0

الغلو في الفرق الشيعية

سنقتصر على طائفتين فقط حيث انقسم الشيعة إلى فرق وطوائف كثيرة:

أ- الغلاة:

وكما ظهر الخوارج، أطلت الشيعة الغلاة برأسها لتعلن ألوهية علي بن أبي طالب فأمرهم بالرجوع وأمهلهم ثلاثًا، ولكنهم أصروا فأمر بإلقائهم في أخاديد من نار.

وكان على رأس هذه الفتنة عبد الله بن سبأ - أو ابن السوداء - الذي تجرأ على سب أبي بكر وعمر- رضى الله عنهما- فطلبه علي لقتله فهرب منه. ويرى ابن تيمية أن قتله إما بسبب السب أو لأنه كان متهمًا بالزندقة واحتمال الزندقة هو الأقوى؛ لأنه كان يهوديًا وتظاهر بالإسلام لا سيما أنه كان يقصد إفساد دين الإسلام(1).

وقد ثبت أن هذا التيار السيئ هو المخطط السري الذي يجمع أعداء الإسلام منذ عبدالله بن سبأ الذي أفسد من أمور المسلمين كثيرًا، (وأنه رسم خطة محكمة ماكرة أدت إلى الفتنة السياسية والدينية التي ما زالت آثارها ماثلة في مذاهب بعض المتصوفين في الإسلام) (2).

ويبدو أن اليهود وجدوا الفرصة سانحة لإشاعة الفرقة بين المسلمين فاختفوا وراء التشيع لآل البيت، وتظاهروا بأنهم من الشيعة مستغلين عواطف بعض المسلمين الذين كانوا يفضلون عليًا على عثمان - رضى الله عنهما - ذلك أن التشيع في بدايته كان في المفاضلة بينهما فحسب أي أنه اتجاه عاطفي إنساني لا دخل فيه لعناصر عقلية، ولم يكن الشيعة الأوائل ينالون من أبي بكر وعمر باعتراف شيوخهم الأوائل، فقد سئل شريك بن عبد الله القاضي أنت من شيعة علي وأنت تفضل أبا بكر وعمر؟ فقال كل شيعة علي على هذا هو يقول على أعواد هذا المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر، أفكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابًا.

وظهر الغلو في الفرق الشيعية بعد ذلك، ومن أشدها غلوًا الإسماعيلية الذين كانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون - وحكموا بمصر بهذا الاسم - وهم في الحقيقة من ذرية عبيد الله القداح، وقد وصفهم الغزالي بأن (ظاهر مذهبهم الرفض - أي التشيع - وباطنه الكفر المحض) (3).

وقد سمحت معرفة ابن تيمية بالتاريخ أن يعرف حقيقة الشيعة الباطنية الغلاة عندما سلسل نسبه عبيد الله بن ميمون القداح الذي ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل - فبرهن على كذبه بما اتفق عليه أهل المعرفة بالنسب، وغيرهم من علماء المسلمين أن أباه كان يهوديًا ربيب مجوس، فله نسبتان نسبة إلى اليهود ونسبة إلى المجوس - وهو وأهل بيته من أئمة الإسماعيلية الملاحدة الذين وصفهم العلماء- ومنهم الغزالي - بأن (ظاهر مذهبهم الرفض- أي التشيع- وباطنه الكفر المحض).

وقد ظهر عبيد الله هذا - الذي سمى نفسه بالمهدي سنة 299 هـ وتوفي سنة 324 هـ وانتقل الأمر إلى ولده القائم - ثم ابنه المنصور، ثم ابنه المعز الذي بنى القاهرة.

وبعده العزيز ثم الحاكم ثم الظاهر ثم المستنصر، وانقرض ملكهم في الديار المصرية سنة 568 هـ فملكوها أكثر من مائتي سنة.

وقد علق ابن تيمية على أخبارهم بقوله إن أخبارهم عند العلماء مشهورة بالإلحاد والمحادة لله ورسوله والردة والنفاق، ويرى أن الحديث الذي رواه ابن ماجه (لا مهدي إلا عيسى ابن مريم) حديث ضعيف(4).

ومن المناسب أن نورد أيضًا النص الذي وصف السيوطي به نفس الأحداث المتعلقة بالمهدي صاحب المغرب فقال (وهو جد خلفاء المصريين الذين يسمونهم الجهلة الفاطميين، فإن المهدي هذا ادعى أنه علوي وإنما جده مجوسي) كما استند إلى رأي القاضي أبي بكر الباقلاني الذي وصفه بأنه مجوسي ولم يعرفه أحد من علماء النسب وكان باطنيًا خبيثًا، حريصًا على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه، أباحوا الخمور والفروج وأشاعوا الرفض(5).

ويقول في موضع آخر (وإنما كان المعروفون بالزندقة والنفاق بني عبيد القداح الذين كانوا بمصر والمغرب، وكانوا يدعون أنهم علويون، وإنما كانوا من ذرية الكفار فهؤلاء قد اتفق أهل العلم على رميهم بالزندقة والنفاق، وكذلك رمي بالزندقة والنفاق قوم من ملوك النواصي الخلفاء من بني بويه وغير بني بويه) ونفهم من هذا أن ابن تيمية على دراية بأخبارهم وأسرارهم، ويبدو أنه اطلع على المصادر المتعددة التي تكشف حقيقتهم وتؤصل نسبتهم، ومما يعضد ذلك ما نقرأه لعبد القاهر البغدادي - وكان معاصرًا لهم (توفي سنة 429 هـ-1037م) الذي اختتم كلامه عن القداح بقوله (ثم ظهرت فتنته في المغرب وأولاده اليوم مسؤولون على أعمال مصر)(6). وتميل بعض الدراسات الحديثة حول القرامطة إثبات في انتساب المعز لدين الله إليهم، فقد جاء بالوثيقة التاريخية التي نشرها الدكتور سهيل زكار نص الرسالة التي بعث بها القرامطة عندما علم باتجاههم إلى غزو مصر فكتب إليهم كتابًا، يذكر فيه فضل نفسه وأهل بيته، وأن دعوة القرامطة كانت له وإلى آبائه من قبله(7).

ويميز ابن تيمية بين فرق الشيعة ويضع حدودًا بين المعتدلين والغلاة منهم، فالباطنية من بني عبيد بن ميمون القداح الذين ادعوا أنهم من ولد محمد بن إسماعيل ابن جعفر، لم يكونوا من أولاده - بل كان جدهم يهوديًا ربيبًا لمجوسي وأظهروا التشيع. ولم يكونوا في الحقيقة على دين واحد من الشيعة لا الإمامية ولا الزيدية بل ولا الغالية الذين يعتقدون إلهية علي أو نبوته، بل كانوا شرًا من هؤلاء كلهم. ولهذا أكثر تصانيف علماء المسلمين في كشف أسرارهم وهتك أستارهم وكثر غزو المسلمين لهم.

وهؤلاء يدعون المستجيب لهم أولًا إلى التشيع، والتزام ما توجبه الشيعة وتحريم ما يحرمونه، ثم بعد هذا ينقلونه درجة بعد درجة حتى ينقلونه في الآخر إلى الانسلاخ من الإسلام(8).

ونتوقف عند الفقرة الأخيرة لتطابقها بما عرفنا عنهم ونقلته المصادر التاريخية وكتب الفرق- فنقرأ مثلًا عبارة لأبي قاهر البغدادي يوضح لنا فيها خطتهم في الدعوة بقوله (والدليل على أنهم كما ذكرناه، قرأته في كتابهم المترجم (السياسة والبلاغ الأكيد، والناموس الأعظم)، وهى رسالة عبيدالله بن الحسين القيرواني - أي المهدي - إلى سليمان بن الحسن بن سعيد الجنابي أوصاه فيها بأن قال له ادع الناس بان تتقرب إليهم بما يميلون إليه، وأوهم كل واحد منهم بأنك منهم فمن أنست منه رشدًا فاكشف له الغطاء، وإذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به، فعلى الفلاسفة معولنا، وإنا وإياهم مجمعون على رد نواميس الأنبياء، وعلى القول بقدم العالم..)(9).

ومن النصوص التي ينقلها لنا البغدادي أيضًا عن الكتاب الآنف الذكر الوصية التالية- إني أوصيك بتشكيك الناس في القرآن والتوراة والزبور والإنجيل وبدعوتهم إلى إبطال الشرائع، وإلى إبطال المعاد والنشور من القبور وإبطال الملائكة في السماء، وإبطال الجن في الأرض، وأوصيك بأن تدعوهم إلى القول بأنه قد كان بعد آدم بشر كثير، فإن ذلك عون لك على القول بقدم العالم(10).

من هذا يتبن لنا أن شيخ الإسلام لم يتجن عليهم عندما نقل لنا أخبارهم وحكم على مخططاتهم وأهدافهم بأنها متصلة بالمخطط اليهودي السيء الذي أراد الكيد للإسلام وأهله، فقد أجمع المحققون من أهل السنة - كما يذكر البغدادي أن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده(11) وتتحد كتب التاريخ والفرق المجمعة على ذكر أهداف الباطنية، كما تكاد تتفق في شرح خططهم وتعاليمهم(12).

ـــــــــــــــــ
(1) ابن تيمية النبوات ص 142.
(2) د. محمود قاسم - دراسات في الفلسفة الإسلامية ص 254- 255 ط. دار المعارف. ومصر سنة 1973 م.
(3) شرح عقيدة السفاريني ج 1 ص 334.
(4) منهاج السنة ج 2 ص 133- 134.
(5) السيوطي تاريخ الخلفاء ص 391 لشقيق الشيخ محمد محيي عبد الحميد ط. التجارية 1389 هـ-1961م.
(6) البغدادي الفَرق بين الفِرق ص 283 ط. صبيح.
(7) ثابت بن سنان وابن النديم تاريخ أخبار القرامطة ص 59- 60 ترجمة الحسن الأعظم القرمطي- تحقيق د. سهل عكار- دار الأمان- لبنان 1391 هـ- 1971م.
(8) ابن تيمية فتاوى شيخ الإسلام ج 4 ص 162 ط الرياض.
(9) البغدادي الفرق بين الفرق ص 294- 295.
(10) نفسه ص 296.
(11) نفسه ص 225.
(12) ويمكن الرجوع لمن يريد الاستزادة إلى المصادر الآتية
• فضائح الباطنية (الغزالى).
• الفرق بين الفرق (البغدادي).
• التبصير في الدين (للإسفرايينى).
• كشف أسرار الباطنية (الباقلاني).
• فرق المسلمين والمشركين (للرازى).
المصدر شبكة الألوكة.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top