0

بين جبريل عليه السلام والصحابة رضوان الله عليهم(1)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه وأما بعد:

فلازالَ الحديث مع كلام الرب تبارك وتعالى، نأخذُ منه العبر والدروس العقدية

وقد قال سبحانه وتعالى: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92].

فهو كتابٌ عظيم البركة والنفع لمن أرادَ الانتفاع به، ومع هذا فالأمة بعيدة عن كتاب ربها تبارك وتعالى، وهي أحوجُ ما تكونُ إليه لتأخذ منه العقيدة الصحيحة، والتي هي أساسُ نجاة العبد وفلاحه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

والعجبُ ممن تعلمَّ العلوم الشرعية، وأحاطَ بها، لكنه في غفلة عن كتاب الله تبارك وتعالى؛ لذا تجدُ أمثال هؤلاء يتخبطون في الشرك الصراح – نعوذُ بالله من الخذلان، ونسأل الله التوفيق والإيمان -.

يقول صديق حسن القنوجي – رحمه الله -: (فيالله العجب من قوم ضربوا كسباً لعلوم في الأغوار والأنجاد أكباد المطايا والخيول، ورهطٍ أدركوا من دقائق الفنون كل معروف ومجهول ومحسوس ومعقول.

لكنهم عن درك الحقائق القرآنية العليا والدقائق الحديثية الحسنى بمعزل، حيثُ يعترفون بجهلهم لها وعجزهم عنها.

وفي هذا عبرة بالغة للمعتبرين ممن يعرف مدارك الدين ويخافُ يوماً يقوم الناس فيه لرب العالمين.

ومن ثمَّ تراهم قد وقعوا من الشرك في حيص بيص، وأجابوا من البدع (بنعم) لإبليس. ..

فمن كان شحيحاً بدينه حريصاً على يقينه فعليه أن يصرف ساعة يسيرة من أوقاته الشريفة في الخوض في هذا الكتاب ومبانيه، ويتخذ زاداً كافياً وافياً شافياً لآخرته من محاسن معانيه، فعسى الله أن يهديه إلى الصراط المستقيم، وينقذه – برحمته الواسعة – عن التهافت في نار الجحيم). [1]

ومن هذا وغيره كان على المؤمن أن يتأمل كلام الله تبارك وتعالى ويتدبره ويتفكر معانيه.

أسأل الله أن يفتح عليَّ إنه هو الفتاح العليم.

يقول تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة/97، 98].

معنى الآيتين:

جاءت الآيتان في سياق الرد على اليهود لأنهم يكرهون جبريل – عليه السلام -فيأمرُ الرب تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقولَ لليهود بأنَّ من كانَ عدواً ومعادياً لجبريل عليه السلام بأن جبريل يكفيه شرفاً ومنقبة أنه نزلَّ هذا القرآن من عند الله تبارك وتعالى بإذن الله الكوني والشرعي بالحق.

ثمَّ توعدَّ الرب تبارك وتعالى من كان معادياً لله أو لجبريل أو للملائكة أو لرسل الله سبحانه فإنَّ الله سبحانه عدوٌ للكافرين.

قال ابن سعدي – رحمه الله – أي: (قل لهؤلاء اليهود، الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان بك، أن وليك جبريل عليه السلام، ولو كان غيره من ملائكة الله، لآمنوا بك وصدقوا، إن هذا الزعم منكم تناقض وتهافت، وتكبر على الله، فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبك، وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك، والله هو الذي أمره، وأرسله بذلك، فهو رسولٌ محض.

مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض، وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي، لمن آمن به، فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك، كفر بالله وآياته، وعداوة لله ولرسله وملائكته، فإن عداوتهم لجبريل، لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله.

فيتضمن الكفر والعداوة للذي أنزله وأرسله، والذي أرسل به، والذي أرسل إليه، فهذا وجه ذلك). [2]

[1] -الدين الخالص 1 / 4.

[2] -تفسير السعدي ( ج 1 / ص 60).

المصدر: موقع العقيدة والحياة.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top