لن تبقى الكثير من الأسرار المتعلقة بالشأن اليمني حبيسة الخزائن المغلقة، لا سيما مع وجود أطراف عدة متنازعة، يحاول بعضها جاهداً اختراق خزائن البعض الآخر، سواء عن طريق الأشخاص، أو من خلال تقنيات التجسس والاختراق الإلكتروني.
مقتل الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح، لم يمرّ عليه سوى ساعات حتى بدأت الأسرار تخرج إلى العلن، وهو ما يؤكد أن المستقبل سيكشف أسراراً مهمة، تتعلق بأحداث اليمن، الذي يعيش أزمات خانقة منذ نحو ثلاثة أعوام، حين اندلع القتال بين طرفي الصراع؛ مليشيا الحوثي التي كانت متحالفة مع المخلوع صالح من جهة، والتحالف العربي الذي تقوده السعودية من جهة أخرى.
- الإمارات مهندسة الإطاحة بصالح
الحوثيون بدأوا أولاً بالكشف عن أسرار خطيرة، تتعلق بالتدخل الخارجي في اليمن، من قِبل جهات قالوا إنها تسببت في إدخال اليمن بوضع خطير.
هذا ما ذهب إليه محمد عبد السلام، المتحدث باسم مليشيا الحوثي، الذي وجَّه أصابع الاتهام إلى الإمارات، مؤكداً أنها هي مهندسة ما سماه "الانقلاب الخطير" بصنعاء، وهي التي ورطت صالح وتسببت في مقتله.
ذكر عبد السلام أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قال في لقاء جمعه بمسؤولين فرنسيين، ذهبوا إليه للتوسط في أزمة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري: "لا تقلقوا من موضوع الحريري، فهناك مفاجأة كبيرة جداً في اليمن ستغير وجه المنطقة"، حسب روايته لقناة "الجزيرة"، الاثنين.
وأضاف أن لدى الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين وثائق لمراسلات سرية من خلال أجهزة مشفرة بين صالح والإمارات وروسيا ومصر والأردن.
وقال أيضاً إن الإمارات توسطت بين صالح وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإن صالح تلقى رسالة من بن سلمان قبل ثلاثة أشهر وصلت إليه من خلال المخابرات الإماراتية.
وبيّن أن لقاءات جرت في أبوظبي بتنسيق مباشر بين صالح والسعودية؛ لتنفيذ ما سمّاه "انقلاباً".
وأوضح أن صالح طلب من السعودية أربعة مطالب؛ هي: رفع اسمه من قوائم العقوبات، وإزالة القيود المفروضة على أمواله، وتأمين مستقبل سياسي واضح له ولأولاده، ومطالب أخرى لوجيستية، في مقابل الانقلاب على الحوثيين وحزب التجمع اليمني للإصلاح.
وعن الاتصالات المذكورة مع روسيا، قال المتحدث باسم الحوثيين إن صالح قدَّم نفسه للروس باعتباره الأقدر على مكافحة الإرهاب في اليمن، وطلب منهم أن يعملوا داخل مجلس الأمن لإخراجه من قوائم العقوبات، بالإضافة إلى تبادل المعلومات بين الجانبين.
وقال عبد السلام إن الحوثيين رغم علمهم بهذه المعطيات، لم يكونوا يتوقعون أن يصل صالح إلى ما وصل إليه، وأن يعمل على تسليم العاصمة إلى ما سمّاها "قوى العدوان"، مضيفاً أن "صالح قطع كل الخطوط ولم يترك مجالاً للحوار".
المعلومات التي تحدث عنها عبد السلام، تُولِّد استنتاجات ثلاثة؛ هي: اختراق الحوثيين مكتب صالح، أو ربما سلَّمتهم جهة أخرى وثائق ومعلومات، قد تكون فرنسا؛ حيث كان اللقاء خاصاً بين الفرنسيين ومحمد بن زايد؛ حين كشف الأخير أحداثاً سيشهدها اليمن، أما الاستنتاج الثالث فهو يتعلق بوقوف إيران خلف هذه المعلومات التي وصلت للحوثيين.
- الدور الفرنسي في المنطقة
فرنسا وهي ثالث أكبر بائع للأسلحة في العالم، تعتبر أحد المُموِّلين المفضَّلين لدى السعودية وحلفائها الذين تزودهم بأسلحة وتكنولوجيات متقدمة.
السعودية اضطرت إلى شراء كميات ضخمة من الأسلحة في السنوات القليلة الماضية، لا سيما أنها تقود منذ أكثر من سنتين حرباً في اليمن.
منذ مطلع الألفية الجديدة، رغبت فرنسا في التوجه أكثر نحو بلدان الخليج؛ بقصد زيادة صادراتها من الأسلحة، وأنشأت قاعدة عسكرية فرنسية بأبوظبي.
وفي عام 2016، باعت فرنسا نحو 50% من أسلحتها لبلدان الشرق الأوسط، وتعتبر السعودية صاحبة أكبر تعاقدات لشراء سلاح من فرنسا بقيمة 9 مليارات يورو، وذلك بين عامي 2010 و2016.
هذه العلاقة "النفعية" القوية التي تربط فرنسا بكل من السعودية والإمارات، سهّلت سعي فرنسا لحل أزمة الحريري، الذي كانت الحكومة اللبنانية تؤكد اعتقاله من قِبل سلطات السعودية لأسباب سياسية، ولفرنسا أيضاً علاقة قوية بلبنان، ما جعلها تنجح في مهمتها.
حول ذلك، نقلت وكالة "فرانس برس" عن خبير الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، دوني بوشار، قوله: إن "ما يمنحنا قوتنا، وضمن ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، هو أننا نتكلم مع جميع الأطراف.. وفرنسا تربطها علاقة مميزة في لبنان مع الطوائف الثلاث، وضمن ذلك تواصلها مع الشيعة".
وأوضح: "لدينا كذلك، علاقات تاريخية جيدة إلى حد ما مع السعودية (...)، وأعدنا إقامة علاقات جيدة مع إيران" بعد توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني عام 2015.
- الحوثيون وعمليات الاختراق
ليس مستبعداً نجاح الحوثيين في التوصل إلى أسرار المخلوع صالح، سواء من خلال اختراق أشخاص مجندين، أو عن طريق التقنية الحديثة.
ففي أكتوبر 2017، قال راجح بادي، المتحدث باسم الحكومة اليمنية الشرعية، إن مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح "تمكنت خلال الفترة الماضية من اختراق كثير من المنظمات الأجنبية الموجودة في صنعاء؛ وذلك بتوظيف عدد من أفرادهم في هذه المنظمات للعمل بشكل مباشر وغير مباشر".
وأشار إلى أن الموالين للحوثيين هم المصدر الأساسي للمعلومات بهذه المنظمات.
وتحدثت وسائل إعلامية، قبل مقتل صالح بيومين، عن اختراق الحوثيين الموقع الإلكتروني لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح، ونشروا بياناً باسمه، وذلك بعد يوم من السيطرة على قناة "اليمن" وحجب موقع وكالة خبر التابعين لحزب المؤتمر.
ونشر موقع حزب المؤتمر بياناً منسوباً لـ"صالح"، زعم طلبه وساطة حزب الله وإيران؛ لاحتواء خلافه مع الحوثيين.
لكن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام عادل الشجاع، نفى في مداخلة مع "الجزيرة" هذا البيان المنسوب لـ"المؤتمر"، مؤكداً أن "صالح لم يطلب أي وساطة و(المؤتمر) لم يُصدر أي بيان".
- الدور الإيراني في الاختراق
ليس خافياً الدورُ الذي تلعبه إيران في المنطقة، ودعمها المعلن للحوثيين، وهو ما يمكن الذهاب من خلاله إلى وجود يد إيرانية في المعلومات التي حصل عليها الحوثيون.
قدرة إيران في الاختراق والتجسس تطورت كثيراً، وأصبحت تملك قوة إلكترونية خفية، هددت في أوقات سابقة عدة بلدان.
وكالة "رويترز" كانت تحدثت عن تطور القدرة الإيرانية في التجسس واختراق المواقع الإلكترونية في سبتمبر الماضي، ونقلت عن مؤسسة "فاير آي" الأمنية الأمريكية قولها إن متسللين مرتبطين، على الأرجح، بالحكومة الإيرانية مسؤولون عن هجمات إلكترونية على شركات سعودية وغربية، في مجالي الطيران والفضاء والبتروكيماويات.
وأطلق تقرير للشركة على المتسللين الجدد اسم مجموعة "إيه بي تي33"، وتحدث بالتفصيل عن أدلة على أنشطة المجموعة منذ 2013 في السعي للاستيلاء على أسرار عسكرية وجوية، مع الاستعداد لشن هجمات ربما تفضي إلى انهيار شبكات كمبيوتر بأكملها.
وقال كيفن مانديا الرئيس التنفيذي لـ"فاير آي"، إن قدرات إيران على التجسس الإلكتروني تطورت منذ أن رُصدت للمرة الأولى مجموعات إيرانية تنفذ هجمات بدائية على وزارة الخارجية الأمريكية في 2008، مضيفاً أنهم "يتمتعون بالمهارة ولديهم قدرات حقيقية".
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).