الحمد
لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين,
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما
ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا
اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل
والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة, مع الدرس التاسع والأربعين من دروس سير صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وصحابي اليوم علم كبير من أعلام الصحابة إنه عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه .
هذا الصحابي الجليل مَلَكَ المجدَ من كل أطرافه، فقد اجتمع له مجد الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومجد القرابة، فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومجد العلم، فهو حبر هذه الأمة، وبحر علمها الزاخر، ومجد التُّقى، فقد كان صوَّاماً بالنهار، قواماً بالليل، مستغفراً بالأسحار، بكاءً من خشية الله، حتى خدَّد الدمع خديه, صار على خديه خدود من شدة بكائه، وبكاءُ الرحمة أعلى أنواع البكاء، والقلب القاسي أبعد القلوب عن البكاء، ومن لم يبكِ، أو لم يتباكَ فعنده خلل خطير، وعلامة إيمان المؤمنين, قال تعالى:
أمَّا الذي لا يبكي، ولا يدعو، ولا يلجأ، ولا يمرِّغ جبهته في أعتاب الله عز وجل فقد اختل إيمانه .
الإيمان يشمل غذاء العقل وهو العلم، وغذاء القلب، وهو الذكر، أمّا غذاء الجسد فهو الطعام والشراب .
إنه عبد الله بن عباس، ربَّاني هذه الأمة، أعلمُها بكتاب الله، وأفقهُها بتأويله، وأقدرها على النفوذ إلى أغواره، وإدراك مراميه وأسراره .
في حديث آخر, عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ:
وفي رواية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي أَوْ عَلَى مَنْكِبِي, ثُمَّ قَالَ:
معنى التأويل، أي إدراكُ كلام الله عز وجل، وإدراكُ معانيه الدقيقة، ومراميه البعيدة، وإدراك أعماقه، وهذه نعمة كبرى من نعم الله عز وجل, وهذا النص وصف اللهُ به سيدنا يوسف عليه السلام, فقال:
هذا يعبّر عنه العلماء باليقين الإشراقي، وصفه النبي عليه الصلاة والسلام, بل وصف سببه، قال:
كم كان عمره حينما توفي النبي, وكم هو العدد الذي وصل إليه في حفظ الحديث, وكيف كانت ملازمته للنبي قبل وفاته ؟
صحابي جليل، حبر هذه الأمة، عَلَم من أعلامها، أعلمُها بكتاب الله، حينما توفي النبي عليه الصلاة والسلام ما كان سنه يزيد عن ثلاث عشرة سنة فقط، ومع ذلك فقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفًا وستمائة وستين حديثًا، أثبتها البخاري ومسلم, وقد سمعها منه مشافهة.
لما وضعته أمه حملته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه بريقه الشريف، فكان أول ما دخل جوفه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت معه التقوى والحكمة, قال تعالى:
يقولون: مرةً أحد رؤساء الجمهورية في فرنسا كان يمشي, وإلى جانبه رئيس الوزارة ، فقال له: خطوة إلى الوراء يا سيد، ليعرف الناس أن في هذا البلد رجل واحد- .
رفع النبي عليه الصلاة والسلام يده إلى السماء, وقال:
وقال في المرأة وزوجها:
إذًا: ليس ثمة أقوى من الحجَّة، أحياناً تسمع قصصًا لا تنتهي، هذه القصص كلها تنقضها آية واحدة، إنّ فلانًا قرأ في الفنجان، وفلانًا يعلم الغيب، وفلانًا طمأنوه، والله عز وجل قال:
النبي عليه الصلاة والسلام على عظم شأنه وعلو قدره لا يعلم الغيب, هذا مقام النبي, فكيف بِمَن هو دون النبي؟ فما مِن شيءٍ أروع من التوحيد، وأروع من الحجة القوية، والمؤمن كأنه في قلعة، بالأدلة التي يملكها، والحجج التي آتاه الله إياها، والكتاب الذي نوّر الله قلبه به، والسنّة التي سالت مع دمائه، هذا كله يجعله في حصن حصين من كل خرافة، من كل دجل, من كل تزوير، من كل مبالغة، لأنّ أخطر شيء في الدين المبالغات .
يعني هناك أخ لا يُنجب أولادًا، إنه عقيم، التقى مع رجل من أهل العلم، ولكن من غير المنضبطين بالكتاب والسنة، قال له: كُلْ هذه التفاحة، وسوف تنجب إن شاء الله, والذي قّدم له التفاحة عقيم, إذا كنت أنت لا تملك لنفسك أن تنجب ولداً، أفتملك هذا لغيرك؟ قال الله عز وجل:
أريد أن أقول لكم كلمة: إنّه ما مِن عقيدة تعتقدها إلا وتظهر في سلوكك، ولو أنه جدلاً أو فرضاً اعتقدت شيئاً ولم يظهر في السلوك فعندئذ هذه العقيدة لا قيمة لها، وهي لا تقدِّم ولا تؤخِّر, ولكنّ هذه العقيدة التي تعتقدها لا بد أن تظهر في سلوكك، إذًا: فانتبه .
لو أنّ إنسانًا توهَّم أن النبي عليه الصلاة والسلام، يأتي لأهل الكبائر من أمته فيشفع لهم، هكذا توهّم، فهذه العقيدة مؤداها خطير، فهذا الإنسان قد يتساهل، وينتقل من الصغائر إلى أكبر منها، فإذا شارف على الكبائر, قال:
فهو يردِّد هذا الحديث، وقد خدعتهُ نفسُه الأمّارة بالسوء، وهذا الاعتقاد يوقعه في الكبائر, يوجد فهم سقيم جداً، لقوله تعالى:
فكلما كانت السيئة كبيرة بُدِّلت بحسنة كبيرة، فهذا الفهم خطير جداً، يدفع الإنسان إلى أن يرتكب أكبر الكبائر متوهِّمًا أنّ الله يبدلها له أكبرَ الحسنات، ليس هذا هو المعنى إطلاقاً، المعنى أن المؤمن إذا تعرف إلى الله، وأشرق في قلبه نور الإيمان، وتجلّى اللهُ على قلبه، عندئذ الصفات السيئة التي كان متمثلاً بها تنقلب إلى صفات حسنة، لقد كان بخيلاً فصار كريماً، كان جبانًا فصار شجاعاً، كان ملحداً فصار منصفًا، كان قاسيًا القلب فصار رقيق القلب, هذا معنى الآية، ليس معنى الآية أنه كلما ارتكبت سيئة كبيرة تنقلب إلى حسنة كبيرة، هذا معنى خطير جداً، وفهمٌ سقيم .
فنحن نرجو الله تعالى ألاّ يتسرب إلى عقولنا عقائد زائغة، قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ .....*
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ......*
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ ........*
مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا ............*
مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ, وَهَذَا لِي ..........*
هذا زيد بن ثابت، كاتب الوحي، ورأس أهل المدينة في القضاء والفقه والقراءة والفرائض، كما يروي ذلك عمار بن أبي عمار, أن زيد بن ثابت ركب يوما، فأخذ ابن عباس بركابه، فقال له:
من هو المرجع العلمي لسيدنا عمر في حل المعضلات, ولماذا عاتبه الصحابة, وهل كان الحق مع سينا عمر ؟
بلغ هذا الصحابي الجليل من علو القدر على حداثة سنه أن سيدنا عمر بن الخطاب إذا واجهته معضلة دعا جُلَّ الصحابة، ودعا معهم عبد الله بن عباس، فإذا حضر رفع منزلته وأدنى مجلسه، وقال له: لقد أعضل علينا أمراً أنت له ولأمثاله .
الصحابة الكرام تألموا، طفل صغير يجلس بينهم, ويُسأل, ويُستفتى, ويؤخذ رأيه من قبل أمير المؤمنين، فمرة عاتبوا سيدنا عمر, وعوتِب مرةً في تقديمه له، وجعله مع الشيوخ، وهو ما زال فتى، فقال: إنه فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول .
مرة عرض سيدنا عمر سورة النصر على أصحاب رسول الله, فقال: ماذا فهمتم منها تكلموا؟ فسأل ابن عباس, قال: هي نعيُ النبي، لقد فَهِم منها فهماً عميقاً، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ:
يعني انتهت مهمتك، بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً, وانتهى كل شيء، ونُعِيَتْ له نفسُه .
الإنسان قيمته بما يعلم، وقيمته بما يعمل، وأيُّ مقياس آخر لا قيمة له، وكما قيل: ابتغوا العزة عند الله، ابتغوا الرفعة عند الله, أيْ استعمل المقياس الذي يرفعك عند الله .
ما هي المزايا التي كان يتمتع بها ابن عباس ؟
أيها الأخوة, مع الدرس التاسع والأربعين من دروس سير صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وصحابي اليوم علم كبير من أعلام الصحابة إنه عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه .
هذا الصحابي الجليل مَلَكَ المجدَ من كل أطرافه، فقد اجتمع له مجد الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومجد القرابة، فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومجد العلم، فهو حبر هذه الأمة، وبحر علمها الزاخر، ومجد التُّقى، فقد كان صوَّاماً بالنهار، قواماً بالليل، مستغفراً بالأسحار، بكاءً من خشية الله، حتى خدَّد الدمع خديه, صار على خديه خدود من شدة بكائه، وبكاءُ الرحمة أعلى أنواع البكاء، والقلب القاسي أبعد القلوب عن البكاء، ومن لم يبكِ، أو لم يتباكَ فعنده خلل خطير، وعلامة إيمان المؤمنين, قال تعالى:
﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
علامة الإيمان أن جِلْدَ المؤمن يقشعر من خشية الله، قال تعالى:
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً
مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾
أمَّا الذي لا يبكي، ولا يدعو، ولا يلجأ، ولا يمرِّغ جبهته في أعتاب الله عز وجل فقد اختل إيمانه .
الإيمان يشمل غذاء العقل وهو العلم، وغذاء القلب، وهو الذكر، أمّا غذاء الجسد فهو الطعام والشراب .
إنه عبد الله بن عباس، ربَّاني هذه الأمة، أعلمُها بكتاب الله، وأفقهُها بتأويله، وأقدرها على النفوذ إلى أغواره، وإدراك مراميه وأسراره .
الأدعية التي وردت عن النبي بشأن ابن عباس :
أيها الأخوة, يكفيه شرفاً ما قاله فيه عليه
الصلاة والسلام، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا, قَالَ:
((مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَأُخْبِرَ, فَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))
في حديث آخر, عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ:
((ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ))
وفي رواية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ:
((ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ))
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي أَوْ عَلَى مَنْكِبِي, ثُمَّ قَالَ:
((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ))
معنى التأويل، أي إدراكُ كلام الله عز وجل، وإدراكُ معانيه الدقيقة، ومراميه البعيدة، وإدراك أعماقه، وهذه نعمة كبرى من نعم الله عز وجل, وهذا النص وصف اللهُ به سيدنا يوسف عليه السلام, فقال:
﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ
تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ
يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
فأن تفهم النص فهماً عميقاً، فهماً دقيقاً، وتفهم مراميه البعيدة، وتفهم أبعاده كلها، هذه نعمة من نعم الله عز وجل، قال تعالى:
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آَتَيْنَا
حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ
وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾
هذا يعبّر عنه العلماء باليقين الإشراقي، وصفه النبي عليه الصلاة والسلام, بل وصف سببه، قال:
((مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ مَا لَمْ يَعْمَلْ))
هذا هو اليقين الإشراقي، لكن اليقين الإشراقي يجب أن يكون منضبطاً بالكتاب والسنة . كم كان عمره حينما توفي النبي, وكم هو العدد الذي وصل إليه في حفظ الحديث, وكيف كانت ملازمته للنبي قبل وفاته ؟
صحابي جليل، حبر هذه الأمة، عَلَم من أعلامها، أعلمُها بكتاب الله، حينما توفي النبي عليه الصلاة والسلام ما كان سنه يزيد عن ثلاث عشرة سنة فقط، ومع ذلك فقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفًا وستمائة وستين حديثًا، أثبتها البخاري ومسلم, وقد سمعها منه مشافهة.
لما وضعته أمه حملته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه بريقه الشريف، فكان أول ما دخل جوفه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت معه التقوى والحكمة, قال تعالى:
﴿يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا
أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
ما إن حُلت تمائمه - يعني فكت أربطته - حتى
لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملازمة العين لأختها، فكان يُعدُّ له
ماء الوضوء إذا همَّ أن يتوضأ، ويصلي خلف رسول الله إذا وقف للصلاة، ويكون
رديفه على راحلته إذا عزم على السفر، حتى غدا كظله، يسير معه أنَّى سار،
ويدور معه أنى دار، ومع ذلك كان هذا الصحابي الفتى الصغير يحمل بين جنبيه
قلباً واعياً، وذهناً صافياً، وحافظة دونها كل آلات التسجيل، ذاكرة رائعة
قوية جداً .
إليكم سر هذا الدعاء :
قال مرةً عن نفسه:
((همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للوضوء ذات
مرة، فما أسرع أن أعددتُ له الماء، فَسُرَّ بما صنعت، ولما همَّ بالصلاة
أشار إليّ أن أقف بإزائه، فوقفت خلفه ، فلما انتهت الصلاة مال عليَّ، وقال:
ما منعك أن تكون بإزائي يا عبد الله؟ قلت: يا رسول الله، أنت أجلُّ في
عيني، وأعزّ من أن أوازيك في الصلاة,
-ما هذا الأدب؟ الآن ترى معلمًا عمره خمسون سنة، وتلميذه الصغير يمشي أمامه بمتر أو بنصف متر .يقولون: مرةً أحد رؤساء الجمهورية في فرنسا كان يمشي, وإلى جانبه رئيس الوزارة ، فقال له: خطوة إلى الوراء يا سيد، ليعرف الناس أن في هذا البلد رجل واحد- .
رفع النبي عليه الصلاة والسلام يده إلى السماء, وقال:
((اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ))
فهل دعاء النبي قليل؟ نبي هذه الأمة، أقرب الخلق إلى الله عز وجل يدعو لإنسان, قال:
((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ, وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ))
إنّ هذا شرف عظيم, لقد استجاب الله عز وجل دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، فآتى الغلام الهاشمي الحكمة، ففاق بها أساطين الحكماء .
إليكم أحد مواقفه الذي وضع لسانه عند المحك فصلح الله به الأمة :
استمعوا أيها الأخوة إلى موقف من مواقف هذا
الصحابي الجليل الفتى الصغير؛ لما اعتزل بعض أصحاب عليٍّ وخذلوه، في نزاعه
مع معاوية رضي الله عنهما, فعن عبد الله بن عباس, قال:
((لما اعتزلت الحرورية, وهم الخوارج، وكانوا من أشد
الناس عبادة, قلت لعليٍّ: يا أمير المؤمنين, أبرد عن الصلاة لعلي آتي
هؤلاء القوم فأكلمهم, فأتيتهم ولبست أحسن ما يكون من الحلل, فقالوا: مرحبا
بك يا ابن عباس، فما هذه الحلة؟ قال: ما تعيبون عليَّ, لقد رأيت علَى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أحسن الحلل، ونزل:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾
قالوا: فما جاء بك؟ قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم
رسول الله صلى الله عليه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثا, قلت ما هن؟ قالوا:
أولُّهن أنه حكم الرجال في دين الله، وقد قال الله تعالى:
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾
قلت: وماذا؟ قالوا: وقاتل ولم يَسْبِ، ولم يغنَم، لئن
كانوا كفارا لقد حَلَّتْ له أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه
دمائهم، قلت: وماذا؟ قالوا: ومحا اسمه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير
المؤمنين فهو أمير الكافرين .
قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا تشكون, أترجعون؟ قالوا: نعم، قلت: أما قولكم أنه حكَّم الرجال في دين الله، فإنَّ الله تعالى يقول:
قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا تشكون, أترجعون؟ قالوا: نعم، قلت: أما قولكم أنه حكَّم الرجال في دين الله، فإنَّ الله تعالى يقول:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ
النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾
وقال في المرأة وزوجها:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾
أنشدكم الله, أفحكمُ الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم
وصلاح ذات بينهم أحقُّ أم في أرنب فيه ربع درهم؟ قالوا: اللهم في حقن
دمائهم وصلاح ذات بينهم، قال: أخرجت من هذه, قالوا : اللهم نعم، وأما
قولكم: إنه قاتل, ولم يَسْبِ, ولم يغنم، أتَسْبون أمَّكم، أم تستحلُّون
منها ما تستحلُّون من غيرها؟ فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام، إن الله تعالى
يقول:
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾
وأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم، أخرجت
من هذه؟ قالوا: اللهم نعم، وأما قولكم محا اسمه من أمير المؤمنين، فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه
وبينهم كتابا, فقال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا: والله
لو كنا نعلم أنك رسول الله, ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب
محمد بن عبد الله, فقال: والله إني لرسول الله, وإن كذبتموني، اكتب يا علي,
محمد بن عبد الله ورسول الله, كان أفضل من علي، أخرجت من هذه؟ قالوا:
اللهم نعم، فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا))
وكان من ثمرة هذا اللقاء, وما أظهره به عبد الله بن عباس من حكمة بالغة وحجة دامغة أنْ عاد منهم عشرون ألفاً إلى صفوف الإمام علي .إذًا: ليس ثمة أقوى من الحجَّة، أحياناً تسمع قصصًا لا تنتهي، هذه القصص كلها تنقضها آية واحدة، إنّ فلانًا قرأ في الفنجان، وفلانًا يعلم الغيب، وفلانًا طمأنوه، والله عز وجل قال:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ
وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ
أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى
وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام على عظم شأنه وعلو قدره لا يعلم الغيب, هذا مقام النبي, فكيف بِمَن هو دون النبي؟ فما مِن شيءٍ أروع من التوحيد، وأروع من الحجة القوية، والمؤمن كأنه في قلعة، بالأدلة التي يملكها، والحجج التي آتاه الله إياها، والكتاب الذي نوّر الله قلبه به، والسنّة التي سالت مع دمائه، هذا كله يجعله في حصن حصين من كل خرافة، من كل دجل, من كل تزوير، من كل مبالغة، لأنّ أخطر شيء في الدين المبالغات .
يعني هناك أخ لا يُنجب أولادًا، إنه عقيم، التقى مع رجل من أهل العلم، ولكن من غير المنضبطين بالكتاب والسنة، قال له: كُلْ هذه التفاحة، وسوف تنجب إن شاء الله, والذي قّدم له التفاحة عقيم, إذا كنت أنت لا تملك لنفسك أن تنجب ولداً، أفتملك هذا لغيرك؟ قال الله عز وجل:
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾
أيها الأخوة، أتمنى وأرجو من كل واحد أن
يعمل جرد حساب لتصوراته، ولمعلوماته الدينية، هناك أشياء غير صحيحة، هناك
عقائد فاسدة, عقائد زائغة، كل شيء تعتقده يجب أن يكون لك عليه دليل من كتاب
الله وسنة رسوله، وإلا كنتَ ضحية أفكارك الزائغة .أريد أن أقول لكم كلمة: إنّه ما مِن عقيدة تعتقدها إلا وتظهر في سلوكك، ولو أنه جدلاً أو فرضاً اعتقدت شيئاً ولم يظهر في السلوك فعندئذ هذه العقيدة لا قيمة لها، وهي لا تقدِّم ولا تؤخِّر, ولكنّ هذه العقيدة التي تعتقدها لا بد أن تظهر في سلوكك، إذًا: فانتبه .
لو أنّ إنسانًا توهَّم أن النبي عليه الصلاة والسلام، يأتي لأهل الكبائر من أمته فيشفع لهم، هكذا توهّم، فهذه العقيدة مؤداها خطير، فهذا الإنسان قد يتساهل، وينتقل من الصغائر إلى أكبر منها، فإذا شارف على الكبائر, قال:
((شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي))
فهو يردِّد هذا الحديث، وقد خدعتهُ نفسُه الأمّارة بالسوء، وهذا الاعتقاد يوقعه في الكبائر, يوجد فهم سقيم جداً، لقوله تعالى:
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً
صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
فكلما كانت السيئة كبيرة بُدِّلت بحسنة كبيرة، فهذا الفهم خطير جداً، يدفع الإنسان إلى أن يرتكب أكبر الكبائر متوهِّمًا أنّ الله يبدلها له أكبرَ الحسنات، ليس هذا هو المعنى إطلاقاً، المعنى أن المؤمن إذا تعرف إلى الله، وأشرق في قلبه نور الإيمان، وتجلّى اللهُ على قلبه، عندئذ الصفات السيئة التي كان متمثلاً بها تنقلب إلى صفات حسنة، لقد كان بخيلاً فصار كريماً، كان جبانًا فصار شجاعاً، كان ملحداً فصار منصفًا، كان قاسيًا القلب فصار رقيق القلب, هذا معنى الآية، ليس معنى الآية أنه كلما ارتكبت سيئة كبيرة تنقلب إلى حسنة كبيرة، هذا معنى خطير جداً، وفهمٌ سقيم .
فنحن نرجو الله تعالى ألاّ يتسرب إلى عقولنا عقائد زائغة، قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة
إليكم أدبه مع العلم وأهله :
بعد أن توفي النبيُّ عليه الصلاة والسلام, يقول هذا الصحابي الجليل عن نفسه:
((كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله
أتيت باب بيته في وقت قيلولته، وتوّسدتُ ردائي عند عتبة داره، فيسفو عليّ
الريح من التراب ما يسفو، ولو شئت أن أستأذن عليه لأذِن لي، وإنما كنت أفعل
ذلك لأطيِّب نفسَه، فإذا خرج من بيته، ورآني على هذا الحال, قال: يا ابن
عمِّ رسول الله, ما جاء بك؟ هلاَّ أرسلتَ إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحَقُّ
بالمجيء إليك، فالعلم يؤتَى ولا يأتي))
مرةً أحد خلفاء بني العباس حج البيت، وقال:
((أريد عالماً أستفيد من علمه، فأتباعه توجهوا إلى
الإمام مالك، إمام دار الهجرة، وقالوا له: تفضّل فالخليفة يدعوك إليه، قال:
قولوا له: يا هارون, العلم يؤتى ولا يأتي .
فلما أبلغوه, قال: حق، أنا آتيه، فلما أبلغوه أنه سيأتيك، قال: قولوا له: لا أسمح لك بتخطي رقاب الناس، قال: صدق, فلما وصل إلى مجلس علمه جلس على كرسي، فقال الإمام مالك: من تواضع لله رفعه, ومن تكبر وضعه، فقال: خذوا عني هذا الكرسي، وجلس مع الناس))
كان ابن عباس يذل نفسه في طلب العلم، وهو ابن عم رسول الله، ولكن مِن أجل أن يطلب العلم, والحقيقة أنّ النبي الكريم, يقول:
فلما أبلغوه, قال: حق، أنا آتيه، فلما أبلغوه أنه سيأتيك، قال: قولوا له: لا أسمح لك بتخطي رقاب الناس، قال: صدق, فلما وصل إلى مجلس علمه جلس على كرسي، فقال الإمام مالك: من تواضع لله رفعه, ومن تكبر وضعه، فقال: خذوا عني هذا الكرسي، وجلس مع الناس))
((تواضعوا لمن تعلمون منه، وتواضعوا لمن تعلِّمونَه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء))
الطالب الأديب يأخذ كل علم أستاذه عن طيب
خاطر، لكن إن كان هناك سؤال فيه جفاء، وتعليق فيه قسوة، وانتقاد لاذع، وسوء
أدب بالمعاملة، فهذا ينفر الإنسان, صدق القائل:
إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يُكرَما
حتى الصحابة الكرام دهشوا لأدب رسول الله، حتى قالوا متسائلين: ما هذا الأدب؟ قال :
((أدبني ربي فأحسن تأديبي))
ما رؤي مادًّا رجليه قط، اللهم صلِّ عليه، كان
رقيقًا جداً، وكان يستحي كما تستحي العذراء في خدرها، وما واجه أحداً من
أصحابه بما يكره، كان إذا أراد أن يوجه الناس يصعد المنبر، والمقصود عنده
واحد, فيقول: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ .....*
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ......*
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ ........*
مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا ............*
مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ, وَهَذَا لِي ..........*
هذا زيد بن ثابت، كاتب الوحي، ورأس أهل المدينة في القضاء والفقه والقراءة والفرائض، كما يروي ذلك عمار بن أبي عمار, أن زيد بن ثابت ركب يوما، فأخذ ابن عباس بركابه، فقال له:
((تنحَّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال له: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرني يدك؟ فأخرج
يده، فقبَّلها، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا))
يا أيها الأخوة, مجتمع المؤمنين مجتمع راقٍ
جداً، واللهِ ينبغي أن نعيش هذه الأخلاق ، احترموا بعضكم، يؤلمني بعض
المزاح بين الشباب، احترموا مشاعرَ بعضكم، اعرفوا قدر بعضكم، تكاملوا فيما
بينكم، واجعلوا من مجتمعكم مجتمعاً يشبه مجتمع أصحاب رسول الله .من هو المرجع العلمي لسيدنا عمر في حل المعضلات, ولماذا عاتبه الصحابة, وهل كان الحق مع سينا عمر ؟
بلغ هذا الصحابي الجليل من علو القدر على حداثة سنه أن سيدنا عمر بن الخطاب إذا واجهته معضلة دعا جُلَّ الصحابة، ودعا معهم عبد الله بن عباس، فإذا حضر رفع منزلته وأدنى مجلسه، وقال له: لقد أعضل علينا أمراً أنت له ولأمثاله .
الصحابة الكرام تألموا، طفل صغير يجلس بينهم, ويُسأل, ويُستفتى, ويؤخذ رأيه من قبل أمير المؤمنين، فمرة عاتبوا سيدنا عمر, وعوتِب مرةً في تقديمه له، وجعله مع الشيوخ، وهو ما زال فتى، فقال: إنه فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول .
مرة عرض سيدنا عمر سورة النصر على أصحاب رسول الله, فقال: ماذا فهمتم منها تكلموا؟ فسأل ابن عباس, قال: هي نعيُ النبي، لقد فَهِم منها فهماً عميقاً، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ:
((كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ, فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ, فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ
تَعْلَمُ, فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ, فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ, قَالَ: مَا أَعْلَمُ
مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ))
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا, قَالَ:
((كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْذَنُ لِأَهْلِ
بَدْرٍ, وَيَأْذَنُ لِي مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَأْذَنُ لِهَذَا
الْفَتَى مَعَنَا, وَمِنْ أَبْنَائِنَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ, فَقَالَ
عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ قَالَ: فَأَذِنَ لَهُمْ ذَاتَ
يَوْمٍ, وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ, فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَقَالُوا: أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ
وَيَتُوبَ إِلَيْهِ, فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ يَا بْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ:
قُلْتُ: لَيْسَتْ كَذَلِكَ, وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ, فَقَالَ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ, وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي
دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَذَلِكَ عَلَامَةُ مَوْتِكَ, فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا, فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ
تَلُومُونِي عَلَى مَا تَرَوْنَ؟))
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾
يعني انتهت مهمتك، بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً, وانتهى كل شيء، ونُعِيَتْ له نفسُه .
إليكم موعظته لصاحب الذنب :
من مواعظ هذا الصحابي الجليل، أنه كان يقول:
((يا صاحب الذنب, لا تأمن عاقبة ذنبك ، واعلم أن ما
يتبع الذنب أعظمُ من الذنب نفسه، إن عدم استحيائك ممن على يمينك وعلى
شمالك، وأنت تقترف الذنب لا يقلُّ عن الذنب، وإن ضحكَك عند الذنب، وأنت
تدري، أو أنت لا تدري ما الله صانع بك أعظمُ من الذنب، وإن فرحَك بالذنب
إذا ظفرت به أعظمُ من الذنب، وإن حزنَك على الذنب إن فاتك أعظمُ من الذنب,
وإن خوفك من الريح إذا حركت سترك, وأنت ترتكب الذنب مع كونك لا تضطرب من
نظر الله لك أعظم من الذنب, يا صاحب الذنب, استغفر لذنبك, ما كان بعد الذنب
أعظم من الذنب نفسه))
كم سنة عمر في الحياة , ومن صلى عليه يوم وفاته ؟
هذا الصحابي الجيل عُمِّر إحدى وسبعين سنة،
ملأ فيها الدنيا علماً وفهماً وحكمةً وتقى، فلما أتاه اليقينُ صلى عليه
محمد بن الحنفية، والبقية الباقية من أصحاب رسول الله رضوان الله تعالى
عليهم، وجلَّة التابعين، وفيما كانوا يوارونه التراب سمعوا قارئاً لم يروه
يقرأ قوله تعالى:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *
وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
خلاصة الدرس :
أيها الأخوة الكرام، هذا الصحابي الجليل
نموذجٌ للصغار، إن طفلاً صغيراً لا يزيد عمره عن ثلاث عشرة سنة يروي عن
رسول الله ألفاً وستمائة وستين حديثًا صحيحًا، هذا الصحابي الجليل كان
مرجعًا لسيدنا عمر، وهو عملاق الإسلام .الإنسان قيمته بما يعلم، وقيمته بما يعمل، وأيُّ مقياس آخر لا قيمة له، وكما قيل: ابتغوا العزة عند الله، ابتغوا الرفعة عند الله, أيْ استعمل المقياس الذي يرفعك عند الله .
والحمد لله رب العالمين
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).