مستقبل الوجود الإيراني في جزر القمر في عهد الرئيس إكليل ظنين
خاص بالراصد
د. محمد خليفة صديق – كاتب سوداني
مقدمة:
جمهورية جزر القَمر الاتحادية الإسلامية دولة عربية إفريقية،
عاصمتها موروني، تتكون من أرخبيل جزر صغيرة في جنوب شرق إفريقيا في المحيط
الهندي بين جزيرة مدغشقر وساحل إفريقيا الشرقي، تبلغ مساحتها نحو
(1.862كم2)، وتضم أربع جزر رئيسية هي: القمر الكبرى، وجزيرة إنجوان، جزيرة
موالي أوموهيلي، وجزيرة مايوت أو ماهوري، وهذه الأخيرة يسكنها الكثير من
الأوروبيين، ولا تزال تحت إدارة فرنسا رغم مطالبة جزر القمر بها.
يلفظ اسم جزر القَمر بفتح القاف وليس بضمها كما يفعل البعض،
فالمستعمر الفرنسي غيّر لفظ الاسم وتبعه في ذلك من يتكلمون الفرنسية،
والصحيح هو اسم جزر القَمر بالفتح، وقد دخل الإسلام لهذه الجزر في أواخر
القرن الأول الهجري من خلال العرب المسلمين الذين عرفوها قبل الإسلام،
وكانوا يزورون أهلها بأفواج تجارية، ثم بعد مجيء الإسلام قدموا إليها من
حضرموت وعُمان وسواحل إفريقيا، ومنذ ذلك الحين تمسك الشعب القمري بالإسلام
ومبادئه وتعاليمه، وصمد أمام الاستعمار الذى احتل البلد منذ عام 1841م،
واستقلت جزر القمر من الاحتلال عام 1975م، وانضمت إلى الأمم المتحدة في
العام ذاته، ولمنظمة التعاون الإسلامي عام 1976 ولجامعة الدول العربية في
1993، فهي الآن دولة عربية إسلامية.
شعب جزر القمر مسلم سني بنسبة 99.5 % جلهم متدينون يتبعون
المذهب الشافعي، وهناك نسبة ضئيلة من النصارى الكاثوليك، والحديث الذي
تذكره دائرة المعارف الحسينية عن أن الشيعة يمثلون 5% من السكان تقدير غير
صحيح، حيث أن جزر القمر لم تعرف التشيع إلا متأخرا جدا.
ينحدر القمريون من أصول عرقية مختلفة تزاوجت فيما بينها،
وأعطت شعبًا ظهرت فيه القسمات العربية والإفريقية والآسيوية، وتشكل الأصول
العربية حوالى 35%، والإفريقية 55%، فيما ينتمي بقية السكان لأصول آسيوية
من الملايو وأندونيسيا والصين والهنود، بجانب الأوروبيين المحتلين من فرنسا
والبرتغال وهولندا.
تتمتع جزر القمر بأهمية إستراتيجية نتيجة موقعها الحاكم
كملتقى للطرق الملاحية المتجهة من جنوب آسيا والهند إلى الجنوب الإفريقي
والعكس، ورغم ذلك فالحالة الاقتصادية للشعب القمري ضعيفة جداً فلا يكاد
يتجاوز دخل المواطن 30 دولارا شهرياً، وهو ما يبعث على القلق من استغلال
حالة الفقر المدقع في بث الأفكار غير الصحيحة، وهو كذلك ما حفز انتشار
النفوذ الإيراني بشكل ملفت للنظر مستغلا الحالة الاقتصادية المتردية للشعب
القمري، وتحرص إيران على إبقاء قدم راسخة لها في هذا البلد، لما تتمتع به
هذه المنطقة من موقع حيوي في خارطة العالم، وما يرتبط بذلك من ميزات جيو-
استراتيجية، رغم أن الوجود الإيراني داخل جزر القمر لم يكن مألوفاً قبل فوز
الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي في الانتخابات الرئاسية عام 2006م.
يوجد عدد من المنظمات الإسلامية في جزر القمر، وأول منظمة حطت
رحالها فيها بعد الاستقلال هى رابطة العالم الإسلامي وكان ذلك عام 1982م
وفتحت لها مكتبا هناك، وتم ترفيعها من قبل الحكومة، وتمت معاملتها معاملة
المؤسسات الدبلوماسية، وأنشأت معاهد تعليمية استفاد منها كثير من القمريين،
وتوجد ست مدارس تتبع لها، أنشئت في عهد حكومة الرئيس الأسبق أحمد عبد الله
منذ عام 1400هـ، وتخرج منها الكثير، ثم سافروا إلى الدول العربية فدرسوا
فيها وتعلموا العلوم الشرعية، وتوجد مدارس أخرى كمدارس الإيمان، والمعهد
الإرشادي، ولا توجد مدرسة أهلية أو حكومية إلاّ وتدرس مبادئ الإسلام، ويوجد
في الجزر أيضا كلية الإمام الشافعي للعلوم الشرعية واللغة العربية، ونشأت
أخيرا جامعة جزر القمر، كما وافقت وزارة التعليم العالي السودانية على فتح
فرع لجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية السودانية هناك.
ومن المنظمات الموجودة أيضا جمعية العون المباشر ومنظمة
الدعوة الإسلامية ومؤسسة الإعمار العالمية، وهنالك منظمات قَطرية نشطت في
العمل الخيري بعد مؤتمر الدوحة الخاص بجزر القمر والذي عقد عام 2011م وهى
مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله الخيرية ومؤسسة الشيخ عيد الخيرية والهلال
الأحمر القطري وقطر الخيرية، وهنالك مؤسسات إيرانية، وهنالك مؤسسات غربية،
فالكنيسة الكاثوليكية مازالت موجودة من قبل الاستعمار ولم تخرج معه.
الوجود الإيراني في جزر القمر:
الوجود الإيراني في جزر القمر متعدد الجوانب ثقافيًّا
ودعويًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، وكانت السلطات القمرية تقدم للجانب الإيراني
كل التسهيلات لنشاطهم من مبانٍ إدارية وسكنية، وأراضٍ، وإعفاءات جمركية،
وحصانة دبلوماسية، وأبرز وجوه النشاط الإيراني يتمثل في الآتي:
1- لجنة إمداد الإمام الخميني: وهي في الأصل مركز للمساعدات
الإنسانية واسمه رسمياً (لجنة إمداد الإمام الخميني في جزر القمر المتحدة)،
ومقره على الطريق الرئيس المؤدي لمطار العاصمة، وتقوم هذه اللجنة بأنشطة
إنسانية مختلفة أهمها تنظيم دورات تدريبية مدتها 3 شهور لتعليم الشباب
القمري الحِرف المختلفة (نجارة، كهرباء، خياطة)، وكيفية استخدام أجهزة
الكمبيوتر، وقد قامت اللجنة منذ إنشائها حتى الآن بتنظيم أربع دورات شارك
فيها 800 من القمريين، بمعدل 200 مشارك في كل دورة، أما النشاط الآخر فهو
رعاية الأسر الفقيرة وتقديم الدعم المادي والعيني لهم، ويبلغ عدد الأسر
المستفيدة من المساعدات التي تقدم كل شهرين 500 أسرة قمرية.
وتحت غطاء العمل الإنساني يتم تمهيد الطريق إلى التشييع عبر
دعاة شيعة يخلطون عملهم بالعمل الإنساني، وهناك أيضا شركات جاءت لتنفيذ
مخططات بنائية لإزالة السكن العشوائي يعمل فيها دعاة شيعة، وبعضهم يرفع
العلم الإيراني.
2- مركز التبيان: له فرع في جزيرة أنجوان، ويتكون المركز من
معهد عالٍ للحقوق والعلوم الإسلامية، يمنح درجة الليسانس، ويدرّس الفقه
على المذهب الجعفري، إلى جانب تدريس اللغة الفارسية، وبه مكتبة تضم كتب
ومراجع الشيعة المعتمدة.
وثمة توجه لابتعاث الخريجين المتفوقين في مركز التبيان ومعهده
إلى الخارج للحصول على الماجستير والدكتوراه في سياق السعي لمنافسة وتقويض
جهود كلية الإمام الشافعي ذات المناهج السنية.
3- مستوصف الهلال الأحمر الإيراني: وهو مركز طبي تابع للهلال
الأحمر الإيراني، في العاصمة موروني، ويتركز النشاط الرئيس للمركز في تقديم
أشكال الرعاية الصحية لأفراد الشعب القمري مجاناً أو بأسعار رمزية.
4- الوجود العسكري الإيراني في الجيش القمري والمؤسسات
الأمنية: تشير بعض المعلومات إلى أن هناك عناصر أمنية إيرانية كانت تتولى
مسؤولية الإشراف وتأمين الحماية للرئيس السابق أحمد عبدالله سامبي، ووفقاً
لما أكده أحد السياسيين القمريين؛ فإن تلك العناصر مسؤولة عن تأمين الرئيس
داخل الدولة وفي الرحلات الخارجية التي يقوم بها أيضاً.
5- وجود خبراء أمنيين تحت ستار مهندسين زراعيين في وزارة
الزراعة، في مكتب نائب رئيس الجمهورية المكلف بالإنتاج والزراعة فؤاد
مهاجو، وهو من رجال الرئيس السابق سامبي الأوفياء، وقام خلال الفترة
الماضية بعد تولي الرئيس إكليل مقاليد الحكم بأربع زيارات إلى طهران.
6- تقديم بعثات دراسية منتظمة إلى إيران، وتنظيم رحلات في كل
ستة أشهر لبعض الكوادر والإعلاميين والنواب وكبار الشخصيات والعلماء إلى
طهران، وإرسال بعض الشباب إلى إيران ولبنان لتجييشهم وتكوينهم أمنيًّا
وعسكريًّا.
7- مؤسسة فاطمة الزهراء: هذه المؤسسة مقرها الرئيس في دبي،
وقيل إنها خَصصت مبلغا ضخما لبعض مشاريع البنية التحتية في جزر القمر
لسنوات قادمة.
تلعب المؤسسات الدينية حتى في الدول المجاورة دوراً مهما في
عملية التشيع، منها على سبيل المثال مجمع شباب أهل البيت في كينيا، ووفقاً
لزعيم الشيعة في جزر القمر محمود عبد الله إبراهيم، والذي تحول من المذهب
السني إلى الشيعي عام 2004، أن التوجه نحو التشيع لدى أبناء جزر القمر آخذ
في التنامي، وأنه حتى عام 2006 بداية ما يسمونه التبليغ للتشيع، لم يكن
هناك أي شخص ينتمي للمذهب الشيعي في البلاد، ولكنهم أصبحوا حتى عام 2008م
حوالى 100 شخص.
الدور السابق لمؤسسة الرئاسة في نشر التشيع:
الرئيس السابق لجمهورية جزر القمر أحمد عبدالله محمد سامبي
(2006م -2011م)، تلقى دروسه الثانوية في الجامعة الإسلامية في المدينة
المنورة من 1977 إلى 1980، ثم تابع الدراسة لمدة عام في السودان، قبل أن
يدرس لمدة أربع سنوات في إيران، وكان على المذهب الشافعي قبل ذهابه إلى
هناك، ويعتبر أكثر رؤساء هذه البلاد إثارة للجدل، حيث تصفه الدوائر الشيعية
بأنه أبرز رجال الدين من القارة الأفريقية ممن تتلمذوا على يد المرجع
الشيعي المدرّسي لسنوات في حوزة الإمام القائم، وكان يطلق عليه آنذاك
(السيد أبو أيمن) وذلك بعد أن استبصر على يده وانتقل من المذهب السني إلى
المذهب الشيعي، وتحول إلى مبلّغ كبير للتشيع في جزر القمر، رغم أن سامبي
قال لقناة الجزيرة إنه سني وعلى المذهب الشافعي، حيث يرى البعض أن ذلك
تقية.
عرفت جزر القمر في ظل حكم سامبي افتتاح عدة مراكز إيرانية،
فقد أطلق رئيس الدولة لها العنان ومنحها كل التسهيلات والامتيازات وسخّر
لها أجهزة الدولة المختلفة، لتعمل تلك المراكز على تشييع الشعب القمري تحت
مظلة العمل الخيري والإنساني، وقاد الرئيس السابق تقارباً شديداً مع إيران،
أدى إلى افتتاح الكثير من الحسينيات في البلد السني الخالص، كما افتتحت
معاهد دينية إيرانية، ووصل الأمر إلى تشيع عدد من الطلاب القمريين بعد
الدراسة في الجامعات الإيرانية، إلى جانب أن إيران تولت تدريب وتعليم
الدبلوماسيين القمريين في المعاهد السياسية في إيران.
أول ظهور علني للشيعة في جزر القمر كان في عهد سامبي بخروج
بعض الشباب للاحتفال بذكرى عاشوراء وفق الطقوس الشيعية في عدة حسينيات في
جزيرة انجازيجا وفي جزيرة هنزوان من جزر القمر، وقد أثارت هذه الاحتفالات
استغرابا شديدا في وسط سني لم يتطرق إليه التشيع من قبل، ما أدى لموجة
استنكار من قبل العلماء والدعاة والمواطنين، وفي عهد سامبي تبدل الحال، إذ
أظهر من كان يمارس التقية مذهب الشيعة وأقام الطقوس الشيعية علنا في
الحسينيات.
سياسة إيران في عهد الرئيس سامبي كانت هي الدخول للبلاد من
خلال الخدمات، حيث أنشأت الهلال الأحمر الإيراني، ثم بدأت في إنشاء مركز
التبيان الثقافي الذي يقيم دورات باللغة الفارسية، بعد ذلك أقامت معهد
الحقوق والعلوم الإسلامية، في حين تخرج في المعهد دفعتان، تضم الدفعة حوالي
170 طالباً تقدم لهم خدمات التعليم مجانا، إلى جانب شركات مقاولات إيرانية
يعمل فيها دعاة شيعة، ومنحت الحكومة القمرية مقر وزارة الشؤون الإسلامية
والعدل سابقاً ليكون فرعا لجامعة "قم".
الوجود الإيراني في عهد الرئيس إكليل ظنين:
سعى الرئيس سامبي عبر عدد من المحاولات للبقاء في الحكم
بالسعي لتعديل الدستور، وتمديد فترة الولاية، والتلاعب بنتائج الانتخابات
التشريعية، ولكن تحت ضغوط المعارضة، وافق على التخلي عن الحكم، وإجراء
الانتخابات الرئاسية لتنتقل الرئاسة وفق الدستور إلى جزيرة موهيلي، حيث أن
الرئاسة دورية بين الجزر المكونة للبلاد.
والدكتور إكليل ظنين طبيب صيدلاني ورجل متدين، يحمل درجة
الدكتوراه في الصيدلة، وعمل نائبا للرئيس سامبي، مكلفا بوزارة الصحة، ثم
وزارة المالية، ثم وزارة الزراعة والإنتاج، منذ 2006م، وحتى2011م، حيث تم
انتخابه لتولي رئاسة الجمهورية في جزر القمر.
خلال تولي ظنين منصب نائب رئيس الجمهورية تم تكليفه من قبل
الرئيس سامبي بملف العلاقات القمرية الإيرانية بعد الزيارة الرسمية التي
قام بها وفد إيراني كبير للبلاد، ضمّ عددا من الوزراء ومسؤولين كبارا في
أغسطس 2006، وقد تمخض عن هذه الزيارة التوقيع على اتفاق إطاري للتعاون بين
البلدين في المجالات الزراعية والصحية والتربوية والثقافية والدبلوماسية،
ووقع هذا الاتفاق عن الجانب القمري الدكتور إكليل ظنين، بصفته نائبا لرئيس
الجمهورية المكلف بوزارة الصحة، وقام ظنين خلال السنوات الخمس لحكم الرئيس
سامبي، بأربع زيارات إلى طهران،
حدث تحول كبير في العلاقات مع إيران بعد وصول الرئيس ظنين
للحكم، حيث شهدت العلاقات القمرية الإيرانية تدهوراً منذ العام 2011م حيث
أطلق ظنين حملة غير مسبوقة لتحجيم النشاطات الإيرانية التبشيرية التي سعت
إلى استغلال الفقر في البلاد لنشر التشيع.
وكان البرلمان القمري قد جرّم التحول إلى التشيع، وبذلك كانت
جزر القمر هي الدولة الثانية التي تنهج هذا المسلك القانوني بعد ماليزيا
التي جرّمت التشيع، فقد وضع البرلمان القمري عام 2008 قانونا باسم "قانون
تنظيم الممارسات الدينية في جزر القمر"، وجاء في نص هذا القانون: "إن مذهب
أهل السنة والجماعة تحت المذهب الشافعي، هو المرجع الديني الرسمي والوحيد
المعتبر من قبل الدولة، ويتم حظر جميع الممارسات الدينية التى تخالف مذهب
أهل السنة والجماعة"، ولكن الرئيس السابق سامبي لم يصادق على هذا القانون
طيلة حكمه، فيما تم التصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية الحالي إكليل ظنين
في 2013م، كما قطع الرئيس ظنين علاقات جزر القمر مع إيران تضامنا مع
المملكة العربية السعودية في الاعتداءات التي شهدتها بعثتاها في إيران.
تحتفظ جزر القمر بتقليد جميل عند الرؤساء القمريين فهم يحبون
الدين ويتقربون للناس، فالرئيس هو من يؤم الناس فى الصلاة إذا حضر فى أي
مناسبة وكذلك الجمع والأعياد، وهنالك من الرؤساء من كان يحفظ القرآن وهنالك
من يفسره وهنالك من يدرّس الناس الفقه، وقد أصدرت الحكومة في عهد ظنين
مرسوماً قضى بإغلاق أماكن بيع الخمور، وقراراً آخر بمنع بيعها في جميع
الأماكن التجارية والطرقات، كما أن الرئيس ظنين يتفاعل مع كل ما يرفع إليه
من الأمور التي ترتبط بحياة المواطن في معاشه ومعاده.
ورغم تلك الأنشطة والقرارات المهمة لمحاصرة المد الإيراني لكن
ما يزال الضباط العسكريون والأمنيون موجودين في البلاد، وما يزال عدد من
المراكز والمؤسسات الإيرانية يعمل ليل نهار، وهناك استمرار لتبادل الزيارات
بين المسؤولين في البلدين، فقد قام نائب الرئيس فؤاد مهاجي بعدة زيارات
إلى طهران، ويقال إنه أصبح الرجل الموثوق لدي الرئيس السابق سامبي وإيران
في الحكومة الحالية، وقد يعود السبب إلى قوة شخصيته واعتداده بنفسه مقارنة
برئيس الجمهورية ذاته.
في زيارة الرئيس ظنين لجزيرة أنجوان أخيرا شكا إليه علماء
الجزيرة انتشار التشيع في جزيرتهم بصورة ملفتة ومقلقة، وطالبوه بإيجاد حل
عاجل، ووعدهم من جانبه بالنظر في الموضوع والأخذ برأي مفتي الجمهورية سيد
طاهر أحمد مولانا، والذى كان مغيبا تماما في عهد سامبي، ولم يكن له موقف
واضح من انتشار التشيع، وتشير بعض المعلومات أن حاكم هذه الجزيرة أنيس شمس
الدين قد تشيع في مدغشقر، خلال فترة دراسته هناك، وكانت علاقاته مع السفارة
الإيرانية هناك قوية، وقد تسلم شمس الدين إدارة هذه الجزيرة في عهد الرئيس
سامبي، مما يشير لخطورة الوضع في جزيرة أنجوان بشكل خاص.
ظهر النفوذ الإيراني في القرار السياسي القمري في تخبط
الدبلوماسية القمرية في الأمم المتحدة في مناصرة القضايا العربية
والإسلامية، إذ لم يصوت مندوب جزر القمر لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به
السعودية ضد إيران في محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة
آنذاك، كما امتنع أيضا عن التصويت لصالح المشروع العربي ضد سوريا، وهذا
التحول الخطير الذي طرأ مؤخرا في الدبلوماسية القمرية ينم عن نفوذ إيران
المتنامي في صناعة القرار في الجزر، مما يستدعي يقظة وتحركا في الوقت
المناسب، قبل فوات الأوان واستفحال الوضع.
مستقبل الوجود الإيراني في جزر القمر:
يشير كثير من المعلومات إلى أن الرئيس السابق سامبي يود أن
يظل في دائرة الضوء، ويتصرف كأنه المرشد الموجه للرئيس الحالي، ولكن الرئيس
ظنين في لقاء مع قناة الجزيرة وصف علاقته بسامبي بـ "السيئة" لأن الأخير
بعد انقضاء ولايته أصبح "يتدخل في أمور الدولة، ويخلق عدم توافق من خلال
حملات يقوم بها"، واصفا هذا بأنه "غير جيد"، وكشفت تصريحات لمقربين من
الرئيس سامبي في وسائل الإعلام المحلية مفادها أن سامبي يعمل ليعود إلى
الحكم عام 2016، بنفسه أو بأحد من مؤيديه.
وقد جاءت الانتخابات الأخيرة في مايو 2016م بالعقيد عثمان
غزالي (57 عاما) المدعوم من الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي رئيسا
للبلاد، وقد حصل على 40.98% من الأصوات متقدما على مرشح السلطة محمد علي
صوالحي المعروف باسم مامادو الذي حصل على 39.87% من الأصوات، وحل في المركز
الثالث حاكم جزر القمر الكبرى المرشح مويني بركة بـ 19.2% من الأصوات،
وكان عثمان غزالي قد حكم جزر القمر في فترة سابقة بعد أن وصل إلى السلطة
بانقلاب عسكري في أبريل 1999، واستمر في المنصب لغاية 2006 بعد فوزه
بانتخابات الرئاسة.
ويتوقع مراقبون أن يعمد الرئيس السابق سامبي للترشح لمنصب
نائب الرئيس عن جزيرة أنجوان، وإن نجح هذا السيناريو فستكون عودته على
الطريقة الروسية، كما حدث بين الرئيسين بوتين ومدفيدف.
عموما تعتبر فترة الرئيس إكليل ظنين فترة ممتازة شهدت تواصلا
وتنوعا لجهود التصدي للنفوذ الإيراني للبلاد، ولكن مَن يراقبون الأحداث
يتملكهم الخوف من أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد وصول عثمان غزالي
المقرب من الرئيس السابق سامبي للسلطة، مما يستدعي الحذر والانتباه لتطور
ومالآت الأحداث في البلاد في العهد الجديد.
ويستدعي ذلك مساعدة العلماء وطلاب العلم والدعاة المحليين
للتصدي للتوسع الشيعي وتمكين المعارضة الوطنية من فتح قنوات تلفزيونية
ومواقع إخبارية بالعربية والفرنسية على الانترنت لفضح أكاذيب سامبي وأجندته
الرافضية، والسعي للحد من الخطر الداهم الذي يمثله، وإسقاط الفكر الشيعي
المتنامي الذي زرعه في البلاد ويرعاه ويسعى لتثبيته، كما ينبغي توفير المنح
الدراسية للطلاب القمرييين للتخصص في العلوم الشرعية ليساهموا في تعريف
الشعب القمري بالحقائق عن الشيعة وخطرهم، وعقائدهم، والتحذير منهم. كما
ينبغي زيادة الاستثمارات العربية بالبلاد، خصوصا في مجالات البناء والتعليم
والصحة، وأن تسارع الدول العربية والإسلامية التي ليست لها سفارات في جزر
القمر لفتح سفارات وملحقيات ثقافية لها في هذا البلد لتسهم في نشر اللغة
العربية وتثبيت وتوطيد الإسلام الصحيح.
مراجع:
1- تقرير التشيع في إفريقيا (تقرير ميداني)، اتحاد علماء المسلمين، الطبعة الأولى، 2011م، مركز نماء للبحوث والدراسات.
2- تقرير عن النشاط الإيراني في جزر القمر ، موجود على الرابط: twitmails3.s3-website-eu-west-1.amazonaws.com/users/371905848/1254/.../_____.do...
3- عزيز مطهري، جزر القمر تبحث عن قاطرة عربية لقطع علاقاتها مع إيران، صحيفة الجزيرة السعودية، بتاريخ: 14 يناير 2016م.
4- أبو الوليد العراقي، جزر القمر.. الأرخبيل السني المنسي في الأحضان الإيرانية، مادة منشورة على الرابط: http://www.dd-sunnah.net/records/view/action/view/id/2069/
5- بخاري مردابي موسى، المد الشيعي في جزر القمر... دلالات وأبعاد ، موقع الراصد، بتاريخ مايو 2013م، موجود على الرابط: www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6159
6- حوار مع د. سعيد برهان نائب رئيس جامعة جزر القمر ورئيس اتحاد علماء إفريقيا، منشور بموقع منارات إفريقية، على الرابط: http://www.islam4africa.net/ar/more.php?cat_id=12&art_id=68
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).