وحدة العراق مشروع باتت إيران الخاسر الأول في حال تحققه، ووحدة
اليمن مشروع نابذ للنفوذ الإيراني، وقوة الدولة في لبنان رسالة موجهة ضد
إيران، ووحدة سوريا وإسقاط نظام القتل فيها هو تقويض لمشروع إيران في
المنطقة.
العالم الذي لم يتوقف كثيرا في وجه عملية القتل والتدمير الممنهج للدولة السورية، هو مساهم في هذه الإبادة التي تتعرض لها سوريا اليوم. ليس من باب المصادفات أن تحظى إيران عمليا بتغطية دولية لتنفيذ سياساتها في المنطقة العربية، فيما أيّ محاولة لمواجهة هذه السياسة يجري إحباطها بوسائل شتّى، ولعلّ سلاح الحرب على الإرهاب هو أبرز الأسلحة التي تتناغم على وقع سنفونيتها القاتلة الأيديـولوجيا الحـاكمة في إيـران والسياسات الدوليـة في المنطقـة وعلى رأسها الإدارة الأميركية وروسيا بالدرجة الأولى.
لعلّ الذين واكبوا صعود إيران مع انتصار الثورة الإسـلامية وتثبيت حكمها قبل نحو أربعة عقود، لاحظوا أنّ إيران الثورة طالما رفعت شعار الوحدة الإسلامية وتصدير الثورة، وارتكزت في أيديولوجيتها على مقولة أنّ إيران تريد أن تقدّم للعالم نموذجاً للإنسانية بديلا عن الليبرالية الغربية والرأسمالية الممثلتين بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية آنذاك، وعن النمـوذج الاشتراكي والنظـرية المـاركسية الممثلـين بالاتحـاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية في ذلك الحين.
ويذكر هؤلاء شعارا طالما كانت تردده القيادة الإيرانية والمعبر عن هذه الوجهة وهو “لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية”، وزيادة على ذلك تبنت الأيديولوجيا الإيرانية الشعار الشهير “الموت لأميركا” وهو الشعار الأكثر شهرة وانتشارا في أدبيات الثورة الإيرانية وفي شوارعها والذي أطلّت من خلاله على العالم ولا سيما الدول العربية التي عانت ولا تزال من السياسة الأميركية المنحازة ضد قضـايا المنطقة ولا سيما القضية الفلسطينية.
وفي خضم هذه المواجهة التي خاضتها الأيديولوجيا الإيرانية خاصة في العالم العربي، بعناوين شتى أبرزها العداء لأميركا، ومشروع الوحدة الإسلامية، والتي نجحت من خلالها في استثمار تراجع تجربة الأحزاب الشيوعية والقومية العربية، وأظهرت إلى حدّ ما كفاءة في النفاذ إلى القضية الفلسطينية عبر الاستثمار بالانقسام الفلسطيني من خلال دعمها لكل القوى التي تخاصم منظمة التحرير الفلسطينية وزعامة ياسر عرفات. وإلى هذا الاختراق كان الإرهاب هو ما التصق بسياسة إيران ولا سيما البعد الأمني الذي مثلته عمليات تفجير في أوروبا وتنفيذ اغتيالات وخطف رهائن وتفجير سفارات أميركية وغربية وعربية، قامت بها مجموعات أمنية سرية كانت أبرزها منظمة الجهاد الإسلامي التي كان الحرس الثوري يرعاها كما هو معروف وبشكل غير معلن.
الخطاب الأيديولوجي الإيراني الذي كان يرد على تهمة الإرهاب آنذاك، ينطلق من أنّ هذه التهمة هي محل فخر ضمني، ولم تكن قبل الربيع العربي إلا تعبيرا عن أسلوب استعماري لمواجهة حركات التحرر في العالم العربي والإسلامي، وهي من المصطلحات التي كان يمنع إيرادها في وسائل إعلام تابعة لإيران باعتبارها محاولة أميركية وغربية لوصف كل ما هو ثوري حقيقي وضد الاستعمار الغربي.
في بداية الربيع العربي بدت الأيديولوجيا الإيرانية أمام إرباك حقيقي، تمثل في أنّ ثمة في العالم العربي من يمكن أن ينتفـض ضـد الأنظمـة الاستبـدادية من دون أن تكون لا الأيديولوجيا الإيرانية ولا إيران نفسها وراء انتفاضته، كما حصل في مصـر وليبيا وتـونس، لـذا سـارعت في خطـوة تنمّ عن هذا الإرباك وفي محاولة ماكرة إلى إطلاق تسمية الصحوة الإسلامية على الحراك المدني في الدول العربية، وعقدت في سبيل تثبيت هذه التسمية ثلاثة مؤتمرات في طهران وحضرتها شخصيات عربية وإن بشكل خجول، لكن المفارقة أنّ إيران رفعت شعار الإسلام في مواجهة حراك له طابع مدني، وعندما برزت الهوية الإسلاميـة لدى جـزء من هذا الحراك، تراجعت واتهمته بالتكفير.
وبمعزل عن التقييم لهذا الحراك وتحولاته، فإنّ الثابت أنّ إيران التي كانت مسبـوقة بمشهـد الثـورة الخضراء قبل عامين من انطـلاق الربيع العـربي، تتعـامل بشـراسة مع أيّ محاولة تغيير في العالم العـربي وفي دول الربيع العـربي لا تكـون هي مرجعيته، أو مصدر إلهامه أو قاعدته الأساس.
إزاء هذا الحراك التغييري وجدت إيران أنّ نظام مصالحها الإقليمي والدولي لا يستند إلى واقعها الاقتصادي المتدهور، ولا إلى نموذج تنموي ناجح، ولا إلى نموذج في الحكم يشكل قوة جذب لدعاة التغيير والانتقال من الأنظمة الشمولية إلى أنظمة تحتـرم خيارات الشعوب وإرادة الفرد.
والأهم أنّه نقيض كل الشعارات التي رفعتها عن وحدة المسلمين ومعاداة المستعمرين.
نظام مصالح إيران قائم على نفوذها في المنطقة العربية والذي كانت فرصة تعزيزه على حساب الخراب الذي ينكشف اليوم على نفوذ إيراني متنام ليس بقوة الوحدة بل بقوة تدمير المجتمعـات، وليـس من خلال بنـاء علاقات تعـاون مع الـدول العربية بل على مشروع انهيار هذه الدول وتجزئتها، وليس في مواجهة إسرائيل والاحتلال الصهيوني، بل على أساس تفجير الخلافات المذهبية والدينية، وكل ذلك يوازيه أنّ الأيديولوجيا الإيرانية وأدواتها في المنطقة باتت أول من يتبنى ويدعو إلى الحرب على الإرهاب، ولو على حساب زيادة نفوذ الدول الكبرى وبالتعاون معها.
ما تقوله الوقائع اليوم أنّ وحدة العراق هي مشروع باتت إيران الخاسر الأوّل في حال تحققه، ووحدة اليمن مشروع نابذ للنفوذ الإيراني، كذلك فإنّ قوة الدولة في لبنان هي رسالة موجهة ضد إيران، أما سوريا فالوقائع تقول إنّ وحدة سوريا وإسقاط نظام القتل فيها هو تقويض لمشروع إيران في المنطقة من خلال تقويض الهلال الشيعي، نعم إيران تتقرب من روسيا من خلال دمار سوريا، وتتقرب من واشنطن من خلال الانخراط في مشروع الحرب على الإرهاب في العراق، وتُطمئن إسرائيل من خلال الزج بعشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة في لبنان في الحرب السورية وفي مشروع تعميق الشرخ بين السنة والشيعة على حدود إسرائيل.
المشروع الإيراني في ما يعبر عنه قادة الحرس الثـوري بعد مجزرة حلب، من انتصار للثورة الإسلامية هو على أرض الواقع أكبر مشروع تدميري لسوريا ويستكمل مشروع تدمير العراق، فيما نصر الحرس الثوري يستكمل وجوهه حتى تحقيق الحلم الإيراني بأن يكون معتمدا أميركيا في حكم منطقة لا يريد أن يعترف بها إلاّ باعتبارها كيانات مذهبية وطائفية وإثنية لا تستحق أن تكون دولة. فكيف أن تكون خير أمة أخرجت للناس؟
العرب - علي الأمين
العالم الذي لم يتوقف كثيرا في وجه عملية القتل والتدمير الممنهج للدولة السورية، هو مساهم في هذه الإبادة التي تتعرض لها سوريا اليوم. ليس من باب المصادفات أن تحظى إيران عمليا بتغطية دولية لتنفيذ سياساتها في المنطقة العربية، فيما أيّ محاولة لمواجهة هذه السياسة يجري إحباطها بوسائل شتّى، ولعلّ سلاح الحرب على الإرهاب هو أبرز الأسلحة التي تتناغم على وقع سنفونيتها القاتلة الأيديـولوجيا الحـاكمة في إيـران والسياسات الدوليـة في المنطقـة وعلى رأسها الإدارة الأميركية وروسيا بالدرجة الأولى.
لعلّ الذين واكبوا صعود إيران مع انتصار الثورة الإسـلامية وتثبيت حكمها قبل نحو أربعة عقود، لاحظوا أنّ إيران الثورة طالما رفعت شعار الوحدة الإسلامية وتصدير الثورة، وارتكزت في أيديولوجيتها على مقولة أنّ إيران تريد أن تقدّم للعالم نموذجاً للإنسانية بديلا عن الليبرالية الغربية والرأسمالية الممثلتين بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية آنذاك، وعن النمـوذج الاشتراكي والنظـرية المـاركسية الممثلـين بالاتحـاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية في ذلك الحين.
ويذكر هؤلاء شعارا طالما كانت تردده القيادة الإيرانية والمعبر عن هذه الوجهة وهو “لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية”، وزيادة على ذلك تبنت الأيديولوجيا الإيرانية الشعار الشهير “الموت لأميركا” وهو الشعار الأكثر شهرة وانتشارا في أدبيات الثورة الإيرانية وفي شوارعها والذي أطلّت من خلاله على العالم ولا سيما الدول العربية التي عانت ولا تزال من السياسة الأميركية المنحازة ضد قضـايا المنطقة ولا سيما القضية الفلسطينية.
وفي خضم هذه المواجهة التي خاضتها الأيديولوجيا الإيرانية خاصة في العالم العربي، بعناوين شتى أبرزها العداء لأميركا، ومشروع الوحدة الإسلامية، والتي نجحت من خلالها في استثمار تراجع تجربة الأحزاب الشيوعية والقومية العربية، وأظهرت إلى حدّ ما كفاءة في النفاذ إلى القضية الفلسطينية عبر الاستثمار بالانقسام الفلسطيني من خلال دعمها لكل القوى التي تخاصم منظمة التحرير الفلسطينية وزعامة ياسر عرفات. وإلى هذا الاختراق كان الإرهاب هو ما التصق بسياسة إيران ولا سيما البعد الأمني الذي مثلته عمليات تفجير في أوروبا وتنفيذ اغتيالات وخطف رهائن وتفجير سفارات أميركية وغربية وعربية، قامت بها مجموعات أمنية سرية كانت أبرزها منظمة الجهاد الإسلامي التي كان الحرس الثوري يرعاها كما هو معروف وبشكل غير معلن.
الخطاب الأيديولوجي الإيراني الذي كان يرد على تهمة الإرهاب آنذاك، ينطلق من أنّ هذه التهمة هي محل فخر ضمني، ولم تكن قبل الربيع العربي إلا تعبيرا عن أسلوب استعماري لمواجهة حركات التحرر في العالم العربي والإسلامي، وهي من المصطلحات التي كان يمنع إيرادها في وسائل إعلام تابعة لإيران باعتبارها محاولة أميركية وغربية لوصف كل ما هو ثوري حقيقي وضد الاستعمار الغربي.
في بداية الربيع العربي بدت الأيديولوجيا الإيرانية أمام إرباك حقيقي، تمثل في أنّ ثمة في العالم العربي من يمكن أن ينتفـض ضـد الأنظمـة الاستبـدادية من دون أن تكون لا الأيديولوجيا الإيرانية ولا إيران نفسها وراء انتفاضته، كما حصل في مصـر وليبيا وتـونس، لـذا سـارعت في خطـوة تنمّ عن هذا الإرباك وفي محاولة ماكرة إلى إطلاق تسمية الصحوة الإسلامية على الحراك المدني في الدول العربية، وعقدت في سبيل تثبيت هذه التسمية ثلاثة مؤتمرات في طهران وحضرتها شخصيات عربية وإن بشكل خجول، لكن المفارقة أنّ إيران رفعت شعار الإسلام في مواجهة حراك له طابع مدني، وعندما برزت الهوية الإسلاميـة لدى جـزء من هذا الحراك، تراجعت واتهمته بالتكفير.
وبمعزل عن التقييم لهذا الحراك وتحولاته، فإنّ الثابت أنّ إيران التي كانت مسبـوقة بمشهـد الثـورة الخضراء قبل عامين من انطـلاق الربيع العـربي، تتعـامل بشـراسة مع أيّ محاولة تغيير في العالم العـربي وفي دول الربيع العـربي لا تكـون هي مرجعيته، أو مصدر إلهامه أو قاعدته الأساس.
إزاء هذا الحراك التغييري وجدت إيران أنّ نظام مصالحها الإقليمي والدولي لا يستند إلى واقعها الاقتصادي المتدهور، ولا إلى نموذج تنموي ناجح، ولا إلى نموذج في الحكم يشكل قوة جذب لدعاة التغيير والانتقال من الأنظمة الشمولية إلى أنظمة تحتـرم خيارات الشعوب وإرادة الفرد.
والأهم أنّه نقيض كل الشعارات التي رفعتها عن وحدة المسلمين ومعاداة المستعمرين.
نظام مصالح إيران قائم على نفوذها في المنطقة العربية والذي كانت فرصة تعزيزه على حساب الخراب الذي ينكشف اليوم على نفوذ إيراني متنام ليس بقوة الوحدة بل بقوة تدمير المجتمعـات، وليـس من خلال بنـاء علاقات تعـاون مع الـدول العربية بل على مشروع انهيار هذه الدول وتجزئتها، وليس في مواجهة إسرائيل والاحتلال الصهيوني، بل على أساس تفجير الخلافات المذهبية والدينية، وكل ذلك يوازيه أنّ الأيديولوجيا الإيرانية وأدواتها في المنطقة باتت أول من يتبنى ويدعو إلى الحرب على الإرهاب، ولو على حساب زيادة نفوذ الدول الكبرى وبالتعاون معها.
ما تقوله الوقائع اليوم أنّ وحدة العراق هي مشروع باتت إيران الخاسر الأوّل في حال تحققه، ووحدة اليمن مشروع نابذ للنفوذ الإيراني، كذلك فإنّ قوة الدولة في لبنان هي رسالة موجهة ضد إيران، أما سوريا فالوقائع تقول إنّ وحدة سوريا وإسقاط نظام القتل فيها هو تقويض لمشروع إيران في المنطقة من خلال تقويض الهلال الشيعي، نعم إيران تتقرب من روسيا من خلال دمار سوريا، وتتقرب من واشنطن من خلال الانخراط في مشروع الحرب على الإرهاب في العراق، وتُطمئن إسرائيل من خلال الزج بعشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة في لبنان في الحرب السورية وفي مشروع تعميق الشرخ بين السنة والشيعة على حدود إسرائيل.
المشروع الإيراني في ما يعبر عنه قادة الحرس الثـوري بعد مجزرة حلب، من انتصار للثورة الإسلامية هو على أرض الواقع أكبر مشروع تدميري لسوريا ويستكمل مشروع تدمير العراق، فيما نصر الحرس الثوري يستكمل وجوهه حتى تحقيق الحلم الإيراني بأن يكون معتمدا أميركيا في حكم منطقة لا يريد أن يعترف بها إلاّ باعتبارها كيانات مذهبية وطائفية وإثنية لا تستحق أن تكون دولة. فكيف أن تكون خير أمة أخرجت للناس؟
العرب - علي الأمين
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).