الفراش وأجلس فاطمةَ عن يمينه وعليًّا على
يساره وحسنا وحسينا بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: "﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
﴾، اللهم هؤلاء أهلي.. اللهم أهلي أحقّ"، قال واثلة: فقلت من ناحية البيت:
وأنا يا رسول الله من أهلِك؟ قال: "وأنت من أهلي"، قال واثلة: "إنها لمن
أرجى ما أرتجي"[11]... قال: وقال آخرون منهم عكرمة: بل عُني بذلك أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [12].
وقال المباركفوري: "باب
مناقب أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الشيخ عبدُ الحقّ في
اللمعات: اعلم أنّه قد جاء أهل البيت بمعنى من حرم الصدقة عليهم، وهم بنو
هاشم؛ فيشمل آلَ العباس وآلَ عليٍّ وآلَ جعفرٍ وآلَ عقيل وآلَ الحارث؛ فإنّ
كلّ هؤلاء يحرُم عليهم الصدقة، وقد جاء بمعنى أهلِه - صلى الله عليه وسلم -
شاملاً لأزواجه المطهَّرات، وإخراج نسائه - صلى الله عليه وسلم - من أهل
البيت في قوله ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
﴾ [الأحزاب: 33]، مع أن الخطابَ معهنّ سباقًا وسياقًا، فإخراجهن مما وقع
في البيت يُخرِج الكلامَ عن الاتساق والانتظام، قال الإمام الرازي: إنّها
شاملةٌ لنسائه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن سياق الآية ينادي على ذلك،
فإخراجُهن عن ذلك وتخصيصُه بغيرهن غير صحيح، والوجه في تذكير الخطاب. "إني
تركت فيكم من إن أخذتم به" أي اقتديتم به واتبعتموه، وفي بعض النسخ "تركت
فيكم ما إن أخذتم به"[13]
أي إن تمسكتم به علمًا وعملاً، "كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي" قال
التوربشتي: عترة الرجل أهلُ بيته ورهطُه الأدْنَون، ولاستعمالهم العِترة
على أنحاء كثيرة بيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله "أهل
بيتي" ليعلم أنّه أراد بذلك نسلَه وعصابته الأدنين وأزواجه، انتهى. قال
القارئ: والمراد بالأخذ بهم التمسّك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل
بروايتهم والاعتماد على مقالتهم، وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم؛ لقوله
تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
﴾ [النحل: 43]، وقال ابن الملك: التمسّك بالكتاب العمل بما فيه وهو
الائتمار بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، ومعنى التمسك بالعترة محبتُهم
والاهتداء بهديهم وسيرتهم"[14].
ب- محبة عليّ - رضى الله عنه -:
عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: أشهدُ أنّي سمعت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يقول: "من أحبّ عليًّا فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله،
ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله"[15].
وقال رجلٌ لسلمانَ - رضى الله عنه -: ما أشدّ حبِّك لعليّ! قال: سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض
عليًّا فقد أبغضني"[16]،
وقال علي - رضى الله عنه -: "والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنه لعهد
النبيّ الأمّي - صلى الله عليه وسلم - إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمنٌ ولا
يبغضني إلا منافق" [17].
قال العلامة المناوي:
"من أحبّ عليًّا فقد أحبني ومن أبغض عليّا
فقد أبغضني" لِمَا أُوتِيه من كرم الشيم وعلوّ الهمم، قال السهروردي:
اقتضى هذا الخبر وما أشبهه من الأخبار الكثيرة في الحثّ على حبّ أهل البيت
والتحذير من بغضهم تحريمَ بغضِهم ووجوبَ حبّهم، وفي توثيق عرى الإيمان عن
الحرالي أن خواصّ العلماء يجدون لأجل اختصاصهم بهذا الإيمان حلاوةً ومحبةً
خاصّة لنبيّهم، وتقديمًا له في قلوبهم حتى يجد إيثاره على أنفسهم وأهليهم[18]. وقال جابر - رضى الله عنه -: ما كنّا نعرف المنافقين إلا ببغض عليّ[19] [20].
وقال النووي:
ومعنى هذه الأحاديث[21]
أنّ من عرَف مرتبة الأنصار… وعرف من علي بن أبي طالب - رضى الله عنه -
قربَه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبّ النبي - صلى الله عليه
وسلم - له، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه فيه، ثم أحبّ الأنصار
وعليّا لهذا، كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه؛ لسروره بظهور
الإسلام، والقيام بما يُرضِي الله - عز جل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم
-، ومن أبغضَهم كان بضد ذلك، واستدلّ به على نفاقه وفساد سريرته والله
أعلم، وأما قوله "فلق الحبة" فمعناه شقّها بالنبات، وقوله "وبرأ النسمة" هو
بالهمزة أي خلق[22].
قلت: اعتبرنا محبّة عليٍّ - رضى الله عنه -
من موجباتِ محبّة الله - عز وجل - لِمُحبِّه كون محبته - رضى الله عنه -
سببًا لمحبّة العبد ربه تعالى كما صرّحت الأحاديث به؛ فلمّا كان حبُّ عليٍّ
حبًّا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم لله - عز وجل -، ولما كان
حبُّ الله ورسوله من جوالب حبِّه تعالى للعبد، كان حبُّ علي - رضى الله
عنه - سببًا لمحبَّته سبحانه مَن فَعلَه، وإن كانت أحاديثُ كثيرةٌ قد ذكرت
ذلك صراحة ولم ننقلها لتضعيف العلماء إيّاها. ففي حديث أم سلمة - رضي الله
عنها - أن حبّ علي - رضى الله عنه - سببٌ لمحبة العبد ربه؛ ولذا سنتناوله
في القسم الثاني إن شاء الله.
جـ- محبة فاطمة - رضي الله عنها -: قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن فاطمة منِّي وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها"[23]، وقال: "فاطمة بِضعةٌ منّي فمن أغضبها أغضبني"[24].
ومناسبة حديث "فاطمة بضعة مني" أن عليًّا -
رضى الله عنه - خطب بنت أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام، فاستشار النبيّ
- صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعن حسبِها تسألُنِي"؟ فقال: لا ولكن
أتأمرُنِي بها؟ قال: "لا، فاطمة مضغة مني، ولا أحسب إلا أنّها تحزن أو
تجزع"، فقال علي: لا آتي شيئا تكرهه[25].
فترك عليٌّ الخِطبة وتزوجها عتابُ بن أسيد بن أبي العيص لما تركها علي،
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن يريدَ ابنُ أبي طالبٍ أن يطلق ابنتي
وينكح ابنتهم"[26]
هذا محمولٌ على أن بعض من يبغض عليًّا وَشَى به أنه مصمم على ذلك، وإلا
فلا يُظنّ به أنه يستمر على الخطبة بعد أن استشار النبي - صلى الله عليه
وسلم - فمنعه، وفي "وإني لست أحرّم حلالاً ولا أحلِّل حرامًا، ولكنْ واللهِ
لا تُجمع بنتُ رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدًا"[27]،
قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- حرّم على عليٍّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل لأنه علل بأن ذلك
يؤذيه وأذيته حرامٌ بالاتفاق، ومعنى قوله: "لا أحرم حلالا" أي هي له حلال
لو لم تكن عنده فاطمة، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذِّي النبيِّ - صلى
الله عليه وسلم - لتأذي فاطمة به فلا، وزعم غيرُه أن السياق يشعر بأن ذلك
مباحٌ لعليٍّ لكنه منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - رعاية لخاطر فاطمة،
وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي يظهر لي[28]
أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يُتزوج
على بناته، ويحتمل أن يكون ذلك خاصًّا بفاطمة - عليها السلام -.
قوله "فإنما هي بَضْعةٌ منّي" -بفتح
الموحَّدة وسكون الضاد المعجمة- أي قطعة، وفي رواية "مضغة"، والسبب فيه...
أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدةً بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس
به ممن يخفّف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة. قوله
"يريبني ما أرابها -وفي رواية رابَها- وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها"؛ يعني
أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حقّ زوجها في حال الغضب ما لا يليق
بحالها في الدين، "ويؤذيني ما آذاها" "وينصبني ما أنصبها"، وهو التعب:
"يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها".
ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت
بذلك لم يُمنع علي من التزويج بها أو بغيرها، وفي الحديث تحريم أذى من
يتأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأذيه؛ لأن أذى النبي - صلى الله عليه
وسلم - حرام اتفاقا قليلُه وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل
من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -
بشهادة هذا الخبر الصحيح، ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها[29]،
ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب
الآخرة أشدّ، وفيه حجةٌ لمن يقول بسد الذريعة؛ لأن تزويج ما زاد على
الواحدة حلالٌ للرجال ما لم يجاوز الأربع، ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال
لما يترتب عليه من الضرر في المآل[30].
ومحبّة فاطمة - رضي الله عنها - تعني
تولِّيها والإحسان إليها ومعرفة حقّها ومكانتها من النبي - صلى الله عليه
وسلم -؛ ومن ثم قال أبو بكر لعلي - رضي الله عنهما - لما وجدت فاطمة عليه
لمنعه إيّاها من ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده
لقرابةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أحبّ إليَّ أن أَصِلَ من
قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آلُ فيها عن الخير،
ولم أترك أمرًا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعه فيها إلا
صنعته"[31].
ولم تصرّح الأحاديث بأن محبّة فاطمة - رضي
الله عنها - من أسباب محبته تعالى للعبد؛ لكن يقال في ذلك ما قيل في محبّة
زوجها - رضي الله عنهما - فمحبتهما محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ومحبته - صلى الله عليه وسلم - محبةٌ لله تعالى، ومحبة الله تعالى ورسولِه
من أسباب محبة الله تعالى كما بينا وكما هو معروف.
• فإن
قال قائل: وإذًا محبّة عائشة وأبيها وعمر - رضي الله عنهم -، الذين صرح
النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم أشد من يحبهم، أسبابٌ كذلك لمحبته
تعالى، قلنا: نعم، إن محبّة سائر الصحابة، بل وسائر الصالحين وتولِّيهم، من
أسباب محبته سبحانه العباد، كيف لا وهم أولياؤه وخاصته.. اختصهم بفضله
وأفاض عليهم من محبته؟!
• وإن
قائل قائل: إن أبا بكر وعمر أحبّ إلى رسول الله من عليّ كما في حديث عمرو
بن العاص - رضى الله عنه - لما سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن
أحبّ الناس إليه فقال: عائشة، فلما سأله من الرجال، قال: أبوها، فقال عمرو:
ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب [32]..
قلنا: إن قَدَرَ أن يحبّ أبا بكر فعمر فعثمان فعليًّا فذلك أفضل، وإلا
فالحبّ حبّان: قلبي وعقلي -كما صرّح بذلك بعض شراح حديث عمر "والله لأنت
أحب الناس إليّ يا رسول الله إلا نفسي" الوارد قبل قليل- قالوا: لم يغير
عمر قلبه في الحال؛ لكنه غيّر عقله لما علم أن محبّة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أنفع له عند الله من محبة نفسه، فكذلك نقول: إن محبّة أبي بكر
وعمر أنفع لنا من محبّة علي لأنهما أفضل منه - رضي الله عنهم - جميعًا
وخير له أن يُحشَر مع الأفضل؛ لكنْ إن لم يستطع ذلك بقلبه فعلى الأقل يجب
أن يكون حبًّا عقليّا، ثم يجتهد في المعرفة بهم؛ لأن غالب من أحبّوا
المفضولين قصّروا في المعرفة بالفاضلين، ولو عرفوهم لعرفوا فضلهم ولأحبوهم
إن استلّت من القلوب السخائم.
د- محبّة الحسن والحسين - رضي الله عنهما -:
قال - صلى الله عليه وسلم - فيهما مجموعين - رضي الله عنهما -: "هذان
ابناي، الحسن والحسين، اللهمّ إني أُحبّهما، اللهمّ فأحبّهما وأحبّ من
يُحبّهما"[33]، وقال: "ذروهما بأبي وأمي، من أحبني فليحبّ هذين"[34]، وقال -وقد اعتنق الحسن - رضى الله عنه --: "اللهمَّ إنّي أحبه فأحبّه، وأحبّ من يحبّه"[35]، وقال -في الحسين - رضى الله عنه - وحده-: "حسينٌ منِّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينًا، حسين سبط من الأسباط"[36].
قال المباركفوري، وهو يشرح جامع الترمذي:
"باب مناقب الحسن والحسين - رضي الله
عنهما - كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثيرٍ من المناقب، وكان
مولد الحسن في رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة عند الأكثر وقيل بعد ذلك، ومات
بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها، وكان مولد الحسين في
شعبان سنة أربع في قول الأكثر[37]،
وقُتِل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل
الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيدَ كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج
الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذَّل غالبَ الناس عنه
فتأخّروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مُسْلِمَ بن عقيل وكان الحسين قد قدَّمه
قبله ليبايع له الناس، فجهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قُتل هو وجماعة من
أهل بيته، والقصة مشهورة".
قال:
قوله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".. جمعُ شابّ، وهو من بلغ إلى
ثلاثين.. يعني هما أفضل من مات شابّا في سبيل الله من أصحاب الجنة، ولم
يُرد به سن الشباب؛ لأنهما ماتا وقد كهلا، بل ما يفعله الشباب من المروءة،
كما يقال فلان فتى إن كان شيخًا يشير إلى مروءته وفتوته، أو أنهما سيدا أهل
الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن
واحد وهو الشباب، وليس فيهم شيخ ولا كهل، قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما
الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان".
قال: "هذان ابناي -أي حكمًا وابنا ابنتي
أي حقيقةً- اللهم إني أحبهما".. إلخ، لعل المقصود من إظهار هذا الدعاء حمل
أسامة وغيره على زيادة محبتهما".
قال: "فيشمهما" أي فيحضران فيشمهما ويضمهما إليه أي بالاعتناق والاحتضان.
قال: "إن ابني هذا سيد" فيه أن السيادة لا
تختص بالأفضل؛ بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة، وهو مشتق من السؤدَد
وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي الأشخاص الكثيرة،
"يصلح الله على يديه" وفي رواية البخاري وغيره "لعل الله أن يصلح به بين
فئتين".. زاد البخاري في رواية "عظيمتين" قال العيني: وصفهما بالعظيمتين؛
لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن - رضى الله عنه - وفرقة مع
معاوية، وهذه معجزة عظيمة من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أخبر بهذا
فوقع مثل ما أخبر، وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن
ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة
مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من
رمضان سنة أربعين من الهجرة، وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من
هذه السنة، وأقام الحسن أيّامًا مفكرا في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من
جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر، ورأى النظر في إصلاح المسلمين
وحقن دمائهم أولى من النظر في حقّه، سلّم الخلافة لمعاوية في الخامس من
ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقيل من ربيع الآخر وقيل في غرة جمادى
الأولى، وكانت خلافتُه ستةَ أشهر إلا أياما وسمي هذا العام عامَ الجماعة،
وهذا الذي أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعل الله أن يصلح به بين
فئتين عظيمتين" انتهى.
قال: يريد - صلى الله عليه وسلم - بقوله "ابني هذا" الحسن بن علي بن أبي طالب.
قال: قوله "حسين مني وأنا من حسين" قال
القاضي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - [رأى] بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين
القوم فخصّه بالذكر وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض
والمحاربة، وأكد ذلك بقوله "أحبّ الله من أحبّ حسينًا" فإن محبته محبة
الرسول ومحبّة الرسول محبة الله.. "حسين سِبط -بالكسر- من الأسباط" قال في
"النهاية": أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم
الخليل بمنـزلة القبائل في ولد إسماعيل، وأحدهم سبط فهو واقع على الأمّة
والأمة واقعة عليه، انتهى. وقال القاضي: السبط ولد الولد أي هو من أولاد
أولادي، أكد به البعضية وقررها، ويقال للقبيلة قال تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً
﴾ [الأعراف: 160]؛ أي قبائل، ويحتمل أن يكون المراد هاهنا على معنى أنه
يتشعب منه قبيلة ويكون من نسله خلق كثير فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر
وأبقى، وكان الأمر كذلك.
قال: قوله "لم يكن أحد منهم -أي من أهل
البيت- أشبهَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحسن بن علي" هذا
يعارض رواية ابن سيرين عند البخاري عن أنس قال "أتى عبيد الله بن زياد برأس
الحسين" الحديث، وفيه فقال أنس "كان -أي الحسين- أشبههم برسول الله - صلى
الله عليه وسلم -" قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يكون أنسٌ قال ما وقع في
رواية الزهري يعني رواية الباب في حياة الحسن؛ لأنه يومئذٍ كان أشد شبها
بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أخيه الحسين، وأما ما وقع في رواية ابن
سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه، أو المراد بمن فضل الحسين عليه
في الشبه من عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كلٌّ منهما كان أشد شبها به في بعض
أعضائه، فقد روى الترمذي وابن حبّان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال:
"الحسن كشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الرأس إلى الصدر
والحسين أشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان أسفل من ذلك"[38]،
ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه
"وكان أشبههم وجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -" وهو يؤيد حديث عليّ هذا،
انتهى[39].
ه- حب آل البيت - رضي الله عنهم - بين المغالاة والمجافاة:
قد يكون الحديث في هذا الأمر في هذا الوقت خاصةً مطلوبًا أكثر من أوقات
مضت أو تأتي؛ ذلك أن حب آل البيت -رضوان الله عليهم جميعًا- يطفو على السطح
هذه الأيام؛ التي يكثر فيها الكلام عن الشيعة ومعهم وسماعهم، والشيعة
يُكثِرون من الدوران حول هذه الجزئية؛ بل يكادون يقيمون دينَهم عليها، في
حين يفسدون ويغفلون أشياء أخرى أهم، فوجب علينا تبيِّينُ وجه الصواب في هذه
المسألة؛ أي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه القضية.
وإذًا فآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم
- هم الذين حرّمت عليهم الصدقة، وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس
وبنو الحارث بن عبد المطلب وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته -
رضي الله عنهم - جميعًا هذا ما اتفق عليه أهل العلم من أهل السنة والجماعة،
ولا يجوز لأحد أن يزيد عليهم ولا أن ينقص منهم.. قال الإمام ابن كثير
-رحمه الله تعالى-: "ثم الذي لا شك فيه من تدبّر القرآن أن نساء النبي -
صلى الله عليه وسلم - داخلات في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب: 33]؛ فإنّ سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحِكْمَةِ
﴾ [الأحزاب: 34]؛ أي واعملن بما يُنـزِل الله تبارك وتعالى على رسوله -
صلى الله عليه وسلم - في بيوتكن من الكتاب والسنة، قاله قتادة وغير واحد،
واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس أن الوحي ينـزل في بيوتكن
دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - أولاهن بهذه
النعمة وأحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة؛ فإنه لم ينـزل
على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص
على ذلك -صلوات الله وسلامه عليه- قال بعض العلماء -رحمه الله تعالى-: لأنه
لم يتزوج بكرًا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه - صلى الله عليه
وسلم - ورضي الله عنها، فناسب أن تخصص بهذه المزيّة وأن تفرد بهذه المرتبة
العليا؛ ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية"[40].
والشيعة يُقصرون أهليّة البيت على عليٍّ وبنيه، فيقعون في مخالفاتٍ منها:
1- إخراج نساء النبي من آل البيت ويسبون عائشة - رضي الله عنها -.
2- إخراج آل العباس ويحملون على العباسيين، ويعتبرون ألا حق لهم في الخلافة التي أقاموها ببغداد.
3- تقديم آل علي على سائر الصحابة ويشتمون الصحابة، وأبا بكر وعمر، وهما أفضل من علي ومن آل بيته.
أما أهل السنة والجماعة فيحبون أهل بيت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - حيث قال يوم غدير خم[41]: "أذكركم الله في أهل بيتي"[42].
فأهل السنة يحبونهم ويكرمونهم لأن ذلك من محبة النبي - صلى الله عليه وسلم
- وإكرامه، وذلك شرط أن يكونوا متبعين للسنة مستقيمين على الملة. كما كان
سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وبنيه، أما من خالف السنة ولم يستقم على الدين
فلا تجوز موالاته ولو كان من أهل البيت.
فموقف أهل السنة والجماعة من أهل البيت
موقف العدل والإنصاف، يتولون أهل الدين والاستقامة منهم. ويتبرؤون ممن خالف
السنة وانحرف عن الدين ولو كان من أهل البيت؛ فإن كونه من أهل البيت ومن
قرابة الرسول لا تنفعه شيئا حتى يستقيم على دين الله؛ فقد روى أبو هريرة -
رضى الله عنه - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل عليه ﴿
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾
[الشعراء: 214]، فقال: "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا
أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بنَ عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا،
يا صفية عمةَ رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنتَ محمدٍ
سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا"[43]، والحديث "من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه"[44].
ويتبرأ أهل السنة من طريقة الراوافض الذين
يغلون في بعض أهل البيت ويدَّعون لهم العصمة، ومن طريقة النواصب الذين
ينصبون العداوة لأهل البيت المستقيمين ويطعنون فيهم، ومن طريقة المبتدعة
والخرافيين الذين يتوسلون بأهل البيت ويتخذونهم أربابا من دون الله.
فأهل السنة في هذا الباب وغيره على النهج
المعتدل والصراط المستقيم، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا جفاء ولا غلو
في حق أهل البيت وغيرهم. وأهل البيت المستقيمون ينكرون الغلو فيهم ويتبرؤون
من الغلاة، فقد حرق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضى الله عنه -
الغلاة الذين غلوا فيه بالنار، وأقره ابن عباس - رضى الله عنه - على قتلهم
لكن يرى قتلهم بالسيف بدلا من التحريق، وطلب علي - رضى الله عنه - عبد الله
بن سبأ رأس الغلاة ليقتله لكنه هرب واختفى[45].
هذا، وقد
قدمنا اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كسبب لحب الله تعالى عباده،
قبل الإحسان والتقوى والخلق الإسلاميّ لأنه لا يصح إحسان ولا تقوى ولا
غيرهما من أسباب حب الله للعبد إلا بعد صحة اتباع النبي - صلى الله عليه
وسلم -، وذلك لأن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإسلام والإيمان
اللذان لا يصح دين غيرهما؛ فلا يمكن للمشرك ولا للذمي ولا للمرتد إحسان ولا
تقوى ولا إقساط، ولا أي نوع من أنواع الخير والبر؛ بل لا يقبل منه أصلا،
وإنما عمله هذا مهما زاد فهو هباء منثور ومحبط بإذن الله. فعلمنا أن اتباع
النبي - صلى الله عليه وسلم - هو شرط حب الله تعالى عباده الذي لا يتحصل
إلا به، وأما ما عداه من إحسانٍ وغيره فهي مكملات تزيد في هذا الحب الذي
يوجد إن شاء الله بمتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. كذلك فإن محبة
النبي - صلى الله عليه وسلم - باب في اتباعه؛ فالله تعالى لم يشترط طاعته
فقط بل ومحبته أيضًا.. فقد اشترط الشرع الحنيف طاعة المحبة لا طاعة الإجبار
والبغضاء.
خلاصة هذا السبب:
1- وجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدين كله، وأن ذلك أول أسباب محبة الله تعالى المسلمين؛ بل لا يصح سبب إلا من بعده.
2- محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فاتباعه ليس اتباع مكرَهٍ أو كارِه، وإنما اتباع محبٍّ مقبِل.
3- محبة أهل بيته -رضوان الله عليهم جميعا- وخاصة من وردت فيهم الأحاديث ممن سبق ذكرهم.
[1] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الإيمان [ح14]، ومسلم في الإيمان [ح44] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري [ح16]، ومسلم في الإيمان [ح43] من حديث أنس رضي الله عنه.
[3] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري [ح15]، ومسلم في الإيمان [ح43] من حديث أنس رضي الله عنه.
[4] أخرجه مسلم في الإيمان [ح44]، والنسائي [5014] عن أنس رضي الله عنه.
[5] [صحيح] أخرجه النسائي في الإيمان [ح14] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه البخاري في الأيمان والنذور [ح 6632 ]، و"التي بين جنبيك" من حديث عبد الله بن هشام رضي الله عنه.
[7] انظر: الشيخ سعيد حوى "الرسول مشتاق إليك" نشر على شبكة المعلومات موقع "مون 15".
[8] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في فضائل الصحابة [ح3688]، ومسلم في البر والصلة والآداب [ح2639] من حديث أنس رضي الله عنه.
[9] [صحيح] سبق تخريجه قريبًا.
[10] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة [ح2424]، والطبري في "تفسيره" [20/263] من حديث صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها.
[11] [إسناده صحيح]
أخرجه الطبري في "التفسير" [20/264]: حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال:
ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثني شداد أبو عمار قال: سمعت
واثلة بن الأسقع يحدث، قال: سألت عن علي بن أبي طالب. وصححه ابن حبان
[15/432]. وعزاه السيوطي لابن أبي شيبه وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن واثلة بن الأسقع
رضي الله عنه.
[12] انظر: "تفسير الطبري" [ج19 ص101-107] مختصرا.
[13] [حسن غريب]
أخرجه الترمذي في المناقب [ح3786] حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا
زيد بن الحسن هو الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله
قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته يوم عرفة وهو على
ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن
أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
• قال الترمذي: وفي الباب عن
أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد. قال: وهذا حديث حسن غريب من
هذا الوجه. قال: وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من
أهل العلم.
[14] انظر: "تحفة الأحوذي" [ج10 ص186-187] مختصرا.
[15] [صحيح] أخرجه
الحاكم في "المستدرك" [3/141 ح4648] عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال: قال
رجل لسلمان ثم: ما أشد حبك لعلي! قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني"، قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". قال المناوي -في "فيض
القدير" [ج6 ص33]-: "قال الحاكم على شرطهما تركها الذهبي، ورواه أحمد
باللفظ المزبور عن أم سلمة وسنده حسن". صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"
حديث رقم [1299].
• وأخرجه
الطبراني في "الكبير" [23/380 ح901] عن أبي الطفيل قال: سمعت أم سلمة
مرفوعًا: "من أحب عليّا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض
عليّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله".
• والبزار
في "مسنده" [9/323 ح3874] عن أبي رافع - رضى الله عنه - مرفوعًا: "من
أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني
فقد أحب الله".
• وابن
عدي في "الكامل" [4/349 ح1182] في ترجمة "عبادة بن زياد الكوفي، وقيل
عبادة بن زياد الأسدي" عن يعلى بن مرة الثقفي مرفوعًا قال: "من أطاع عليّا
فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أحب
عليّا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن
أبغضني فقد أبغض الله.. لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق".
قال ابن عدي: "عبادة بن زياد هو من أهل الكوفة من الغالين في الشيعة، وله
أحاديث مناكير في الفضائل".
[16] [حسن] سبق تخريجه في الذي قبله.
[17]
أخرجه مسلم في الإيمان [ح78]، والترمذي في المناقب [ح3736]، والنسائي في
الإيمان وشرائعه [ح5022]، وابن ماجه في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم
[ح114] من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[18] انظر: "فيض القدير" [ج6 ص32].
[19]
أخرجه الطبراني في "الأوسط" [[2/328 ح2125] حدثنا أحمد بن زهير قال نا
إسماعيل بن أبي الحارث قال نا محمد بن القاسم الأسدي قال نا زهير بن معاوية
عن أبي الزبير عن جابر - رضى الله عنه - فذكره.
• قال الطبراني - رضى الله عنه -: "لم يرو هذا الحديث عن زهير إلا محمد بن القاسم".
• وأخرجه
الترمذي [ح3717] حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي هارون عن أبي
سعيد الخدري قال: "إنا كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي
بن أبي طالب".
• قال
أبو عيسى: "هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي هارون، وقد تكلم شعبة
في أبي هارون، وقد روي هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد". قال في
"تحفة الأحوذي": [وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي أَبِي هَارُونَ
الْعَبْدِيِّ] قَالَ الْحَافِظُ: اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ
مَتْرُوكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ شِيعِيٌّ. اه.
[20] انظر: "الاستذكار" [ج8 ص446].
[21] يعني قوله: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر"، وقول علي: "أن لا يحبنى إلا مؤمن ولا يبغضنى إلا منافق".
[22] انظر: "شرح النووي على مسلم" [ج2 ص64] مختصرا.
[23] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في فرض الخمس [ح3110]، ومسلم في فضائل الصحابة [ح2449] من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
[24] [متفَقٌ عليه]
أخرجه البخاري في المناقب [ح3714]، ومسلم في فضائل الصحابة [ح2449] من
حديث المسور بن مخرمة - رضى الله عنه - بلفظ: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها
أغضبني".
[25] [صحيح]
أخرجه الحاكم في المستدرك [3/173 ح4749] أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا
عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أخبرني
أبي عن الشعبي عن سويد بن غفلة. فذكره. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة". وقال الحافظ -في "الفتح" [ج9
ص328]-: "سنده صحيح".
[26] أخرجه البخاري في النكاح [ح5230] من حديث المسور بن مخرمة - رضى الله عنه - بهذا اللفظ.
[27] أخرجه البخاري في فرض الخمس [ح3110] من حديث المسور بن مخرمة - رضى الله عنه - بهذا اللفظ.
[28] المتكلم هو الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-.
[29] يعني الحسين - رضى الله عنه - في كربلاء.
[30] انظر: "فتح الباري" [ج9 ص328-327] باختصار وتصرف.
[31] أخرجه مسلم في الجهاد والسير [ح1759] من حديث عائشة رضي الله عنها، والحديث طويل.
[32]
رواه البخاري في فضائل الصحابة، باب/ قول النبي لو كنت متخذا خليلا
[ح3462]، وفي المغازي، باب/ غزوة ذات السلاسل وهي غزوة لخم وجذام [ح4100]
من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
[33] [حسن غريب]
أخرجه الترمذي في المناقب [ح3769] حدثنا سفيان بن وكيع وعبد بن حميد قالا
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن أبي بكر بن
زيد بن المهاجر أخبرني مسلم بن أبي سهل النبال أخبرني الحسن بن أسامة بن
زيد أخبرني أبي أسامة بن زيد. فذكر الحديث.
• قال الترمذي: "حديث حسن غريب".
• [قلت] : والحديث أصله في البخاري في المناقب [ح3736] من حديث أبي عثمان عن أسامة بن زيد. وليس فيه ذكر الحسين.
• [قلت] : والحديث أصله في البخاري في المناقب [ح3736] من حديث أبي عثمان عن أسامة بن زيد. وليس فيه ذكر الحسين.
[34] [إسناده جيد]
أخرجه ابن خزيمة [2/48 ح887] وابن حبان [15/426 ح6970 و3237]، والطبراني
في "الكبير" [3/40-2644]، وأبو نعيم في "الحلية" [8/305] عن عاصم عن زر عن
عبد الله. فذكره. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [9/179]: "رواه أبو يعلى
والبزار، وقال: فإذا قضى الصلاة ضمهما إليه، والطبراني باختصار، ورجال أبي
يعلى ثقات، وفي بعضهم خلاف"، وفي رواية أخرى: "رواه البزار وإسناده جيد".
وذكر الدارقطني في العلل [5/64 مسألة: 709] أنه يشبه أن يكون من عاصم يصله
مرة ويرسله أخرى.
[35] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في اللباس [ح 3736]، ومسلم في فضائل الصحابة [ح2421] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[36] [حسن]
أخرجه الترمذي في المناقب [ح3775]، وابن ماجه في المقدمة [ح144]، وأحمد
[ح17111] من حديث يعلى بن مرة رضي الله عنه. قال الترمذي: "حديث حسن". قال
البوصيري -في "مصباح الزجاجة"-: "هذا إسناد حسن رجاله ثقات".
[37] شكك البعض في كونهما صحابيين، والذي نحن عليه أنهما وعبد الله بن الزبير وأضرابهم صحابة.
[38]
أخرجه الترمذي [ح3779]، وأحمد [1/99 و108]، وابن حبان في صحيحه [15/430
ح6974]، والضياء في "المختارة" [2/394] من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
هانئ بن هانئ، عن علي - رضى الله عنه - مرفوعًا، به. قال الترمذي: "حديث
حسن صحيح غريب".
[39] انظر: "تحفة الأحوذي" [ج10 ص178-186] مختصرا.
[40] انظر: "تفسير ابن كثير" [ج3 ص636]، وراجع : "كتاب التوحيد" للفوزان [ص85-86].
[41] هو اسم موضع.
[42] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة [ح2408] من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
[43] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الوصايا [ح2753]، ومسلم في الإيمان [ح206] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[44] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء [ح2699]، وأبو داود [3643]، والترمذي [2945]، وابن ماجه [225] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[45] انظر: "كتاب التوحيد" للفوزان [ص86-87].
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).