الأحواز
تلك المنطقة المتاخمة للخليج العربي من الجهة الشرقية والواقعة ضمن حدود
الدولة الإيرانية، ويتعامل معها الإعلام ـ على الرغم من محدوديته ـ على
أنها القومية العربية داخل إيران وأحيانًا على أنها الأقلية السنية، وهم
وإن كان معظمهم من السنة إلا أنهم ليسوا كل السنة في إيران.
ويغيب
إلى حد بعيد التعامل مع هذا الملف من بعد سني خالص بل يغلب عليه البعد
القومي. فالسنة في إيران ليسوا هم الأحوازيين فقط، ومعظم الأقليات سواء
القومية أو الدينية في إيران واقعة تحت المظلومية، وكلها يمارس عليها
الإرهاب الفارسي.
وأنا
هنا أردت أن أشير إلى ضعف معرفتنا بواقع السنة في إيران اللهم من شذرات
قليلة عن الأقلية الأحوازية ربما لأن أصولهم عربية، أما بقية أهل السنة فلا
يكاد أحد يسمع عنهم شيئًا. ليس ضعف المعرفة وفقط بل وغياب رؤية أو
استراتيجية واحدة لدعمهم والعمل على التنسيق بينهم.
الأقليات السنية في إيران:
يقدر
عدد سكان إيران عام 2012 بـ (78) مليون نسمة، وتتكون الجمهورية الإيرانية
من عدة أعراق، وتختلف الإحصاءات التي تقدر كل عرق حسب قربها من الحكومة
وبعدها عنها، وآخر الإحصائيات الرسمية تقدر السكان حسب النسب التالية:
الفرس 50%، الآذريون الترك 23%، الأكراد 11%، العرب 5%، البلوش 3%،
التركمان 3%.
أما
بشأن السنة فالمعلومات تتضارب بشأن الحجم الحقيقي لهم في إيران:
فالإحصاءات الشبه الرسمية لحكومة إيران تقول: إنهم يشكلون 10% من السكان،
إلا أن بعض مصادر السنة تؤكد أنهم يشكلون 30%، وهو يوافق - كما يقولون-
الإحصائية القديمة التي أجريت أثناء حكم الشاه. ومصادر مستقلة تقول: إن
السنة يشكلون من 15 إلى 20% من سكان إيران، وإذا اعتمدنا النسبة الأخيرة
يكون عدد أهل السنة يقارب 16 مليونًا مقسمة على الأقليات المختلفة الموجودة
في إيران ونادرًا ما تجد سنيًّا من القومية الفارسية.
يعيش
أهل السنة في إيران كمواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة بنص الدستور
الإيراني الذي يقول في المادة (12) أن "المذهب الجعفري الاثنى عشري يبقى
إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير". فالاثنا عشرية الدرجة
الأولى كمواطنين، ثم الدرجة الثانية تأتي في المادة (13) من الدستور
الإيراني والتي تنص على أن الإيرانيين الزرادشت "المجوس" واليهود
والمسيحيين هم وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها وتتمتع بالحرية في أداء
شعائرها، إذًا لا وجود للأقلية السنية ولا حديث عنها، فعباد النار أقلية
معترف بها، لهم الحق في إقامة معابدهم وممارسة حريتها الدينية أما أهل
السنة فلا!!
لقد تم التضييق على أهل السنة في إيران وانتهكت كافة حقوقهم الدينية والسياسية ومن ذلك:
أولًا:
منع أئمة وعلماء أهل السنة من إلقاء الدروس والخطب في المدارس والمساجد
والجامعات ولا سيما إلقاء الدروس العقائدية، وإذا حدث فيجب أن يكون بأمر من
"وزارة الإرشاد الإسلامي" وتحت مراقبة وزارة الأمن والاستخبارات ويجب أن
لا يخرج الإمام عن الحدود المقررة له وإذا خرج فيتهمونه بالوهابيّة! أو ما
شابه ذلك، بينما لأئمتهم ودعاتهم الحرية المطلقة في بيان مذهبهم بل التعدي
على عقيدة أهل السنة وسب الصحابة الكرام.
ثانيًا:
حرمان أهل السنة من بناء المساجد والمراكز والمدارس في المناطق ذات
الأكثرية الشيعية. فمثلًا: يعيش في طهران حوالي مليون شخص من أهل السنة
ولكن ليس لديهم أي مسجد أو مركز يصلون أو يجتمعون فيه، بينما توجد كنائس
للنصارى واليهود ومعابد للمجوس. كل ذلك تحت ذريعة الحفاظ على وحدة المسلمين
“السنة والشيعة” وتجنب التفرقة بينهم، في حين للشيعة مساجد وحسينيات
ومراكز في المناطق ذات الأكثرية السنية. ويجب أن نشير إلى أن هناك مدنًا
أخرى كبيرة ليس فيها أي مسجد لأهل السنة مثل مدن: أصفهان، يزد، شيراز،
ساوة، كرمان....إلخ.
ثالثًا:
قتل واغتيال واعتقال وسجن عدد كبير جدًّا من الشيوخ الأفاضل والعلماء
البارزين وطلبة العلم والشباب المخلصين الملتزمين دون أي ذنب أو ارتكاب أية
جريمة، فقط لأنهم من أهل السنة متمسكون بعقيدتهم الإسلامية ويدافعون عن
الحق ويطالبون بحقوقهم الشرعية من مختلف المناطق الكردية والأحوازية
والبلوشية. منهم: المشايخ عبد الله قهستاني، عبدالعزيز سليمي، أحمد رحيمي،
ابراهيم دامني... إلخ.
رابعًا:
لم ينّصب سني واحد فيما يسمى بمجلس صيانة الدستور الذي يتكون من ستة
حقوقيين وستة مجتهدين مهمتهم المصادقة على القوانين التي يقرها البرلمان.
كما يخلو مجلس الخبراء الذي يتولى مهام تنصيب وعزل مرشد الثورة من سني
واحد. ولا يوجد من بين ممثلي مرشد الثورة في المحافظات والأقاليم سني واحد
حتى في المناطق ذات الأغلبية السنية فإن ممثلي المرشد من رجال الدين الشيعة.
وإزاء
تلك الهجمة الشرسة على أهل السنة والذين يتوزعون على عدد من الأقليات
الإيرانية إلا أنك لا تجد أي مؤشر على تقارب سني سني، فلكل أقلية تياراتها
وتنظيماتها التي خرجت لمواجهة الصلف الصفوي، وتفتقد معظم تلك التنظيمات إلى
أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق بينها، مع إن قضيتهم واحدة ومظلموميتهم
واحدة وعدوهم واحد، ولعلك تجد في المقابل مدى التعاون بين الأذرع الشيعة في
الوطن العربي -حزب الله والحوثيين على سبيل المثال-، فالعرق السني البلوشي
في إيران يعمل من خلال عدد من التنظيمات مثل جماعة جند الله وجيش العدل.
وفي الأحواز لدينا حركة الأحواز الإسلامية،... وغيرها، كل تلك الحركات تعمل
بشكل منعزل.
كما
يفتقد أهل السنة في إيران إلى وجود أي نظام سياسي في الإطار الإقليمي أو
الدولي يدافع عن حقوقهم أو يتبنى قضيتهم سياسيًّا أو إعلاميًّا.
في
المقابل، يعد الشيعة العرب في معظم بلدان الخليج قنابل موقوتة وأداة للضغط
والابتزاز السياسي، بينما يبقى السنة داخل إيران على قوتهم وكثرتهم
أيتامًا على مائدة اللئام لا أحد يهتم بقضيتهم ولا يوجد من يرثي قتالهم أو
يبرز الانتهاكات والظلم الذي يقع عليهم، وما ذلك إلا لغياب مشروع سني موحد
في مواجهة المشروع الشيعي الصفوي الذي مد أذرعه في كل بقاع المنطقة، وهو
يبني مشروعه على أساس متماسك.
وإن كان هناك دافعًا للحديث في ذلك الإطار فهما عاملان:
أولهما:
عاصفة الحزم التي وصفت بأنها هبة عسكرية وصفت بأنها جاءت متأخرة للوقوف
أمام الأطماع الإيرانية التي تلتهم المنطقة ومحاولة إيقاف عجلة تقدمها.
فنرجو ألا تكون مجرد حملة عسكرية بل تنحو تجاه وضع استراتيجية مواجهة شاملة
بكل مرتكزاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية ولها أبعادها الاستراتيجية
الممتدة مستغلة كل أدواتها في ذلك الصراع المصيري.
ثانيهما:
هو المظاهرات الكردية في حادثة مقتل الفتاة التي فرت من محاولة اغتصابها،
فالبيئة الداخلية الإيرانية مهيأة وبها حالة احتقان كبيرة، والسنة لهم
قضيتهم ومظلوميتهم. ويمكن استغلالها بشكل يسير، واللحظة السياسية مواتية
وهناك فرصة كبيرة للانتقال من موقع الدافع إلى موقع الهجوم لتحسين ميزان
القوى بين جميع الأطراف.
وتبقى
قضية نصرة إخواننا السنة ودعمهم ومحاولة التوحيد بين تنظيماتهم واجبًا
شرعيًّا قبل أن تكون ضرورة سياسية. وموقفًا إنسانيًّا لدعم المظلومين قبل
أن يكون رد فعل سياسي مؤقت.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).