0

ووحدة الأديان مصطلح حادث يقصد به: التسوية بين جميع الأديان من حيث الصحة والقبول, وقد استعرض المؤلف أقوال أهم الباحثين الذين تحدثوا عن علاقة التصوف بوحدة الأديان: عبد الرحمن الوكيل, والمستشرق الإنكليزي "نيكسون" المتخصص بالتصوف الإسلامي, وأحمد أمين, ومحمد السيد الجليند ...وغيرهم, ليخلص إلى نتيجة مفادها: اتفاق الجميع على حضور فكرة وحدة الأديان في التصوف.



وحدة الأديان في تأصيلات التصوف وتقريرات المتصوفة – دراسة تحليلية –
الدكتور : لطف الله خواجه الأستاذ المشارك بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
الطبعة الأولى – مكة المكرمة -  2011م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب الذي بين أيدينا دراسة متأنية لنصوص المتصوفة المتضمنة معاني تؤيد الوحدة بين الأديان, جمع فيها المؤلف بالإضافة لتلك النصوص إفادات كثير من الباحثين ذوي المشارب والفكرية المختلفة -بعضها غير مناوئ للتصوف– التي تؤكد وجود علاقة بين وحدة الأديان والتصوف.
وقد نوه المؤلف في المقدمة أنه في البحوث العلمية تختفي النيات الحسنة, لتظهر الأدلة والوقائع الحية, فوجود النيات الحسنة لدى المنتمين لفرقة أو مذهب, لا يمنع من الحكم على أقوالهم وأفعالهم بالسلب أو الإيجاب.
ووحدة الأديان مصطلح حادث يقصد به: التسوية بين جميع الأديان من حيث الصحة والقبول, وقد استعرض المؤلف أقوال أهم الباحثين الذين تحدثوا عن علاقة التصوف بوحدة الأديان: عبد الرحمن الوكيل, والمستشرق الإنكليزي "نيكسون" المتخصص بالتصوف الإسلامي, وأحمد أمين, ومحمد السيد الجليند ...وغيرهم, ليخلص إلى نتيجة مفادها: اتفاق الجميع على حضور فكرة وحدة الأديان في التصوف.
المبحث الأول : تأصيلات التصوف لوحدة الأديان
بعد هذه المقدمة بدأ المؤلف بتأصيلات التصوف لوحدة الأديان, من خلال استعراض بعض الأفكار الصوفية التي تشير بوضوح دون خفاء لفكرة وحدة الأديان, (كوحدة الوجود, والحب الأزلي, والربوبية, والجبر, والرضا) فالفكرتان الأوليان فلسفيتان, والثالثة ثابتة بالنصوص الشرعية فسرت بصورة متلائمة مع الفكر الصوفي, والرابعة إبليسية, والخامسة لها أصل شرعي.
هذه الأفكار هي التأصيلات الصوفية لفكرة وحدة الأديان, وقد بدأ المؤلف بدراسة تلك النصوص وفحصها وتحليلها لإثبات مطابقتها لفرضية علاقة التصوف بوحدة الأديان من عدمه.
1- وحدة الوجود وعلاقتها بوحدة الأديان: معلوم أن صورتيها (الله وحده حقيقة والعالم تجليات = وحدة الوجود الروحية, أو العالم وحده حقيقة وما الله – والعياذ بالله – إلا مجموع ما هو موجود = وحدة وجود مادية) تؤدي إلى الاتحاد والحلول, وبالتالي انتقال صفاته – تعالى – لمخلوقاته, ومهما فعلوا فلا يوصف فعلهم إلا بالحسن والصحة, وقد علم الله من أفعالهم عبادة وثن أو نار أو بقر ...الخ, فأفعالهم إذن حسنة وصحيحة, إذ أفعالهم أفعال إله, فكيف يمكن أن يقال بعد هذا: هذا دينه حسن صحيح وهذا دينه قبيح باطل؟!
إضافة لاحتمال آخر لوحدة الوجود أخطر من الأول ألا وهو: مع القول بأن الله هو كل شيء وأنه هو هذه المخلوقات قد حل في كل واحد منها, فمقتضى ذلك: أن كل مخلوق هو الله – والعياذ بالله – وكل من عبد شيئا فما عبد إلا الله!! فاختلاف الأديان إنما هو اختلاف مظاهر المعبودات, أما الباطن فواحد في الجميع.
بعد هذا الربط بين فكرة وحدة الوجود ووحدة الأديان, استعرض المؤلف الكثير من نصوص المتصوفة التي تشير إلى عقيدة "وحدة الوجود", كقول أبي يزيد البسطامي: "سبحاني سبحاني ما أعظم سلطاني, ليس مثلي في السماء يوجد, ولا مثلي صفة في الأرض تعرف, أنا هو وهو أنا وهو هو" 
كما أورد المؤلف شهادات بعض الباحثين بأن التصوف يقرر وحدة الوجود, كابن خلدون والتفتازاني وغيرهم.
2- فكرة الحب الأزلي وعلاقته بوحدة الأديان: تناول المؤلف معنى الحب الأزلي عند المتصوفة, والذي يعني القديم الذي ليس له بداية, وقد ساق المؤلف مجموعة من نصوص المتصوفة تؤكد قولهم بالحب الأزلي, ليتساءل بعدها: هل ثمة شرط لحصول هذه المحبة الإلهية السابقة؟؟
فبينما لم يذكر البسطامي شرط, اشترط أبي الحواري الاجتهاد في رضى المولى, وكلام المكي متناقض فظاهره الاشتراط وحقيقته الثبات وعدم تغير المحبة أو توقفها لحظة عن العباد جميعا دون تخصيص, وبالتالي فإن المتصوفة قد ساوت بين جنس الإنسان في المحبة الإلهية, لا فرق بين مؤمن وكافر , وبين دين ودين.
3- الربوبية وعلاقتها بوحدة الأديان: من المعلوم أن المتصوفة يقدمونها على الإلوهية, وقد أورد المؤلف الكثير من النصوص الصوفية التي تشير إلى عنايتهم بالربوبية لسببين هما: تعظيمهم لجانب معرفة الله وأسمائه وصفاته وما في الملكوت للوصول إلى ذلك المقام, وقولهم بالتجلي الإلهي في الوجود وحلول الصفات الإلهية بدلا عن صفات العبد, على مقتضى حديث الولاية, ومن هنا كان الاهتمام بالربوبية.
وعن علاقة الربوبية بوحدة الأديان بمفهومه الخاص والعام, أوضح المؤلف أن الربوبية تعني الإيمان بوجود الله تعالى الخالق المالك المدبر, وهو معنى متحقق بأتباع الديانات السماوية "خاص", إلا أن مجرد الاجتماع لا تعني الوحدة, فالإسلام يجعل المقصد والغاية هو توحيد الألوهية بتوحيد العبادة لله تعالى لا لغيره.
4- فكرة الجبر الصوفية وعلاقتها بوحدة الأديان: إن استغراق الصوفية بالربوبية "أفعال الله" وإهمالهم النظر بالألوهية "أفعال العباد بإفراد الله بالطاعة" أوقعهم في الجبر, ثم قرروا أنه ليس في الوجود إلا الله فعلا, وفعل غيره سرابا, فلا فعل للعبد بل هو مجبور كالشجر في مهب الريح.
وبعد بيانه لأسباب ميل الفكر الصوفي لفكرة الجبر واستعراضه طرفا من أقوالهم في ذلك, أوضح المؤلف العلاقة بين الجبر ووحدة الأديان, من خلال الزعم بأن الإنسان إذا كان مجبورا على فعله فحينئذ كيف يؤاخذ على فعل الله فيه؟ وكيف يحاسب على عقيدته التي حصلت فيه دون فعله؟؟ وإذا كان الوجود هو الله والأفعال هي فعل الله وليس لأحد فعل إلا على سبيل التبع, فكيف يقال هذا مؤمن وهذا كافر؟
5- فكرة الرضا وعلاقتها بوحدة الأديان: كأحد تأصيلات الصوفية لفكرة وحدة الأديان, أوضح المؤلف من خلال نص استعرضه للهروي وغيره, أن الصوفية جعلت من الرضا مانعا لهم من الدعاء والطلب من الله بحجة الرضا بمشيئته, كما أنها ساوت بين الجنة والنار ما دام المحبوب هو اختار ذلك, الأمر الذي يلغي الفرق بين مبدأ الثواب والعقاب, والتمييز بين المسلم والكافر, بل وبين دين الإسلام ودين الكفار.
المبحث الثاني: تقريرات المتصوفة لفكرة وحدة الأديان
بعد أن أكد المؤلف أن بذور فكرة وحدة الأديان موجودة عند أوائل المتصوفة, ثم ترسخت وتقررت عند المتأخرين, تعرض لطرق تقرير فكرة وحدة الأديان وهي: المعبود الواحد, والتدين بكل دين, ومآل الكل إلى الإيمان والنعيم.
1- فكرة المعبود الواحد: هي مأخوذة من فكرتين صوفيتين هما: التجلي الإلهي في الكون, والقضاء الكوني, فمهما عبد الناس فما عبدوا إلا الله, لأنه يتجلى في كل صورة, أو يحتجب خلف كل صورة, ويستشهدون على ذلك بآيات قرآنية بتفسير صوفي إشاري, لا يستند من قريب أو بعيد بقواعد وأصول التفسير.
والناس - من خلال فكرة المعبود الواحد – محبون للحق من أعماق قلوبهم وطلاب له, ويرون أنه لا أحد غيره قادر ومتصرف في شؤونهم, مثل هذا المعنى ليس فيه إيمان وكفر من الوجهة الباطنية, أما في الظاهر واللسان فإن المعنى يستلزم صورة وعبارة, وها هنا يغدو الكفر والإيمان, وهي نظرية غير مسبوقة في تعليل تساوي الناس في الدين والإيمان.
بل إن بعض الصوفية راحوا يربطون وحدة الأديان بأسمائه وصفاته سبحانه, فالمهتدي عبده باسمه الهادي, والضال عبده باسمه المضل, ومن هنا اختلف الناس, أي بسبب اختلاف أسماء الله وصفاته, وكل طائفة من هؤلاء عبدت ما ظنته صوابا ولو كان خطأ عند غيرها.
والأعجب من كل ما سبق أن بعض الصوفية يرى إبليس يعبد الله تعالى, وأنه لما أمره بالسجود لآدم لم يسجد لكيلا يبذل سجوده لغير الله, ولذلك سمي إبليس, فإنه لو فطن لعلم أن السجود عن أمر الله سجود لله, فلو سجد لآدم لكان ساجدا لله!!
2- فكرة التدين بكل دين: فقد قال المتصوفة: إن المعبود واحد ولو اختلفت المعبودات, والتدين واحد ولو اختلفت الأديان, وترتب على ذلك تجويزهم التدين بأي دين, بل بكل دين, فمن الخطأ – عندهم – أن يحصر الإنسان نفسه بدين واحد, بل الصحيح أن يتدين ويقبل كل ذلك, وهذا هو حقيقة التوحيد وغيره شرك!!
3- فكرة "مآل الكل إلى الإيمان والنعيم": أوضح المؤلف أن ما تقرر من الأفكار السابقة يبنى عليها نتيجة, ومن نتائج قول المتصوفة "المحب لا يضره ذنب ولا ينتفع بطاعة" يدل على وحدة الأديان, فالانتفاع بالطاعة والتضرر بالمعصية يكون إذا كان الدين المطلوب واحدا, أما إذا كانت الأديان كلها واحدة, فحينئذ لا يقال هذا عاص باعتقاده, وهذا طائع باعتقاده, فالكل طائع وموافق.
وبذكر أبرز النتائج والتوصيات ختم المؤلف كتابه الصغير الحجم والأوراق, الكبير المضمون والجوهر والمعلومات, فجزاه الله عن المسلمين كل خير , والحمد لله  رب العالمين.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top