إن الحمد لله، نحمده ونستعينه
ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا
مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين،
وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله،
وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله سلم وآله وسلم، وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد؛
يشكل على البعض القول بأن كتب
أهل السنة مليئة بالأحاديث التي يرويها الصحابة، بينما لا نجدها تحوي من
الأحاديث التي يرويها علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) الذين
تربوا في أحضان النبي (صلى الله عليه وسلم) ورأوه أكثر مما رآه غيرهم إلا
القليل؟ فهل السبب هو عدم وجود طريق صحيح إليهم؟ أم ماذا؟... إلى آخر هذه
الشبهات.
والردّ على هذه الشبهة أن مقياس
كثرة الروايات لا علاقة لها بالقُرب من النبي (صلى الله عليه وآله سلم) أو
البُعد عنه، ولا تقدّم الإسلام أو تأخّره؛ وإنما المقياس التفرّغ لهذا
الشأن، والتحديث بما سُمِع. فأحاديث أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) مثلاً
قليلة، وذلك لاشتغاله بأعباء الخلافة، وبحروب الردّة. وكذلك الفاروق عمر
(رضي الله عنه). وهذا خالد بن الوليد قليل الحديث جداً، وذلك لاشتغاله
بالجهاد والمرابَطة. وكذا الكثير من الصحابة (رضي الله عنهم).
ومن جانب آخر، فالحسن (رضي الله
عنه) وُلِد في السنة الثالثة للهجرة، والحسين (رضي الله عنه) ولد بعده
بسنة؛ فعلى هذا تكون أعمارهم قُرابة السبع والست سنوات عند موت النبي (صلى
الله عليه وآله سلم)؛ وهما يُعدّان من صغار الصحابة. وأما أمير المؤمنين
عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) فإن مروياته عند أهل السنة أكثر من
مروياته عند غيرهم، وهو أكثر الخلفاء الراشدين رواية، وذلك لتأخّر وفاته
وكثرة الرواة عنه.
أما المكثرين من الصحابة كعائشة،
وأبي هريرة، والعبادلة، وغيرهم: فقد جاء عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ذكر
بعض أسباب ذلك بقوله: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة! ولولا آيتان في كتاب
الله ما حدثت حديثاً، ثم يَتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} إلى قوله {وَأنا التَّوّابُ الرَّحِيمُ}.
إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من
الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله
(صلى الله عليه وآله سلم) بِشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا
يحفظون. متفق عليه.
إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل الراوي أكثر أو أقل من غيره في الرواية.
ثم أعلم أن آل البيت ليسوا
محصورين بأصحاب الكساء وذريتهم (رضي الله عنهم) فحسب، بل هم أعم من هذا
الحصر، كما هو مبين في مظانه. فهذا ابن عباس حبر الأمة وتُرجمان القرآن
(رضي الله عنهما) مثلاً، وهو من سادات أهل البيت، مروياته في كتب أهل السنة
تبلغ الآلاف.
وهناك بحث جميل يبين كثرة روايات
آل البيت (رحمهم الله) في كتب أهل السنة يحمل عنوان "الرد الجلي على شبهة
عدم رواية أهل السنة عن آل علي" جمع فيه مصنفه عشرات الآلاف من الروايات عن
آل علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) من مصادر أهل السنة، فليراجعه من
أراد.
ونسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).