0

ولهذا كان ولابد من الإشارة إلى علاقة الصوفية وعقيدتهم في القرآن الكريم كأول مصادر التشريع الإسلامي, مع ضرورة البيان أن ما سيقال عن الصوفية وعلى مشايخهم على سبيل الإجمال في الأفكار العامة ومن نقولاتهم -وليس على سبيل التعيين- في عقيدة أحد فهو البحث الذي يحتاج إلى إعادة بسط وقراءة لعقيدة كل أحد على حدة وهو ما ليس مختصا به هذا البحث.



نشأ التصوف كسلوك فردي بعد التأثر بالفلسفات الأخرى وخصوصا في الهند وفارس، وبدأ محمودا بالدعوة إلى الزهد وشدة العبادة والتخلص من التعلق بالخلق والانقطاع إلى الخالق سبحانه, فكان له أعلام حسنت سيرتهم وفاض عطاؤهم في كثير من الميادين الإسلامية حتى في ميدان الجهاد, لكنه بعد فترة غلبت عليه كفكرة ومنهج نزعة العزلة والانفراد، وبدا مترفعا بعلومه وسلوكياته لا عن الناس بل على المناهج والعقائد التي يؤمن بها المسلمون، وبدا وكأنه مستغن المعين الذي ينهل منه المسلمون -وهو القرآن والسنة- إلى وسائل أخرى للتلقي مشاركة للقرآن والسنة في الحجية, وأيضا مؤولة لما في داخلهما تحت مبدأ؛ الشيخ الذي يبلغهم عن الله ويفر لهم القرآن والسنة بالطريقة التي يفهمهما به تحت عنوان كبير وهو "التفسير الاشاري" أو الزعم بوجود علم للظاهر وهو للعوام وعلم للباطن وهو للخواص.
ولهذا كان ولابد من الإشارة إلى علاقة الصوفية وعقيدتهم في القرآن الكريم كأول مصادر التشريع الإسلامي, مع ضرورة البيان أن ما سيقال عن الصوفية وعلى مشايخهم على سبيل الإجمال في الأفكار العامة ومن نقولاتهم -وليس على سبيل التعيين- في عقيدة أحد فهو البحث الذي يحتاج إلى إعادة بسط وقراءة لعقيدة كل أحد على حدة وهو ما ليس مختصا به هذا البحث.
عقيدة الصوفية في القرآن الكريم
1- التدبر في القرآن يصرف النظر عن الله!!!
على الرغم من أن الله سبحانه أمر بتدبر كتابه (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) "محمد:24" , وجعل التدبر أول غايات المسلم في القرآن وامتدح كل من يشغل نفسه به (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) "ص:29" إلا أن ما ورد من مقولات لكبار الصوفية تدعي أن التدبر في القران يصرف النظر عن الله, فقال الشعراني [1] في كتابه "الكبريت الأحمر" [2]: (يقول الله عز وجل في بعض الهواتف الإلهية: يا عبادي الليل لي لا للقرآن يتلى إن لك في النهار سبحاً طويلا فاجعل الليل كله لي وما طلبتك إذا تلوت القرآن بالليل لتقف على معانيه فإن معانيه تفرقك عن المشاهدة...وهكذا وما أمرتك بالتدبر إلا لتجتمع بقلبك علي وأما استنباط الأحكام فلها وقت آخر وثم مقام رفيع وأرفع). [3]
ولم يقل بمثل هذا القول أحد من سلف الأمة أو خلفها, فأقوال علماء الأمة قديما وحديثا تنسجم مع الأمر الإلهي والسنة النبوية في التعبد لله بتلاوة وتدبر آيات كتابه, فقال الحسن البصري رحمه الله: (ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يُعلم فيما أنزلت وما أراد بها)، وقال الزركشي رحمه الله (فالقرآن كله لم يُنزله تعالى إلا لِيُفهِمَه ويُعلم ويُفهم، ولذلك خاطب به أولي الألباب الذين يعقلون والذين يفهمون، والذين يتفكرون)، وقال السيوطي رحمه الله (العادة تمنع أن يقرأ قوم كتاب في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟).
2- أذكارهم المبتدعة أكثر أجرا من تلاوة القرآن!!
مما ورد في تفضيلهم لبعض أورادهم وأذكارهم على القرآن الكريم ما قاله أحمد التيجاني [4] وغيره عن ذكر عندهم يدعى صلاة الفاتح يقولون أنها تعدل كل ذكر تلي في الأرض ستة آلاف مرة.
فادعى "أحمد التيجاني" بأنه قد التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم لقاءً حسياً مادياً، وأنه قد كلمه مشافهة، وأنه قد تعلم من النبي عليه الصلاة والسلام صلاة (الفاتح لما أغلق) واعتقاداتهم في هذا الذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر التيجاني بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبره مرة ثانية بأن المرة الواحدة منها تعدل من كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير، ومن القرآن ستة آلاف مرة؛ لأنه كان من الأذكار [5], وأن هذه الصلاة هي من كلام الله تعالى بمنزلة الأحاديث القدسية [6], وأن من تلا صلاة الفاتح عشر مرات يتحصل على ثواب يفوق ثواب من عاش الإنسان ألف ألف سنة ولم يذكرها, ومن قرأها مرة كفَّرت بها ذنوبه، ووزنت له ستة آلاف من كل تسبيح ودعاء وذكر وقع في الكون" [7]
فلاشك بعد سوق هذا الكم الهائل من الأدلة من التيجاني وغيره أن يهجر الناس القرآن وينصرفوا إلى أي شيء آخر حتى لو كان مثل صلاة الفاتح كما يدعون.
3- احتكار تفسير القران وفهمه وفتح الباب للتفسير الباطني.
اعتقد كثير من الصوفية بتميزهم عن الأمة وادعوا أن لهم مرتبة تفوق أبناءها بل تفوق العلماء وتتجاوزهم إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم, ففي كلمة من أكثر الأقوال شناعة وتؤدي بقائلها إن اعتقدها للخروج من الملة الإسلامية ما قاله "أبو يزيد البسطامي" :(خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله), والأشنع منه والذي لا يمكن تفسيره سوى بالزندقة والكفر ما قاله "ابن سبعين" [8] مدعيا أن باب ظهور الأنبياء ما زال مفتوحا (لقد حجر ابن آمنة واسعاً إذ قال لا نبي بعدي) [9], وكان إذا رأى الطائفين حول الكعبة يقول عنهم (كأنهم الحمير حول المدار، وأنهم لو طافوا به كان أفضل لهم من طوافهم بالبيت).
ومن هذه السمة ما اعتقدوه أنهم وحدهم يمتلكون فهم القرآن الكريم وهم المخولون وحدهم بتفسيره, فكما يقولون أن للقرآن ظاهراً وباطناً وأسرارا ورموزاً لا يفهمها إلا الشيوخ الكبار ولو تعرض أحد لشيء من تفسيره أو فهمه عاقبه الله عز وجل, بينما يقول آخرون أن القرآن والحديث هما الشريعة والعلم الظاهر وهناك علوم لدنية أخرى في زعمهم أكمل وأعلى من الشريعة وعلم الظاهر.
ولهذا فلا تكاد أن توجد آية ولا حديث إلا وللمتصوفة فيها تأويلات باطنية خبيثة لها لا تتفق مع اللغة العربية بحال, فجمع "ابن الجوزي" [10] رحمه الله في كتابه "تلبيس ابليس" نماذج كثيرة من هذه التأويلات الباطنية نقلها من جمع أبي عبد الرحمن السلمي في تفسير القرآن من كلامهم في نحو مجلدين سماها حقائق التفسير, وأكثرهما هذيان من الصوفية لا يحل, فمن أقوالهم:
- قالوا في فاتحة الكتاب: (إنما سميت فاتحة الكتاب لأنها أوائل ما فاتحناك به من خطابنا، فإن تأدبت بذلك وإلا حرمت لطائف ما بعدها). فقال ابن الجوزي رحمه الله: (وهذا قبيح لأنه لا يختلف المفسرون أن الفاتحة ليست من أول ما نزل).
- قالوا في قول الإنسان (آمين) أي قاصدون نحوك, قال ابن الجوزي رحمه الله: (وهذا قبيح لأنه ليس من أم لأنه لو كان كذلك لكانت الميم مشددة)
- وقال أبو عثمان في قوله تعالى  (وإن يأتوكم أسارى) غرقى في الذنوب, وقال الواسطي: غرقى في رؤية أفعالهم، وقال الجنيد: أسارى في أسباب الدنيا تفدوهم إلى قطع العلائق قلت إنما الآية على وجه الإنكار ومعناها إذا أسرتموهم فديتموهم وإذا حاربتموهم قلبتموهم وهؤلاء قد فسروها على ما يوجب المدح.
- وقالوا في قوله تعالى (ومن دخله كان آمنا) أي من هواجس نفسه ووساوس الشيطان. وهذا غاية في القبح لأن لفظ الآية لفظ الخبر ومعناه الأمر وتقديرها من دخل الحرم فأمنوه وهؤلاء قد فسروها على الخبر ثم لا يصح لهم لأنه كم من داخل إلى الحرم ما أمن من الهواجس ولا الوساوس.
- وقالوا في قوله تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قال أبو تراب :هي الدعاوى الفاسدة.
- وقالوا في قوله تعالى (والجار ذي القربى) قال سهل هو القلب "والجار الجنب" النفس "ابن السبيل" الجوارح.
- وقالوا في قوله تعالى (وهمَّ بها) قال أبو بكر الوراق الهمان لها ويوسف ما هم بها. قلت هذا خلاف لصريح القرآن
- وقالوا في قوله تعالى (ما هذا بشرا) قال محمد بن علي: ما هذا بأهل أن يدعى إلى المباشرة.
- وقال الزنجاني: الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم.
- وقالوا في قوله تعالى (فلله المكر جميعا) قال الحسين: لا مكر أبين فيه من مكر الحق بعباده حيث أوهمهم أن لهم سبيلا إليه بحال أو للحدث اقتران مع القدم.
وغير ذلك الكثير والكثير من تأويلاتهم الباطنية التي لا تتفق مع قواعد التفسير التي عمل بها سلف الأمة, ولهذا قال الإمام المفسر "أبو الحسن الواحدي": (صنف أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير- وهو تفسير على الطريقة الصوفية بما يعرف بالتفسير الإشاري- فإن كان يعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر).[11]
ولهذا فمن يقول بمثل هذه الأقوال من المنسبين للصوفية قد ضلوا ضلالا بعيدا, وفيهم يقول الشيخ عباس بن منصور السكسكي رحمه الله: (قد ذكرتُ هذه الفرقة الهادية المهديَّة-أيأهل السنة-وأنَّها على طريقةٍ متَّبعةٍ لهذه الشريعة النبويَّة... وغير ذلك مما هو داخل تحت الشريعة المطهرة، ولم يشذ أحدٌ منهم عن ذلك سوى فرقة واحدةٍ تسمَّت بـالصوفية، ينتسبون إلى أهل السنة، وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال)[12].
ـــــــــــــــــــ
[1] أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري المشهور بـالشعراني، عالم  وزاهد، وفقيه ومحدث، مصري  شافعي المذهب شاذلي صوفي. يسميه الصوفية بـ "القطب الرباني "
[2] الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر، وهو يدافع فيه عن محي الدين بن عربي.
[3]- الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، ص21.
[4] . رجل دين جزائري ومتصوف ومؤسس الطريقة التيجانية.
[5] [الجواهر] (1/136).
[6] [الدرة الفريدة] (4/128).
[7] انظر كتاب [مشتهى الخارف الجاني] 299، 300
[8] عبد الحق بن سبعين (614 هـ - 9 شوال 669 هـ / 1217 - 1269) فيلسوف متصوف أندلسي. اشتهر برسالته المسائل الصقلية، والتي كانت عبارة عن أجوبة لأسئلة أرسلها الإمبراطور فريدريك الثاني إلى الدولة الموحدية. انتشر صيته في أوروبا في عصره، فذكره البابا وتحدث عنه حيث قال: "إنه ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه ".
[9] تاريخ الإسلام للإمام الذهبي
[10] تلبيس إبليس/الباب العاشر/ ذكره نبذة من كلامهم في القرآن
[11]- فتاوى ابن الصلاح: ص29.
[12] الفقيه اليمني عباس بن منصور بن عباس، أبو الفضل التريمي السكسكي  في كتابه: البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top