0

حقيقة قبر قاتل (عمر بن الخطاب) في إيران

خرج علينا "مجتبى أماني" القائم بالأعمال الإيراني لدى مصر، في برنامج العاشرة مساء خلال مناظرته مع "الشيخ محمد الزغبي"، ليقول عن قبر أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي المسمى عندهم (بابا شجاع) قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله - هذه الشخصية المعظمة، وصاحب القبر المقدس عند آياتهم ومرجعياتهم كما سيأتي بيانه- حيث قال الدبلوماسي الإيراني ما نصه وبلهجته: "ليس ممكن عقلياً وجود جسد لقاتل عمر بن الخطاب داخل إيران.. أسلوب العوام ليس من ضمن عقائد الشيعة.. المقام الذي يتكلمون عنه لا عمري ذهبت إليه، ولا أعرفه!! ولكن هذا المقام ليس منتسب لقاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا في تشابه الاسم.. نحن قمنا بالتصدي لهذا، وأعتقد تكبير هذا الموضوع، لا يوجد هناك مقام لاسم قاتل عمر بن الخطاب، أخذوا تشابه الاسم".

ويتضح من النص السابق أن الدبلوماسي الإيراني يزعم أن هذا القبر من اختراع العوام، وليس له أي علاقة بعقائدهم ومرجعياتهم ومصادرهم المعتبرة، والحقيقة أن ما قاله "مجتبي" يندرج تحت ما يتدينون الشيعة به من التقية التي تجيز لهم أن يقولوا ويكتبوا ما لا يعتقدونه، فهذا القبر موجود ومشهور إلى الآن في مدينة كاشان الإيرانية، وصوره منتشرة على شبكة الإنترنت، وشاهدها الملايين، وقد كتب على مدخله: "بقعة متبركة بابا شجاع الدين أبو لؤلؤة فيروز". وبالداخل كتب بالعربية: "اللهم العن الجبت والطاغوت والنعثل. لعن الله قاتليكي (كذا) يا فاطمة صلوات". والمقصود بالجبت: أبي بكر الصديق، وبالطاغوت: عمر بن الخطاب، بالنعثل: عثمان بن عفان.

قال ابن الأثير في "النهاية" (579): "وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلاً تشبيهاً برجل من مصر كان طويل اللحية اسمه نعثل، وقيل: والنعثل: الشيخ الأحمق".

 

ولأحد آياتهم - وليس من العوام - وهو أبو الحسين الخوئيني كتاباً بعنوان: "فصل الخطاب في مقتل ابن الخطاب، وشهادة الأثر على إيمان قاتل عمر" [الطبعة الأولى 1427هـ - 2006م، الناشر هيئة خدام المهدي عليه الصلاة والسلام] فقال الخوئيني في (ص202-203) من كتابه: "تكريم مزار أبي لؤلوة رحمه الله عند الشيعة: إن الشيعة في – إيران - منذ قديم الزمان قد بنوا على قبر أبي لؤلوة رحمه الله القبة والأبراج، وجعلوا له رواقناً وصحناً، وما زالوا يحسنون بناءه، تعظيماً لشأنه، وتسهيلاً على الزائرين الذين يأتون من كل أقطار العالم الشيعي، متقربين إلى الله تعالى بزيارته، معتقدين بعلو مقامه، وكونه ممن يقضي الله بهم الحاجات، وكل هذا كان بمرأى ومنظر من العلماء الكبار الذين كانوا موجدين في مدينة كاشان مدفن أبي لؤلؤة رحمه الله دار العلم والإيمان.. بل كان أكثر علماء الشيعة يزورونه، خصوصاً في عيد الزهراء عليها السلام حيث يزدحم حرمه الشريف بالعلماء والموالين من كافة المناطق والبلدان".

ثم يذكر كلام المراجع في تعظيم هذا القبر، وفي ذلك يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه "نقد كتاب فصل الخطاب" (ص20): "وحتى يثبت الكاتب ويؤكد على أن ما ذهب إليه في كتابه هذا ليس اجتهاداً فردياً وإنما هو موقف (المذهب.. والطائفة) أورد كلام آيات الله العظمى الوحيد الخراساني، والتبريزي، والسيد محمد اليثربي الكاشاني، في تعظيم الشيعة لقبة أبي لؤلؤة ومزاره وتكريم بقعته المباركة، وشخصيته العظيمة"، فيقول الخوئيني في (ص206-208): "كلام المرجع الكبير آية الله الوحيد دام ظله...: (أنه يوجد عندنا أدلة محكمة ومتقنة تثبت أن السيرة المستمرة للسلف وقدماء الشيعة من قديم الأيام كانت على تعظيم واحترام هذه الشخصية العظيمة). كلام المرجع الكبير آية الله التبريزي دام ظله: لما اطلع المعظم له على ما قمنا به من تجديد القبر وتشييده أظهر السرور والابتهاج الشديد بذلك، ثم خاطبني بكلام تأثرت به كثيراً، حيث قال: (أول ما تتشرف بزيارته ويقع نظرك على قبره سلِّم عليه نيابة عني بهذا السلام: سلام من العبد الحقير لله تعالى إلى عبده الصالح). كلام آية الله السيد محمد اليثربي الكاشاني، قال دام حفظه: "إن لوجود هذا البناء والمزار الشريف في كاشان تأثيراً مهماً في تقوية العقائد القلبية والاستقامة العملية لأهل كاشان، وقد كان آباؤنا والأعاظم من علمائنا منذ قديم الزمان يهتمون بحفظ وحراسة هذه القبة الشريفة حتى أوصلوها إلينا؛ فهي الآن أمانة في أيدينا، فيجب علينا أن نبذل كل جهدنا في سبيل حفظ وحراسة هذا البناء الذي هو أمانة إلهية".

ويقول الدكتور محمد عمارة في "نقد كتاب فصل الخطاب" (ص20): "فإنه لم ينس يحدث القراء عن إعجاز قبر أبي لؤلؤة ومزاره فنقل – المؤلف - عن (دائرة التراث الثقافي لمدينة كاشان): أن الزلزال الذي وقع بالمدينة سنة 1192هـ قد دمر كل المدينة وقتل فيه ثلاثة أرباع السكان، بالمدينة سوى قبة أبي لؤلؤة رحمه الله".

فبعد هذه النقول عن هؤلاء المراجع، ووجود قبر أبي لؤلوة في كاشان، يأتي في زماننا من باب التقية والنفاق آية الله التسخيري فيدعي أن القبر ليس لأبي لؤلوة؛ إنما هو لدرويش عابد!! فقال في البيان الذي وجهه إلى الدكتور محمد سليم العوا في (2/ 6/ 2007م) وجاء فيه:" أود إعلامكم بأن جهودنا أثمرت والحمد لله بإغلاق باب من أبواب الفتنة، فقد رؤي أن قبراً لأحد الدراويش القدامى حوله بعض العوام إلى قبر للمجوسي أبي لؤلؤة، وراحوا يحيطونه بشيء من العناية، ولكن المسئولين هنا أغلقوا الطريق عليهم ومنعوا من تحقق مآربهم، وأرجو أن يمحى تماماً من الوجود".

أراد التسخيري أن يخدعنا بحجة التقريب، أن القبر لدرويش، وأن العوام هم الذين جعلوه قبراً لأبي لؤلوة المجوسي؛ فمن عادة الشيعة قديماً وحديثاً: أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة، ومن المعلوم عند أهل العلماء أن الشيعة أكذب الطوائف.

وعلى نفس المنوال أطل علينا القائم بالأعمال الإيراني ليكرر هذه الأكذوبة المضحكة، أو كما يقال: كذب له قرون!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (150):"ومنهم من يعظّم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلامًا للمغيرة بن شعبة لما قتل عمر، ويقولون: (واثارات أبي لؤلؤة)، فيعظمون كافرًا مجوسيًّا باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر رضي الله عنه".

تقول: "يا ثارات فلان" أي: يا أيها الطالبون بدمه. أو: يا قتلة فلان. فعلى الأول: يكون قد نادى طالبي الثأر ليعينوه على استيفائه وأخذه. والثاني: يكون قد نادى القتلة تعريفاً لهم وتقريعاً وتفظيعاً للأمر عليهم حتى يجمع لهم عند أخذ الثأر بين القتل وبين تعريف الجرم وتسميته وقرع أسماعهم به ليصدع قلوبهم فيكون أنكأ فيهم وأشفى للناس. [انظر: لسان العرب (498)]. و"يا"، و"وا" من أحرف النداء. كما هو معلوم.

وهم يلقبونه: (بابا شجاع الدين) انظر: الكنى والألقاب لعباس القمي (255).

ويعتبر الشيعة الاثني عشرية يوم مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عيداً عندهم، ففي "مختصر التحفة الاثني عشرية" (ص208-209) وهو يعد بعض ما أحدثوه في الدين: "الثاني: إحداثهم عيد أبيهم (بابا شجاع الدين) الذي لقبوا به (أبا لؤلؤة المجوسي) القاتل لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في اليوم التاسع من ربيع الأول بزعمهم.

روى علي بن مظاهر الواسطي عن أحمد بن إسحاق أنه قال: هذا اليوم يوم العيد الأكبر، ويوم المفاخرة، ويوم التبجيل، ويوم الزكاة العظمى، ويوم البركة، ويوم التسلية "؛ بل زعموا أن يوم مقتله رخصة من الله لا يكتب على الناس من ذنوبهم شيئاً. ففي "مختصر التحفة الاثني عشرية" (ص269): "ومن تعصباتهم أنهم يقولون: إن الله تعالى قد أمر الكرام الكاتبين يوم مقتل عمر أن يرفعوا الأقلام ثلاثة أيام عن جميع الخلائق فلا يكتبون ذنباً على أحد. كما رواه علي بن مظاهر الواسطي عن أحمد بن إسحاق القمي عن العسكري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عن ربه جل جلاله. ولا يخفى كذب هذه الرواية وبطلانها".

وأحمد هذا الذي أحدث الاحتفال بمقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، قال عنه الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه على "مختصر الاثني عشرية" (ص209): "أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد القمي الأحوص شيخ الشيعة القميين ووافدهم، زعموا أنه لقي من الأمة أبا جعفر الثاني، وأبا الحسن وكان خاصة أبي محمد، وزعموا أنه حصل على الشرف الأعظم برؤية صاحب الزمان الذي يدعون له بأن يعجل الله فرجه. فهو موضع الثقة من الشيعة بل فوق ذلك". [وانظر: "حتى لا ننخدع" (ص 102) للأستاذ عبد الله الموصلي].

ثم إن الخوئيني في كتابه: "فصل الخطاب في مقتل ابن الخطاب، وشهادة الأثر على إيمان قاتل عمر". ذكر أن أبا لؤلؤة المجوسي، قاتل عمر بن الخطاب: "مسلم.. مؤمن.. من خُلّص شيعة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام". وإن قتله لعمر بن الخطاب إنما كان بإشارة علي عليه السلام ولذلك، فمهمة أبي لؤلؤة رحمه الله لا يُلقاها إلا ذو حظ عظيم؛ إذ على يديه جرى أعظم عمل، ونفذت أكبر مهمة لم يعرفها العالم قبله، ولن يعرفها بعده، وهى كسر أكبر صنم عرفه التاريخ.

ثم يمضي الخوئيني في إيراد تمجد أبا لؤلؤة، وذكر ما يشهد بإيمانه، ناسباً ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ما يشهد على إيمان أبي لؤلؤة ودخوله الجنة. ويقطع بأن أبا لؤلؤة قد فرّ - بعد طعنه لعمر بن الخطاب- من المدينة - وطار إلى كاشان - بفارس- بإعجاز من أمير المؤمنين علي بن أبى طالب- ومات فيها، وقبره هناك معروف يُزار.

ويصف أبا لؤلؤة بأنه: من أبرز مصاديق عنوان المؤمن.. وأن زيارة قبره (في كاشان - بإيران) أولى وأوجب من زيارة سائر المؤمنين.. فهو مبشر بالجنة.. وقتله لعمر كان عملاً جهادياً عظيماً، بدافع ديني سامٍ، مقبولاً عند الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، ولذلك استوجب عليه الجنة.

كما علل الخوئيني إقدام أبي لؤلؤة على قتل عمر بن الخطاب؛ بأن السبب الأصلي كان منع عمر من الدخول بأم كلثوم - بنت علي - التي تزوجها عمر بالإكراه!! فقتله أبو لؤلؤة ليمنعه من الوصول إلى بنت أمير المؤمنين علي؛ لأنها كالقرآن المصون لا يمسه إلا المطهرون.

هذا كلام آية الله الخوئيني. وقد علق عليه الدكتور محمد عمارة في نقده لكتاب الخوئيني، بعنوان: "تقرير عن فحص كتاب فصل الخطاب" (ص14): "ولم يقل لنا الكاتب الذي يتحدث كثيراً عن العقل والبراهين العقلية: إذا كان الإمام علي يملك من المعجزات ما يجعله يحمي أبا لؤلؤة من المحاكمة والقصاص.. ويطيره - قبل اختراع الطيران - من المدينة إلى كاشان –بالمعجزات - فِلَم لم يقم - بواسطة هذه المعجزات - بمنع عمر من الزواج بأم كلثوم؟!".

وأختم بما أرشد إليه الدكتور محمد عمارة كل مسلم من معرفة حقيقة الشيعة وعقائدهم حيث قال (ص21): "فهذا (الفكر الشيطاني) الذي امتلأت به صفحات هذا الكتاب - فصل الخطاب في تاريخ قتل ابن الخطاب، وشهادة الأثر على إيمان قاتل عمر - والذي طفح بثقافة الكراهية السوداء ضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليس مجرد وسوسة شيطانية لمؤلف هذا الكتاب؛ وإنما هو موقف مذهب (الباطنية - الغنوصية) في هؤلاء الصحابة حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صنعهم على عينه، والذين أقاموا الدين، وأسسوا الدولة، وأزالوا طواغيت ذلك الزمان، وفتحوا في ثمانين عاماً أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون، وكانت فتوحاتهم تحريراً لأوطان الشرق، ولضمائر الشعوب، وعقائدها من القهر الحضاري والديني والثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي دام عشرة قرون. نعم إنه فكر شيطاني، تلبس مذهباً وليس مجرد نزوة لمؤلف هذا الكتاب...". فقد أجاد الدكتور عمارة في هذا النقد، فهل بعد هذا من الممكن أن نصدق المجتبى؟!

المصدر البرهان

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top