0

اعتقاد الشيعة في السنة (1)

اعتبر الإمام عبد القاهر البغدادي الشيعة من المنكرين للسنة لرفضهم قبول مرويات صحابة رسول الهدى - عليه الصلاة والسلام (انظر: الفرق بين الفرق ص: 322، 327، 346)_ على حين نجد أن السيوطي يشير في كتابه (الاحتجاج بالسنة) إلى ظهور دعوة شاذة في عصره تدعو إلى نبذ السنة، والإعراض عن الاحتجاج بها والاكتفاء بالقرآن، ويذكر أن مصدر هذه الدعوة رجل رافضي، وقد كتب كتابه المذكور لنقض هذا الاتجاه وإبطاله.

إذاً فالشيعة تحارب السنة، ولهذا فإن أهل السنة اختصوا بهذا الاسم لاتباعهم سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم (المنتقى ص 189، منهاج السنة: 2/175).

هذا ما جاء في بعض مصادر أهل السنة؛ ولكن الشيعة تروي عن أئمتها (أن كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) (البهبودي/ صحيح الكافي: 1/11). وبهذا المعنى روايات أخر (انظر: أصول الكافي مع شرحه، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب 2/417، وصحيح الكافي: 1/11) عندهم. وهو يفيد أن الشيعة لا تنكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل تعتمد عليها، وتجعلها مع كتاب الله الميزان والحكم.

غير أن الدارس لنصوص الشيعة ورواياتها قد ينتهي إلى الحكم بأن الشيعة تقول بالسنة ظاهراً وتنكرها باطناً؛ إذ إن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاهاً مجانفاً للسنة التي يعرفها المسلمون، في الفهم والتطبيق، وفي الأسانيد، والمتون، ويتبين ذلك فيما يلي:

قول الإمام كقول الله ورسوله:

فالسنة عندهم هي: (كل ما يصدر عن المعصوم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ) (محمد تقي الحكيم/ الأصول العامة للفقه المقارن ص: 122)، ومن لا يعرف طبيعة مذهبهم لا يلمح مدى مجانبتهم للسنة في هذا القول؛ إذ إن المعصوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الشيعة تعطي صفة العصمة لآخرين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجعل كلامهم مثل كلام الله وكلام رسوله، وهم الأئمة الاثنا عشر، لا فرق عندهم في هذا بين هؤلاء الاثني عشر وبين من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

فهم (ليسوا من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه، ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية؛ بل لأنهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي) (المظفر/ أصول الفقه المقارن: 3/51، وانظر: السالوس/ أثر الإمامة ص274).

ولا فرق في كلام هؤلاء الاثني عشر بين سن الطفولة، وسن النضج العقلي؛ إذ إنهم - في نظرهم - لا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طوال حياتهم - كما سيأتي في مسألة العصمة -، ولهاذ قال أحد شيوخهم المعاصرين: (إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة) (عبد الله فياض/ تاريخ الإمامية ص: 140)، ذلك إن الإمامة عندهم (استمرار للنبوة) (محمد رضا المظفر/ عقائد الإمامية ص: 166)، وأن الأئمة كالرسل (قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وإنهم لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه) (ابن بابويه/ الاعتقادات ص: 106).

وقد جاء في الكافي ما يعدونه حجة لهم في هذا المذهب وهو قول أبي عبد الله - كما يزعم صاحب الكافي - (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث رسول الله قول الله عز وجل) (أصول الكافي، كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث: 1/53 ، وسائل الشيعة: 18/58).

وذكر شارح الكافي أن هذا القول يدل على (أن حديث كل واحد من الأئمة الظاهرين قول الله عز وجل، ولا اختلاف في أقوالهم كما لا اختلاف في قوله تعالى) (المازندراني/ شرح جامع (على الكافي) 2/272).

بل قال: (يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله - رضي الله عنه - أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى) (المازندراني/ شرح جامع (على الكافي) 2/272)، وهذا صريح في جواز نسبة أقوال البشر إلى الله سبحانه. ثم ذكر أن بعض رواياتهم تدل على جواز ذلك بل أولويته (المازندراني/ شرح جامع (على الكافي) 2/272)، كما جاء في الكافي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله - رضي الله عنه -: الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه عن أبيك أرويه عنك؟ قال: سواء، إلا أنك ترويه عن أبي أحب إليّ. وقال أبو عبد الله - رضي الله عنه - لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبي) (أصول الكافي (مع شرح جامع): 2/259).

هذه الروايات صريحة في استساغتهم الكذب البواح الصراح حيث ينسبون – مثلاً - لأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ما لم يقله، بل قاله بعض أحفاده ممن لم يشتهر عنه العلم، وحتى ما ينسب لمنتظره من أقوال يجوز نسبتها إلى أمير المؤمنين علي؛ بل النسبة إلى الأعلى أولى كما يدل عليه صريح الرواية السابقة، وقد أخذ من ذلك شارح الكافي أولوية نسبة أقوال الأئمة إلى الله عز وجل، وهذا في غاية الجرأة على الله عز وجل، فالسنة عندهم ليست سنة النبي فحسب؛ بل سنة الأئمة، وأقوال هؤلاء الأئمة كأقوال الله ورسوله، ولهذا اعترفوا بأن هذا مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة، قالوا: (وألحق الشيعة الإمامية كل ما يصدر عن أئمتهم الاثني عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة) (محمد تقي الحكيم/ سنة أهل البيت ص: 9).

وهم يقولون بهذا القول من منطلقين خطيرين، وقاعدتين أساسيتين عندهم في هذه المسألة. وقد أشار أحد شيوخهم المعاصرين إليهما حينما ذكر أن قول الإمام عندهم يجري مجرى قول النبي، من كونه حجة على العباد واجب الاتباع، وأنهم لا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي.

فبين أن ذلك يتحقق لهم من طريقين (من طريق الإلهام كالنبي من طريق الوحي، أو من طريق التلقي عن المعصوم قبله كما قال مولانا أمير المؤمنين - عليه السلام -: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب) (محمد رضا المظفر/ أصول الفقه: 3/51)، فعلم الأئمة نوعان: علم حادث وهذا يتحقق عن طريق الإلهام وغيره، وعلم مستودع عندهم ورثوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والكل يعتبر من السنة.

وفيما يلي توضيح لهذين الأصلين الخطيرين عند الشيعة:

الأصل الأول: علم الأئمة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي:

علم الأئمة يتحقق - في نظرهم - عن طريق الإلهام، وحقيقته كما قال صاحب الكافي في روايته عن أئمته: (النكت في القلوب) (أصول الكافي: 1/264)، وفي لفظ آخر له: (فقذف في القلوب) وصرح أن ذلك هو الإلهام حيث قال: (وأما النكت في القلوب فإلهام) (أصول الكافي: 1/264)، أي أن العلم ينقدح في قلب الإمام فيلهم القول الذي لا يتصور فيه الخطأ لأن الإمام معصوم.

والإلهام ليس هو الوسيلة الوحيدة في هذا، كما حاول أن يلطف من الأمر ذلك الشيعي المعاصر الذي نقلنا كلامه آنفاً، بل صرح صاحب الكافي في أن هناك طرقاً أخرى غيره، حيث ذكر في بعض رواياته أن من وجوه علوم الأئمة (النقر في الأسماع) من قبل الملك، وفرّق بين هذا والإلهام حيث قال: (وأما النكت في القلوب فإلهام، وأما النقر في الأسماع فأمر الملك) (أصول الكافي: 1/264).

إذن هناك وسيلة أخرى غير الإلهام، وهو نقر في الأسماع بتحديث الملك (المازندراني/ شرح جامع (على الكافي): 6/44)، وهو يسمع الصوت ولا يرى الملك كما جاء في الروايات الأربع في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث من أصول الكافي، وكلها قالت: إن (الإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص) (انظر: أصول الكافي: 1/176-177، وقد صحح هذه الروايات صاحب الشافي شرح الكافي: 3/29). وذكر صاحب البحار (15) رواية في هذا المعنى في باب عقدة بعنوان: (باب أنهم محدثون مفهمون) (المجلسي: 26/73 وما بعدها).

ولكن كيف يعلم أنه كلام الملك وهو لا يراه؟ قال إمامهم: (إنه يعطى السكنية والوقار حتى يعلم أنه كلام الملك) (أصول الكافي: 1/271، بحار الأنوار: 26/68، الصفار/ بصائر الدرجات ص: 93).

ثم بعد أبوابٍ عدة يعود صاحب الكافي ينقض ما قرره في الروايات السابقة، ويثبت تحقيق رؤية الإمام للملك في روايات أربع في باب عقده بعنوان: (باب الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم، وتأتيهم بالأخبار عليهم السلام) (أصول الكافي: 1/393-394)، ثم ما تلبث أن تزيد هذه الروايات الأربع، لتصل إلى ست وعشرين رواية عند صاحب بحار الأنوار ليجمعها في باب أكثر صراحة على التأكيد على رؤية الإمام للملك حيث جعل عنوانه (باب أن الملائكة تأتيهم وتطأ فرشهم وأنهم يرونهم) (بحار الأنوار: 26/355 وما بعدها).

وتتحدث رواية أخرى لهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال: (إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت (كذا)، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل) (بحار الأنوار: 26/358، بصائر الدرجات ص: 63).

وثمة روايات أخرى في البحار بهذا المعنى (انظر: بحار الأنوار: 26/35 وما بعدها، الروايات رقم: 110، 111، 112، 130). وكأنهم بهذا المقام أرفع من النبي الذي لا يأتيه إلا جبرائيل، وتأتي روايات تبين هذه الصورة التي أعظم من جبرائيل وميكائيل بأنها الروح (وقد ورد في معاني الأخبار لابن بابويه تفسير للروح بأنها - كما يقول إمامهم -: (عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل(. عيون الأخبار ص: 354) عندهم، وقد خصها صاحب الكافي بباب مستقل بعنوان: (باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة(، وذكر فيها ست روايات (أصول الكافي: 1/273-274)، منها: (عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} قال: خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده) (أصول الكافي: 1/273).

ومعلوم أن الروح في هذه الآية المراد بها القرآن، كما يدل عليه لفظ الآية {أَوْحَيْنَا}، وقد سماه الله سبحانه روحاً لتوقف الحياة الحقيقية على الاهتداء به (شرح الطحاوية: ص 4). وكأن هذه الدعاوى حول الوحي للإمام قد غابت عن مفيدهم (المتوفى سنة 413ه‍) أو أنها صنعت فيما بعد؛ إذ رأينا المفيد يقرر الاتفاق والإجماع على (أنه من يزعم أن أحداً بعد نبينا يوحى إليه فقد أخطأ وكفر..) (أوائل المقالات: ص39)، أو يكون قولهُ هذا تقية.

إذن الإمام يلهم، ويسمع صوت الملك، ويأتيه الملك في المنام واليقظة، وفي بيته ومجلسه، أو يرسل له ما هو أعظم من جبرائيل يخبره ويسدده، وليس ذلك نهاية الأمر، بل لدى الأئمة أرواح أخرى، ووسائل أخرى؛ لديهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوة، وروح الشهوة.

ذكر ذلك صاحب الكافي في باب بعنوان: (باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم السلام) (أصول الكافي: 1/271) فذكر في ذلك ست روايات، بينما تطورت هذه المسألة عند صاحب البحار فبلغت رواياتها (74) رواية (بحار الأنوار: 25/47-99).

وقد ركزت رواياتهم على روح القدس، فذكرت أن هذه الروح تنتقل إلى الأئمة بعد موت الأنبياء (فإذا قبض النبي - صلى الله عليه وآله - انتقل روح القدس إلى الإمام) (أصول الكافي: 1/272) وبروح القدس( عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى) (أصول الكافي: 1/272)، (وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو) (أصول الكافي: 1/272، والزهو: الرجاء الباطل والكذب والاستخفاف (هامش الكافي: 1/272)، وبروح القدس يستطيع أن يرى الإمام (ما غاب عنه في أقطار الأرض وما في عنان السماء وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى) (الغفاري/ تعاليق على أصول الكافي: 1/272 ) (الهامش).

بل إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن - كما يزعمون - كل جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت.

قال أبو عبد الله: (إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله - صلى الله عليه وآله- العرش ووافى الأئمة - عليهم السلام - معه ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفذنا) (أصول الكافي: 1/254، بحار الأنوار: 26/88-89، بصائر الدرجات: ص36).

وجاءت روايات أخرى بهذا المعنى ذكرها الكليني في باب خصصه لهذه الدعوى بعنوان: (باب في أن الأئمة عليهم السلام يزدادون في ليلة الجمعة). وذكر فيه ثلاث روايات (انظر: أصول الكافي: 1/253)، ثم جاء صاحب البحار فذكر في هذا الموضوع (37) رواية في باب عقده في هذا الشأن بعنوان: (باب أنهم يزدادون وأرواحهم تعرج إلى السماء) (انظر: بحار الأنوار: 26/86-97).

بل جاء في البحار تسع عشرة رواية تذكر بأن الله تعالى ناجى علياً، وأن جبرائيل يملي عليه.. (بحار الأنوار: 39/151-157). كما جاءت فيه سبع عشرة رواية تتحدث عن تحف الله تعالى وهداياه إلى علي (بحار الأنوار: 39/118-129). كما ذكر المجلسي: (أن الله - بزعمهم - يرفع للإمام عموداً ينظر به إلى أعمال العباد) واستشهد لذلك بست عشرة رواية (بحار الأنوار: 26/132-136).

كل هذه العلوم التي تتحقق لهم بهذه الوسائل يسمونها: (العلم الحادث) (انظر: أصول الكافي: 1/264) وتحققها موقوف على مشيئة الأئمة، كما أكدت ذلك روايات صاحب الكافي التي جاءت في الباب الذي عقده بعنوان: (باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا) (أصول الكافي: 1/258)، وذكر فيه روايات ثلاثاً كلها تنطق بـ(أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم) (أصول الكافي: 1/258)، وفي لفظ آخر: (إذ أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك) (أصول الكافي: 1/258). فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هو الحال مع الرسل - عليهم السلام - بل تابع لمشيئة الإمام!!

وهذا العلم الحادث الذي يحدث للأئمة متى شاؤوا فيجعل كلامهم مثل كلام الله ورسوله، ليس هو كل ما عند الأئمة، بل لديهم ما تسميه رواياتهم بالعلم الغابر، العلم المزبور (انظر: باب جهات علوم الأئمة، من أصول الكافي: 1/264)، وهو ما أودع الأئمة من علوم ومن كتب وصحف، وهي الأساس الثاني لقولهم بأن كلام الإمام يجري مجرى كلام الله ورسوله، وهو ما سنبينه في المبحث التالي.

الأصل الثاني: خزن العلم وإيداع الشريعة عند الأئمة:

جاء في الكافي عن موسى جعفر قال - كما يزعمون -: (مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسّر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبيا) (أصول الكافي: 1/264).

وقد جاء في رواية أخرى لهم قول إمامهم: (.. أما الغابر فالعلم بما يكون، وأما المزبور فالعلم بما كان) (انظر: بحار الأنوار: 26/18، المفيد/ الإرشاد ص 257، الطبرسي/ الاحتجاج ص:203) (وهذا التفسير كأنه يشير إلى موضوع كل نوع، فنوع يتعلق بالحوادث الماضية، وآخر يتعلق بالحوادث المستقبلة). وفي البحار وبصائر الدرجات ثلاث روايات بهذا اللفظ (بحار الأنوار: 26/59، بصائر الدرجات ص 92).

العلم الحادث هو ما تقدم بيانه، وهو كما أشارت الرواية يعد من أفضل علومهم، لأنه كما يقول بعض شيوخهم: حصل لهم من الله بلا واسطة (المازندراني/ شرح جامع: 6/44)؛ أي من الله مباشرة بلا واسطة ملك من الملائكة، وهذا يشبه قول غلاة الصوفية مثل ابن عربي.

أما الماضي المفسّر والغابر المزور فقد أوضح شارح الكافي معناهما بقوله: (يعني: الماضي الذي تعلق علمنا به وهو كل ما كان مفسراً لنا بالتفسير النبوي، والغابر المزبور الذي تعلق علمنا به هو كل ما يكون مزبوراً مكتوباً عندنا بخط علي - رضي الله عنه - وإملاء الرسول وإملاء الملائكة مثل الجامعة وغيرها).

فبهذا يتبين أن العلم المستودع عند الأئمة نوعان: كتب ورثوها عن النبي، أو علم تلقوه مشافهة منه صلى الله عليه وسلم. وفحوى هذا الاعتقاد الذي يعتبر من ضرورات مذهبهم وأركان دينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ جزءاً من الشريعة وكتم الباقي وأودعه الإمام علياً فأظهر علي منه جزءاً في حياته، وعند موته أودعه الحسن وهكذا كل إمام يظهر منه جزءاً حسب الحاجة ثم يعهد الباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر.

وقد مر بنا ما قاله شيخهم وآيتهم محمد بن حسين آل كاشف الغطا (ت1376ه‍) من أن الأحكام في الإسلام قسمان: قسم أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، وقسم كتمه أودعه أوصياءه، كل وصي يخرج منه ما يحتاجه الناس في وقته ثم يعهد به إلى من بعده، حتى زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يذكر حكماً عاماً ولا يذكر مخصصه أصلاً؛ بل يودعه عند وصيه إلى وقته (انظر: أصل الشيعة: ص77، وانظر ص 146 من هذه الرسالة).

وقال شيخهم المعاصر بحر العلوم: (لما كان الكتاب العزيز متكفلاً بالقواعد العامة دون الدخول في تفصيلاتها، احتاجوا إلى سنة النبي.. والسنة لم يكمل بها التشريع!!، لأن كثيراً من الحوادث المستجدة لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه ليؤدوها عنه في أوقاتها) (بحر العلوم/ مصابيح الأصول: ص 4، وأقوال شيوخهم في هذا المعنى كثيرة، فيقول – مثلاً - آيتهم العظمى شهاب الدين النجفي: (إن النبي صلى الله عليه وسلم ضاقت عليه الفرصة ولم يسعه المجال لتعليم جميع أحكام الدين.. وقد قدّم الاشتغال بالحروب على التمحص (كذا) ببيان تفاصل الأحكام.. لاسيما مع عدم كفاية استعداد الناس في زمنه لتلقي جميع ما يحتاج إليه طول قرون) (النجفي/ تعليقاته على إحقاق الحق: 2/28-289).

انظر: كيف يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قدّم الاشتغال بالحروب على تبليغ شريعة الله، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}.. فهل أعرض رسول الهدى عن أمر ربه؟‍‍! وهل أمثال هؤلاء من أتباع الرسول.. فضلاً عن أن يكونوا من أنصار أهل بيته؟! أليس إقراراهم لهذه العقيدة هو تكذيب لقول الله جل شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} فالله سبحانه أكمل لنا الدين، وكل قول خلاف هذا كفر وضلال.. ولكن الدين لم يكمل ولن يكمل هو دين الشيعة الذي يزيد فيه شيوخهم على مر الدهور ولا يزال في نقص واختلاف لأنه من وضع البشر).

هذه بعض الخطوط العامة لهذه العقيدة الخطيرة في مذهب الشيعة، أما شواهدها فإن المقام سيطول لو عرضت لها كلها فكيف بتحليها ونقدها.. فلنذكر على سبيل الإجمال..

فهم يزعمون أن الأئمة هو خزنة علم الله ووحيه، وقد عقد صاحب الكافي باباً لهذا بعنوان: (باب أن الأئمة - عليهم السلام - ولاة أمر الله وخزنة علمه) (أصول الكافي: 1/192-193) وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى، وباباً آخر بعنوان: (أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم) (أصول الكافي: 1/223-226)، وفيه سبع

روايات، وباباً ثالثاً بعنوان: (أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل - عليهم السلام -) (أصول الكافي: 1/225-256). وفيه أربع روايات.

وهذا العلم المستودع نوعان - كما سبق - (مفسر، ومزبور)، أما المفسر فمما ذكروه فيه ما جاء في أصول الكافي: (باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين وأنه كان شريكه في العلم(، وذكر فيه ثلاث روايات (انظر: أصول الكافي: 1/263)، وقريب من هذا ما جاء في البحار في باب بعنوان: (باب أنه صلوات الله عليه كان شريك النبي - صلى الله عليه وآله - في العلم دون النبوة، وأنه علم كلما علم صلى الله عليه وآله وأنه أعلم من سائر الأنبياء عليهم السلام( وقد استشهد لذلك باثنتي عشرة رواية من رواياتهم (بحار الأنوار: 40/208-212).

كما قدم المجلسي اثنتين وثمانيني رواية تتحدث عن علم علي وأن النبي صلى الله عليه وسلم عمله ألف باب من العلم.. في باب عقده لهذه الموضوع (بحار الأنوار: 40/127-200)، قالت إحدى رواياته بأن النبي صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى علي ألف حديث لم تعلمه الأمة، وزعمت أن علياً أعلن ذلك للناس فقال: (أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرّ إليّ ألف حديث، في كل حديث ألف باب، لكل باب ألف مفتاح) (بحار الأنوار: 40/127، ابن بابويه/ الخصال: 2/174).

ومرة أخرى زعمت أن أبا عبد الله قال: (أوصى رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى علي - عليه السلام - بألف باب كل باب يفتح ألف باب) (بحار الأنوار: 40/129، الخصال: 2/175-176) ثم زعمت أن علياً قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله علمني ألف باب من الحلال والحرام، ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب، حتى علمت المنايا والبلايا، وفصل الخطاب) (بحار الأنوار: 40/130، الخصال:2/175، بصائر الدرجات ص87). كما قالت بأن رسول صلى الله عليه وسلم جلل علياً بثوبه - عند موته - وأنه حدثه بألف حديث كل حديث يفتح ألف باب (بحار الأنوار: 40/215، بصائر الدرجات ص: 89-90).

وهذا كله ليس بذاك العلم في نظر الأئمة بالقياس لما عندهم من علوم، فقد قال أبو بصير: (دخلت على أبي عبد الله فقلت له: إن الشيعة يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم علياً باباً يفتح منه ألف باب، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد، علم والله رسول الله صلى الله عليه وآله علياً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب: قلت له: هذا والله هو العلم. قال: إنه لعلم وليس بذاك) (وهي رواية طويلة تتحدث عن العلوم الوهمية التي عند الأئمة. انظرها في أصول الكافي: 1/238 وما بعدها، وانظر: بحار الأنوار: 40/130، الخصال: 2/176-177).

وقد استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته - كما تزعم روايات الشيعة - يعلم علياً علوماً وأسراراً لا يطلع عليها أحد سواه، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوى إلى مرحلة لا يصدقها عقل.. حتى قالوا بأن علياً استمر في تلقي العلم من فم الرسول حتى بعد موته - عليه الصلاة والسلام -، وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان: (باب ما علمه الرسول صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده..) (بحار الأنوار: 40/213-218).

وقالت الرواية الأولى في هذا الباب إن علياً قال: (أوصاني النبي صلى الله عليه وآله فقال: إذا أنا متّ فغسلني بست قرب من بئر غرس )بئر غرس: بئر بالمدينة. (انظر: معجم البلدان: 4/193، معجم ما استعجم: 2/994، المراصد: 2/988)، فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني، ثم ضع فاك على فمي، قال: ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة (بحار الأنوار: 40/213، بصائر الدرجات: ص80). وقالت الرواية الثانية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال - كما يفترون -: (يا علي، إذا أنا متّ فاغسلني وكفني ثم أقعدني وسائلني واكتب) (بحار الأنوار: 40/213، بصائر الدرجات: ص80).

ومضت بقية الروايات على هذا النسق المظلم، حتى قالوا بأن علياً كان إذا أخبر بشيء قال: (هذا مما أخبرني به النبي صلى الله عليه وآله بعد موته) (بحار الأنوار: 40/215، الخرائج والجرائح: ص132). وهكذا يخربون بيوتهم بأيديهم، ويكشفون كذبهم بأنفسهم عبر مبالغتهم التي لا تكاد تنتهي، وهذا جزء من رواياتهم عن العلم الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأورثه الأئمة من بعده.

ولم يكتف الخيال الشيعي بهذا؛ بل زعم أن عند الائمة العلم المزبور، أو الكتب التي ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء على ذكر بعضها صاحب الكافي في باب عقده بعنوان( باب فيه ذكر الصحيفة، والجفر والجامعة ومصحف فاطمة - عليها السلام -) (أصول الكافي: 1/238-242)، وفي باب آخر بعنوان: (ما أعطى الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم) (أصول الكافي: 1/230)، وفي باب ثالث بعنوان: (باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام) (أصول الكافي: 1/231-232).

أما شيخهم المجلسي فقد أكثر من الروايات في هذا الباب، وجمع ما في معظم كتب شيوخهم المعتمدة عندهم، وسجل ذلك في بحاره في أبواب متعددة تضمنت روايات يصعب حصرها، مثل: (باب جهات علومهم عليهم السلام وما عندهم من الكتب..)، وقد بلغت أخبار هذا الباب (149) خبراً انتخبها كعادته من مجموعة من كتبهم المعتمدة لديهم (بحار الأنوار: 26/18-66)، وباب (في أن عندهم كتباً فيها أسماء الملوك الذين يملكون في الأرض) (بحار الأنوار: 26/155-156 (وفيه 7 روايات) )، وباب (في أن عندهم صلوات الله عليهم كتب الأنبياء عليهم السلام يقرءونها على اختلاف لغاتها) (بحار الأنوار: 26/180-189 (وفيه 27 رواية) )، وباب (أن عندهم جميع علوم الملائكة والأنبياء وأنهم أعطوا ما أعطاه الله الأنبياء عليهم السلام، وأن كل إمام يعلم جميع علم الإمام الذي قبله ولا تبقى الأرض بغير عالم) (بحار الأنوار: 26/159-179 (وفيه 63رواية) )، وباب (أنهم عليهم السلام.. عندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم) (بحار الأنوار: 26/117-132 (وفيه 40 رواية) ).

وتحدثت روايات هذه الأبواب عما ورثه الأئمة من صحف وغيرها، أو عن المصادر الوهمية التي تزعم الرافضة عند أئمتهم الاثني عشر والتي فيها - كما يزعمون - كل ما يحتاجه الناس، ولو ذهبنا نعرض ونفصل ما احتوته هذه الأبواب، ونحلل معلوماتها، ونبين ضروب تناقضاتها وأوهامها لكان بذاته بحثاً مستقلاً؛ ولكن نكتفي بالإشارة والمثال.

لقد كان مما تضمنته هذه الأبواب روايات عديدة عن صحيفة تسمى الجامعة أو الصحيفة، وصفوها بأنها (سبعون ذراعاً بخط علي عليه السلام، وإملاء رسول الله صلى الله عليهما وعلى أولادهما – كذا - فيها من كل حلال وحرام) (أصول الكافي: 1/239، بحار الأنوار: 26/22)، وليس من قضية إلا هي فيها حتى أرش الخدش (أصول الكافي: 1/239، بحار الأنوار: 26/22)، وتكرر ذكر هذه المعلومات وما في معناها في روايات كثيرة (انظر: بحار الأنوار: 26/22 وما بعدها، الروايات التالية: رقم 11، 13، 15، 17، 18، 22، 23، 25، 61، 65، 78، 80، 90 وغيرها).

ومن العجب أن أئمتهم يعدون أتباعهم بأنهم سيحكمون بما في هذه الصحيفة لو تمكنوا من الحكم حيث قالوا: (لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة) (بحار الأنوار: 26/22-23، بصائر الدرجات: ص39).

أما القرآن فليس له ذكر، كما يخبرون بأنها هي دستورهم الذي يتبعون، حيث قالوا: (.. فنحن نتبع ما فيها ولا نعدوها) (بحار الأنوار: 26/22-23، بصائر الدرجات: ص39). وزعم أبو بصير (أحد رواتهم) بأنه رآها عند أبي جعفر (بحار الأنوار: 26/23، بصائر الدرجات: ص39)، كما زعم زرارة أنه استمع إلى نص من نصوصها يقول: (إن ما يحدث به المرسلون كصوت السلسلة أو كمناجاة الرجل صاحبه) (بحار الأنوار: 26/24، بصائر الدرجات: ص 39-40).

كما نقلت رواياتهم أخباراً عن كتاب يسمونه كتاب علي، ووصفوا شكله بأنه (مثل فخذي الرجل مطوّى) (بحار الأنوار: 26/51، بصائر الدرجات: ص45) وأنه (خط علي بيده وإملاء رسول الله) (بحار الأنوار: 26/51، بصائر الدرجات: ص45)، ولم ينقلوا لنا من نصوصه وأحكامه إلا هذا الحكم الجائر الذي يقول: (إن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا هو توفي عنها شيء، هذا والله خط علي بيده وإملاء رسول الله) (بحار الأنوار: 26/51، بصائر الدرجات: ص45)، وهم يأخذون بهذا النص من ذلك الكتاب الموهوم، ويعرضون عن نصوص القرآن العامة والتي لم تفرق بين العقار وغيره. ثم إن هذا يناقض ما يدّعونه بأن لفاطمة نصيباً في فدك (وحاولوا التخلص من ذلك بزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصها بذلك في حياته. (انظر: مقتبس الأثر: 23/179) ).

ويبدو من خلالهم رواياتهم أن هذا الكتاب لا يظهر له صوت إلا في جو من الإلحاد والزندقة؛ إذ إنه ما إن قتل المغيرة (المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي، أحد الزنادقة، تقدم التعريف به ص: (168) ) والذي تعترف كتب الرافضة بغلوه حتى زاد حصرهم على إخفاء الكتاب، فقد قال جعفرهم حينما نقل له نص في ولاية علي: (... هذا مكتوب عندي في كتاب عليّ ولكن دفعته أمس حين كان هذا الخوف وهو حين صلب المغيرة) (بحار الأنوار: 26/52-53، بصائر الدرجات: ص 45، وانظر الحديث عن كتاب علي المزعوم في: البحار: 26/24 رقم: 54، 55، 59).

المصدر: شبكة الحصن.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top