وهكذا كان فعل زعماء الصوفية في كل وقت، فكانوا لا يلتفون للعمل والجهاد
وانشغلوا فقط بما هم عليه وتركوا الأمة تصارع وحدها أزماتها ومشكلاتها
وعظائم أمورها.
فأبو
حامد الغزالي كتب في "إحياء علوم الدين" كل شئ عن التصوف وقرر أن طريقتهم
من أنجح الطرق وأصلحها للوصول إلى ولاية الله ومرضاته وتكلم بإسهاب شديد عن
طقوس المتصوفة المبتدعة ومع ذلك فإنه لم يتطرق ولو بسطر واحد للكلام على
المصيبة التي أصيبت بها الأمة الإسلامية ألا وهو سقوط بيت المقدس في يد
الصليبية فيقول الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمة الله عليه: (سقط بيت المقدس
في يد الصليبيين عام (542 هـ) والغزالي الزعيم الصوفي الكبير على قيد
الحياة فلم يحرك منه هذا الحادث الجلل شعوراً واحد ولم يجر قلمه بشيء ما
عنه في كتبه لقد عاش الغزالي بعد ذلك (13) عاماً إذ مات سنة (505هـ) فما
ذرف دمعه واحدة ولا استنهض همة مسلم ليذود عن الكعبة الأولى"[8]
وهذا
ما قاله الدكتور زكي مبارك حيث قال بعد أن تحدث قليلاً عن الحروب
الصليبية: "أتدري لماذا ذكرت لك هذه الكلمة عن الحروب الصليبية لتعرف أنه
ما كان "بطرس الناسك" يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب، وتحبير الرسائل،
يحث أهل أوروبا فيها على احتلال أقطار المسلمين، كان الغزالي حجة الإسلام
غارقاً في خلوته منكباً على أوردة المبتدعة لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة
إلى الجهاد في سبيل الله تعالى" [9].
أما
الدكتور عمر فروخ فقد التمس العذر في سكوته عما جرى في القدس قائلاً: "كان
الصوفية يعتقدون بأن الحروب الصليبية كانت عقاباً للمسلمين على ما سلف لهم
من الذنوب والمعاصي، ولعل الغزالي قد شارك سائر الصوفية في هذا
الاعتقاد" [10]
ولم
يختلف حال ابن عربي وابن الفارض وهما الزعيمان الكبيران للصوفية عن حال
الغزالي" فقد عاشا في عهد الحروب الصليبية فلم يسمع أحد عن واحد منهما أنه
شارك في قتال أو دعا إلى قتال أو سجلا في شعرهما أو نثرهما آهة حسرة على
الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كانا يقرران للناس أن الله هو عين كل شيء
فليدع المسلمون الصليبيين فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور
هذا حال أكبر زعماء التصوف وموقفهم من أعداء الله فهل كافحوا غاصباً أو
طاغياً" [11]
"ولهذا
لم يكن غريبا أبدا أن يجتمع زعماء الصوفية حين أقدم الفرنج على احتلال
المنصورة لا لإعداد العدة وإعلان كلمة الجهاد ولكن لقراءة رسالة القشيري
والمناقشة في كرامات الأولياء" [12]، وهذا ما فعلوه أيضا إبان غزو نابليون
بونابرت لمصر عندما هرع الشيوخ إلى كتاب البخاري يلتمسون منه العون والمدد
أمام مدافع الفرنسيين اقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم عليهم جميعا.
ولقد
علم المستعمر في كل وقت أن هذه البقايا من هذا الفكر الغريب على الإسلام
هم أمله الوحيد في إبقاء المسلم مخدرا بعيدا عن واقعه وقضايا أمته، فدعموه
بكل ما يمكنهم دعمه، فهذا القائم بالأعمال الأمريكي في السودان يرتدي زي
أولاد الشيخ الكباشي ويقوم بعدة زيارات لعدد من الطرق الصوفية رافقه خلال
أكثرها مسئولون سودانيون بارزون، وكذلك كان فرانسيس ريتشاردوني السفير
الأسبق للولايات المتحدة بالقاهرة يواظب على حضور مولد الصوفي السيد أحمد
البدوي بمدينة طنطا في وسط الدلتا بشمال مصر لمدة تسع سنوات متتالية،
وغيرهم في كل بلد لعلمهم اليقيني أن بقاء هؤلاء هدم للشخصية للمسلمة وتحريف
لها ودافعا لها على استمرار الخنوع والخضوع والسلبية والانعزال.
ـــــــــــــــــ
[1] (رواه مسلم عن أبي هريرة).
[2] صححه الألباني
[3] عوارف المعارف "2/55 الملحق بالإحياء ( ص82).لشهاب الدين عمر السهروردي
[4] [الحج: 78]
[5] أورَدَه
أبو حامدٍ الغزالي في "الإحياء" 3/7، وقال الحافظ العراقي: أورَدَه
البيهقي في "الزهد" من حديث جابرٍ وقال: هذا إسنادٌ فيه ضعف.وهو موضوع كما
قرَّر شيخُ الإسلام
[6] انظر: "مجموع الفتاوى" 11/198.
[7] -( عوارف المعارف ص82) .
[8] كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبدالرحمن الوكيل
[9] الأخلاق عند الغزالي، ص 25.
[10] أبو حامد الغزالي والتصوف، للشيخ عبد الرحمن دمشقية، ص 352.
[11] هذه هي الصوفية للشيخ عبدالرحمن الوكيل ص 170".
[12] طبقات الشعراني (1/11)
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).