0
موقف الصحابة وأبنائهم من ثورة الحسين رضي الله عنهم
يتفق الباحثون على أن أحداث التاريخ متباينة في تداعياتها، فهناك أحداث تداعياتها لا تتعدى لحظتها، و هناك أخرى لها تداعيات صغيرة المدى و متوسطة، وأخرى طويلة المدى تخترق الزمن، و تكون تداعياتها دائمة تثير نقاشات مفتوحة على الزمن و اختلافات يؤدي بعضها إلى إراقة الدماء وإلى انقسامات كبرى في المجتمعات البشرية.
و لعل حادث استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه، الذي يصادف العاشر محرم، من هذا النوع، فهو حدث وقع في سنة 62هـ، واستمرت تداعياتها إلى الآن . فقد أدى إلى انقسام سياسي في جسد الأمة الواحدة بين أهل السنة و الجماعة وبين الشيعة، وصل إلى انقسام عقدي عند الغلاة من الشيعة الذين لا يتورعون عن تكفير كل المسلمين الذين لا يوافقونهم في الرأي.
فهذا الحدث تحول عند الشيعة إلى مناسبة لمهاجمة أهل السنة و الجماعة و اتهامهم أنهم يوالون يزيد ويعادون الحسين أو نواصب أي يناصبون أهل البيت العداء ، والمتن التاريخي والكلامي الشيعي يزكي ذلك من خلال استغلال هذه الحادثة لانتقاد بعض الصحابة و أبنائهم الذين عايشوا الحادثة و اتهامهم بأنهم نصروا يزيدا على الحسين و ناصبوه العداء و في أضعف انتقاد اتهامهم بتقاعسهم عن نصرته.
لكن القارئ للمتن التاريخي في المصادر التاريخية المعتبرة من طرف الجميع يلحظ أن هذه الانتقادات متهافتة لا تستند على روايات ذات مصداقية، و القراءة الموضوعية لهذه المصادر تجد أن مواقف الصحابة كانت متباينة حسب اجتهاد كل واحد منهم ، و يمكن إجمالها في ثلاثة مواقف أساسية:
الموقف الأول : الرفض المبدئي من الخروج:
وذلك أنهم رفضوا خروج الحسين أو غيره على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وطلبوا منه عدم المغامرة بنفسه والتزام السكون حتى تتجلى الأمور على حقيقتها واستجلاء هوى الناس ومواقفهم الحقيقية من يزيد ومن ثم عدم إراقة الدماء المسلمين . ويمثله عبد الله بن عمر حيث توضح المصادر أن عبد الله بن عمر عندما علم بخروج الحسين من مكة في اتجاه العراق لحقه وقال له” أين تريد قال: العراق ، وقد كان معه طوامير وكتب ، فقال لا تأتهم،قال هذه كتبهم وبيعتهم،فقال: إن الله خير نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فارجعوا، فأبى فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك الله من قتيل” .
إذاً ابن عمر اقتنع أن مقام أهل بيت النبي أشرف، لأنه مقام احترام و تبجيل و قدوة واتفاق بين أفراد الأمة، أما مقام السلطان فهو مقام تنافس وبغضاء وصراع دائم، وأن الأمرين لا يجتمعان في أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أي محاولة للجمع بينهما لن تكون نتيجتها إلا سلبية، ليس عليه فقط و إنما تطال الأمة ككل. فمكانتهم الاجتماعية باعتبارهم بيت النبوة تجعلهم في مقام القدوة ذات التأثير في المجتمع أكثر من السلطان، وهو نفس موقف جابر وأبي سعيد الخدري…
الموقف الثاني : عدم الثقة في أهل العراق:
رفض بعض الصحابة خروج الحسين إلى العراق بسبب تأكدهم بأنها ليست محل ثقة، وليست الشوكة المطلوب الاعتماد عليها لمواجهة الواقع السياسي الجديد الذي فرضه يزيد بن معاوية ذو الشوكة الصلبة. فمن التجارب السابقة ثبت أن أهل العراق أهل غدر وعدم وفاء ونكث للعهود في اللحظات الحاسمة وعصبية هشة .
تذكر المصادر أن عبد الله بن عباس جاء إلى الحسين فقال له:” يا ابن عم قد بلغني أنك تريد العراق وإنهم أهل غدر وإنما يدعونك للحرب فلا تعجل”، كما جاءه أبوسعيد الخدري فقال: “يا أبا عبد الله إني لك ناصح و مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتك فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم و ملوني وأبغضتهم وأبغضوني وما بلوت منهم وفاء ، ولا لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف” .
وكذلك أبو بكر بن هشام قال : ” كان أبوك أقدم سابقة وأحسن في الإسلام أثرا .. فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه، إلا أهل الشام، وهو أعز منه فخذلوه وتثاقلوا عنه حرصا على الدنيا وظنا بها، فجرعوه الغيظ وخالفوه حتى صار ما صار، ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا وقد شهدت ذلك كله ورأيته، ثم أنت تريد أن تسير إلى الذين عدوا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام، وأهل العراق من هو أعد منك وأقوى والناس منه أخوف وله أرجف، فلو بلغهم مسيرك إليهم لإستطغوا الناس بالأموال وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من وعدك أن ينصرك”..
وقد كان هناك شبه إجماع ممن نصحوا الحسين على هذا الموقف معتمدين في ذلك على تجربة سيدنا علي بن أبي طالب والحسن بن علي، فثبت لديهم أنها عصبية هشة وخادعة تأخذ من اعتمد عليها إلى الهلاك.
الموقف الثالث : المؤيد للخروج والرافض للوجهة:
بعض الصحابة أيدوا بشكل واضح الخروج على يزيد بن معاوية ، باعتباره حاكما غير شرعي، يجب عزله والعمل على إعادة النظام السياسي إلى شرعيته القائمة على الشورى و الانتخاب و ليس على ولاية العهد. بيد أنهم رفضوا رفضا باتا أن يكون العراق هي نقطة الانطلاق، وأكدوا على ضرورة إعلان الثورة من مناطق ذات شوكة حقيقية غير متوهمة ووفاء بالعهود و الوعود.
فتذكر المصادر أن عبد الله بن الزبير عندما بلغه خروج الحسين التقى به واقترح عليه تغيير منطقة إعلان الثورة فقال له: “لو أقمت بمكانك فدعوتنا وأهل الحجاز إلى بيعتك أجبناك وكنا إليك سراعا وكنت أحق بذلك من يزيد و أبي يزيد”، و نفس الرأي تبناه عبد الله بن مطيع إذ نصح الحسين قائلا : “إذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة، فإنها بلدة مشؤومة، بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه، الزم الحرم فانك سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا، ويتداعى إليك الناس من كل جانب، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فو الله لإن هلكت لنسترقن بعدك.”
والرأي نفسه تبناه ابن عباس الذي أضاف اقتراحا آخر لإعلان الثورة وهو اليمن قائلا :”فسر إلى اليمن فان بها حصونا وشعابا وهي أرض عريضة طويلة ولأبيك فيها شيعة”، وهو نفس موقف أخيه محمد الحنفية.
فأصحاب هذا الرأي كانوا على قناعة أن الثورة يجب أن تعتمد على عصبية قوية لها قدرة مادية و خاصة معنوية، لمواجهة الواقع الجديد المفروض بالقوة ، وهذا ما كان متحققا في الحجاز و اليمن و ليس العراق.
الخلاصة:
نستنتج مما سبق أن الصحابة و أبناءهم لم يتخذوا موقفا سلبيا من ثورة الحسين أو شككوا في أهليته أو أفضليته، أو أنهم ركنوا لظلم يزيد وأقروا به، وإنما اختلفوا في تقدير الأمور و التدابير التي يجب اتخادها، فهم كانوا متفقين على رفض الواقع السياسي الجديد، وأن الحسين أفضل من جميع النواحي من يزيد، غير أن البعض منهم فضل التريث و الانتظار حتى التأكد من نوايا الناس و عدم إلقاء النفس للتهلكة في ظل اختلال ميزان القوة بشكل جلي وبالتالي تأجيل فترة الخروج .
كما اعترض البعض على الشوكة التي ستتولى الأمر وتحمل لواء الثورة، فأغلبهم أدرك أن عصبية أهل العراق مغشوشة لا يعول عليها كما دلت على ذلك التجربة التاريخية لسيدنا علي بن أبي طالب، لذلك نصحوا الحسين بضرورة البحث عن عصبية أخرى تكون قادرة على تحمل مسؤوليتها التاريخية في تغيير مسار التاريخ الاسلامي، وتجلت أنذاك في الحجاز خاصة مكة و المدينة أو اليمن. لكن الحسين رفض كل تلك الاقتراحات و اقتنع أنه ملزم أخلاقيا أن يستجيب لدعوة أهل العراق ولو كان فيها هلاكه و هذا ما كان للأسف.
و عليه نؤكد أن الصحابة لم يكن موقفهم سلبيا من حركة الحسين و إنما كلهم أقروا له بالأحقية المبدئية لكنهم اختلفوا معه في التدبير العملي للثورة و هو مناط اجتهاد تختلف فيه الرؤى و المواقف.
وهذا ما يفرض على المفكرين الشيعة العقلاء القيام بمراجعات لمتنهم التاريخي في هذه القضية، وتصفيته من المغالطات الفاحشة الموجودة فيه، كخطوة ضرورية للحد من سوء الفهم مع باقي المسلمين، وسحب البساط من الغلاة الذين يستغلون تلك الروايات من أجل إشعال الفتنة و الوغل في دماء المسلمين كما يحدث في العراق وسوريا .
المصدر: إسلام أون لاين.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top