الإرهاب.. الوجه الآخر لحزب الله
خاص بالراصد
بوزيدي يحيى– كاتب جزائري
اقترن اسم "حزب الله اللبناني" بمقاومة الكيان الصهيوني طيلة
العقود الثلاثة الماضية، ونتيجة لذلك استعصى على الكثيرين تقبل وسمه بـ
"الإرهاب" نظير أعماله في سوريا وغيرها من الدول، خاصة وأنه كان يرفع شعار
نصرة فلسطين، وحاول بعضهم التوفيق بين ما يقوم به في لبنان من "مقاومة" وما
يفعله خارجها من "إرهاب". هذه المحاولة في الفصل بين أدوار الحزب تدلل على
المأزق الذي تعانيه النخب التي تختلق تبريرات لا تستند إلى أي أسس
موضوعية. والحقيقة التي تُغفل هنا أن الثورة السورية لم تكن محطة تحول في
مسار حزب الله وإنما كاشفة له لا أكثر، فتاريخ الحزب لا يخلو من أعمال
إرهابية ابتداء من لحظة تأسيسه، والمقاومة لم تكن أكثر من غطاء وظفها
لتنفيذ أجندة سياسية وكّلت له.
حزب الله وجدلية مفهوم الإرهاب:
يُعرف الإرهاب بأنه استخدام القوة أو التهديد باستخدامها من
أجل إحداث تغيير سياسي خارج إطار القوانين سواء الوطنية أو الدولية. هذا
المفهوم الواسع يجعل من كل القوى السياسية سواء داخل الدولة الواحدة أو بين
الدول تتراشق الاتهامات بممارسة الإرهاب، لذلك أصبح مطية لتحقيق أجندات
سياسية. وقد كان حزب الله من النماذج التي يضرب بها المثل في ازدواجية
معايير تصنيف الحركات السياسية بـ "الإرهابية"، إذ تَعتبر الدول الغربية ما
يقوم به الحزب ضد الكيان الصهيوني إرهابا، ولا شك أن ذلك غير صحيح نهائيا،
ولكن في الوقت نفسه لا يعني عدم إسقاط "وسم الإرهاب" عليه نظير ممارساته
في أماكن أخرى، والتي تسحب الشرعية عن أعماله ضد الكيان الصهيوني، فحتى لو
فتح الحزب الآن جبهة مع الاحتلال وحقق فيها بطولات لن ينفي ذلك عنه صفة
"الإرهابي" التي تفرضها ممارساته خارج إطار "المقاومة".
وعند الوقوف على هذا المفهوم في أدبيات حزب الله نجده في
وثيقته السياسية يتحدث عن "الإرهاب" وكيف تحوّل إلى: "ذريعة أميركية
للهيمنة من خلال أدوات: الملاحقة/الضبط، والاعتقال التعسفي/ افتقاد أبسط
مقومات المحاكمات العادلة، كما نجدها في معتقلات "غوانتنامو"، ومن خلال
التدخل المباشر في سيادة الدول وتحويلها إلى ماركة مسجلة للتجريم التعسفي
واتخاذ إجراءات معاقَبة تطال شعوباً بأسرها، وصولاً إلى منح نفسها حقاً
مطلقاً بشن حروب تدميرية وماحقة لا تميز بين البريء والمجرم، ولا بين الطفل
والشيخ والمرأة والشاب"([1]). ولا بد لتأكيد صفة الإرهاب على الحزب من
عدمها من إسقاط كل مآخذه على الإدارة الأمريكية في طريقة توظيفها للإرهاب
على ممارساته سواء في لبنان أو خارجه.
النشأة الملتبسة:
يحيل حزب الله في أدبياته وخطاباته إلى الاجتياح الإسرائيلي
للبنان في 1982 كسبب مباشر لظهور الحزب كحركة مقاومة مسلحة لصد العدوان،
وهذا ما أصبح متداولا عن تأسيسه بشكل عام، والبعض يذهب إلى أن نشأة الحزب
كانت بقرار إيراني مباشر لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام
1982([2]). وتغفل أبعاد أخرى حول نشأته -رغم أهميتها الكبيرة- في فهم طبيعة
مشروعه السياسي. فالحزب ولد من رحم انشقاق سياسي عن حركة "أمل" اللبنانية،
وكما يدلل عليه اختصار اسمها "أفواج المقاومة اللبنانية" فهي إذن حركة
مقاومة لمواجهة الاحتلال الصهيوني، وبالتالي فإن الحجة الأخيرة ليست مبررا
لتأسيس الحزب إذ كان بوسعه القيام بذلك تحت غطاء الحركة.
ومن جهة أخرى فإنه لم يكن بناءً على قرار ذاتي/ داخلي صرف،
وإنما بإيعاز خارجي مباشر من إيران التي اختارت الاسم ورسمت كل معالم الحزب
الفكرية والتنظيمية([3])؛ بدايةً من تبنّيه لنموذج هيكلي شبيه بنموذج
الباسدران (الحرس الثوري) يعتمد على وجود ميليشيا ودعم اجتماعي ونشاطات
ثقافية وقوة اقتصادية وصولا إلى تدريبه العسكري الأولي على يد قوات
الباسدران في بعلبك قبل الانتقال إلى التدريب في إيران بالإضافة إلى تمويله
ومدّه بالسلاح لعقود طويلة وبقيمة وصلت إلى نحو 200 مليون دولار سنويا
وفقا لتقديرات البنتاغون([4]).
انطلاقا من هذه الخلفية فإن تحليل سلوك حزب الله يجب
قراءته في إطار كلي من خلال مشروع إيران باعتباره أداة مرتبطة بها دينيا
وسياسيا وماليا، وقراراته تصنع في طهران وليس في الضاحية الجنوبية، وبذلك
فإن حديث الحزب عن "مقاومته" للكيان الصهيوني والاستكبار العالمي لن يكون
خارج التصور الإيراني الذي ينطلق من مصالح "الدولة" ورؤيتها لعلاقاتها
الدولية ومكانتها الإقليمية، والتي تبقى في حدود التنافس والتعاون مع
"الأعداء" إذا اقتضت المصلحة ذلك، وهو ما أثبتته الوقائع في الملف النووي،
والعراق، وأفغانستان، وحتى سوريا([5]). ناهيك عن هذا فإنه (أي الحزب) لم
يكن حالة فريدة أو معزولة؛ إذ أنشأت إيران أشقاء له في دول أخرى في نفس
الوقت على غرار حزب الله الحجاز، والكويت، والبحرين، والعراق، وفي هذه
الدول لا يوجد "اجتياح إسرائيلي" والاسم واحد، والراعي واحد، والمهمة تبعا
لذلك واحدة؛ تتمثل في تنفيذ أجندة سياسية يرسمها الولي الفقيه القابع في
طهران.
ومن جهة أخرى فإن الحزب منذ لحظة تأسيسه تلطخت يداه بدماء
اللبنانيين ومن شركائه في المعتقد، وإن كان يختلف معهم في المشروع (ولاية
الفقيه)، وبالتالي فإن الصورة الأخلاقية التي يحاول رسمها لنفسه انطلاقا من
فعل المقاومة يفندها تاريخه الذي يدلل على بدايته العرجاء، فهو ليس فقط
"ابن الثورة الخمينية الإيرانية"، وابن المسألة الجنوبية اللبنانية، بل هو
قبل كل شيء ابن الحرب الأهلية اللبنانية، وخاضها بشكل أساسي كحرب "أهلية
شيعية داخلية"، للسيطرة تباعا، على الضاحية الجنوبية لبيروت، والجنوب
والبقاع الشمالي، وبعد صراع دموي مع "حركة أمل"، دون إغفال وقائع "تنكيله
باليساريين، أو تهجيره للمسيحيين".
الشراكة السياسية بالإرهاب:
بعد اتفاق الطائف ولج حزب الله العملية السياسية اللبنانية
تدريجيا حتى أصبح له ممثلوه في البرلمان ووزراء في الحكومة، هذا التطور لم
يكن على حساب وضعه كـ "مقاومة" / مليشيا مسلحة، فقد استطاع أن يحافظ على
وجوده في الساحة السياسية ويشرعن استمرار تمسكه بسلاحه من خلال رفعه شعار
ثلاثية "الجيش – الشعب- المقاومة" بالرغم من تعارض ذلك مع منطق "الدولة"
واحتكارها لممارسة العنف في إطار القانون([6]).
وبغض النظر عن ذلك فإن هذه الوضعية تحتم من الناحية النظرية
الالتزام بقواعد اللعبة السياسية السلمية من خلال الآليات المتاحة للمشاركة
السياسية وفق القانون، وأن يبقى السلاح موجها ضد الكيان الصهيوني لحماية
لبنان فقط، والخروج عن هذه القاعدة واستخدام العنف أو التهديد به لتحقيق
مكاسب سياسية داخلية يدرج في خانة الإرهاب، خاصة إذا كان الطرف الآخر
ملتزما بتلك القواعد.
تُظهر سلوكيات الحزب في الساحة اللبنانية أنه غالبا ما يلجأ
إلى العنف لتسوية الملفات السياسية العالقة مع خصومه، ومن الأمثلة على ذلك
التي يرصدها نديم قطيش: "نجاحه عبر مزيج من العنف المادي والمعنوي في تفريغ
الجزء الذي يعنيه من القرار الدولي (1559) في 2 سبتمبر (أيلول) 2004 والذي
طالب بين بنوده الأربعة بحل «جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية
ونزع سلاحها» فبعد شهر جرت محاولة اغتيال الوزير في حكومة رفيق الحريري
–آنذاك- مروان حمادة ضمن منحى تصاعدي وصل إلى اغتيال الحريري نفسه ومَن
بعده، وقيامه بما بات يعرف بعملية "7 أيار" حين قررت الحكومة اللبنانية
برئاسة "فؤاد السنيورة" في 5 مايو (أيار) 2008 مصادرة شبكة الاتصالات
التابعة لسلاح الإشارة في ميليشيا "حزب الله"، وإقالة قائد جهاز أمن مطار
رفيق الحريري الدولي، فسحبت الحكومة قراريها وعطلت مفاعيلهما .وبعد القرار
(1559) وقراري حكومة السنيورة؛ عرقل عمل المحكمة الخاصة بلبنان، إما من
خلال حماية المتهمين أو عرقلة الوصول إلى الأدلة، أو من خلال قتل محققين
وشهود، أو رفع مستوى الاشتباك مع الحكومة على خلفية تمويل المحكمة والتزام
لبنان بالوفاء بالمستحقات الواجبة عليه"([7]).
كما شكلت حادثة الوزير "ميشال سماحة" الذي أدين -بعد اعترافه-
بنقل متفجرات إلى لبنان والتخطيط لأعمال إرهابية بالتعاون مع مسؤولين
أمنيين سوريين قصد إشعال فتنة طائفية أهم دليل على المدى الذي يمكن أن يذهب
إليه حزب الله في إرهابه حيث راح يدافع عن "الإرهابي برتبة وزير"، ويُتهم
بأنه كان وراء إطلاق سراحه بعد أن قضى ثمانية أشهر في السجن بدل أربع
سنوات، وفور ذلك دافع عنه حزب الله واستهجن الأصوات الأخرى التي اعترضت على
قرار المحكمة العسكرية. ليعاد لاحقا محاكمته ويحكم عليه بالسجن ثلاث عشرة
سنة، من طرف القضاء الذي كان يدافع عنه حزب الله لما أُطلق سراحه.
يضاف إلى ذلك الاتهامات التي تلاحقه بالتورط في تجارة
المخدرات وغسيل الأموال عبر القطاع المصرفي ومكاتب الصرافة حتى اكتسب لبنان
لقب «آلة غسل الأموال»، على حد تعبير ديفيد آشر خبير التمويل غير الشرعي،
والذي يشير أيضا إلى أن غسل حزب الله للأموال اخترق قطاع العقارات كما فعل
مع القطاع المصرفي([8]).
وأبرز القضايا بهذا الشأن قضية البنك اللبناني الكندي الذي
رفعت ضده الحكومة الأمريكية "دعوى مدنية بالتزوير وتبييض الأموال" استخدمت
خلالها مؤسسات مالية لبنانية مرتبطة بحزب الله؛ النظام المالي الأميركي
لتبييض أموال الاتجار بالمخدرات، وغيرها من العائدات الجرمية عبر غرب
أفريقيا، ومن ثم إلى لبنان([9]). وفي هذا السياق فرضت عقوبات على المصارف
اللبنانية للحد من تعاملاتها المالية مع حزب الله، الأمر الذي وجه إليه
أصابع الاتهام في التفجير الذي استهدف فرع "بنك لبنان والمهجر" في 12
حزيران / يونيو 2016، ليكون رسالة إلى المصرف وإلى غيره من المصارف التي
تطبق العقوبات أو الضوابط الأميركية المالية على القطاع المصرفي اللبناني
وعلى حزب الله([10]).
إرهاب تحت الطلب: دور حزب الله الخارجي
لربما يجادل حزب الله أو المدافعون عنه بتبرير الإرهاب الذي
يمارسه في لبنان بحجة أنه مستهدف كمقاومة، ناهيك عن أنه ليس الطرف الوحيد
الذي يمارس العنف، خاصة وأن العملية السياسية اللبنانية تتميز بالاستخدام
المفرط للعنف في معالجة المشكلات بين مختلف الفرقاء السياسيين، بما في ذلك
"الاغتيالات السياسية"، ومن حيث المبدأ فإن كل من يرتضي اللعبة السياسية في
سياقها القانوني كما سطرها "اتفاق الطائف" ثم يخرج عنها مستخدما العنف،
فإن سلوكه هذا إرهابي سواء كان حزب الله أو غيره. غير أنه بالوقوف عند
الأدوار التي يقوم بها الحزب خارج لبنان تتبين أصالة الإرهاب في سلوك هذه
المليشيا المسلحة.
تأتي سوريا في المقدمة فقد كشفت بما لا يدع أي مجال للشك أن
ما يقوم به الحزب هناك تنطبق عليه كل مواصفات الإرهاب، رغم كل محاولاته
للتغطية على ذلك بالتستر والنفي في البداية، ثم الحديث عن حماية اللبنانيين
في الحدود السورية تارة، والدفاع عن الأماكن المقدسة تارة أخرى، ليختمها
بالاستعداد للذهاب إلى كل مكان في سوريا لمواجهة التكفيريين والإرهاب كما
يزعم، لنصبح أمام مفارقة كبيرة؛ حيث تؤصل مقاومة لـ "مكافحة الإرهاب" كركن
أساسي في خطابها وإعلامها وحربها، بينما الأصل أن تنكر عن نفسها صفة أنها
إرهابية كغيرها من المقاومات([11]).
تضاف هذه إلى مفارقة أخرى تتجلى في انغماسه في الأزمة السورية
حيث يقاتل هناك منذ خمس سنوات 24/24 ساعة، و7/7 أيام، مقابل الهدوء الكبير
الذي تنعم به الجبهة الصهيونية منذ عقد كامل (من 2006 إلى 2016) -رغم
استهدافه بغارات إسرائيلية في سورية أكثر من مرة- وتجدر الإشارة في هذا
الإطار إلى أن حزب الله أصبح محروما حتى من هامش المناورة بسبب وجود 15000
جندي لبناني و13000 جندي ينتمي لقوات الأمم المتحدة، التي تعزز وسائلها
وولايتها بالقرار1701، والتي طبقا لها، تم إعادة انتشار حزب الله ونقله من
المنطقة الحدودية إلى شمال نهر الليطاني([12]).
وقد دشن الحزب أعماله الإرهابية "الصريحة" في سوريا بما قام
به في القصير التي خرج أمينه العام في خطاب يعد بالنصر فيها كما لو أنه
سيحرر فلسطين. بينما كل ما حصل في تلك المعركة أنه عاد إلى مَن آواه قبل ست
سنوات ليقتله. لم يكن قتاله هناك عاديا، ولا حتى انتقاميا ممن أسماهم بعض
مقاتليه: "بني أمية"، وإنما كان قتالا مجردا من الأخلاق كما كان معلوما
حينها، ووفق روايات الناجين من الذبح، وحسب ما أظهرت الأشرطة المصورة التي
انتشرت، بما يؤكد وحشية وحقدا لم يستثن الجرحى المدنيين، والتي ترقى إلى
مستوى الجرائم ضد الإنسانية([13]).
وامتدت أعمال الحزب عبر الخارطة العربية مستجيبة للأوامر
الإيرانية؛ فأكد زعيمه حسن نصر الله أن مسلّحيه يقاتلون في العراق([14]).
كما اتهمت الحكومة اليمنية الحزب بالضلوع بصورة مباشرة في الحرب الدائرة
حالياً، بين نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة والحوثيين، وأنصار
الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة أخرى. ولم تقتصر على الدعم المعنوي
المعلن عنه رسمياً، بل تعدى ذلك إلى المشاركة الفعلية على الأرض وذلك
بتدريب أفراد الميلشيا الانقلابية والتواجد في ساحات القتال على الحدود
السعودية، والتخطيط للمعارك وترتيب عمليات التسلل والتخريب داخل الأراضي
السعودية([15]).
وأعمال حزب الله الإرهابية -خاصة في دول الخليج العربي
بالتعاون مع تنظيمات شيعية هناك- مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، لعل
أهمها ضلوع القيادي السابق فيه عماد مغنية وابن عمه وصهره مصطفى بدر الدين
-الذي قتل في سوريا ويعتبر المتهم الرئيس في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني
الأسبق رفيق الحريري- بتدبير عمليات اختطاف طائرات كويتية ومحاولة اغتيال
أمير الكويت لتحرير 16 لبنانيا وعراقيا آخرين أدينوا في نفس القضية([16]).
وفي البحرين يرتبط الحزب بعلاقات وثيقة مع أطراف هناك قامت
بأعمال إرهابية حيث تضبط السلطات الأمنية البحرينية بين الفينة والأخرى
العديد من الخلايا الإرهابية على صلة بحزب الله، فعلى سبيل المثال لا الحصر
في مطلع السنة الجارية أعلنت وزارة الداخلية البحرينية، عن إحباط مخطط
إرهابي وضبط خلية إرهابية كانت تخطط لتنفيذ هجمات على أراضيها بدعم من
الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني([17]).
الخلاصة:
رغم السجل الإجرامي الذي يحمله تاريخ حزب الله اللبناني إلا
أنه لا يجد غضاضة أن يحاضر في المقاومة والتضحية والشرف محيطا نفسه بهالة
أخلاقية، ولا ينفك عن توزيع الاتهامات بالعمالة والخيانة لكل من يقترب منه،
بل حتى القتل والتنكيل إذا اقتضى الأمر ذلك. هذا ما تثبته وقائع تأسيس
الحزب الذي رسم طريقه بدماء إخوانه "الشيعة" من حركة أمل، وغيره من شركائه
في الوطن اللبناني، حتى أصبحت الدولة خاضعة لمطالبه بالإرهاب الذي طال
زعماء سياسيين يتقدمهم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ومع
اشتداد الأزمة السورية واضطراره للتصريح بأعماله هناك لم يتحرج زعيمه حسن
نصر الله من دعوة اللبنانيين لتحييد لبنان والتقاتل في سوريا.
ولم يبتلَ لبنان وحده بجرائم هذه المليشيا الإرهابية بل امتدت
أعمالها لتطال الكثير من الدول والمناطق خاصة العربية منها حيثما استطاع
أن يجد موطئ قدم ولو بالتعاون مع الجريمة المنظمة والمخدرات كما في غرب
إفريقيا وأمريكا اللاتينية، منفذا بذلك المصالح التي تسطرها إيران وتوكلها
للحرس الثوري الإيراني ليوزع بدوره المهام على أذرعه.
وما ورد أعلاه ليس تاريخا شاملا لإرهاب حزب الله، فذلك لا
تسعه مقالة واحدة ويحتاج لتفصيل أكثر، ولكنها إشارات ركزت على قضايا تجتمع
فيها خصائص الجرم الإرهابي، حيث يستحيل تبرير أو تفسير تلك الأعمال خارج
إطار الإرهاب بعدما سقطت كل الأوراق التي كان يتستر بها طيلة العقود
الماضية.
ولكن رغم كل هذه الحقائق لا زالت نخبنا العربية والإسلامية
تستحي من مخاطبته بالوصف الذي يليق به (الإرهاب) رغم أنها هي التي فتحت له
الأبواب سابقا مخدوعة بشعار المقاومة ونصرة فلسطين.
([1]) الوثيقة السياسية لحزب الله 2009، الجزيرة نت، على الرابط:
([2]) طلال عتريسي، سلاح حزب الله: اشتباك داخلي وإقليمي، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 24/03/2014، ص 03.
([3]) تعهد «حزب الله» في بيان عام 1985، -بوضوح- بالولاء
للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الذي كان في ذلك الوقت هو آية الله روح
الله الخميني وحث على إنشاء دولة إسلامية أكبر يقودها الخميني بمقتضى فكرة
ولاية الفقيه. وكان نصر الله نفسه يكرر دائما هذه الأفكار بداية من خطابه
غير المؤرخ في أواخر الثمانينيات وقبل أن يحتل منصبه كأمين عام لحزب الله
ووصولا إلى آخر خطبه المتلفزة في 2015 في المؤتمر السنوي الثاني: «التجديد
والاجتهاد عند الإمام خامنئي. انظر: تالي هلفونت، حزب الله منظمة إرهابية
.. قرار تأخر ثلاثة عقود، مجلة المجلة، 14/04/2016، على الرابط:
([4])المرجع نفسه.
([5]) طوني بدران، لبنان والجماعة الشيعية، مجلة المجلة، 04/02/2014، على الرابط:
([6]) منذ دخول حزب الله إلى الحياة البرلمانية السياسية في
التسعينيات، دفع كثيرون بأن الحزب «يتطور»، ويتحرك تدريجيا نحو التخلي عن
التزاماته الإقليمية، وأنه يتحول تدريجيا إلى «اللبننة» ويستعد لمرحلة
«الحياة بعد المقاومة»، لم يكن انخراط الحزب في السياسة الداخلية، وخاصة
مشاركته في مجلس الوزراء منذ عام 2006، متعلقا بالاندماج في الدولة
اللبنانية. ولكنه تعلق بإخضاع الدولة لتفضيلات حزب الله وأجندته الإقليمية،
التي يجري تحديدها في طهران. أوضح نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب،
هذه الرؤية في مقال نشر عام 2007 تحت عنوان «كيف ينخرط باقي المجتمع في
المقاومة؟». كانت ولا زالت نية حزب الله هي الحفاظ على مكانته كجماعة مسلحة
مستقلة، مع ضمان أن دولة لبنان وخصوم الحزب في الداخل لا يستطيعون اتخاذ
خطوات في سبيل التعدي على هذه المكانة. انظر: وسام سعادة، هالة المقاومة
التي نسجها حزب الله حول سلاحه، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات،
24/03/2014، ص 02.
([7]) نديم قطيش، حزب الله والمصارف هذه المرة لا مفر، جريدة الشرق الأوسط، 17/06/2016، على الرابط:
([8]) طوني بدران، لبنان والجماعة الشيعية، مجلة المجلة، 04/02/2014، على الرابط:
([9]) في أوائل عام 2009، أدلى الأدميرال جيمس جي. ستافريديز،
القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، بشهادته أمام “لجنة القوات
المسلحة” التابعة لـ “مجلس النواب الأميركي” حول العلاقة بين الاتجار غير
المشروع بالمخدرات ودعم الإرهاب. وقد شهد بأنه في أغسطس 2008، قامت
“القيادة الجنوبيّة الأميركيّة” و”إدارة مكافحة المخدرات” بالتنسيق مع
الدّول المضيفة لاستهداف عصابة تهريب المخدرات، وصفها بأنها تابعة لحزب
الله في “منطقة الحدود الثلاثية” التي تَشمَل الأرجنتين والباراغواي،
والبرازيل. كما قام المحققون الأميركيون والكولومبيون في أواخر عام 2008،
بتحديد وتفكيك عصابة دولية لتهريب الكوكايين وغسل الأموال مقرها في
كولومبيا، زعمت الإفادات أن قسما من أرباحها – مئات الملايين من الدولارات
سنوياً – يذهب لتمويل حزب الله، لتفاصيل أكثر انظر: عمر البشير الترابي،
حزب الله .. الاقتصاد الأسود، مجلة المجلة، 31/01/2012، على الرابط:
([10]) أحمد عدنان، تفجير المصارف ردا على خنق حزب الله، مجلة المجلة، 18/06/2016، على الرابط:
([11]) وسام سعادة، هالة المقاومة التي نسجها حزب الله حول سلاحه، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 24/03/2014، ص 05.
([12]) مجموعة الأزمات الدولية، حزب الله والأزمة اللبنانية، تقرير الشرق الأوسط رقم 69، 10/10/2007، ص 13.
([13]) فادي شامية وعلي الأمين وآخرون، هل الثورة السورية "محرقة" حزب الله؟!، عمان: دار عمار للنشر والتوزيع، ط 1، 2014، ص 66.
([14]) نصر الله يؤكد مشاركة مسلحي حزب الله في الصراع بالعراق، بي بي سي، 16/02/2016، على الرابط:
([15]) الحكومة اليمينية: عناصر حزب الله تحارب على أراضينا..
وتخطط لعمليات داخل السعودية، سي إن إن بالعربية، 24/02/2016، على
الرابط: http://arabic.cnn.com/middleeast/2016/02/24/yemen-hezbollah-saudi
([16]) نبذة عن القيادي البارز بحزب الله مصطفى بدر الدين، الذي قتل في تفجير بسوريا، بي بي سي ، 13/05/2016، على الرابط:
([17]) البحرين تعلن ضبط "خلية إرهابية" خططت لتنفيذ تفجيرات بدعم إيران وحزب الله، سي إن إن بالعربية، 07/01/2016، على الرابط:
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).