0

موقف الشيعة من آيات الثناء على الصحابة

بَيَّن الله من صفات المنافقين ما ميَّزهم عن الصحابة رضوان الله عليهم، فعرفوا بأوصافهم كتثاقلهم عن الصلاة والذكر، أو بأعيانهم كما في غزوة تبوك، وأصحاب مسجد الضرار..

والشيعة -هداهم الله للحق- جعلوا جمهور الصحابة الذين أثنى الله عليهم من المنافقين، بل وصفوا أعلام الصحابة ومن شُهِدَ لهم بالجنة بالنفاق؛ متذرعين بعموم تلك النصوص.

ولا ريب أن هذا من لبس الحق بالباطل، واستدلال بالنصوص على غير دلالتها، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:

الآية الأولى:

قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18].

فهذه البيعة سُمِّيَت ببيعة الرضوان لإخبار الله عز وجل أنه رضي عنهم.

وعدد الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة في أصح الأقوال ألف وأربعمائة.

وقد أقرَّ بهذا بعض علماء الشيعة الكبار.

يقول أحدهم وهو الطبرسي في تفسيره: (يعني بيعة الحديبية، وتُسَمَّى (بيعة الرضوان)؛ لهذه الآية، ورضا الله سبحانه عنهم، وإرادته تعظيمهم وإثابتهم، وهذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة...، وكان عدد الصحابة رضوان الله عليهم يوم بيعة الرضوان ألفاً ومائتين، وقيل: وأربعمائة، وقيل: وخمسائة، وقيل: وثمانمائة) اه (1).

فهؤلاء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة حصل لهم ثلاثة أمور: أن الله رضي عنهم، وأنزل عليهم السكينة، وأثابهم فتحاً قريباً..

وإذا كانت الآية بهذا الوضوح فكيف يسوغ سبهم وشتمهم والوقيعة فيهم؟.

ولهذا اضطرب الشيعة تجاه هذا النص..

فزعم بعضهم أن فيهم منافقين، وأنهم بايعوا مع المؤمنين، والرضا إنما هو خاص بالمؤمنين.

وزعم بعض من ينتسب إلى التحقيق والفقه بأن الله رضي عنهم وقت المبايعة ثم سخط عليهم بعد ذلك. وكان فيهم منافقون! وهذا ما يصرح به علماء الشيعة الكبار حتى في هذا العصر (2).

والجواب عن هذا أن يقال:

إن هذا القول فيه نسبة الجهل إلى الله تعالى؛ إذ كيف رضي سبحانه وتعالى عنهم وفيهم المنافقون؟!

ثم إن الله عز وجل لا يرضى إلا عن القوم المؤمنين، وقد أخبر في هذه الآية أنه رضي عنهم حين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل وزكى بواطنهم وشهد لهم بإخلاص النية، فقال: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:18] وأنزل السكينة عليهم، ووعدهم بثواب فتحٍ قريب ومغانِمَ كثيرة.

فرضاه عنهم وإخباره بذلك دليل على إيمانهم، أما المنافق فلا يمكن أن يرضى الله عنه أبداً حال نفاقه؛ لأنه سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وقوله: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ} فيه أمران:

أولاهما: أن فيه إشارةٌ إلى أن من خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبايع أنه حينئذ ليس بمؤمن، ومعلوم أنه لم يحضر في الحديبية أحدٌ من المنافقين على الصحيح إلا الجدُّ بن قيس كما ذكر ذلك النووي في شرح مسلم (3)، وبعض علماء التاريخ والسير (4)، ولكنه لم يبايع وتنحى بعيداً.

وثانيهما: أن الظرف (إذ) متعلق بقوله: رضي، وفي تعليق هذا الظرف (إذ يبايعونك)بفعل الرضا إشارة إلى أن سبب الرضا هو ذلك الظرف الخاص وهو المبايعة، مع ما يعطيه توقيت الرضا بهذا الظرف (إذ)من إشارة لطيفة بتعجيل حصول الرضا، وكون الرضا حصل عند تجديد المبايعة ولم ينتظر به تمامها.

ويشهد لهذا قوة المؤكدات في هذا الرضا، حيث أتى باللام الموطئة للقسم، وقد -وهي للتحقيق- والقسم المقدر.

ثم إن الله سبحانه وتعالى لم يخبر أنه سخط على من بايع تحت الشجرة كما أخبر برضاه عنهم، ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنها كما ترويه عنه كتب الشيعة: (أخبرنا الله أنه رضي عن أصحاب الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدثنا أحد أنه سخط عليهم بعد؟). (5)

بل هذه الآية تتلى إلى يوم القيامة، فهل يتلى الرضا ويستمر ذكر الثناء إلى يوم القيامة على أناس قد بدلوا وغيروا ونافقوا؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم.

وأما من قال بأن الرضا حصل لدقائق محدودة ثم سخط عليهم بعد ذلك، فيقال له:

هل كان الله يعلم أنهم سيبدلون أم لا؟ فإن قال: لا، فهي طامة كبرى؛ حيث اتهم الله بالجهل عياذاً بالله! وإن قال: نعم، فيقال: كيف يجعل الله الرضا يتلى إلى يوم القيامة وهو يعلم أن الفضل لن يستمر إلا سنواتٍ محدودة ثم يبدلون؟! فقائل هذا كأنه يصف القرآن بغش الأمة.. وحاشا ذلك أن يكون!

اللهم اجعلنا ممن رضوا عنك ورضيت عنهم يا رب العالمين..

الآية الثانية:

قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29].

هذه الآية من أعظم الآيات في الثناء على الصحابة، ومن أدل الدلائل على إعجاز القرآن، وعلى عظمة الباري وسعة علمه..

وهي دالة على فضل جميع الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}، والذين كانوا معه هم الصحابة رضوان الله عليهم، وقد تجلت شدتهم على الكفار في غزوة بدر وأحد وغيرها.

وهم كذلك رحماء بينهم، تسودهم المحبة والألفة، مما كان سبباً في المصاهرات بينهم، كزواج عمر رضي الله عنه بأم كلثوم بنت علي رضي الله عنه، وسيأتي ذكر ذلك في مبحث مستقل.

وقد اضطرب بعض الشيعة تجاه الآية السابقة، فقالوا بأنها لا تدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الله قال في آخرها: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} فمنهم للتبعيض أي بعضهم، وهو من آمن وعمل صالحاً فلا تشمل جميع من كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا كل آية لا تروق لهم يحاولون صرفها وتأويلها، حتى لو أدى ذلك إلى ضرب القرآن بعضه ببعض.

وقول الشيعة بالتبعيض في هذه الآية ضرب لبعض القرآن ببعض؛ وذلك من عدة وجوه:

الأول: أن حصر (من)في قوله سبحانه: {مِنْهُمْ} بأنها تبعيضية تَحكُّم بلا دليل، ولا يجوز القول على الله بغير علم!!

الثاني: أن أوّل الآية لم يذكر إلا من آمن وعمل الصالحات: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}.

فهذه الصفات لا يتصف بها غيرُ المؤمنين، والمؤمنون كلهم أهل للمغفرة والثواب، ولو أن الآية شملت المنافقين لصح قولنا بأن (منهم)للتبعيض، ولكنها لم تذكر إلا صنف المؤمنين الصادقين والذين وصفهم الله بقوله:

{سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا} فتأمل!

وقد لجأ بعض الشيعة إلى القول بالتبعيض؛ لعلمهم بدلالة الآية على فضل من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذين جاهدوا معه في حياته، وبعد وفاته جاهدوا المرتدين، ومدَّعي النبوة، ومانعي الزكاة، وهم الذين فتحوا الأمصار، وفتحوا بلاد فارس والروم.

الثالث: أن هذا الوصف -كما نصت الآية- قد جاء في التوراة والإنجيل، فهو وصف وثناء عليهم قبل أن يُخلقوا، ولو كانوا سيبدلون ويغيرون لاستحقوا الذم لا المدح..

ولهذا فآخر الآية تأكيد لما سبق، ولا يمكن أن تناقض كلمات الله بعضها بعضاً.. وكذا القرآن لابد أن يؤخذ بجميعه؛ فلا يؤخذ بعضُه ويترك البعضُ الآخر، ولا يؤخذ جزءٌ من آية ويترك الجزءُ الآخر منها..

ومن ادعى أن سيبدلون ويغيرون فقد وصف الله تعالى بغش الأمة وتضليلها، بل وغش المؤمنين من بني إسرائيل ممن أَنْزَلَ عليهم التوراة والإنجيل، وذكر لهم هذه الأوصاف الموجبة لمحبتهم والدعاء لهم.

وعليه يكون معنى (من) في الآية أحد أمرين:

الأمر الأول: إما أنها لبيان الجنس، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من جنس هؤلاء وأمثالهم مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك كقوله سبحانه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج:30] أي: من جنس هذه الأوثان، وليس معناها: اجتنبوا الرجس من الأوثان وأما باقي الأوثان فلا تجتنبوها! وهذا ما ذكره علماء أهل السنة كما ذكره بعض علماء الشيعة. (6)

والأمر الثاني: أن تكون مؤكدة، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء بالذات مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك مثل قوله سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] وليس قوله: {مِنَ الْقُرْآَنِ} أي: بعض القرآن شفاء ورحمة وبعضه ليس كذلك، بل (مِن) هناك مؤكدة فكذلك هنا. (7)

ودليل ذلك سياق هذه الآية، وصريح الآيات الأخرى.

ثم إن هذا الوصف لمجموع الصحابة رضوان الله عليهم، فهذه الصفات المذكورة في الآية تنطبق تماماً على أصحابه الذين قاتلوا معه في غزواته كلها، بل وقاتلوا بعد وفاته المرتدين والنصارى والمجوس، فهم كما وصفهم الله:

{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].

والمعية في قوله: (والذين معه) ظاهرة بينة؛ فهم معه في سلمه وحربه، وفي حله وسفره، وفي سائر أحواله، وقد خرج معه في غزوة تبوك وحدها نحو ثلاثين ألفاً.

ثم تأمل هذا الحديث من كتب الشيعة:

جاء في كتاب (كامل الزيارات) (8) وهو من كتب الشيعة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات في أحد الحرمين: مكة أو المدينة، لم يعرض على الحساب، ومات مهاجراً إلى الله، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر.

فالرواية تشير بوضوح إلى فضل أصحاب بدر خاصة، من دون تقييد بأَحَدٍ دون أَحَد، وفي مقدمتهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة رضي الله عنهم.

ويقول رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب). (9)

وخلاصة القول: أن الله أثنى على الصحابة رضي الله عنهم، وشهد لهم بالإيمان في التوراة والإنجيل والقرآن، وجعل هذا الثناء يتلى في القرآن إلى يوم القيامة.

ولا يفهم من الآيات إلا شمول هذا الثناء لجميع الصحابة الذين معه، ولذا حاول الشيعة جعل الوعد بالثواب خاصاً ببعضهم.

والقرآن دستور الأمة، فمن أخذ به نجا، ومن أبى ولاه الله ما تولى، ولا يظلم ربك أحداً.

الآية الثالثة:

قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} فذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ووعدهم جنات تجري تحتها الأنهار، ثم قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة:100-101].

فَفَرَّق سبحانه بين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وبين المنافقين.

فالسابقون وصف عام لكل من حصل منه السبق للهجرة أو النصرة..

وقد بين بعض علماء الشيعة؛ كالطباطبائي في (تفسير الميزان)؛ أن السابقين من المهاجرين والأنصار هم كل من توفرت فيه صفات السبق، كأصحاب الهجرتين..

يقول الطباطبائي: (المراد بالسابقين هم الذين أسسوا أساس الدين، ورفعوا قواعده، قبل أن يشيد بنيانه وتهتز راياته؛ صِنْفٌ منهم بالإيمان واللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على الفتنة والتعذيب، والخروج من ديارهم وأموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة، وصِنْفٌ بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع).(10)

وعلى كلٍّ ففي المسألة خلاف في وَضعِ حَدٍ يحصل به السبق، وأمثل الأقوال وأعدلها في هذا أنه في فترة ضعف الإسلام، وذلك قبل غزوة بدر؛ إذ ليست المزية فيمن آمن في وقت ضعف الإسلام واستذلال أهله كمن آمن في وقت قوته وتمكنه، ولهذا لم يظهر النفاق في الفترة المكية؛ فلما ظهر الإسلام وقوي، ظهر النفاق.

وفي الآية دلالة على مشروعية الاقتداء بهؤلاء السابقين، فإن الله وعد من اتبعهم بإحسان بأن يرضى عنه ويدخله جنات تجري تحتها الأنهار خالداً فيها أبداً، ولذا قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، وأخبر بأنهم يشاركونهم في الخير، كما قال سبحانه:

{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة:3]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10].

فهذه الآيات وغيرها تبين مشروعية الاقتداء بهؤلاء الأعلام من الصحابة رضي الله عنهم، بأخذ العلم عن طريقهم، هذا العلم الذي أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبمحبتهم ومعرفة فضائلهم والذب عن أعراضهم، ورَدِّ الكذب عنهم..، ولا يكون بالكذبِ عليهم وسبِّهم وشتمِهم وتَنَقُّصِهم والطعنِ فيهم.

وهذا يرد مزاعم الشيعة بأن العلم لا يمكن أن يؤخذ إلا عن طريق الأئمة المعصومين، فقد بين سبحانه وتعالى أن العلم يؤخذ عن طريق العلماء الراسخين، ولذا قال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].

فهذا نص جلي يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم وتزكية الله لهم، وعلى عدم عصمتهم، كما يدل على أخذهم علم الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يجعلهم أهلاً لتبليغه ونشره.

والشيعة بقولهم: إن علياً رضي الله عنه معصوم من حين ولادته إلى حين وفاته يخالفون وصف الله تعالى لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا قبل البعثة في ضلال مبين، وقد سبق بيانه.

ثم إن قولهم بأن العصمة شرط فيمن ينقل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم باطل؛ وإلا لم يصح أخذهم عن العلماء غير المعصومين من حين الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا، فإن قالوا بل يصح، قيل وكذلك يصح أخذه عمن سبقهم من العلماء غير المعصومين.

وجماع الأمر، أن الله سبحانه وتعالى زكى أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم، وأمر بالاقتداء بهم وأخذ العلم عن طريقهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع البيان: (9/193)، وانظر البحار: (20/326).
(2) وهو آية الله جعفر السبحاني في كتابه: حوار مع الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف حول الصحبة والصحابة: (159)..
(3) شرح النووي عند حديث برقم: (2780).
(4) انظر: الاستيعاب: (1/3)، البداية والنهاية: (4/168)، الكامل في التاريخ: (2/200)، تاريخ الطبري: (2/279).
(5) الإرشاد: (13)، روضة الواعظين: (75)، بحار الأنوار: (38/243).
(6) فتح القدير للشوكاني: (3/81)، تفسير الثعالبي: (4/119)، وذكره من علماء الشيعة الطبرسي في مجمع البيان: (9/157)، عند كلامه عن قوله سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35].
(7) معاني القرآن للنحاس: (4/187)، فتح القدير للشوكاني: (3/253).
(8) وانظر: الكافي: (4/548)، البحار: (96/387)، نور الثقلين: (1/541)،
كامل الزيارات: (44).
(9) نهج البلاغة، خطبة: (97) شرح ابن أبي الحديد: (7/77)، شرح محمد عبده: (1/190)، البحار: (66/307)، الحلية لأبي نعيم: (1/76).
(10) تفسير الميزان: (9/373).
المصدر: من كتاب الصحابة والمنافقون في صدر الإسلام.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top