ادعاء أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - استبد بالخلافة وحابى بني أمية
مضمون الشبهة:
يدعي
بعض المتقولين على الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
أنه ألغى الشورى واستبد بالأمر لشيء في نفسه، ويستدلون على ذلك بما يزعمونه
من أنه كان يرمي إلى أن تقر الخلافة في آله من بني أمية يتداولونها بينهم
في غير شورى، وأن ولاءه لأشرافهم حمله على معاندة الحق وإسخاط الأمة،
ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة الصحابة.
وجوه إبطال الشبهة:
1)
هذه التهم التي رمي بها عثمان - رضي الله عنه - إنما ظهرت في ملابسات
خاصة، ومن قبل فئات لا تسلم نفوسهم من أغراض خبيثة ضد الإسلام.
2)
لم يخالف عثمان - رضي الله عنه - منهج النبي - صلى الله عليه وسلم -
وصاحبيه أبي بكر وعمر، وما أخذه عليه الثائرون من تولية أقربائه؛ فلعثمان -
رضي الله عنه - سنة فيه عمن سبقه.
3)
لم يطمح عثمان - رضي الله عنه - في جعل الخلافة وقفا على بني أمية، ولا
عرف عنه هذا إلا فيما ادعاه مخالفوه الذين لا يمثلون الأمة، ولم تكن
مزاعمهم يوما من الأيام تعبيرا عن رأي عام لها.
التفصيل:
أولا. أجواء قلقة حول المزاعم:
فقد
انتهت خلافة عثمان - رضي الله عنه - بفتنة لم تعهدها الحياة الإسلامية من
قبل، ولم يزل البحث في حقيقة محركيها الثائرين ونوازعهم جديرا بأن يظهر لنا
أسبابا ربما لا ترجع إلى عثمان - رضي الله عنه - نفسه، فلقد انعقدت لعثمان
بيعة بإجماع المسلمين بعد ما استقرت كلمة أهل الشورى الستة عليه خليفة
لعمر - رضي الله عنه - وقد مكث في الخلافة اثني عشر عاما، جرى عرف المؤرخين
أن يقسموها شطرين؛ لما شهدته ست السنين الأخيرة من أحداث اصطلح على أنها
"الفتنة الكبرى". وقد حفت بهذه الفتنة ملابسات خرجت بها عن أن تكون أزمة
لعثمان نفسه إلى حيث تصبح تصويرا لاضطراب اجتماعي انتاب المجتمع الإسلامي
يومذاك.
وقد
ناقش القضية في إجمال واف د. حلمي صابر فكان مما قال: "لقد كان عثمان -
رضي الله عنه - ضحية التطبيق الخاطئ لمبدأ حق الأمة في محاسبة الحاكم، هذا
المبدأ الذي أرست قواعده العقيدة الإسلامية، وكان بحق فتحا جديدا في حياة
المسلمين على أعقاب الجاهلية، وعلى مسمع من طغيان الأكاسرة والقياصرة،
وأتباعهم في الشرق والغرب والشمال والجنوب.
ولقد
استغل المناهضون لعثمان - رضي الله عنه - هذا الحق أسوأ استغلال، فلبسوا
مسوح الدين، وباسم حماية الأمة من خطأ الحاكم، وباسم حماية المال العام من
نهم الحاكم، وباسم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحت شعار
"الساكت عن الحق شيطان أخرس"، باسم هذه الشعارات قام المغرضون بالتشنيع على
عثمان - رضي الله عنه - وتشويه صورته، وإلصاق التهم به، وتـألـيـب النـاس
عليه في الأمصار؛ - باسم ذلك كله وباسم الحق - قاموا بذلك الافتراء على
الشيخ الجليل، وهم في الحقيقة أبعد ما يكون عن الحق والحقيقة، فقد كانوا
أصحاب هوى ومآرب خاصة.
فقد
كان من بينهم من أقام عليه الخليفة الحد، وكان من بينهم من حبس الخليفة
أباه في جريمة، وكان من بينهم من فرق الخليفة بينه وبين حليلة تزوجها على
غير الشريعة، وكان من بينهم من أبى الخليفة عليه الولاية، ومنهم من كان
منطوي النية على الفساد والإفساد بوحدة الأمة ودينها.
لقد
تجمعت هذه النفوس الدنيئة على هدف مشترك وهو التشهير بعثمان - رضي الله
عنه - والتخطيط للتخلص منه، وراحوا في كل مصر يؤلبون عليه الأمة، ويعددون
"جرائم عثمان" - كما ادعوا - وهم المجرمون على الحقيقة، حتى جاوز السيل
الزبى، وفوجئ المسلمون بالنهاية المروعة لشيخ الإسلام عثمان بن عفان رضي
الله عنه.
وكما
قال الأستاذ خالد محمد خالد: والحق الذي نستخلصه من استكناه الوقائع
التاريخية عن ذلك العهد، أن خصوم الخليفة من أتباع ابن سبأ والمتآمرين
معهم، كانوا في حملة التشهير بالخليفة لا ينتظرون وجود أخطاء ينسجون منها
بهتانهم، فلقد كانوا مصممين على هذا التشهير وقادرين عليه، ولو برئت تصرفات
الخليفة المالية من الهفوات، لما رضوا أن يدعوا صفحتها بيضاء من غير سوء،
ولسنا ننفي أو نستبعد وقوع أخطاء، إنما ننفي - بيقين كامل - أن تكون هذه
الأخطاء ناجمة عن أدنى قصور في ذمة الخليفة العظيم وأمانته، الأمر الذي
أراد المتآمرون أن يصلوا إليه" [1].
ثانيا. لم يخرج منهج عثمان - رضي الله عنه - عن منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه:
فلقد
سار الخليفة الثالث - رضي الله عنه - في منهجه على ما وجد عليه النبي -
صلى الله عليه وسلم - وخليفتيه أبي بكر وعمر، ولا تكاد تؤثر عنه شبهة يخالف
فيها ما عهد عمن تقدمه؛ "فعندما بويع عثمان - رضي الله عنه - بالخلافة قام
في الناس خطيبا، فأعلن عن نهجه السياسي مبينا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة
وسيرة الشيخين، كما أشار في خطبته إلى أنه سيسوس الناس بالحلم والحكمة إلا
فيما استوجبوه من الحدود، ثم حذرهم من الركون إلى الدنيا والافتتان
بحطامها؛ خوفا من التنافس والتباغض والتحاسد بينهم، مما يفضي بالأمة إلى
الفرقة والخلاف، وكأن عثمان - رضي الله عنه - ينظر وراء الحجب ببصيرته
النافذة إلى ما سيحدث في هذه الأمة من الفتن بسبب الأهواء وتهالك الناس على
الدنيا.
فعن
عون بن عبد الله بن عتبة قال: خطب عثمان الناس بعدما بويع فقال: "أما بعد،
فإني كلفت وقد قبلت، ألا وإني متبع ولست بمبتدع، ألا وإن لكم علي بعد كتاب
الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا: اتباع من كان قبلي فيما
اجتمعتم عليه وسننتم، وسن أهل الخير فيما تسنوا عن ملأ، والكف عنكم إلا
فيما استوجبتم العقوبة، وإن الدنيا خضرة وقد شهيت إلى الناس ومال إليها
كثير منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة، واعلموا
أنها غير تاركة إلا من تركها". [2]
لقد
أعلن ذو النورين عثمان - رضي الله عنه - أن مرجعيته العليا لدولته كتاب
الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بالشيخين في هديهم.
فالمصدر الأول هو كتاب الله عز وجل:
ويشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة، كما يتضمن
مبادئ أساسية وأحكاما قاطعة لإصلاح كل شعبة من شعب الحياة، كما بين القرآن
الكريم للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها دولتهم.
أما المصدر الثاني فهو السنة المطهرة: التي يستمد منها الدستور الإسلامي وأصوله، ومن خلالها تعرف صيغ تنفيذ وتطبيق أحكام القرآن.
وأما الثالث مرجعيا فهو الاقتداء بالشيخين أبي بكر وعمر؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا بالذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر» [3].
إن
دولة ذي النورين خضعت للشريعة، وأصبحت سيادة الشريعة الإسلامية فيها فوق
كل تشريع، وفوق كل قانون، والحاكم فيها مقيد بأحكام لا يتقدم ولا يتأخر
عنها، وطاعة الخليفة مقيدة بطاعة الله؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، [4] وقال صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف» [5].
وهيمنة
الشريعة على الدولة من خصائص الخلافة الراشدة، ومن هنا كان قول عثمان رضي
الله عنه: "إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي في
القيد" [6].
هل
يستقيم عقلا ومنطقا في حق من يقول ذلك ويلتزم به أن يحابي أحدا أو يجامله
على حساب المسلمين والأمة، وهو الذي علم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [7]؟!
أما
فيما يتعلق بتوليته - رضي الله عنه - بعض أقاربه، فإن الطاعنين يكثرون من
الحديث عن محاباة عثمان أقاربه وسيطرتهم على أزمة الحكم في عهده، وأقارب
عثمان الذين ولاهم - رضي الله عنه - أولهم معاوية، والثاني عبد الله بن سعد
بن أبي السرح، والثالث الوليد بن عقبة، والرابع سعيد بن العاص، والخامس
عبد الله بن عامر، هؤلاء خمسة ولاهم عثمان - رضي الله عنه - وهم من أقاربه،
وهذا في زعمهم مطعن عليه، فلننظر أولا من هم ولاة عثمان - رضي الله عنه -
إنهم ثمانية عشر واليا، أفلا يصح أن يكون خمسة من بني أمية يستحقون
الولاية، وبخاصة إذا علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يولي بني
أمية أكثر من غيرهم، فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحابي أحدا؟!
حاشاه ذلك، فماذا تنقمون إذا من تولية عثمان بعض أقاربه؟! [8] وقد كان عثمان - رضي الله عنه - في سياسته مع الولاة يعتمد على مشورة الصحابة في كثير من تصرفاته، فأين استبداده إذا [9]؟!
إن
تولية عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أقاربه كمعاوية وعبد الرحمن بن
عثمان ومروان بن الحكم وغيرهم، أمر سائغ ما لم يثبت أنهم فساق، أو أن فسقهم
ثبت عنده فأقرهم، أو أنه ولاهم يوم ولاهم وهم فساق ليسوا بأهل للولاية،
ولكن لم يثبت شيء من هذا، فقد كان هؤلاء النفر أهل نجدة وكفاية وبصيرة
بالإمرة وقدرة عليها وإن لم يكونوا زهادا، وقد كان معاوية من أمراء عمر طول
مدته فما نقم عليه أحد.
وما
ذهب إليه هؤلاء من أن عثمان - رضي الله عنه - كان يحبهم ويخصهم بالعطاء،
وأنه أعطى مروان جميع خمس إفريقية، فإنه باطل ومحض افتراء منهم، فقد كان
عثمان - رضي الله عنه - أتقى لله وأنزه نفسا، مع إنفاقه في سبيل الله وكثرة
بذله لماله ونفسه في نصرة الدين، وقد ذكروا أنه - رضي الله عنه - كان
يعطيهم من بيت مال المسلمين، وهذا زعم باطل، فهو إنما كان يعطيهم من مال
نفسه".
ويقول
الإمام تقي الدين ابن تيمية مدافعا عن عثمان رضي الله عنه: "ولا نعرف
قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من
بني عبد شمس؛ لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد، فاستعمل النبي -
صلى الله عليه وسلم - في عزة الإسلام على أفضل الأرض مكة عتاب بن أسيد بن
أبي العاص بن أمية، واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وقرى
عرينة، واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا، ثم استعمله على
البحرين فلم يزل عليها بعد العلاء بن الحضرمي حتى توفي النبي - صلى الله
عليه وسلم - واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط حتى أنزل الله فيه: إن
جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة (الحجرات: 6).
فيقول
عثمان: أنا لم أستعمل إلا من استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم
ومن جنسهم ومن قبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، فقد ولى أبو بكر يزيد بن
أبي سفيان بن حرب في فتوح الشام، وأقره عمر، ثم ولى عمر بعده أخاه معاوية.
وهذا
النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في استعمال هؤلاء ثابت مشهور عنه،
بل متواتر عند أهل العلم، ومنه متواتر عند علماء الحديث، ومنه ما يعرفه
العلماء منهم، ولا ينكره أحد منهم" [10].
"ثم
يقال بعد ذلك: إن هؤلاء الولاة لم يتولوا كلهم في وقت واحد، بل كان عثمان -
رضي الله عنه - قد ولى الوليد بن عقبة ثم عزله، فولى مكانه سعيد بن العاص،
وأيضا لم يتوف عثمان إلا وقد عزل أيضا سعيد بن العاص، فعندما توفي عثمان
لم يكن من بني أمية من الولاة إلا ثلاثة؛ وهم: معاوية بن أبي سفيان، وعبد
الله بن سعد بن أبي السرح، وعبد الله بن عامر بن كريز فقط". [11]
ثم
لو كان عثمان - رضي الله عنه - يريد أن يجامل أحدا من أقاربه على حساب
المسلمين لكان ربيبه محمد بن أبي حذيفة أولى الناس بهذه المجاملة، ولكن
الخليفة أبي أن يوليه شيئا ليس كفؤا له بقوله: " يا بني، لو كنت رضا ثم
سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك"، ولم يكن ذلك كراهية منه له ولا
نفورا، وإلا لما جهزه من عنده وأعطاه حين استأذن في الخروج إلى مصر [12].
كما
أن بعض الذين ولاهم عثمان - رضي الله عنه - لا تربطهم بعثمان وشائج
القرابة القريبة، وهناك في بني أمية من كان أقرب إلى عثمان منهم، مثل عبد
الله بن سعد بن أبي السرح الذي لم يكن أحد بني عمومة عثمان، فهو عامري من
بني عامر بن لؤي، وصلة قرابته لعثمان أنهما أخوان من الرضاعة [13].
ثالثا.
لم يعرف عن عثمان - رضي الله عنه - أنه جعل الخلافة وقفا على بني أمية ولا
طمح لذلك، ولم ينقل ذاك عنه إلا من قبل مخالفيه، وهم قلة لا يعتد
بمزاعمهم:
فلا
ينبغي أن تفسر ثورة الخارجين عليه كأنها ثورة شعبية للأمة، وذلك هو ما
يتفق مع طبيعة الأحداث، فلم يكن الثائرون على عثمان - رضي الله عنه -
ممثلين للأمة لتجب عليه طاعتهم، وخلع نفسه من الخلافة، ولم يكن زعماؤهم من
السابقين إلى الإسلام، أو أهل الحل والعقد الذين لهم حق الخلع والتأمير، بل
كانوا جماعات من الموتورين من رجال القبائل الذين أنكروا تفضيل قريش عليهم
في الحكم والعطاء، ومن المخدوعين بالدعاية السبئية النشطة التي تبغي الكيد
للإسلام من وراء ستار، وتستهدف تعطيل مسيرته في الفتح والجهاد.
وكان
زعماؤهم من الرجال الذين لم يحسنوا فقه الإسلام في التغيير، أو ممن
أغاظتهم بعض اجتهادات عثمان - رضي الله عنه - أو أحكامه ضد بعض رجال
عشائرهم، ولا يستقيم نظام للجماعة ولا للدولة إذا كان كلما أراد فريق من
أبنائها تغيير أمير ثاروا عليه، وافتاتوا على حقوق الأمة فخلعوه أو قتلوه،
وللإسلام منهجه في التغيير الذي يحتم توافر الرغبة العامة فيه، وتوافر
القوة القادرة عليه، مع ضرورة ألا يؤدي ذلك إلى إحداث منكر أكبر منه، وأشد
خطرا مثلما حدث في هذه الفتنة الهوجاء [14].
وللعقاد
في هذا الصدد رأي سديد يقول فيه: "وللسائل في أمثال هذه المآزق أن يسأل:
إذا فعل عثمان هذا أو ذاك فسخطوا عليه، فهل يرضون عنه لو لم يفعل هذا
وذاك؟! واليقين في رأينا أن الرضا عنه في أمثال ذلك المأزق مطمع لا يرام،
لأن أساس البلاء كله سهولة الشكوى من الدهماء، ومتى سهلت الشكوى فالإعراض
عنها محنة، واستجابتها محنتان؛ لأنها تغري بالشكوى من جديد، وتزيد البلاء
بزيادة السهولة، طمعا في دوام الإصغاء" [15].
ورغم
كثرة ما قيل عن سيطرة الأمويين على مقاليد الأمور في خلافة عثمان - رضي
الله عنه - فإن حقائق التاريخ تثبت أن كثيرا من المناصب كانت بعيدة عنهم
مثل القضاء وبيت المال والشرطة والنيابة عن الحج، وباقي الولايات الإسلامية
[16]. فلو كان عثمان - رضي الله عنه - يريد أن يصل الأمويون للخلافة، فلماذا لم يعينهم في هذه الوظائف لإحكام السيطرة؟!
وصفوة
القول حقيقة مؤداها أن عثمان - رضي الله عنه ـكان حقا شديد الحب لأقاربه،
وقد ولي نفرا منهم بعض الولايات، ولكن ذلك لم يمل به إلى غشيان محرم، أو
إساءة السيرة والسياسة؛ فقد كان ولاته أكفأ في السياسة وأقدر في الإدارة من
غيرهم، ولم يكن لسياستهم دور مؤكد في إثارة الناس على عثمان، بل إن الدور
الأكبر في ذلك يعود إلى براعة تنظيم السبئية الذين سمموا الجو بالإشاعات
الكاذبة؛ مستغلين لين الخليفة ورغبته في المسالمة والموادعة، وشفقته من
إراقة الدماء أو العنف مع بعض من يظهرون الإسلام [17].
الخلاصة:
•
مما يتعين عند البحث في تاريخ الخليفة الثالث عثمان - رضي الله عنه - أن
تؤخذ في الاعتبار التغيرات الاجتماعية التي شهدها عهده، والملابسات الخاصة
التي اكتنفت أمر الثورة عليه، فلربما ينتهي البحث إلى أنها أحداث مدبرة
تلمست لنفسها الأسباب، أو ضخمت هفوات يسيرة لا تصلح أساسا لثورة أو دافعا
لها.
•
لم يخرج عثمان - رضي الله عنه في عامة أمره - عن نهج النبي - صلى الله
عليه وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلا أن يكون أمرا مباحا
توسع فيه وقد تركه سلفه الراشدون تورعا.
•
أما أنه ولى أقرباءه من بني أمية، فليست القرابة من الخليفة مانعة لذي
كفاءة عن الولايات، وولاية الأمصار قد يقدم فيها القوي على التقي؛ إذ
المعول هنا على إقامة مصالح الرعية وسياسة أمورهم، لا سيما أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - لم يول من حي من العرب ما ولي من بني أمية.
•
إن أمير المؤمنين عثمان بن عفان لم يول من بني أمية إلا خمسة ولاة، من بين
ثمانية عشر واليا، ثم توفي عن ثلاثة منهم فقط على بعض الولايات، فأين هذه
المحاباة أو المجاملة، وأي مجاملة هذه على حساب الدين ومصلحة الأمة؟!
•
لو كان عثمان - رضي الله عنه - يريد أن يستولي بنو أمية على مقاليد الحكم
لولاهم في المناصب الحيوية القابضة على شئون الدولة، كبيت المال والقضاء
والشرطة وغيرها، ولكن هذا لم يحدث.
•
لقد كان جميع من ولاهم عثمان - رضي الله عنه - من الأمويين أكفأ في
السياسة وأقدر على الإدارة من غيرهم، ولكن الفتنة كانت بتدبير السبئية
المحكم الذين أشاعوا الأراجيف وشنعوا بالولاة، في حملة مقصدها هدم الدين.
________________________________________
()
التشكيك في الدين في روايات نجيب محفوظ ونظرائه، إيمان سالم البهنساوي،
مكتبة المنار الإسلامية، ط1، 1424هـ/ 2003م. قصة الحضارة، ول ديورانت،
ترجمة محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1418هـ. القرآن وعلومه في مصر، عبد
الله خورشيد، دار المعارف، مصر، 1970م.
[1]. نظرات في تاريخ الخلفاء الراشدين، د. حلمي صابر، طبعة خاصة، 2001م، ص253 وما بعدها.
[2].
تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين، د.
محمد أمحزون، دار السلام، القاهرة، ط2، 1428 هـ/ 2007م، ص228.
[3].
صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان ـ
رضي الله عنه ـ عن النبي رضي الله عنه (23324)، والترمذي في سننه، كتاب
المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (3663)، وصححه الألباني
في صحيح الجامع (1142).
[4].
صحيح: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 170) برقم (381)، والقضاعي في
مسند الشهاب (2/ 55) برقم (873)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7520).
[5].
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد
الصدوق في الآذان (6830)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة
الأمراء في غير معصية (4871)، واللفظ للبخاري.
[6]. عثمان بن عفان، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص97، 98 بتصرف.
[7].
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعى رعية فلم ينصح
(6732)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل (4834)،
واللفظ له.
[8]. عثمان بن عفان، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص313 بتصرف.
[9]. عثمان بن عفان، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص297 بتصرف.
[10].
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، ابن تيمية، خرج أحاديثه
وعلق عليه: محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ج6،
ص106.
[11]. حقبة من التاريخ، عثمان بن محمد الخميس، مكتبة الإمام البخاري، مصر، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص136، 137.
[12]. عثمان بن عفان، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص340.
[13]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة للكتاب، القاهرة، ط2، 2005م، ص160.
[14]. الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين، د. حمدي شاهين، دار النصر، القاهرة، 2000م، ص281، 282.
[15]. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، د. محمد أمحزون، دار السلام، مصر، ط2، 1428هـ/2007م، ص297.
[16]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة للكتاب، القاهرة، ط2، 2005م، ص162.
[17]. الدولة الأموية المفترى عليها، د. حمدي شاهين، دار القاهرة للكتاب، القاهرة، ط2، 2005م، ص165 بتصرف.
المصدر مواقع سنة وشيعة
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).