طعن الرافضة بطهارة أهل البيت
من المؤسف أن أكثر أتباع المذهب الفقهي عند الرافضة يتبعون منهجاً عقيماً في التقليد الفقهي، دون الرجوع إلى الأصول التي يعتمد عليها مراجعهم الفقهية في استنباط الحكم الشرعي، أو النظر في الروايات المنسوبة إلى الأئمة في كتبهم المعتبرة، ومن الغريب أن بعض هذه الروايات فيها طعن واضح بطهارة أهل البيت، الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال: ? {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33]، ولسنا هنا في معرض مناقشة الإمامة بمصطلح أهل البيت؛ لأنهم لا يقرون إلا بأفراد معدودين من ذرية الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أبيه، ولكننا في معرض مناقشتهم بما أوردوه في كتبهم من روايات تطعن بطهارتهم الحسية، فهم لا يتطهرون من البول، ولا يتنزهون عن النجاسة، حاشاهم من ذلك، وهم من سادة هذه الأمة وفقهائها، ومن نسب إليهم شيئاً من ذلك فقد طعنهم في دينهم، ولنستعرض للقارئ الكريم بعض هذه المسائل:
المسألة الأولى : لقد حكم فقهاء الإمامة بطهارة الماء المستنجى به ، قال الحلي : " إن طهارة ماء الاستنجاء وجواز استعماله مرة أخرى من إجماعيات الفرقة " ، ولا شك في أن هذا الماء الذي يخالطه البول أو العذرة نجس باتفاق جميع العقلاء ، وكذلك بالروايات الصحيحة الواردة عن الأئمة كما ورد في كتب الإمامة عن علي بن جعفر قال : " سألت أخي موسى بن جعفر: عن جرة فيها ألف رطل من ماء وقع فيه أوقية بول ، هل يصلح شربه أو الوضوء منه ؟ قال: لا يصلح " ، ومعلوم أن مذهب الإمامة أن الماء إذا كان كرّاً ينجس بوقوع النجاسة فيه ، والكر هو : " إذا كان الماء ثلاثة أشبار في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عقمه في الأرض " ، أي ما يعادل في عصرنا الحالي نصف متر مكعب من الماء ، ومعلوم أن هذا ماء قليل لا يمكن أن يبقى بعيداً عن النجاسة فكيف بماء الاستنجاء .
أما الرواية الصحيحة الواردة عن أهل البيت ، والموافقة للأحاديث النبوية ، فلم يأخذ بها فقهاء الإمامة ، وحملوها على التقية ، وهي ما رواه عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شيء " ، وهذه الرواية الواردة عن جعفر الصادق ثابتة في كتب أهل السنة والجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث » ، وهذا هو مذهب الشافعية ، والحنابلة في ظاهر المذهب على أن الكثير ما بلغ قلتين فأكثر ، وإن نقص عن القلتين بقليل فهو بحكمهما ، وقد رد الإمامة هذه الرواية الواردة عند الفريقين بالتقية ، فقال الطوسي : " ويحتمل أن يكون ورد مورد التقية لأنه مذهب أكثر من العامة " ، وحاول الخوانساري أن يوفق بين المقدارين فقال : " ويحتمل أن تكون القلتان إنما تسع المقدار المذكور " ويعني بالمقدار المذكور عند الإمامة هو الكر، وهذا الذي يصرح الطوسي بنسبته إلى الأئمة يناقض ما ورد في حقهم من طهارة أجسادهم، فضلا عن طهارة قلوبهم، فهل يعقل أن الأئمة كانوا يتوضئون بالماء المستنجى به ؟ وهل كانوا يصلون بتلك الحالة؟
سبحانك هذا بهتان عظيم .
المسألة الثانية: التي يمكن أن نتطرق إليها هي مسألة الاستبراء بعد البول، إذ حكم فقهاء الإمامة بطهارة ما خرج من السبيلين بعد البول، ونسبوا ذلك لأئمة أهل البيت، رغم أن هذا مخالف للروايات الواردة عن الأئمة بنجاسة ما خرج بعد الاستبراء، فقد روى الصفار وغيره عن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله قال: " كتب إليه رجل: هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب: نعم "، وقد رد (شيخ الطائفة) هذه الرواية بقوله: " فالوجه فيه أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الوجوب أو نحمله على ضرب من التقية؛ لأنه موافق لمذهب أكثر العامة "، أي أهل السنة والجماعة، والرواية كما ترى صحيحة الإسناد عند القوم ولا يستطيعون ردها أو تأويلها إلا بالتقية، ومع ذلك تنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى.
قال الحلي : " والأصل عدم الوجوب لما رواه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله في الرجل يبول قال : ينته ثلاثاً ثم إن سال حتى إذا بلغ الساق فلا يبالي " ، والرواية الأخيرة فيها طعن كبير بأهل البيت الذين طهرهم الله من كل رجس ، والعجيب من فقهائهم ترك هذه الرواية والأخذ بما يخالفها لا لسبب ، وإنما لمجرد موافقتها مع روايات أهل السنة والجماعة ، قال ابن بابويه : " ومن استنجى على ما وصفناه ثم رأى بعد ذلك بللاً فلا شيء عليه ، وإن بلغ الساق فلا ينتقض الوضوء ولا يغسل منه الثوب ، فإن ذلك من الحبائل "، ولا ضير عند فقهاء الإمامة من سقوط البول بعد الاستبراء ، وإن سال على الثياب ، ويعلم كل عاقل أن هذا منافي للطبائع السليمة فضلاً عن الأدلة النبوية الشريفة ، فقد روى الفريقان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على قبرين فقال : " إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة "، قال ابن منظور " لا يستنـزه : من البول أي لا يستبرىء ولا يتطهر ولا يستبعد منه " ، فهذا الكلام النبوي الوارد في كتب الفريقين، يضاف إليه تفسير أهل اللغة والبيان دليل على أن التقية قد أخذت بأصحابها كل مأخذ ، فهم لا يتطهرون من البول ولا يتنـزهون عنه ، وينسبون ذلك إلى أهل البيت ، حاشاهم من ذلك .
المسألة الثالثة: لقد حكم فقهاء الإمامة بطهارة المذي والودي، أما الأول فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة لا بشهوة، وأما الودي: فهو ماء أبيض كدر ثخين يشبه المني في الثخانة ويخرج عقب البول غالباً، والرافضة نسبوا الروايات لأئمة أهل البيت التي تفيد بأن المذي والودي طاهران، مع أن ذلك مخالف لروايات الأئمة الواردة عندهم، فقد روي عن علي (رضي الله عنه) مرفوعـاً قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: يغسل طرف ذكره "، وروى الطوسي عن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال: " المذي منه الوضوء "، وروى الراوندي عن علي قال: " قلت لأبي ذر: سل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي، فسأله فقال: يتوضأ منه وضوءه للصلاة "، وروى الطوسي أيضاً عن محمد بن إسماعيل قال: " سألت الرضا ? عن المذي فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني بالوضوء "، وقد وردت روايات أخرى عن الأئمة في الأمر بالوضوء من الـودي، فروى الراوندي عن علي قـال: " الودي منه الوضوء "، وروى الطوسي عن أبي عبد الله قال: " والودي فمنه الوضوء؛ لأنه يخرج من دريره البول "، وفي رواية أخرى عن الحسين بن أبي العلاء قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب؟ قال: إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله.
وإذ تبين لك تواتر الروايات في كتب الإمامة في الأمر بالوضوء من المذي والودي فلا حاجة لأخذ رأي ( شيخ الطائفة ) الذي فسر هذه الأخبار بالتقية ، ليس لأن الأئمة قالوها بمحضر مخالفيهم ، بل لأنها موافقة لروايات أهل السنة والجماعة ، وهم قد دأبوا على مخالفتهم وإن كانت هذه المخالفة هي مخالفة لأئمة أهل البيت أنفسهم ؛ حتى أنهم قد يضطرون – كما فعل الطوسي – بترجيح رواية مقطوعة مرسلة عن حريز عمن أخبره عن الصادق قال : " الودي لا ينقض الوضوء إنما هو بمنـزلة المخاط والبزاق "، وهي رواية مقطوعة لا تصح وفقاً لأصول القوم ؛ لأن حريز لم يصرح باسم الراوي عن الصادق ، وهذه الرواية الأخيرة مقدمة على الروايات الكثيرة في كتب الرافضة في الأمر بالوضوء من الودي والمذي ، فالمهم عند علماء الرافضة مخالفة أهل السنة ، وليس مهماً عندهم نسبة النجاسة وعدم الطهارة لأهل البيت ..!! .
الأمر الآخر الذي تجب الإشارة إليه بأن هؤلاء الأئمة ما كانوا ليأمروا بالوضوء من المذي والودي لولا نجاستهما، ولذا كان ابن الجنيد (وهو من فقهائهم المعتبرين) يذهب إلى وجوب الوضوء منهما فقال: " ما كان من المذي ناقضاً طهارة الإنسان غسل منه الثوب والجسد، ولو غسل جميعه كان أحوط ".
وفي الروايات التي قدمناها كفاية على أن مذهب أهل البيت هو نجاسة المذي والودي ووجوب الوضوء منه ، ولم ينل هذا قبول علماء الإمامية خاصة الطوسي الذي حمل الروايات المذكورة جميعها على التقية لموافقتها لأهل السنة ، القائلين بنجاسة المذي والودي ودليلهم في ذلك الرواية نفسها التي أوردها الأمامية في كتبهم عن علي رضي الله عنه قال : " كنت رجلاً مذاء فأمرت رجلاً أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته ، فسأل فقال : توضأ منه وأغسل ذكرك " ، قال الإمام النووي : " أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي "، ومن كلام النووي هذا يتضح أن إجماع الأمة كان في نجاسة هذه الأشياء ، فلماذا حاول الإمامية أن يشذوا عن هذا الإجماع الذي دخل فيه أئمة أهل البيت بروايات الشيعة ومن كتبهم ؟ ولا يمكن أن تكون (التقية) مخرجاً للتوفيق بين الروايات، حسب ما يراه فقهاء الإمامية، بعيداً عن التعصب الأعمى الذي أعمى بصيرتهم وبصائرهم.
ولو أردنا أن نستعرض ما في كتب الرافضة من تناقضات، لاحتجنا إلى مجلدات، ولكن فيما قدمناه دليل كافي على الطعن بالأئمة في مؤلفات الإمامية الفقهية أكثر من روايات الطعن التي قد نجدها في كتبهم الأخرى، فهي في الطعن سواء، وعند العرض والتمحيص تصبح رماداً في العراء. !!.
_________________________
إرشاد الأذهان: 1/238، وينظر أيضاً ما قاله (المحقق) في شرائع الإسلام: 1/22؛ مختلف الشيعة: 1/236.
الهمداني، مصباح الفقيه: 1/30؛ العاملي، وسائل الشيعة: 1/156.
ابن بابويه ن من لا يحضره الفقيه: 1/6؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/415.
أخرج الحديث الترمذي، كتاب الطهارة: رقم 67-؛ النسائي، السنن، كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء: رقم 52.
تهذيب الأحكام: 1/415.
مشارق الشموس: ص 298.
تهذيب الأحكام: 1/78.
الاستبصار: 1/49.
مختلف الشيعة: 1/274. والرواية عند الطوسي ، تهذيب الأحكام : 1/48 .
أخرج الحديث الترمذي، كتاب الطهارة: رقم 67-؛ النسائي، السنن، كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء: رقم 52.
تهذيب الأحكام: 1/415.
مشارق الشموس: ص 298.
تهذيب الأحكام: 1/78.
الاستبصار: 1/49.
مختلف الشيعة: 1/274. والرواية عند الطوسي ، تهذيب الأحكام : 1/48 .
الهداية: ص 63. وفسر علمائهم الحبائل بالعروق. والرواية وردت عند الكليني، الكافي: 3/19.
أخرج
الرواية من أهل السنة: البخاري، الصحيح: 1/88، رقم 215-؛ مسلم، الصحيح:
1/240، رقم 292. وأخرجها من الإمامية النوري ، مستدرك الوسائل : 9/120 .
لسان العرب: 23/549.
ابن قدامة، المغني: 1/112.
النوري، مستدرك الوسائل: 1/237؛ بحار الأنوار: 77/239.
تهذيب الأحكام: 1/19؛ الإستبصار: 1/95؛ وسائل الشيعة: 1/281.
نوادر الراوندي: ص 45-؛ النوري، مستدرك الوسائل: 1/237.
تهذيب الأحكام: 1/18؛ الإستبصار: 1/92؛ وسائل الشيعة: 1/279؛ بحار الأنوار: 2/279.
النوري مستدرك الوسائل 1/327.
تهذيب الأحكام: 1/20.
تهذيب الأحكام: 1/253؛ الاستبصار: 1/174.
تهذيب الأحكام: 1/21.
مختلف الشيعة: 1/260.
أخرجه البخاري، الصحيح، كتاب الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه: 1/105؛ مسلم، الصحيح، كتاب الحيض، باب المذي: 1/247، رقم 303.
المجموع: 1/317.
المصدر: موقع شبكة منهاج السنة
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).