المحبة المتبادلة بين آل البيت وكبار الصحابة
العلاقة بين الصحابة وآل البيت أشهر من أن تعرف فهي علاقة مودة ومحبة وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلّم وهي واضحة وبينة لمن صح إسلامه وصلح قلبه. ومرادي من كبار الصحابة في هذا المطلب الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلاقاتهم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم وذلك في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:فيما ورد عن أبي بكر وعمر في آل البيت رضي الله عن الجميع.
روى البخاري بإسناده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : (أرقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته (1).
فالصديق رضي الله عنه كما تقدم في الحقوق الواجبة لآل البيت يوصي الناس في حفظ حقوق آل البيت من المراعاة والاحترام والإكرام لهم وقد حقق رضي الله عنه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أهل بيته.
فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : لعلي رضي الله عنه (و الذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحب إلي أن أصل من قرابتي (2).
وقد شهد الفاروق رضي الله عنه لعلي بن أبي طالب بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم التحق بالرفيق الأعلى وهو عنه راض كما شهد له بحل المعضلات والبراعة في القضاء .
فقد جاء في صحيح البخاري أنه لما قيل له رضي الله عنه أوصي يا أمير المؤمنين : استخلف قال ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط – الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعداً
وعبد الرحمن (3).
وروى ابن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن المسيب (4) قال : (كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن(5).
وروى أنه قيل لعمر رضي الله عنه: (إنك تصنع بعلي يعني من الإكرام شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه مولاي(6).
وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يحب ويجل الحسن والحسين ويمازحهما فقد روى البخاري بسنده إلى عقبة بن الحارث قال : رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول : (بأبي شبيه بالنبي ، ليس شبيهاً بعلي وعلي يضحك) (7).
وقال الحافظ ابن كثير : (وقد كان الصديق يجله – أي الحسن – ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه وكذلك عمر ابن الخطاب(8) وذلك أنه لما وضع الديوان بدأ بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لبيان فضلهم وعلو منزلتهم) .
فقد روى الذهبي : (أن عمر لما دون الديوان ، الحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما ، لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرض لكل منهما خمسة آلاف درهم) (9).
ومن المحبة التي كان يكنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يدخله في مجلس كبار الصحابة من مشيخة بدر رضي الله عنهم وقد كان لهم أبناء في سنه ولم يحظ بهذا التكريم سواه وفي هذا بيان لفضيلته ومكانته العلمية لدى الفاروق رضي الله عنهم أجمعين فقد روى البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}؟ حتى ختم السورة فقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن العباس أ كذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله، والفتح مكة فذاك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان تواباً، قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم) (10).
قال الحافظ ابن حجر : و أخرج البغوي (11) في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم (12)عن ابن عمر قال : كان عمر يدعو ابن عباس ويقربه ويقول : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وقال : « اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل» (13).
ففعل عمر رضي الله عنه هذا تقريرا لجلالة قدر ابن عباس وبيان كبير منزلته في العلم والفهم وقد ذكر الحافظ ابن كثير أن عمر رضي الله عنه كان يقول : نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس ، وكان يقول إذا أقبل: (جاء فتى الكهول ، وذو اللسان السئول والقلب العقول) (14).
وقد بين الفاروق رضي الله عنه للأمة عامة فضل العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدى احترامه وتواضعه ومعرفته لحقه ، وذلك عندما استسقى به كما تقدم .
بل قد أقسم رضي الله عنه للعباس: (أن إسلامه أحب إليه من إسلام أبيه لو أسلم لأن إسلام العباس أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (15).
ومما يؤكد تلك المحبة والمودة ما حصل بينهم رضي الله عنهم من مصاهرة ورحم فقد كانت العلاقة بين بيت النبوة وبيت الصديق وعمر رضي الله عنهم وثيقة لا يتصور معها التباعد والاختلاف فالصديقة عائشة بنت الصديق أبي بكر كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي أحب نسائه إليه كما كان أبوها رضي الله عنه أحب الرجال إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما كانت حفصة بنت عمر رضي الله عنها زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين .
فهذه منزلة آل البيت عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولننظر في منزلتهما عند آل البيت ومدى احترامهم وتقديرهم لهم وذلك في المسألة التالية.
ـــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري مع الفتح ك فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/78) حديث (713)
(2) صحيح البخاري مع فتح الباري ك فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم (7/78) حديث (3712) صحيح مسلم مع شرح النووي ك
الجهاد والسير باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا نورث ما تركناه صدقة» (12/322) حديث (1759)
(3) صحيح البخاري مع الفتح ك فضائل الصحابة باب قصة البيعة و الاتفاق على عثمان رضي الله عنه (7/61) حديث (3700).
(4)هو:
سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب ، القرشي ، المخزومي ، أحد العلماء
الاثبات الفقهاء الكبار ، قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما
منه مات ما بعد التسعين. انظر التقريب(241).
(5)الاستيعاب على حاشية الإصابة (3/93).
(6)الرياض النضرة (3/128) وفيض القدير (6/218) وجواهر العقدين (1/97-98).
(7)صحيح البخاري مع فتح الباري ك فضائل الصحابة باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما (7/95) حديث (3750)
(8)البداية والنهاية (8/38).
(9)سير أعلام النبلاء (3/259) وانظر المصدر السابق (8/38).
(10)صحيح البخاري مع الفتح ك المغازي (8/21) حديث (4294).
(11)هو: عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ابن المرزبان ، أبو القاسم البغوي
، كان محدثا حافظا مجودا مصنفا وولد ببغداد سنة 213 هـ ومات فيه سنة
317هـ. انظر العبر للذهبي (1/476) والأعلام (4/119).
(12)هو: زيد بن أسلم العدوي مولى عمر ، أبو عبد الله ، المدني ثقة عالم وكان يرسل مات سنة ست وثلاثين ومائة. انظر التقريب (22).
(13)فتح الباري (1/170).
(14)البداية والنهاية (8/303).
(15)انظر الصواعق لابن حجر الهيتمي (355) وتفسير ابن كثير (7/190).
المصدر: موقع آل البيت
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).