0
العراق .. لا مكان للسنة!
قال نوري المالكي في شهر ديسمبر الماضي لصحيفة الغارديان البريطانية، إنه شيعي أولاً وعراقي ثانياً وعربي ثالثاً. ونحن أيضاً لا ننسى أن نوري المالكي هرب من الإعدام إلى سورية في سبعينيات القرن الماضي، ثم لجأ إلى إيران وانضم إلى ميليشياتها التي يديرها حزب الدعوة في العراق، ومنذ تلك الفترة وقد رسّخ نفسه ليكون في مقدمة المنفذين للمشروع الإيراني في العراق.
وفي الأمر نفسه، يقول معهد كارنغي للسلام(1): "في الانتخابات العراقية الأخيرة حصلت واشنطن على ما كانت تأمل به وتعمل من أجله؛ حكومة مصالحة وطنية تمثّلُ جميع القوى العرقية والطائفية والسياسية الكبرى، ورئيس وزراء يمكن للولايات المتحدة أن تتعايش معه. ورغم شجبهم أداء نوري المالكي الأولي الضعيف والباهت، وشعورهم بالقلق تجاه ظهور مؤشرات على نزعات سلطوية لديه في الجزء الأخير من ولايته وخلال عملية ما بعد الانتخابات؛ فقد خَلُص المسؤولون الأمريكيون إلى أنه لا يزال يمثّل أفضل خيار مُتاح. ومع ذلك، كان ثمة شيء ما يُفسِد الوضع يتمثّل في أن المالكي يحظى أيضاً بدعم من إيران. فقد تعاونت الولايات المتحدة وإيران بحكم الأمر الواقع للإبقاء على المالكي رئيساً للوزراء. ونتيجة ذلك، فقد تغيّر دور الولايات المتحدة في العراق وعلاقتها مع الحكومة العراقية بشكل دائم".
أما صحيفة الديلي تلغراف فإن مراسلها في الشرق الأوسط يقول في تقرير نشرته بعد الانسحاب الأمريكي مباشرة: "إن الواقع الأمني في العراق يوجه البلاد نحو صراع طائفي حتمي". ومثلما أمر المالكي باعتقال نائب رئيس الجمهورية السني طارق الهاشمي، دبّر الكثير من عمليات الاغتيال والاعتقال ضد شخصيات بارزة في المجتمع السني. ويعلق على ذلك الكاتب ديفيد بلير من الصحيفة ذاتها قائلاً: "لم تمضِ ساعات على رحيل القوات الأمريكية من العراق حتى قرر رئيس الوزراء نوري المالكي التخلص من قيادات السنة في الائتلاف الحكومي الذي يقوده".
وفي الإندبندنت كتب باتريك كوبرن "إن الترتيب الذي تركته أمريكا بين الشيعة والسنة والأكراد مهدد بالانهيار"، وتساءل عما سيحدث؟ ورد على تساؤله بأن المحتمل "أن يقلد رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي صدام حسين كرجل العراق القوي. وهو يوظف جهاز أمن الدولة بالفعل ضد منتقديه من السنة بزعم تعاطفهم مع حزب البعث".
ومثالاً على ذلك، فعندما رفضت الأحزاب المنافِسة له، لا سيما غالبية الأحزاب الشيعية، تسلّمه رئاسة الوزراء لولاية ثانية، ذكّر العراقيين مراراً وتكراراً بأنّه كان خلال تولّيه رئاسة الوزراء قائداً للقوّات المسلّحة، وهو كلام دقيق إنّما ينطوي على تهديد عند التفوّه به في سياق معركة سياسية داخلية.
في الواقع، ليس المالكي قائد القوات المسلحة وحسب، بل إنّ الوحدة الخاصة في العاصمة المعروفة بلواء بغداد تابعة له مباشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض أجهزة الاستخبارات. ولذلك من الصعب أن نصدّق أن المالكي سيطبّق بكل طيبة خاطر اتفاقاً مع الفرقاء السياسيين الآخرين من شأنه أن يكبح سلطته إلى حد كبير.
لم تكن العراق بعيدة عن الطائفية منذ قرون، وتعزيزاً لهذا المقال فإن كتاب(2) "العرب السنة في العراق" يقول: إن المجازر التي تحدث في العراق على مدار الأزمان من الاحتلال المغولي إلى الاحتلال الإنكليزي، كانت تتم وفق بوصلة طائفية، وإن القتل والمجازر كانت حصة أهل السنة فقط؛ لعدم رضوخهم لأي محتل بسهولة.
ويمكن القول إن سبب الظلم الواقع على أهل السنة في العراق، ناتج عن فقدانهم دولة تحميهم وتساندهم بعكس الشيعة الذين جعلوا إيران مركزاً لمؤامراتهم ودسائسهم التي يتم تنفيذها في العراق، ويقول كتاب "العرب السنة في العراق": إن أغلب انتفاضاتهم ضد الحكومات المتعاقبة كانت تدار من طهران.
يقول محمد حسنين هيكل في كتابه(3) "مدافع آيات الله": أظهر العراق الكثير من العناد في عام 1974م للجهود الأمريكية الهادفة لتوقيع اتفاقية سلام بين مصر والقوات الصهيونية بعد حرب أكتوبر 1973م، لكن هينري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الحين أكد للمصريين أن شاه إيران سينهي المسألة، وما مرت إلا أيام قليلة حتى بدأت مناوشات بين العراق وإيران تحوّلت إلى حرب استمرت 8 سنوات أشعلها النظام الإيراني معلناً توجيه مدافعه نحو العالم العربي السني؛ لإعطاء تلك الحرب الصفة المقدسة في دعوته الصفوية.
طائفية الحكم
منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م أخذت إيران في استغلال حاجة الإدارة الأمريكية إليها في تلك المعركة، وكانت العراق التي تتمتع بثروة نفطية هائلة، أشبه بفريسة تتقاسمها الذئاب، وظهر ذلك جلياً حينما استجابت واشنطن لمطالب إيران بتعزيز النفوذ الشيعي في مراكز الحكم، وظهر ذلك حينما تم تأسيس مجلس الحكم في شهر يوليو 2003 برئاسة بول بريمر، حيث ضم 13 عضواً من الشيعة مقابل أربعة أعضاء فقط من السنة.
وفي يونيو 2006 تم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة إياد علاوي، واختصر تقييم الموقف في تلك الفترة محلل سياسي قائلاً(4): "ظل العرب السنة بصورة لافتة غير ممثلين في المفاوضات التي سبقت تشكيل تلك الحكومة". وعلاوي هو سليل أسرة عراقية شيعية تنحدر من أصول إيرانية حصلت على الجنسية من الملك فيصل الأول في نهاية 1930 مقابل الولاء الكامل للبلاط.
وفي عام 2005 عقدت انتخابات الجمعية الوطنية وقامت الميليشيات الشيعية بالضغط على المواطنين للمشاركة لتعزيز حصتهم في الجمعية الوطنية، وكانت المرجعية الشيعية في النجف لها أثر كبير على الساحة السياسية، إضافة إلى سيطرتها على وسائل إعلام متعددة، وفي الجهة المقابلة رفض العرب السنة المشاركة في الانتخابات، فكانت نسبة المشاركة في المناطق الشيعية 80%، و90% في المناطق الكردية. وبذلك خرجت الانتخابات بنتائج تصب في مصلحة الشيعة، حيث حصل الائتلاف العراقي الموحد (شيعي) على 140 مقعداً، وحصلت قائمة علاوي على 40 مقعداً، والتحالف الكردستاني على 75 مقعداً، وتوزعت بقية المقاعد على أحزاب صغيرة بمعدل مقعد أو مقعدين على الأكثر لكل حزب، وكان الفوز ساحقاً للكتل الشيعية.
وعلى أثر تلك النتائج تولى جلال الطالباني رئاسة الجمهورية، وإبراهيم الجعفري رئاسة الوزراء، وتشكلت 17 وزارة شيعية و7 للأكراد و8 للعرب السنة، وجددت هذه الأحداث العنف الطائفي في البلاد، لا سيما بعد أن تولى باقر جبر صولاغ وزارة الداخلية وجعل من سجونها مراكز لتعذيب أهل السنة العرب.
في عام 2010 نُظمت انتخابات رفضتها هيئة علماء المسلمين واعتبرتها غير شرعية في ظل وجود الاحتلال الأمريكي، وحافظ العرب السنة على موقفهم الرافض لتلك الانتخابات التي قامت أساساً على مسودة دستور استندت إلى نسخة معدلة من قانون إدارة الدولة المؤقت الذي اعتمدته سلطة بول بريمر.
كانت هذه الانتخابات مبنية على أسس طائفية وعرقية، إذ اعتمدت المحاصصة المبنية على ثلاثة كيانات سياسية، وهي: "الأكراد، والشيعة، والسنة العرب". ولم تكن إيران بعيدة عن التغلغل في الشأن السياسي العربي، حيث استغلت تلك الأوضاع لبناء جسر تنفذ من خلاله مشروعها الاستعماري في العراق.
ولم تكن الإدارة الأمريكية بعيدة عن نتائج الانتخابات، إذ تلاعبت بها لترسيخ مفهوم الأغلبية الشيعية والأقلية السنية؛ لتظهر للعالم أن الأكثرية يؤيدون المشروع الأمريكي، وأن الرافضين لذلك المشروع هم قلة، وهذا الأمر سيسهل عليها الكثير من العمل في العراق. وفي تصريح لجو بايدن نائب الرئيس الأمريكي عقب ظهور النتائج: "إن إيران أنفقت 100 مليون دولار للتأثير على نتائج الانتخابات".
استخدمت الأحزاب الشيعية تفعيل هيئة اجتثاث البعث كوسيلة للإقصاء السياسي ضد العرب السنة، لا سيما بعد أن بدؤوا بالتفاعل الكبير مع الحراك السياسي الداخلي، وكان يترأس هذه الهيئة أحمد الجلبي، وهو عراب البيت الشيعي، واعترفت الإدارة الأمريكية بتأثير إيران في هذه الهيئة، حيث تمكّنت من إقصاء شخصيات لها وزنها مثل صالح المطلك، وظافر العاني، وأكثر من 500 شخصية سياسية.
خلال سنوات الاحتلال حتى يومنا هذا أصبحت الفوضى الأمنية غطاء كافياً لتقوم الميليشيات الشيعية بتصفية الوجود العربي السني، وقامت بحملة ممنهجة لتصفية أهم رموز أهل السنة الدينية والعلمية والعسكرية، خاصة في العاصمة بغداد وفي المناطق الجنوبية، وقامت الميليشيات العسكرية الشيعية، بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي؛ بتدمير كثير من المدن السنية مثل: الفلوجة، وتلعفر، والعبيدي، وسامراء، وبروانة... وغيرها، وصاحب هذه العمليات العسكرية اعتقالات واسعة وتهجير كبير للأسر السنية، وإفراغ مناطق واسعة، وخاصة في بغداد، من أي وجود سني.
وحرصت الحكومة العراقية على القيام بالتضييق على أي وجود مؤسّسي سني فاعل ابتداء بهيئة علماء المسلمين وانتهاء بعملية الإقصاء الممنهج لأهل السنة في المناصب والإدارات الحكومية.
نتج عن سياسة المحاصصة التي رعتها الإدارة الأمريكية في تأسيس النظام الجديد في العراق، سيطرة الميليشيات الشيعية على مراكز القوة في الدولة، مثل: وزارة الداخلية، والدفاع، والنفط، وغيرها من الوزارات، حيث تم دمج ميليشيات شيعية مثل بدر وجيش المهدي، وكذلك البشمركة، في قطاعات الجيش المختلفة. وكل ذلك هدفه إقصاء العرب السنة وتشييع العاصمة بغداد من خلال عملية يقودها إبراهيم الجعفري. وبعد أن تم تبني مشروع الصحوات من خلال عناصر سابقين في الجيش، أخذ نوري المالكي يضم 17 ألف مسلح للجيش ليكونوا تحت إدارته المباشرة وغير خاضعين لوزارة الدفاع، وقام بإرسال المقربين منه على رأس الوفود التي تبرم عقود التسليح ليتمكن من تشكيل قوة خاصة به، وغضت الإدارة الأمريكية الطرف عن هذه القوة التي أصبحت أداة فاعلة في المدن العراقية لتنفيذ مخططاته.
ويتجمع العرب السنة تحت تكتلات سياسية وعسكرية تشمل كلاً من:
- المجلس السياسي للمقاومة العراقية.
- جبهة الجهاد والتغيير.
- فصائل تنظيم دولة العراق الإسلامية.
- جبهة الجهاد والتحرير.
- جماعة أنصار الإسلام.
- عصائب العراق الجهادية.
التقسيمة النيابية التي أفرزتها الانتخابات الحالية، أظهرت ظلماً شديداً وقع على محافظات (نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وبابل)، وذلك أثر سلباً في توزيع المناصب الحكومية، وبعد هذه النتائج أخذت جبهة التوافق العراقية على عاتقها الدفاع عن جميع العراقيين ومساعدتهم على استعادة حقوقهم.
وحينما نذهب للاطلاع على بعض الإحصائيات الخاصة بالتشكيلات الإدارية في المؤسسات والوزارات الحكومية العراقية؛ فإننا نلاحظ بشكل كبير تأثير الطائفية في هذا الجزء من الدولة.
من صفحات التاريخ التي دوّنت تاريخ العراق منذ قرون، ومن الواقع الذي أمامنا؛ نستنتج أن العرب السنة في العراق منذ الفتح الإسلامي هم أساس وحدة العراق، وتحملوا مسؤولية رعاية الآخرين؛ لأنهم أهل خلافة ودولة، لكن الصفوية الفارسية استغلت قدرة الخلافة العثمانية على احتواء الآخرين وعززت قوتها هناك، وبدأت تنتشر مثل السرطان في جميع مفاصل الجسد العراقي، ثم بدأت تمارس الإقصاء والتنكيل بالآخر للحفاظ على وجودها.. ولمكانتها التاريخية والاقتصادية ظلت العراق محط أطماع المستعمرين حتى الغزو الأمريكي الأخير الذي جاء لغايتين، أولاهما: تحطيم الدرع العربي الوحيد الذي استطاع النيل من الرافضة في إيران لعقود، ثم تحقيق مصالح أمنية يستفيد منها الكيان الصهيوني وإيران في الوقت نفسه، وكذلك مصالح اقتصادية الرابح الأول منها الإدارة الأمريكية التي كانت تعيش في عمق أزمة اقتصادية كبيرة، لذلك ساعدت الأخيرة على وجود فوضى أمنية لتدمير أركان المجتمع علمياً وأخلاقياً واقتصادياً وللتفرغ هي وإيران لتقاسم الأدوار هناك. وسيبقى تقسيم العراق إلى أقاليم مطلباً قوياً للاستعمار وحلفائه لحصر العرب السنة في منطقة ضيقة تشمل صلاح الدين والموصل والأنبار، وتجريدهم من مصادر قوتهم. ومن ذلك يجب أن يرى العرب السنة كيانهم المنهار ويحاولوا إصلاح قدر ما يستطيعون؛ ليقفوا في وجه هذا العدوان والسرطان المميت الذي تقوده إيران وتساندها فيه الولايات المتحدة الأمريكية. ويبقى في نهاية المطاف أمر تجب الإشارة إليه، وهو أن أمريكا لم تأتِ إلى العراق لمحاربة "الإرهاب"، كما زعمت، ولا للقضاء على صدام حسين؛ بل جاءت لإيجاد مبرّر يبقيها في الشرق الأوسط، لأنها تشعر أن وحدة أهل السنة تمنعها من استغلالهم وابتزازهم اقتصادياً، لذلك أرادت أن تدمّر العراق وتبقي الفوضى فيه؛ ليسهل على إيران أن تبقي مدافعها مصوّبة نحو بلدان الخليج العربي، وبذلك تأمن "إسرائيل" وتستحوذ أمريكا وإيران على مقدرات العراق، وتعقد مصانع الأسلحة الأمريكية مزيداً من صفقات السلاح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مارينا أوتاوي، العراق: حكم مشترك (أمريكي - إيراني) مضطرب.
(2) كتاب العرب السنة، ص 57 - 58.
(3) مدافع آيات الله، ص 137، محمد حسنين هيكل.
(4) العرب السنة في العراق، ص 81، مؤلفون.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top