عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله يعطيكم العافية
مجهود تشكرون عليه
اسأل الله لكم الثبات والسداد
طُلب منا كأهل سنه الإجابة على هذا الموضوع أتمنى أن أجد الرد القاطع على ذلك
سؤال مهم أوجهه لأهل السنة : لماذا لم تأخذوا بمذهب أهل البيت ؟
لماذا نأخذ عن أبي حنيفة ونأخذ عن أحمد بن حنبل ونأخذ عن عشرات الفقهاء ولا نأخذ عن الإمام علي ولا عن الحسنين ولا عن الإمام الباقر ولا عن جعفر الصادق عليهم السلام ؟ هؤلاء الأئمة الاثني عشر الذين ذكرهم الإمام البخاري كما في حديث جابر بن سمرة الوارد في مسلم وفي البخاري؟ ولماذا أهل السنة أخذوا بجميع المذاهب الأربعة ومذهب الأوزاعي ومذهب الطبري مذاهب كثيرة من المذاهب الباقية ومن المذاهب المنقرضة ولكن لم يأخذوا بمذهب أهل البيت؟
أليست آيات الكتاب وأحاديث كثيرة دلتنا على أن نأخذ بالثقل الثاني؟ ما الذي جعلهم يتركون مذهب قرناء القرآن؟! ومن ذا الذي يرضى لنفسه من حيث يشعر أو لا يشعر بأن يأخذ عن كل فقيه كما صرح الإمام ابن تيمية إلا عن الذين هم عدل القرآن والسنة وهم الثقل الثاني؟ طرق كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً تحثّنا هذه الروايات على أهل البيت فلماذا إذن تقدِّمون كل الفقهاء ولا تأخذ عن أهل البيت؟ لماذا .. لماذا ؟ وماذا سنجيب الله سبحانه وتعالى ؟ ماذا سنجيب الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يوم يسألنا ماذا صنعتم (بحديث الثقلين) >إني أوشك أن أدعى ـ سوف أغادر الحياة عما قريب ـ واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي<؟ كان الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ يعلم إنه سوف يأتي رجل يتبجّح ويقول لن نأخذ عن أهل البيت! ويعلم النبي أنه لا يتجرأ أحد أن يقول لن أأخذ بالقرآن أو يقول لن أأخذ بالسنة, ولكن سيأتي رجل ويتبجح ويتجرأ ويقول لن نأخذ من أهل البيت!!
وكيف يتسنّى لنا إقناع الله سبحانه وتعالى إذا قلنا يوم القيامة؟ في يوم مشهود أمام من يطّلع على السر وأخفى: أخذنا بجميع الفقهاء إلا الذين قرنتهم بكتابك فلم نأخذ عنهم؟ هل هذه الإجابة تقنع؟!
لماذا ترددون في كتبكم (حديث الثقلين)؟ لماذا تقولون: كتاب الله وأهل بيتي ثم تصرحون بملء أفواهكم بأنكم لم تأخذوا عن الثقل الثاني؟ وإذا جاز أن تكون جميع المذاهب يؤخذ منها إلا مذهب أهل البيت لماذا أجزتم أن تكون المذاهب أربعة؟ ولماذا لا تقبلون أن تدخلوا مذهب أهل البيت كخامس؟ اجعلوه الخامس لا نريد أن يكون الأول كما أراد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ؟ اجعلوه خامس المذاهب آخر المذاهب. اذكروه فقط في الأخير في قاع الهرم لا نريد أن يكون أهل البيت فوق الهرم لم نعد نطالب بذلك بل نطالب فقط مجرد العدالة اعدلوا بين أهل البيت المطهرين وبين الشافعي! اعدلوا بين أهل البيت وبين الإمام مالك! اعدلوا بين أهل البيت وبين بقية الناس .. أطالبكم فقط أن يكون الخامس هو مذهب أهل البيت. كيف يصح للمسلم أن يقول: لم نأخذ عن المذهب الذي قال النبي فيه: >تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وأهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض<؟ لا نريد منكم أن تفضِّلوا مذهب أهل البيت على المذاهب الأربعة، لكن نقول لكم: اعدلوا بين أئمة أهل البيت الاثني عشر وبين أئمة المذاهب الأربعة! والله لو زاد مذهب أهل البيت مع هذه المذاهب الأربعة لن يضركم مذهب أهل البيت. لماذا قدّمنا غير أهل البيت على أهل البيت؟ وهل هذا العمل يعتبر مخالفة صريحة لحديث الثقلين؟ وإذا لا تكن هذه مخالفة فما هي المخالفة؟
أنا أريد فقط أن تجيبوا عن هذه الأسئلة ، لماذا تركتم قرناء القرآن؟ أنتقل مئات السنة إلى الاثني عشرية وقال العالم ربيع السعودي يبين ذلك الانتقال في كتابه >حكم الإسلام في الاثني عشرية<: >سافرت إلى مصر فوجدت كثيراً من أبنائنا وكثيراً من إخواننا قد انتقلوا إلى مذهب الاثني عشرية الذي يزعم إنه مذهب أهل البيت<.
يا إخواني لماذا المستبصرون رجحوا هذا المذهب على غيره؟ اسألوا أنفسكم يا إخواني؟ لماذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية لم يأخذ أهل السنة عن أهل البيت؟ تفكروا، تعقلوا كلام الإمام زين العابدين وهو الإمام الرابع من الأئمة الاثني عشر الذين تركتموهم واتبعتم غيرهم كما جاء عنه في روايات كثيرة والإمام زين العابدين يقول كما ذكر إمام أهل السنة ابن حجر الهيتمي في >الصواعق المحرقة< عند تفسير الآية الخامسة (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا), وهي من الآيات التي أوردها في الباب الحادي عشر إخواني أرجوكم أن تتأملوا في كلام علي بن الحسين زين العابدين وإن كنتم لا تتأملوا بكلامه لأنه من أهل البيت فتخيلوا إنه أحمد بن حنبل، تخيلوا فقط إنه الإمام أحمد بن حنبل أو شيخ الإسلام ابن تيمية لعل الإمام زين العابدين يفهم شيئاً في هذا الدين, قال: ـ رضوان الله عليه وسلام الله عليه ـ : «وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر فينا ـ يعني: مثل حديث الثقلين, إلى أن يقول روحي فداه الإمام الرابع من الأئمة الاثني عشر هؤلاء الذين لم يأخذ عنهم أهل السنة ـ فإلى من يفزع خلف هذه الأمة؟ وقد درست أعلام هذه الملّة ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفِّر بعضها بعضاً والله تعالى يقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات), فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم؟ عدل الكتاب وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتجّ الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة. هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة؟<.
تأملوا في كلام زين العابدين ـ رضوان الله عليه ـ إخواني أرجوكم أن تتأملوا في كلام علي بن الحسين! احسبوه إنه من أئمة أهل السنة الذين أخذتم منهم ولم تتركوهم ثم انظروا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عندما قال: >تركنا أهل البيت<!! وهناك كلمات كثيرة متواترة عن الأئمة الاثني عشر ارجعوا إليها قبل أن يأتي يوم لا مفر منه! راجعوا كلمات أهل البيت، أنتم كذَّبتم كل ما جاء عن أهل البيت من خطب ورسائل ومن فقه ومن علم وقلتم: كلها كذب!! اتقوا الله يا إخوان راجعوا كلمات أهل البيت ولا تقولوا: كل ما ورد عنهم كذب!! كذب عليهم الرافضة! لا والله إن هنالك أشياء كذبت عليهم ونسبت إليهم وهنالك أشياء متواترة عنهم لا تكذّبون كل شيء! وكل كلامهم عن مقامهم في الإسلام يعتبر شرحاً وتوضيحاً لـ (حديث الثقلين) الوارد في صحيح مسلم حيث يصرح النبي في بعض كتب الحديث إنّ الأئمة الاثني عشرهم الثقل الثاني وبأن اتباعهم واجب لأن النبي قرنهم بالقرآن والسنة فهل عملتم بما اوصاكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ام ستقولون كما قال عمر حسبنا كتاب الله ؟؟؟؟!!!!!!
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
أولاً : أشكر لك هذا السؤال الذي أوقفني على كثير من دُرر ونفائس آل البيت في كُتُب أهل السنة ، وإن كنت لم أقصد الاستقصاء والتتبع ..
وهذه شُبهات واهية ، قائمة على تلبيس وزَعْم كاذب .
والجواب عنها من وجوه :
الوجه الأول :
الزعم بأن أهل السنة لا يأخذون بمذهب أهل البيت .
وهذه شَكاة ظاهِر عَـنَّا عَارها !
وسيأتي بالأمثلة والأرقام أن أخذ أهل السنة -قديما وحديثا – عن أهل البيت كثير ، بل وكثير جدا ، وعلى رأس أولئك الأخيار من آل البيت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما .
وسيتبيَّن أيضا أن الرافضة لا يُجِلُّون أئمة آل البيت على الحقيقة ، وإن زعموا ذلك !
ولا أدّعي ذلك مُجرّد دعوى ، بل سآتي بالحقائق مِن كُتُب الرافضة قبل كُتُب أهل السنة !
وسأبيِّن أيضا أن أهل السنة هُم الذين يُجِلُّون أئمة آل البيت من غير تحديد بِعدد مُعيَّن ، ولا حَصْرٍ في ذرية إمام ، أو في واحد من أبنائه دون غيره ، هكذا من غير دليل على هذا التَّحكُّم !
الوجه الثاني : الزعم بأن الأئمة الاثنا عشر هُم مَن حَدَّدتهم الرافضة بالأئمة الاثنا عشر !
وهذا باطل مِن وُجوه :
الأول : أن الرافضة أنفسهم قد اختلفوا في عدّ هؤلاء الأئمة !
فالرافضة الاثنا عشرية ( الجعفرية ) قد اختلفوا أصلا هل وُلِد الإمام الثاني عشر أوْ لا ؟
وطائفة منهم تُثبت أن الإمام العسكري لم يُولَد له أصلا ، بدليل أن ميراثه قد قُسِم بعد وفاته .
والرافضة تقصد معرفة الأئمة الاثنا عشر ، وتعني بهم :
علي بن أبي طالب
والحسن بن علي
والحسين بن علي
وزين العابدين علي بن الحسين
والباقر
والصادق
والكاظم
وعلي بن موسى الرضا
محمد بن علي بن موسى الرضا
والهادي
والعسكري
وابنه : محمد بن الحسن [ الذي تزعم الرافضة أنه غاب في سرداب سامرا سنة 329 هـ ]
وهو الذي تُسمه الرافضة ( المهدي ) و ( القائم ) .
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة ، وأنه صاحب الزمان ، وأنه صاحب السرداب بسامراء ، وأنه حي لا يموت حتى يخرج فيملا الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، فوددنا ذلك والله وهم في انتظاره من أربع مئة وسبعين سنة ! ومن أحالك على غائب لم ينصفك فكيف بمن أحال على مستحيل ؟! والإنصاف عزيز ، فنعوذ بالله من الجهل والهوى .
ثم قال :
فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه نحبه أشد الحب ، ولا نَدَّعِي عِصَمْته ولا عِصْمَة أبي بكر الصديق .
وابْنَاه الحسن والحسين فَسِبْطَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .
وزين العابدين كبير القدر من سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة ، وله نظراء وغيره أكثر فتوى منه وأكثر رواية
وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر سيد إمام فقيه يصلح للخلافة .
وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور
وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون ، وله نظراء في الشرف والفضل .
وابنه علي بن موسى الرضا كبير الشأن له علم وبيان ووَقْع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته فتوفي سنة ثلاث ومئتين .
وابنه محمد الجواد من سادة قومه لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه .
وكذلك ولده الملقب بالهادي شريف جليل .
وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى . انتهى كلامه رحمه الله .
الثاني : أن فِرق الرافضة قد اختلفوا حول تحديد الأئمة الاثنا عشر قبل غيرهم !
فبعد وفاة الإمام جعفر الصادق رحمه الله انقسمت الرافضة إلى : جعفرية وإسماعيلية !
والإسماعيلية جعلوا الإمامة في إسماعيل بن جعفر ، وإليه ينتسبون !
والرافضة جعلوا الإمامة في أخيه : موسى الرضا .
والزيدية جعلوا الإمام في زيد بن علي بن الحسين .
وزيد بن عليّ بن الحسين رضي الله عنهم هو الذي رفضته الرافضة لَمَّا ترحّم على أبي بكر وعمر !
فأنت ترى أن فِرق الشيعة والرافضة قبل غيرهم لم يتّفقوا على إمامة اثنا عشر إماما !
الثالث : أن الرافضة تَحَكّموا في ذلك ، فجعلوا الإمامة في أبناء حسين بن علي رضي الله عنهما ولم يجعلوها في بقية أبناء علي ، كما لم يجعلوها في أبناء الحسن بن علي رضي الله عنهما ، مع أنه من أبناء عليّ ، وأمه فاطمة رضي الله عنها .
وذلك لأن الرافضة تُسمِّي الحسن بن عليّ رضي الله عنهما – خاذل المؤمنين - ! لأنه تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه سنة 40 هـ ، والذي سُمِّي عام الجماعة ، وتحقق بذلك نبوءة جدِّه صلى الله عليه وسلم حينما قال : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يُصْلِح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . رواه البخاري
الوجه الثاني : ما فعله الرافضي من تلبيس على الناس حيث زَعم أن البخاري روى حديثا في التنصيص على الأئمة الاثنا عشر ، وهذا ديدن الرافضة ودأبهم في الكذب والتلبيس ؛ لأن هذه بضاعة القوم !
والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال أمْر الناس ماضيًا مَا وَلِيَهم اثنا عشر رجلا . ثم تَكَلَّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خَفِيَت عليّ ، فسألت أَبِي : ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كلهم من قريش .
وفي رواية لمسلم : لا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً . ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا ، فَقُلْتُ لأَبِي : مَا قَالَ ؟ فَقَالَ : كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ .
وفي رواية للبخاري :
يكون اثنا عشر أميرا .
وهذا الحديث الذي ذَكَره الْمُعْتَرِض يُلزِم الرافضة الأخذ به ، ويَلزَم منه قبول إمامة مَن رَفَضُوا إمامتهم ، كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم .
فإن هؤلاء من الأئمة ومِن الخلفاء ، وهم مِن قريش . وقد جاء التنصيص على إمارتهم وخِلافتهم وإمامتهم . " اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً " ، " اثنا عشر أميرا " .
فأهل السنة – بحمد الله – عَرَفوا هؤلاء الأئمة ، وعرفوا لهم حقّهم ، وهم أكثر الناس حظّا في الأخذ بهذا الحديث الذي ذَكَره المعتَرِض .
فإن أهل السنة يعتقدون إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن بن علي ومعاوية ، فهؤلاء ستة من الأئمة الاثنا عشر ، وكلهم من قريش .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وستكون خلفاء فتكثر . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فُوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه البخاري ومسلم .
فنحن أخذنا بهذا الحديث ، والبيعة الأولى كانت لأبي بكر رضي الله عنه ، فيجب الوفاء بها .
كما أن الرافضة لا تعترف بإمامة ولا بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما بل ولا تذكره كما تذكر الحسين رضي الله عنه .
ومعلوم أن ولاية الحسن بن علي رضي الله عنهما تم بها عِقد الخلافة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
وفي رواية لأبي داود : خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك - أو ملكه - من يشاء .
والإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما أتم بخلافته هذه الثلاثين سنة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير رحمه الله :
وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي ، فإنه نَزَل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه توفى في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما ، وقد مَدَحَه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا ، وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته في الآخرة الباقية ، وحقنه دماء هذه الأمة ، فَنَزَل عن الخلافة وجَعَلَ الملك بِيدِ معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد . اهـ .
فأنت ترى - أيها السُّنّيّ – أن الحديث لا ينصّ على إمامة اثني عشر إماما ، بل على ولاية اثني عشر خليفة ، وإمارة اثني عشر أميرا .
ومعلوم أن أئمة آل البيت لم يكونوا خُلفاء ، إلاّ ما كان مِن خِلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما .
فالقول بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً " يُراد به الأئمة يَرُدّه الواقع وتردّه أحوال أولئك الأئمة من آل البيت رضي الله عنهم .
فإن آل البيت من أبناء عليّ ومن أحفاده من أبناء الحسن والحسين هم من أئمة الْهُدّى ، ولم يكونوا من الخلفاء إلاّ ما كان من خلافة الحسن – كما تقدّم - .
قال ابن أبي العزّ الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية : ولم يأت ذكر الأئمة الاثني عشر إلاَّ على صِفة تَرُدّ قولهم وتُبْطِله ، وهو ما خرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة – ثم ذَكَر الحديث - .
الوجه الثالث : قول الرافضي : (لماذا نأخذ عن أبي حنيفة ونأخذ عن أحمد بن حنبل ونأخذ عن عشرات الفقهاء ولا نأخذ عن الإمام علي ولا عن الحسنين ولا عن الإمام الباقر ولا عن جعفر الصادق عليهم السلام ؟)
أقول : هذه دعوى ، والدعاوى ما لم يُقيموا عليها بيّنات أبناؤها أدعياء !
فدعوى أن أهل السنة لا يأخذون بمذهب أئمة آل البيت محض افتراء ، كما أن الزعم بأن الرافضة تأخذ بمذهب آل البيت محض افتراء أيضا .
لأن أخذ الرافضة عن الحسن قليل بل نادر جدا !
وآل البيت أعمّ من أن يكونوا في ذرية عليّ رضي الله عنه ، بل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته بِنصّ القرآن ، كما قال تعالى : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) مما يَدُلّ على دُخول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الخطاب ، وأنهن داخلات في عموم أهل بيته صلى الله عليه وسلم .
فإن الله لَمَّا قال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) أعقبه بقوله : (وَاذْكُرْنَ) والخطاب لِزوجات النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد دلّ القرآن على أن زوجة الرجل من آل بيته ، كما قال تعالى في خبر لوط : (إِلاَّ آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ) .
وقال تعالى : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) وغيرها من الآيات .
فلو كانت زوجته ليست من أهل بيته لم يكن ثَمّ حاجة إلى الاستثناء من آله وأهله .
وقد أكثر أهل السنة الأخذ عن عليّ رضي الله عنه ، وعن الحسن والحسين وعن زين العابدين بن علي وعن ابنه محمد – المعروف بالباقر – وابنه جعفر – المعروف بالصادق – وغيرهم من أئمة آل البيت .
وقد تستغرب إذا عرفت أن رواية الإمام أحمد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من الأحاديث أكثر من روايته عن ثلاثة من الخلفاء !
ففي مسند الإمام أحمد فقط لِعليّ رضي الله عنه (819) حديثا بالمكرر . في حين بلغت الأحاديث المروية عن كل من أبي بكر وعمر وعثمان (561) بالمكرر .
ولعليّ رضي الله عنه في مسند بَقيّ بن مخلد (586) حديثا .
وله رضي الله عنه في الكُتُب الستة (322) حديثاً .
واتفق البخاري ومسلم على (20) حديثا ، وانفرد البخاري بـ (9) ومسلم بـ (15) حديثا .
يقول الدكتور علي الصِّلابي : ويُعتبر أمير المؤمنين عليّ أكثر الخلفاء الراشدين رواية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا راجع إلى تأخّر وفاته عن بقية الخلفاء ، وكثرة الرواة عنه . اهـ .
وأما سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها فلم تُعمّر طويلا بل توفّيت بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، عاشَتْ أربعاً أو خمساً وعشرين سنة .
ولذلك قَلَّتْ مروياتها ، وأحسب أن مروياتها عند أهل السنة أكثر منها عد الرافضة !
وروى الإمام مالك في الموطأ عن جعفر الصادق ، وتتلمذ عليه .
وذَكَر مُصعب الزبيري عن مالك قال : اخْتَلَفْتُ إلى جعفر بن محمد زمانا ، فما كنت أراه إلاَّ على ثلاث خصال : إما مُصَلّ ، وإما صائم يقرأ القرآن ، وما رأيته يُحَدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ على طهارة ، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله . اهـ .
وفي الموطأ للإمام مالك روايات عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه .
وخذ على سبيل المثال من موطأ الإمام مالك :
عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا ...
عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية .
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب كان يقول : (ما استيسر من الهدي) : شاة .
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَحَر بعض هَدْيه ، ونَحَر غيره بعضه .
عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال : وَزَنَت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فَتَصَدَّقَت بِزِنَة ذلك فضة .
وفي الصحيحين وغيرهما مِن كُتُب أهل السنة روايات من طُرُق عن آل البيت
ومن أشهرها عن آل البيت : الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .
وبعضها من رواية جعفر الصادق عن أبيه الباقر .
وقد زادت مرويات الباقر عن جابر رضي الله عنه في بعض كُتب السنة عن خمسين حديثا كلها عن جابر رضي الله عنه ، كما في " إتحاف الْمَهَرة " لابن حجر .
ويروي أهل السنة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين .
بل يروي أهل السنة هذا الإسناد : علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب .
وهؤلاء أئمة عند أهل السنة ، وهم من أئمة آل البيت .
وهذا في كُتُب أهل السنة المعتمدة مِن كُتُب الصِّحاح والسُّنَن .
وقُل مثل ذلك في المرويات في التفسير .
قال ابن جزي : واعلم أنَّ الْمُفَسِّرِين على طَبَقَات :
فالطبقة الأولى : الصحابة رضي الله عنهم ، وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يُثني على تفسير ابن عباس ، ويقول : كأنما يَنظر إلى الغَيب مِن سِتْر رَقيق . وقال ابن عباس : ما عندي من تفسير القرآن فهو عن علي بن أبي طالب . اهـ .
وقصده أن ابن عباس رضي الله عنهما أكثر من الرواية عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
ويكاد يكون عُمدة أهل السنة في التفسير حبر الأمة وتُرجمان القرآن ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعني ابن عباس رضي الله عنهما .
وهو لا يُعتبر عُمدة في التفسير عند الرافضة ، بل العُمدة في الأئمة المعصومين – زعموا – !
وانظر إلى مرويات ابن عباس رضي الله عنهما في كُتب السنة أو في كُتب التفسير تجد أنها ليست بالقليلة بل هي كثيرة جداً .
ومسند ابن عباس ( 1660) حديثاً ، وله في الصحيحين (75) وانفرد البخاري له بـ (120) ومسلم بـ (9) .
ولابن عباس في تفسير ابن جرير الطبري (5809) روايات .
وفي تفسير القرآن يروي أهل السنة وينقلون عن أئمة آل البيت .
وخذ على سبيل المثال : تفسير (ابن السبيل) قال ابن كثير : هو الضيف الذي يَنْزِل بالمسلمين ، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو جعفر الباقر والحسن وقتادة والضحاك والزهري والربيع بن أنس ومقاتل .
وفي تفسير قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قال ابن كثير : وكذا قول أبي جعفر الباقر : نحن أهل الذِّكْر . ومُرَاده أن هذه الأمة أهل الذِّكْر صحيح ، فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة ، وعلماء أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة ، كَعَلِيّ وابن عباس وابنيّ علي الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم ، وعرف لكل ذي حق حقه ، ونزل كل المنْزِل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين . اهـ .
وفي تفسير قوله تعالى : (يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) جاء تفسير الغرفة بأنها الجنة ، فقد نَقَل أهل السنة عن أبي جعفر الباقر وسعيد بن جبير والضحاك والسدي : سُمِّيَت بذلك لارتفاعها . انظر : تفسير ابن كثير .
وقال أبو الجارود : سألت محمد بن علي - يعني الباقر رضي الله عنهما - عن قول الله تعالى (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) فقال : هو الذي خَلَط عَمَلا صَالِحًا وآخَر سيئا .
وفي قوله تعالى : (وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) قال ابن كثير : رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة وأبي جعفر الباقر رضي الله عنه وقتادة وسفيان بن عيينة أنهم قالوا : يعني الشَّيْب .
وفي تفسير قوله تعالى : (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) نَقَل أهل السنة عن أبي جعفر الباقر قوله : كانوا لا يَنَامُون حتى يُصَلُّوا العَتَمَة .
وهذه على سبيل المثال ، وإلاّ فإن حَصْر ما وَرَد عن أئمة آل البيت في كُتُب أهل السنة يطول .
وقُل مثل ذلك في قراءات القرآن ، فأهل السنة يرون عن آل البيت في القراءات .
قال ابن كثير : وقرأ بن عباس وأبو جعفر الباقر وابن عامر ( ولكل وجهة هو مولاها) .
قال ابن مجاهد في القراءات : وقرأ حمزة أيضا على جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وقرأ جعفر على آبائه ، وقرءوا على أهل المدينة .
وفي الفقه يُذْكَر أئمة آل البيت كثيرا .
ولن أستطيع حصر ما رواه أهل السنة وما أوردوه من أقوال أئمة آل البيت في كُتُب الفقه والتفسير .
وحسبك من القلادة ما أحاط بالعُنُق .
خذ على سبيل المثال :
في صيام ثلاثة أيام في الحج :
وجَوَّز الشعبي صيام يوم عرفة وقَبْله يومين ، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي وعطاء وطاوس والحكم والحسن وحماد وإبراهيم وأبو جعفر الباقر والربيع ومقاتل .
وفي كفارة اليمين : وقال الحسن وأبو جعفر الباقر وعطاء وطاوس وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو مالك: ثوب ثوب . يعني لكل مسكين .
وقال الشيرازي ( شافعي ) : وتَحِلّ صدقة التطوع للأغنياء ، ولبني هاشم وبني المطلب ، لِمَا رُوي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب مِن سِقايات بين مكة والمدينة ، فقيل له : أتَشْرَب مِن الصدقة ؟ فقال : إنما حُرِّمَت علينا الصدقة المفروضة .
قال النووي في شرحه : وأما جعفر بن محمد فهو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين . اهـ .
وفي مسألة من مسائل الطلاق : روى الإمام مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول : إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يُوقَف ، فإما أن يطلق وإما أن يفيء . قال مالك : وذلك الأمر عندنا .
قال الترمذي : حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يَستحب أن يقرأ في ركعتي الطواف بِـ (قل يا أيها الكافرون ) و (قل هو الله أحد) .
وفي قطع يد السارق :
قال ابن كثير : وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يَد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما يبلغ قيمته واحدا منهما ، يُحْكَى هذا عن عليّ وبن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر رحمهم الله تعالى .
فأنت ترى في هذا القول ذِكْر قَول عليّ رضي الله عنه وقول حفيده أبي جعفر الباقر .
وذِكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في كُتُب الفقه كثير جدا .
ففي كِتاب " المغني " لابن قدامة ( فقه حنبلي ) وَرَد ذِكر عليّ رضي الله عنه أكثر مِن (100) موضع .
ولم يقتصر الأمر على مسائل الفقه والتفسير والحديث ، بل أخَذ أهل السنة بأقوال أئمة آل البيت في كُتُب العقائد .
ففي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي في " سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن القرآن من صفات الله " ذَكَر ما جاء عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم ذَكَر ما جاء " سِياق ما روي من إجماع الصحابة على أن القرآن غير مخلوق . روي عن عليّ رضي الله عنه قال يوم صفين : ما حَكّمت مخلوقا وإنما حَكّمت القرآن .
ثم روى ذلك بإسناده عن عليّ رضي الله عنه .
وفي ذَكَر إجماع التابعين من الحرمين مكة والمدينة ، والْمِصْرَين : الكوفة والبصرة ، ذَكَر مِن أهل المدينة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( زين العابدين ) ، وابنه محمد بن علي ( الباقر ) .
ثم ساق بإسناده قول عليّ بن الحسين بن عليّ رضي الله عنهم .
وروى بإسناده إلى جعفر بن محمد ( الصادق ) ، عن أبيه ( الباقر ) ، عن علي بن الحسين ( زين العابدين ) قولَه في أن القرآن كلام الله .
كما روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) قوله في ذلك .
وفي ذِكْر ما رُوي عن أتباع التابعين من الطبقة الأولى من بلدان شتى روى ما جاء عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين - الصادق - رضي الله عنه .
وتحت عنوان " ذِكْر رِجال من أهل المدينة من الطبقة الثانية من التابعين ممن قال : إنّ القرآن غير مخلوق " ذَكَر اللالكائي اعتقاد كل من : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وابنه محمد بن علي بن الحسين ، ومن بعدهما جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، وابن ابنه علي بن موسى بن جعفر ، وعبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
فهؤلاء نجوم أئمة البيت تُعتمد أقوالهم ومُعتقداتهم في كُتُب أهل السنة .
وروى أيضا عن أئمة آل البيت في مسائل شتّى في العقيدة ، مثل : القَدَر ، حيث روى فيه عن :
محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم
وابنه جعفر الصادق .
وزيد بن علي .
وروى عن أئمة آل البيت الاعتقاد في الصحابة رضي الله عنهم .
فقد روى بإسناده عن جعفر بن محمد أنه كان يقول : برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وروى عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : ولينا أبو بكر ، خير خليفة ، أرحمه بنا ، وأحناه علينا .
وروى عن ابن أبي حازم ، عن أبيه قال : قيل لعلي بن الحسين : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كَمَنْزِلَتهما اليوم وهما ضَجِيعاه .
وروى بإسناده عن كثير النواء ، قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي : جعلني الله فداك ، أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم من شيء ، أو ذهبا به ؟ قال : لا والذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، ما ظلمانا مِن حَقِّنا شيئا . قال : قلت : جعلني الله فداك ، فأتولاّهُما ؟ قال : ويحك تَولّهما ، لعن الله مُغيرة وبَيانا ؛ فإنهما كذبا علينا أهل البيت !
وروى من طريق سالم بن أبي حفصة ، قال : قال جعفر بن محمد : أبو بكر جَدّي ، فيسب الرجل جده ؟! لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أتولاهما ، وأبرأ مِن عدوهما .
عن سالم بن أبي حفصة ، قال : دخلتُ على جعفر بن محمد ( الصادق ) وهو مريض ، فأراه قال مِن أجلي : اللهم إني أحب أبا بكر وعمر وأتولاَّهُما ، اللهم إن كان لي - يعني خلاف هذا - فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
أي : أنه لم يكن يقول ذلك تقيّة !
وروى عن جعفر بن غياث ، قال : سمعت جعفر بن محمد ( الصادق ) يقول : ما أرجو من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ، ولقد ولدني مرتين .
قلت : معنى هذا الكلام أن أبا بكر جده مرتين ؛ وذلك أن أم جعفر بن محمد هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهي زوجة أبيه محمد بن علي بن الحسين ، وأم أم فروة هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، فأبو بكر جده مِن وَجْهين .
وروى عن غير هؤلاء الأئمة ، وهم من أئمة آل البيت ، إلاّ أنه لا ذِكر لهم عند الرافضة ، مثل : زيد بن علي بن الحسين بن عليّ رضي الله عنهم .
وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ رضي الله عنهم .
كما ذَكَر الإمام اللالكائي " سياق ما روي في كرامات أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن حسين رضي الله عنه "
وفي شرح كِتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في حُكم التمائم : اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته ؛ فقالت طائفة : يجوز ذلك ، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ، وهو ظاهر ما روي عن عائشة ، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية ، وحملوا الحديث على التمائم الشركية ، أما التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته فَكَالرُّقْيَة بذلك . قلت : وهو ظاهر اختيار ابن القيم . وقالت طائفة : لا يجوز ذلك . اهـ .
وسيأتي نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أئمة آل البيت في مسائل مِن مسائل الاعتقاد .
فأنت ترى كثرة ذِكر آل البيت عند أهل السنة ، سواء في كُتُب الحديث أو في كُتب الفقه أو في كُتُب التفسير أو في كُتُب العقائد .
وسبق الجواب عن سؤال :
لماذا لا يذكر أهل السنة حديث العترة ؟
http://www.almeshkat.com/vb/showthread.php?s=&threadid=43999
الوجه الرابع : كذِب الرافضي على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،حيث يقول الرافضي : (ومن ذا الذي يرضى لنفسه من حيث يشعر أو لا يشعر بأن يأخذ عن كل فقيه كما صرح الإمام ابن تيمية إلا عن الذين هم عدل القرآن والسنة وهم الثقل الثاني؟)
ففي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : مَن نَصب إماما فأوْجَب طاعته مُطْلَقا اعتقادا أو حَالاً ؛ فقد ضَل في ذلك كأئمة الضلال الرافضة الإمامية حيث جعلوا في كل وقت إماما معصوما تجب طاعته ، فإنه لا معصوم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء ، والذين عَيَّنُوهم مِن أهل البيت مِنهم مَن كان خليفة راشدا تَجب طاعته ، كطاعة الخلفاء قَبله ، وهو عليّ ، ومنهم أئمة في العلم والدين يجب لهم ما يَجب لنظرائهم مِن أئمة العِلم والدِّين ، كعلي بن الحسين ، وأبى جعفر الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، ومنهم دون ذلك .
وقال في مسألة وُجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : وإيجابها محفوظ عن أبي جعفر الباقر .
وقال ابن تيمية في موضع آخر من الفتاوى : وعن أبي جعفر الباقر ونافع مولى ابن عمر : أنه أصابت عمامته بول بعير ، فقالا جميعا : لا بأس .
وقال في مسألة في الإيمان : ولهذا قال أبو جعفر الباقر وغيره من السلف : الإسلام دائرة كبيرة والإيمان دائرة في وسطها ، فإذا زَنا العبد خَرَج من الإيمان إلى الإسلام .
وقال في مسألة من مسائل الطلاق : ويروى عن أبى جعفر الباقر وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما من أهل البيت .
وفي مسألة أخرى في الطلاق أيضا قال : ويُذْكَر مَا يَدُلّ عليه عن طائفة من السلف ، بل هو مأثور عن طائفة صريحا كأبي جعفر الباقر رواية جعفر بن محمد .
ولابن تيمية استدلال واستشهاد بأقوال أئمة آل البيت في كتابه " منهاج السنة " .
فهو ينقل عن أئمة آل البيت ويُقدِّم ذِكرهم على غيرهم .
قال ابن تيمية : وأئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم مُتَّفِقُون على القول الوسط المغاير لِقول أهل التمثيل وقول أهل التعطيل .
وقال أيضا : كلام الله غير مخلوق ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ؛ وهذا هو المتواتر المستفيض عن السلف والأئمة من أهل البيت وغيرهم .
وقال أيضا : وأما الشيعة فمتنازعون في هذه المسألة ، وقد حكينا النِّزاع عنهم فيما تقدم ، وقدماؤهم كانوا يقولون : القرآن غير مخلوق ، كما يقوله أهل السنة والحديث ، وهذا القول هو المعروف عن أهل البيت ، كَعَلِيّ بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره مثل أبي جعفر الباقر وجعفر ابن محمد الصادق وغيرهم .
وقال أيضا : فموسى بن جعفر وسائر علماء أهل البيت مُتَّفِقُون على إثبات القَدَر ، والنقل بذلك عنهم ظاهر معروف .
إلى غير ذلك مما يَردّ الكذب والافتراء والزعم بأن ابن تيمية لا يأخذ بمذهب آل البيت ، فضلا عن القول بأنه يقول : تركنا مذهب آل البيت !
وابن تيمية رحمه الله ممن يعرف للأئمة آل البيت قدرهم ، فإنه قال في " مجموع الفتاوى " : فإن جعفرا كُذِب عليه ما لم يُكْذب على أحد ؛ لأنه كان فيه مِن العِلم والدِّين ما مَيزه الله به ، وكان هو وأبوه - أبو جعفر - وجده علي بن الحسين مِن أعيان الأئمة عِلْما ودِينا ، ولم يجيء بعد جعفر مثله في أهل البيت ، فصار كثير من أهل الزندقة والبدع يَنسب مقالته إليه حتى أصحاب رسائل إخوان الصفا ينسبونها إليه ، وهذه الرسائل صُنِّفَت بَعد موته بأكثر من مائتي سنة صُنِّفَت عند ظهور مذهب الإسماعيلية العبيديين الذين بَنوا القاهرة ، وصُنِّفَت على مذهبهم الذي رَكَّبُوه من قول الفلاسفة اليونان ومجوس الفرس والشيعة من أهل القبلة ، ولهذا قال العلماء : إن ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض . اهـ .
بل هو القائل في عقيدته :
ومَحبّة القُرْبى بها أتوسَّلُ .
وقال ابن تيمية عن محبة آل البيت : مَحَبّتُهم عِندنا فَرْض واجب ، يُؤجَر عليه ، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة ، فقال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله - فَذَكَر كِتاب الله وحَضَّ عليه - ثم قال : وعِتْرَتِي أهل بيتي ، أُذَكِّرُكم في أهل بيتي ، أُذَكِّرُكم الله في أهل بيتي .
الوجه الخامس : أن ما ألحقه والصَقَه الرافضة بمذهب آل البيت من الكذب كان أحد أسباب ضعف الرواية عن آل البيت ، خاصة فيما ترويه الرافضة .
وأئمة آل البيت قد لعنوا بعض الرواة الذين يروون عنهم ؛ لأنهم كذبوا عليهم !
وهذا مذكور في كُتُب الرافضة ، وليس في كُتُب أهل السنة !
وصرّح غير واحد من أئمة الرافضة أن بعض الرواة كذبوا على آل البيت .
روى الكشّي في معرفة أخبار الرجال عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ، فقال : ما رأيته عند أبي قطّ إلا مرة واحدة ، وما دَخَل عَلَيّ قطّ .
وجابر الجعفي هذا رافضي يُقال في كُتب الرافضة : إنه رَوى سبعين ألف حديث عن الأئمة !
وروى الكشي عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول للمفضل بن عمر : يا كافر ! يا مشرك ! مالك ولابني ؟ يعني إسماعيل بن جعفر .
وقد نبّـه الكشي على أن المفضل بن عمر كان يكذب على جعفر الصادق يستأكل الناس !
وفي رجال الكشي عن الإمام الصادق أنه قال في حقّ زرارة : زرارة شرّ من اليهود والنصارى !
وفي المصدر المذكور عن أبي عبد الله عليه السلام : لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة .
وذكر الخوئي أن مرويات زرارة تبلغ 2490 مورداً !
روى الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لعن الله بريدا وزرارة .
فهل يُريد الرافضي أن نستقي فقه أئمة آل البيت عن طريق هؤلاء الكذّابين ؟!
بل عن طريق من لا يعرفون للأئمة قَدْرا !
وفي كتاب الرجال للكشي وتنقيح المقال للمامقاني في عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات ، فلما خرجت قلت : إن لقيته لأسألنه غدا ، فسألته مِن الغَد عن التشهد ، فقال كمثل ذلك قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات . فلما خرجت ضَرَطْتُ في لحيته ، وقلت لا يُفلح أبدا .
وزرارة هذا من أكثر الرواة في كُتب الرافضة ! كما تقدّم .
وهذا الأمر قد نّـبّـه عليه أئمة أهل السنة .
قال ابن تيمية : كُذِب على جعفر الصادق رضي الله عنه ما لَم يُكْذَب على غيره ، وكذلك كُذِب على عليّ رضي الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم .
وقال أيضا عن الرافضة : يَكْذِبون على أهل البيت كَذِبا لا يُحْصِيه إلاَّ الله .
وعلماء أهل السنة قديما وحديثا يأخذون بِمَا ثبت عن أئمة آل البيت ، وأما ما كُذِب عليهم فيه ، فأهل السنة في غِنى عنه !
الوجه السادس : قول الرافضي : (حديث الثقلين الوارد في صحيح مسلم حيث يصرح النبي في بعض كتب الحديث إنّ الأئمة الاثني عشرهم الثقل الثاني)
أقول : وهذا كذب ثاني .
فالحديث في صحيح مسلم وفيه خطبته صلى الله عليه وسلم ، وقوله : أَمَّا بَعْدُ أَلا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ : أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ - فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ - ثُمَّ قَالَ : وَأَهْلُ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي . فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ : وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ؟ قَالَ : نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ . قَالَ : وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ . قَالَ : كُلُّ هَؤُلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
فأنت ترى أن الرافضي لم يُورِد النصّ ، لأنه حُجّة عليه ، إذ ليس فيه ذِكر أئمة ، ولا ذِكر عدد مِن الأئمة ، بينما يقول الرافضي : (حيث يصرح النبي في بعض كتب الحديث إنّ الأئمة الاثني عشرهم الثقل الثاني) !
فانظر كيف يكذب الرافضي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويزعم مرتين أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على الأئمة الاثنا عشر !
فالمرَّة الأولى : في زعمه أن حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه نصّ على الأئمة الاثنا عشر ، وهو في الخلفاء والأمراء من بعده عليه الصلاة والسلام .
والمرَّة الثانية في كذبه في حديث الثقلين ، وأنه نصّ على الأئمة الاثنا عشر !
وأنت ترى فيه وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته ، وأهل بيته أعمّ من أن يكونوا في بعض آل عليّ رضي الله عنه .
بل هُم – كما قال زيد رضي الله عنه - : آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ .
ونحن أهل السنة لنا الحظّ الأوفر من الأخذ بهؤلاء الأئمة ، والاقتداء بهم ، كما تقدّم .
وليس للرافضة نصيب من آل عقيل وآل جعفر وآل العباس رضي الله عنهم ، فضلا عن بقية آل عليّ ، بل قُل مثل ذلك عن بعض أحفاده ، كما تقدّم الكلام فيما يتعلّق بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين بن علي رضي الله عنهم - وهو من تنتسب إليه الزيدية – فهذا وغيره من آل عليّ رضي الله عنه قد أخرجته الرافضة ، وحصرت الإمامة في واحد من أولاد الحسين ، وواحد من أحفاده ، وهكذا .. حتى تفرّقت فِرق الشيعة وفِرق الرافضة إلى فِرق بسبب الاختلاف في تعيين وريث الإمامة !
أما نحن أهل السنة فنأخذ بإمامة الجميع – كما رأيت في الأمثلة السابقة - .
الوجه السابع : زعمه أن عمر رضي الله عنه قال : حسبنا كِتاب ربنا !
حيث قال الرافضي : (أم ستقولون كما قال عمر حسبنا كتاب الله)
ليس بغريب أن تحمل الرافضة لواء العداء لِخيار الأمة بعد نبيِّها ، وهم الخلفاء الثلاثة ، وهم أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم بِشهادة أئمة آل البيت فضلا عن غيرهم .
ليس بغريب أن تُعادي الرافضة عمر رضي الله عنه ؛ لأن عُمر مَن هَدم دولة المجوس ، ولذا كان مقتله رضي الله عنه وشهادته على يد مجوسي !
والرافضي ينقل تلك المقولة : (حسبنا كتاب الله) ، وهو لا يَعِي معناها ، أو هو يُخفي معناها ، كما أخفى معاني ما تقدّم !
فإن هذا كان في حال وجع النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه .
وهو إنما قال ذلك رِفقًا بِرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومما يُؤكِّد ذلك أن عمر رضي الله عنه لم يكن يعدِلّ بالسنة شيئا .
فإنه هو الذي اشتهر عنه قوله عن الحجر الأسود .
الوجه الثامن : نُعيد السؤال إلى الرافضة : لِم لا تأخذون بالسنة التي رواها آل البيت ؟
كثيرة هي المرويات التي رواها أهل السنة بالأسانيد الصحيحة عن آل البيت ، وأنتم لا تأخذون بها !
فأنتم تُطالبون أهل السنة أن يأخذوا بمذهب آل البيت ، ثم أنتم لا تأخذون به !
مع أن أهل السنة يأخذون بمذهب آل البيت ، كما رأيت في الأمثلة السابقة .
ونُعيد السؤال الأكبر من ذلك : لِم لا تأخذ الرافضة بالقرآن ؟!
فإن الرافضة إذا أخذَت بالقرآن ، فقد اعترفت بإمامة مَن جَمَعوه ، وهم الخلفاء الثلاثة ، وإذا ردّوه فقد أعلنوا الكفر والزندقة .
وقد أعلن كثير من أئمة الرافضة القول بتحريف القرآن ، ولم يرتضوه لأنه مِن جَمْع الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم .
وقد صحّت ألأسانيد عن أئمة آل البيت أنهم أَمَروا بالأخذ بالسنن .
وروى موسى بن جعفر بن محمد ، قال : قال علي : سيأتي قوم يجادلونكم ، فخذوهم بالسنن ؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .
وإذا كنتم احتججتم بهذه الأحاديث في حق آل البيت ، فَلِماذا لا تأخذون بما هو مثلها في الثبوت والصِّحَّة ؟ سواء كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن آل البيت ؟ وأخصّ بذلك ما يتعلق بِأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وحِماية وصيانة عِرْضِه صلى الله عليه وسلم مِن السبّ والطعن .
وما يتعلّق أيضا بِمعرفة قَدْر أصحابه رضي الله عنهم ، الذين زكّاهم الله تعالى وزكّاهم رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) .
فمن غاظَه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم أو اغتاظ منهم ؛ فقد أدخل نفسه في وصف الكُفار ، بِنصّ القرآن .
والأحاديث بذلك كثيرة مُستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن آل بيته ، ومن ذلك :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي ، فلوا أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نَصِيفه . رواه البخاري ومسلم .
ومَن وَقَع في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ففي قلبه غِلّ على خيار الأمة .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) .
ومن سبّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فهو مَلعون بِلعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال عليه الصلاة والسلام : من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله . رواه ابن أبي عاصم في كتاب " السنة " وقال الألباني : حديث حسن .
ولم يُسَرّ عليّ رضي الله عنه بِقَتْل الزبير رضي الله عنه ، بل قال لحاجبه ائذن له وبَشِّرْه بالنار !
ونَهى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن سبّ الصحابة ، وعاقب الذي وَقَع في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
فقد ذَكَر المؤرِّخون أن عليًّـا رضي الله عنه بَلَغه أن بعض الغوغاء عَرّض لعائشة بالقول والإساءة ، فأمَر مَن أحْضَر له بعضهم وأوجعهم ضربا ! ثم جهزها علي إلى المدينة بما احتاجت إليه وبعثها مع أخيها محمد مع أربعين من نسوة البصرة اختارهن لمرافقتها . ثم جاء يوم ارتحالها فودعها واستعتبتْ له واسْتُعْتِب لها ، ومشى معها أميالاً وشَـيَّعها بَنُوه مسافة يوم ، فذهبت إلى مكة ، فَقَضَت الحج ورَجَعَتْ إلى المدينة .
وكذلك كان أصحاب عليّ رضي الله عنه يقولون في حقّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
ولذا لَمَّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بَعَث عليٌّ عمارَ بن ياسر وحَسن بن علي ، فَقَدِمَا الكوفة فصعدا المنبر ، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل مِن الحسن . قال عبد الله بن زياد الأسدي : فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تُطيعون أم هي . رواه البخاري .
وفي رواية : قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذَكَر مَسيرها ، وقال : إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكنها مما ابتليتم .
قال محمد بن الحنفية ( محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ) : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم مَن ؟ قال : ثم عُمر . وخشيت أن يقول عثمان ! قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلاَّ رَجُل مِن المسلمين . رواه البخاري .
وكان أئمة أهل السنة يَرون أن سبّ الصحابة رضي الله عنه زندقة وَرِدّة عن دِين الإسلام .
قال الإمام مالك بن أنس : من سبّ الصحابة فلا سهم له مع المسلمين في الفيء .
وروى الخلال في كتاب " السنة " عن أبي بكر المروذي قال : سألت أبا عبد الله [ الإمام أحمد ] عن من يَشتم أبا بكر وعمر وعائشة . قال : ما رآه على الإسلام . قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : قال مالك : الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم سهم - أو قال _ : نصيب في الإسلام .
وروى عن عبد الملك بن عبد الحميد قال : سمعت أبا عبد الله قال : مَن شَتَم أخاف عليه الكفر مثل الروافض ، ثم قال : من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نأمن أن يكون قد مَرَقَ عن الدِّين .
وروى عن زكريا بن يحيى قال : حدثنا أبو طالب أنه قال لأبي عبد الله : الرجل يشتم عثمان ، فأخبروني أن رجلا تكلّم فيه ، فقال : هذه زندقة .
وروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن رجل شتم رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أراه على الإسلام .
وليُعلَم أن من طَعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد طَعن في دِين الله .
قال أبو زرعة : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم انه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يُريدون أن يجرحُوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة .
ولَمَّا سُئل عليّ رضي الله عنه عـن أهل النهروان أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فـرُّوا .
قيل : أفمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا
فقيل : فما هم يا أمير المؤمنين ؟ قال : إخواننا بَغَوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا . رواه ابن أبي شيبة ، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى .
أخيرا :
قد أساء الرافضي الأدب مع الله ، كما أساء الأدب مع أوليائه ، إذ يقول الرافضي :
(وكيف يتسنّى لنا إقناع الله سبحانه وتعالى إذا قلنا يوم القيامة؟ في يوم مشهود أمام من يطّلع على السر وأخفى: أخذنا بجميع الفقهاء إلا الذين قرنتهم بكتابك فلم نأخذ عنهم؟ هل هذه الإجابة تقنع؟! )
وهل رب العزة سبحانه وتعالى بِحاجة إلى من يُقنِعه ؟ - كما يزعم الرافضي - !
ونحن بحمد الله – كما رأيت – نأخذ بأقوال الفقهاء ومن قبلهم أقوال الأئمة من آل البيت عموما .
ونحن لم نأخذ بجميع أقوال الفقهاء ثم نترك أقوال أئمة آل البيت رضي الله عنهم .
بل أخذنا بأقوالهم في جميع العلوم الشرعية .
ففي الحديث يروي أئمتنا عن أئمة آل البيت ..
وفي العقائد ينقل أئمتنا أئمة آل البيت..
وفي التفسير يروون عن آل البيت ..
وفي الفقه تتلمذ أئمتنا على أئمة آل البيت ، وأخذوا عنهم ..
وهذا بِخِلاف الرافضة ، الذين أهَانُوا أئمة آل البيت ، وكَذَبُوا عليهم ، ولم يتأدّبوا مع الأئمة ، كما رأيت أعلاه – ولم أنقل مِن كُتُب أهل السنة – حتى لا يُقال : هذا كذب أو تجنِّي !
وأهل السنة يعرفون للأئمة قَدْرهم ، ويُنْزِلونهم منازلهم ، لا يَغلُون فيهم ، ولا يضعون مِن قدرهم
لا يزعمون أن بعض رواتهم يضرطون في " لِحى الأئمة " .. قبّح الله مَن زَعَم ذلك !
وأهل السنة لا يُقدِّمون أقوال الأئمة الأربعة على أقوال الصحابة ولا على أقوال الأئمة من آل البيت ..
فإن الرواية عنهم في العلوم الشرعية مُستفيضة معلومة ، قد سُقْتُ طرفا منها ، ولم أُرِد الاستقصاء والتتبّع ، وإلاّ لاحْتَجْتُ إلى سنوات أجمع فيها فقه أئمة آل البيت مِن كُتب أهل السنة .
وأما الزعم بأن مِن أهل السنة من انتقل إلى مذهب الاثنا عشرية ، فهذا يُضاف إلى كذب الرافضة ، إلاّ من طَمَس الله بصيرته ، وذهب غير مأسوف عليه !
فإن كان هناك من ترك السنة وانتحل الرَّفض دِينًا ، فقد وُجِد مَن كَفر وارتدّ عن دِينه ، ورضي بالكفر دينا !
والله تعالى أعلم .
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).