مكانة أهل البيت
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين, وعلى آله وأصحابه الغر الميامين, وعلى التابعين لهم بإحسان ما صرف الله الأيام والشهور والسنين, وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين, أما بعد:
مقدمة:
من أركان الإسلام والإيمان بالله تعالى أن نؤمن بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو عبد الله ورسوله، وأنه سيّد الأولين والآخرين، وهو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، وقد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
ويجب أن نصدقه –عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به، ونطيعه فيما أمر، ونبتعد عما نهى عنه وزجر، وأن نعبد الله على وفق سنته -صلى الله عليه وسلم- وأن نقتدي به دون غيره، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب 21].
كما يجب أن نقدّم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على محبة الوالد والولد وجميع الناس كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (1).
ومحبته الصادقة تكون باتباع سنته والاقتداء بهديه, والسعادة الحقيقية والاهتداء التام لا يتحقق إلا بطاعته، كما قال سبحانه: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [سورة النــور 54].
كما يجب علينا قبول ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن ننقاد لسنته، وأن نجعل هديه محل إجلال وتعظيم، كما قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [سورة النساء 65].
وعلينا أن نحذر من مخالفة أمره -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن مخالفة أمره سبب للفتنة والضلال والعذاب الأليم، حيث قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة النــور 63] (2).
في وجوب محبته وتعظيمه -صلى الله عليه وسلم:
يجبُ على العبدِ أولًا: محبّةُ الله -عز وجل- وهي من أعظم أنواع العبادة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾ [سورة البقرة 165]. لأنه هو الرّبُّ المتفضّل على عباده بجميع النّعم ظاهِرها وباطنها، ثم بعد محبة الله تعالى، تجب محبة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه هو الذي دعا إلى الله، وعرَّف به، وبلَّغ شريعته، وبيَّن أحكامه، فما حصل للمؤمنين من خير في الدنيا والآخرة، فعلى يد هذا الرسول، ولا يدخلُ أحدٌ الجنة إلا بطاعته واتباعه -صلى الله عليه وسلم- وفي الحديث الصحيح: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا, وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ, وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (3). فمحبة الرسول تابعة لمحبة الله تعالى، لازمة لها، وتليها في المرتبة. وقد جاء بخصوص محبته -صلى الله عليه وسلم- ووجوب تقديمها على محبة كل محبوب سوى الله تعالى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (4). بل ورد أنه يجب على المؤمن أن يكون الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ إليه من نفسه، كما في الحديث أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي" فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْآنَ يَا عُمَرُ» (5).
ففي هذا دليل على أن محبة الرسول واجبةٌ ومقدّمةٌ على محبّة كل شيء سوى محبة الله؛ فإنها تابعة لها لازمة لها؛ لأنها محبة في الله ولأجله، تزيد بزيادة محبة الله في قلب المؤمن، وتنقص بنقصها، وكل من كان محبًّا لله فإنما يحب في الله ولأجله.
ومحبّته -صلى الله عليه وسلم- تقتضي تعظيمه وتوقيره واتباعه، وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق, وتعظيم سنته (6).
ومن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- محبة آل بيته وأزواجه رضوان الله عليهم جميعاً، وسنتطرق في موضوعنا هذا إلى الكلام عن آل النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث معرفتهم وحبهم، ومشروعية الصلاة عليهم.
التعريف بآل البيت والمراد بهم:
الآل في اللغة: من الأَوْل، وهو الرجوع, وآلُ الرجل: أهل بيته وعياله؛ لأنه إليه مآلهم، وإليهم مآله, والمراد بآل النبي –صلى الله عليه وسلم- اختلف فيه على أقوال منها:
القول الأول:
أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم: بنو هاشم، وبنو عبد المطلب، أو بنو هاشم خاصة، أو بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب؛ وهذا القول هو اختيار الأكثرين.
ولا شك أن بعضهم أخص بكونه من آل البيت من بعض، فعلي وفاطمة والحسن والحسين –رضي الله عنهم- أخص من غيرهم, ومن أدلة هذا القول:
1ـ حديث (غدير خمّ) عن زيد بن أرقم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- خطبهم، وفيه أنه حث على التمسك بكتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي, أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي, أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟! قال: نعم. رواه مسلم، وفي رواية له: مَن أهل بيته! نساؤه؟ قال: لا وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده".
2ـ حديث عمر بن سلمة قال: نزلت هذه الآية على النبي –صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
[سورة الأحزاب 33]. في بيت أم سلمة، فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»(7).
القول الثاني:
أنهم ذريته وأزواجه خاصة, ومن أدلة هذا القول:
1ـ قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...﴾ إلى قوله –جل وعلا-: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب 32-33]. فدخلن في آل البيت؛ لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه.
2ـ ما جاء في روايات حديث الصلاة على النبي بعد التشهد: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» (8)، قالوا: فإنه مفسر بمثل حديث أبي حميد: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» (9). فجعل مكان الآل الأزواج والذرية مفسراً له بذلك.
3ـ أن الله تعالى جعل امرأة إبراهيم من آله، فقال: ﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ [هود 73]. وقال في لوط: ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [العنكبوت 33].
هل أزواج النبي من آله عليه الصلاة والسلام؟
يأتي إفراد هذه المسألة من أهميتها؛ فالرافضة ينكرون كون أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- من آله، وحجة من ذهب إلى هذا من أهل العلم: حديث زيد وحديث ابن سلمة سالفي الذكر, ويمكن مناقشة الاستدلال بهما كما يلي:
أولاً: حديث زيد، إنما وقع فيه نفيه في الرواية الثانية على أن يكون المراد بأهل بيته نساؤه فقط دون غيرهن، ولذا: قال في الرواية الأولى: (نساؤه من أهل بيته)، فأثبت كونهن من أهل بيته، ونفى كونهن أهل بيته دون غيرهن، ويحتمل أيضاً: أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث بالآل الذين حرموا الصدقة استقلالاً، وهم قرابته دون أزواجه، ولكن الاحتمال الأول أرجح؛ جمعاً بين الروايتين، وجمعاً أيضاً بين القرآن والأحاديث المتقدمة.
ثانياً: وأما استدلالهم بحديث عمر بن سلمة، فمناقشته من أوجه:
1ـ أن الحديث يحمل على أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ألحق أهل الكساء بحكم هذه الآية، وجعلهم أهل بيته، كما ألحق المدينة بمكة في حكم الحرَمِيّة، وعليه: فأهل الكساء جُعلوا من أهل بيته بدعائه، أو بتأويل الآية على محاملها.
2ـ أن الحديث لا يقتضي حصر آل البيت في أولئك؛ لما جاء في الرواية الأخرى: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ» (10). وهذا غايته أن قرابته أحق بهذه التسمية، وليس فيه إخراج الأزواج من الآل.
3ـ أن قصر أهل البيت على المذكورين في الحديث يقتضي أن تكون الآية مبتورة عما قبلها وما بعدها.
4ـ أن قوله لأم سلمة حين قالت: "وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: «أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ» (11). ليس فيه ما يفيد منعها من ذلك؛ لأن المراد أن ما سألته من الحاصل؛ لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها، فليست هي بحاجة إلى إلحاقها به.
وبعد هذه المناقشة يتبين أن القول الذي تجتمع به الأدلة هو: شمول الآل للقرابة والأزواج، وهذا القول هو اختيار كثير من أهل العلم، وصححه ابن تيمية.
واليوم فإن نسل البيت الطاهر لم ينقطع، كما دلت أحاديث خروج المهدي على أنه من نسله، ولكن لا يثبت النسب لكل مدع، إذ لا بد من إثبات النسب، فإن كان ذاك فلآل بيت رسول الله ما سيأتي ذكره من الحقوق والواجبات (12).
في فضل أهل البيت وما يجب لهم من غير جفاء ولا غُلُوّ:
نعود ونقول: أهل البيت هم آل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين حَرُمتْ عليهم الصدقة، وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، وبنو الحارث بن عبد المطلب، وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب 33] . قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: ""ثُمَّ الذي لا يشك فيه من تدبّر القرآن، أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- داخلات في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾؛ فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال بعد هذا كله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب 34]. أي: واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله -صلى الله عليه وسلم- في بيوتكن، من الكتاب والسنة, قاله قتادة وغير واحد, واذكرن هذه النعمة التي خُصِصْتُنَّ بها من بين الناس: أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها- أولاهُنَّ بهذه النعمة، وأخصُّهُنَّ من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوحي في فراش امرأة سواها، كما نصَّ على ذلك -صلوات الله وسلامه عليه- وقال بعض العلماء: لأنه لم يتزوج بكراً سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه -صلى الله عليه وسلم- يريد أنها لم تتزوج غيره, ناسب أن تُخصَّصَ بهذه المزية، وأن تُفردَ بهذه المرتبة العليَّة، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته، فقرابته أحق بهذه التسمية" (13).
وأهل السنة والجماعة يحبون أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» (14). وأهل السنة يحبونهم ويكرمونهم؛ لأن ذلك من محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإكرامه، وذلك بشرط أن يكونوا متبعين للسُّنَّة مستقيمين على الملة، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وبنيه، أما من خالف السنة، ولم يستقم على الدين، فإنه لا تجوز موالاته ولو كان من أهل البيت.
فموقف أهل السنة والجماعة من أهل البيت موقف الاعتدال والإنصاف، يتولون أهل الدين والاستقامة منهم، ويتبرؤون ممن خالف السنة وانحرف عن الدين، ولو كان من أهل البيت، فإن كونه من أهل البيت ومن قرابة الرسول لا ينفعه شيئًا حتى يستقيمَ على دين الله، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: "قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل عليه: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء 214]. فقال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا» (15).
وفي الحديث الآخر يقول –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (16). ويتبرأ أهل السُّنَّة والجماعة من طريقة الروافض؛ الذين يُغلون في بعض أهل البيت، ويَدَّعون لهم العصمة، ومن طريقة النواصب الذين ينصبون العداوة لأهل البيت المستقيمين، ويطعنون فيهم، ومن طريقة المبتدعة والخرافيين الذين يتوسلون بأهل البيت ويتخذونهم أربابًا من دون الله.
فأهل السنة في هذا الباب وغيره على المنهج المعتدل، والصراط المستقيم الذي لا إفراطَ فيه ولا تفريط، ولا جفاء ولا غلو في حق أهل البيت وغيرهم، وأهل البيت المستقيمون يُنكرون الغلو فيهم، ويتبرءون من الغُلاة، فقد حرق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنار الغلاة الذين غَلَوا فيه، وأقرّه ابن عباس -رضي الله عنه- على قتلهم، لكن يرى قتلهم بالسيف بدلًا من التحريق، وطلب علي -رضي الله عنه- عبد الله بن سبأ رأس الغُلاة ليقتله؛ لكنه هرب واختفى (17).
هذه هي العقيدة السليمة في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه مكانتهم بين الناس, وكل غلو فيهم أو جفاء فليس من عقيدة أهل السنة والجماعة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري (14) (ج 1 / ص 24) ومسلم (62) (ج 1 / ص 155).
(2) من كتاب التوحيد للناشئة والمبتدئين لعبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف (ج 1 / ص 63).
(3) رواه البخاري (15) (ج 1 / ص 26) ومسلم (60) (ج 1 / ص 152).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري (6142) (ج 20 / ص 314).
(6) استفيد من موقع الشيخ الفوزان.
(7) رواه أحمد والترمذي. وصححه الألباني.
(8)
رواه أبو داود (830) (ج 3 / ص 161), وصححه الألباني في تحقيق سنن الترمذي
برقم (976), وأصله في الصحيحين بلفظ: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).
(9) رواه مسلم (615) (ج 2 / ص 375).
(10) رواه أحمد (16374) (ج 34 / ص 350).
(11) رواه الترمذي برقم (3129) (ج 10 / ص 494) وصححه الألباني في تحقيق سنن الترمذي برقم (3205).
(12) من مجلة البيان العدد100 ص8 ذي الحجـة1416هـ.
(13) انتهى من تفسير ابن كثير (ج 6 / ص -415-416).
(14) سبق تخريجـه.
(15) رواه البخاري (2548) (ج 9 / ص 291) ومسلم (305) (ج 1 / ص 471).
(16) رواه مسلم (4867) (ج 13 / ص 212).
(17) من موقع الشيخ الفوزان.
المصدر: موقع إمام المسجد
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).