الحمد لله الذي بذكره
تطمئن القلوب، وبشرع كتابه تُنير الدروب، وصلاة ربي وسلامه على نبيه
المحبوب، ومبلغ وحيه المصدَّق بالوجوب، وعلى آله وصحبه وزوجه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الوعد المحسوب، وبعد:
فقد ظهر على ساحات
المسلمين منذ العهد النبوي الأول تيارات فكرية وعقدية أثرت في مسيرة الدعوة
إلى الله تعالى، منها ما كان موالياً للدعوة الإسلامية – رغم اختلافه معها
في المضمون- كأبي طالب وحمزة بن عبد المطلب – قبل إسلامه-، ومنها من كان
معادياً للإسلام والمسلمين –بالرغم من ادعائهم وحدة الصف والهدف- كمنافقي
المدينة وأذناب اليهود، وما كان ظهور تلك التيارات إلا نتيجة سلسلة من
الأحداث والظروف المتوالية والتي شكلت عبر التاريخ نواة فكر معين، وأعملت
فيها وقائع الزمن من التطور والتموه والتوجه نحو عقائد باتت راسخة ومهيمنة
على المناهج الموجّهة لأولئك الأتباع. ولم يكن الروافض ومن تبعهم من مُدَّعي التشيع
خارجين عن تلك الظروف والعوامل التي أثرت في منظورهم للشريعة الإسلامية،
ومعتقدهم في السنة وأهلها؛ فقد خضعوا لأسباب محددة عملت على إسقاط أول بذرة
للتشيع في أرض العراق، ونحتت فيهم الظروف السياسية والاتجاهات العقدية
للدولة الإسلامية، فأفرزت لديهم من المخرجات والثوابت التي ساعدت في
تكوينها دوافع نفسية وفكرية وذاتية حتى صارت على الهيئة التي نعاينها
ونعانيها في يومنا هذا.
وتجاوزاً لجميع المراحل التي مر فيها الشيعة الروافض عبر الزمن من تطور
للعقيدة والفكر، وما ينبني عليه من الفقه والسياسة؛ فإن موضوعنا في هذه
الدراسة هو تحليل الدوافع النفسية التي ساعدت على ظهور هذا كله؛ فمذ سقوط
الدولة الفارسية على يد الفاتح الأول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- وما
سبق ذلك من انطباعات نفسية كانت لدى الفرس عن العرب وما كانوا يُعرفون به
من الانحطاط والتشرذم والضعف والهمجية وكثير من الأمراض الفكرية التي لا
يمكن لمثلهم التعافي منها، والتي تجعلهم في منزلة دُنيا توجب عليهم البقاء
عبيداً ورعاة لدى الفرس، كل ذلك أعطاهم الحق في الاعتقاد أنهم الأولى في
البقاء على أعلى سلم التطور والرقي والحضارة، وحفر في أذهانهم نظرة مسبّقة
عن العرب لم يتمكنوا من التخلص منها رغم إثبات التاريخ عكس ذلك بالواقع،
فأنتج لديهم من الدوافع النفسية التي سنذكرها والتي في مجموعها ولّدت لديهم
عدة أمراض نفسية تجاه العرب والمسلمين على ما سنذكر لاحقاً إن شاء الله.
تمهيد
لقد شعر كثير من
الكُتّاب والمفكرين، وأصحاب الاتجاهات المخالفة للشيعة ممن تعامل معهم
وعايشهم درجات الانحراف الملحوظة في تعاملات الفرس المعاصرين مع أهل السنة
من المسلمين، ومدى معاداتهم على المستويات السياسية أو الفكرية أو العسكرية
منها، ولم يكن ذلك دافعاً مذهبياً فحسب بل كان ناتجاً عن قناعات راسخة
لديهم بأن الشيعة دين مباين لدين أهل السنة والمسلمين، وخاضع لتطورات تؤثر
فيها الظروف السياسية والدينية وأهواء علمائهم وموجهيهم، مما جعلهم على
منهجية عائمة غير منضبطة ساعدت على بروز أسس عقدية أصبحت من مسلّمات
المذهب، بالرغم من اعتبارها تغالياً في الدين وتشدّداً في المعتقد عند
أسلافهم، بل منها ما لم يكن مسموعاً به في الملة الآخرة، وإن هو إلا
اختلاق. أنتج ذلك كله عدة دوافع جعلت من دين الروافض مجموعة
من ردود الفعل النفسية المتراكمة أكثر منها عقائد دينية متبعة، وتركت
الشيعة على الجبهة المعادية للإسلام حاملين في طيات مستقبلهم معركة هي أشد
وطأة من معركة المسلمين مع اليهود والنصارى، إلا أنها آجِلة الوقوع بالرغم
من أنها آكِدة الحدوث.
وهذه المعركة دفعتهم إلى البحث عن منافذ عدة تساعدهم على التغلب على أهل
السنة والمسلمين، وهذا يبرر سبب تقربهم من أهل السنة – بداية- بالرغم مما
يحملونه لهم من البغض والحقد، ودعوتهم للتشيّع، ونداءات التقريب والتعاون،
والتوحّد ضد اليهود والغرب، وهذا كله مطلب يقوم على حاجتهم للعمق السياسي
والاستراتيجي والجغرافي لمواقع أهل السنة.
الدوافع النفسية لدى الرافضة لبغض أهل السنة
منذ اللحظة الأولى
لقيام دين الرافضة، وما سبق ذلك من رواسب الدولة الفارسية، سيطر على الشيعة
خليط غير منتاهي التطور من الدوافع النفسية التي طالما تحكمت في ابتداعهم
لكثير من العقائد المحدثة، والتفسيرات المنحرفة، نتيجة ردات فعل، ومواقف
متراكمة أثّرت سلباً على الشخصية الشيعية وبنائها، وتبع ذلك كثير من
الإسقاطات الدينية والسياسية التي ارتبطت بعدد من الدوافع النفسية لديهم،
وكانت أهم تلك الدوافع ما يأتي:
1- الشعور بالنقص تجاه أهل السنة:
لقد ظهر هذا الشعور نتيجة ردة فعل عمّا وقع بعد معركة القادسية، وما
عاينته بقايا الدولة الفارسية من التطور الحضاري والفكري الذي انتشر في
الدولة الإسلامية بعد هجرة محمد – صلى الله عليه وسلم- والسرعة التي حققت
فيها الدولة الإسلامية زمن الخلافة الراشدة من التوسع والقوة والرقي
والتحضر، وما فاجأ به رسول دولة الإسلام – ربعي بن عامر- كسراهم من الثقة
بالنفس، والعزة بالدين، مع شيء من الشدة المقصودة، مما أدى إلى عقدة نفسية
أثرت على من تبقى من قادتهم ولدت فيهم الشعور بالإحباط والاضطراب تجاه
التعايش مع أهل الإسلام.
كما أن معاينتهم لذلك الانتشار الديني والفكري الواسع لمنهج الإسلام،
الأمر الذي طالما عجزت عنه الدولة الفارسية، وما تبعه من دخول كثير من
أتباع المجوس في دين الإسلام، بل ودخول كثير من أتباع الدولة البيزنطية
–النصرانية- والتي كانت تشكّل في إدراكاتهم دولة راسخة الحضارة، وثابتة
المدنية لا يمكن اختراقها فكرياً أو دينياً، وهو الأمر المستمر حتى يومنا
هذا بتعظيمهم للغرب ودخول آلاف الغربيين في الإسلام سنوياً، بالرغم من شح
الإمكانات العسكرية والعلمية لدى المسلمين بحسب وجهة نظر الرافضة.
أدى ذلك كله إلى الشعور
بالنقص والدونية من الداخل، واللجوء إلى التماهي والتنازل – ظاهرياً- أمام
أهل السنة، والتغاضي عن المجابهة والمواجهة – في حالات قوة أهل السنة-،
وإقناع أتباعهم أنهم واقعون تحت الاضطهاد والانتقاص على مدى العصور، وهذا
ولّد عندهم ما يسمى بعقدة الشك والارتياب من الغير والتوجس من كل الأحداث
المحيطة بهم، فأثّر عليهم ذلك نفسياً وسياسياً؛ فابتدعوا ما يسمى بعقيدة
(التقية)، الأمر الذي صعّب عليهم مهمة التعايش مع المسلمين أو غيرهم، وأدى
بهم إلى الاحتفاظ بكثير من تطورات عقائدهم، وأفكارهم في الظلام، واتخاذ
واجهة منفذة لسياساتهم والاختفاء وراءها، وهذا يفسر سبب تعاونهم المتكرر مع
أعداء الإسلام في الماضي والحاضر، وتعاونهم مع الصليبيين وتبني ثقافة
الغدر والخيانة ومحاولاتهم اغتيال قادة الفتح إبان فتح بيت المقدس، وهجومهم
على عاصمة الدولة الإسلامية لحظة حصار العثمانيين للعاصمة الأوروبية –
فيينا-، وما اقترفته أيديهم في مساندة الاحتلال المعاصر للصليبيين لأرض
العراق وأفغانستان.
كما ساعد دافع الشعور
بالنقص مع ما ترسب لديهم من معتقدات المجوس بظهور مفهومي العصمة والإمامة؛
وذلك لانتفاء وجود شخصية مثالية في مخيلاتهم، للاقتداء بها واتباع سيرتها،
وقيام معتقداتهم على التنقيص من مقام الله عز وجل بتجويزهم وقوع الخطأ من
الله عز وجل وإجازة البداء في تصرفاته، والتنقيص من مقام مَلَك الوحي جبريل
–عليه السلام-، واتهام محمد – صلى الله عليه وسلم- بالتحيّز، واعتقادهم
باضطهاد الصحابة – رضي الله عنهم- وخيانتهم لآل البيت، فسقط بذلك لديهم
المثل الأعلى، فنسجوا من محض خيالاتهم شخصيات خرافية مبالغ فيها، تتصف
بالنزاهة عن الخطأ والزلل واحتاجت عقائدهم إلى مشرِّع بعيد عن الظلم
والتسلط –بزعمهم-، فعمدوا إلى التمسح بآل البيت، واعتمدوا على القصص
والخرافات، ونسخوا من أهل السنة علوم الإسناد والحديث، وتهربوا من الفراغ
المرجعي عندهم، فوقعوا في التناقض والكذب، وتوليد الأفكار الخرافية، ونشوء
المعتقدات الفاسدة، فاستغل علماؤهم تلك المنطلقات لتوجيه عوام الشيعة إلى
عصمة الإمام وتعظيم السادة وولاية الفقيه وتأليه الحاكم الديني، والشعور
بالدونية أمامهم والتبعية المطلقة، وتعطيل العقل في حضرتهم، مما ساوى بين
المثقف والجاهل عندهم؛ بسبب قناعاتهم المطلقة بأن العقول تتساوى في حضرة
المعصوم، فترى عالمهم وجاهلهم على الدرب سواء، فعملوا على تفريغ ذلك النقص
عن طريق إدانة الذات وتطور الإحساس بالذنب، وتفريغه باللطم والنياحة
والعزاء الحسيني، وضرب النفس وجلد الظهر.
2- العنصرية العرقية والشعوبية المتعالية:
إن تصرف كثير من الشيعة –خاصة الإيرانيين منهم- من منطلق مجوسي شعوبي
منعهم من مراجعة كثير مما تراكم لديهم من الثقافات القديمة، وما صدر عنها
من الأحكام والعقائد، وحال ذلك دون تقويم ذاتهم أو استدراك أخطائهم أو حتى
التسليم للثوابت الشرعية التي جاءت لتخرجهم من الضلال إلى النور، ودفعهم
حنينهم لعزة الماضي إلى التمسك بعادات الفرس وتقاليدهم، فما لبثوا على مدى
العصور يحتفلون بعيدي النيروز والمهرجان اللذين هما في الأصل عيدان
مجوسيان، كما أنهم ما أرّخوا منذ تمكنوا في الأرض إلا بأسس التأريخ
الفارسي، وهذه العرقية والشعوبية المتعالية زادتهم تمسكاً بلغتهم
وتقاليدهم، وحرّمت عليهم استخدام اللغة العربية، وزرعت في نفوسهم احتقار
أهلها، فشكل ذلك كله دوافع مكبوتة لم يتمكن الشيعة من التصريح بها، إلا
أنهم تصرفوا من خلالها فأوقعتهم في تناقضات داخلية وخارجية غير مبررة لدى
الغير، لكن أسبابها كانت مفهومة عند علمائهم.
وهذا التعصب المشبع
بحنين الدولة الهالكة يفسر كثيراً من محاولات الشيعة المعاصرين لإعادة قيام
الثورة الشيعية، وإقامة الدولة الفارسية المعاصرة على أنقاض سلفها
المردوم، وإعادة العزة وفرض القوة والهيمنة بطرق تسمح لهم بمصافحة اليهود
والنصارى على حساب السنة والدين، وعقد الاتفاقيات المبطنة رغم مواصلة
صياحهم المزعوم وتنديدهم المكذوب باليهود والغرب، كما يفسر ظاهرة فتورهم عن
الدفاع – كما يزعمون- عن الأراضي المقدسة، والنكوص على أعقابهم قبل أي
مواجهة يهودية أو نصرانية فيما لا يخص مصالحهم، كما يزيل الدهشة عمّن
يجهلهم بعد سماعه لشتمهم للصحابة ولعن أمهات المؤمنين، والحقد على الخلفاء
الراشدين وأئمة المسلمين.
كما
اعتقد الشيعة بأن الدم الفارسي دم فريد وعرق أسمى بين الأمم كاعتقاد
اليهود بأنهم شعب الله المختار، وجعلوا ذلك مدخلاً لتعظيم سلالة علي بن أبي
طالب – رضي الله عنه- على سلالات الصحابة جميعاً –رضوان الله عليهم-، بل
جعلوا سلالة الحسين بن علي – رضي الله عنه- أسمى من سلالة الحسن بالرغم من
اشتراكهما في النسب، وليس الأمر يتعلق بقرابته من النبي – صلى الله عليه
وسلم- ولا بانتسابه لآل البيت، ولو كان كذلك لما فرّقوا بين سلالة الحسين
والحسن؛ فالأمر مردّه إلى معتقد قديم عندهم، ومبني على رواسب فكرية وعقدية
ورثوها من أجدادهم المجوس؛ فالحسين بن علي رغم تزوجه بست نساء خمس منهن من
أصول عربية، إلا أن الشيعة لم يُعظموا منهن إلا زوجته الثانية، التي هي بنت
آخر ملوك الفرس (يزدجرد الثالث) الأميرة الفارسية (زنان) والتي ولدت له
ابنه علي زين العابدين (السجاد) والذي أصبح فيما بعد الإمام الرابع من
أئمتهم الإثنى عشر ومن سلالته كان بقية الأئمة على الرغم من أن الحسين –
رضي الله عنه- كان له أربعة من الولد ثلاث منهم من الأمهات العربيات.
والحسين أصغر سناً من
الحسن – رضي الله عنهما-، كما أن ابنه عليّاً - زين العابدين- من زوجته
الثانية، والحسن – رضي الله عنه- كان له ثلاثة عشر ولداً، إلا أنهم كانوا
من زوجات عربيات، فلم يعظّم الشيعة أياً من أولئك الثلة الصالحة إلا علي
زين العابدين – رضي الله عنهم أجمعين- وهذا يدُل على شعوبية وعنصرية متطرفة
متعجرفة، أرادوا بها باطلاً.
3- الحقد والحنق إثر سقوط دولة الفرس:
لما كسر صنم الدولة الفارسية على يد المسلمين، سبب ذلك احتقاناً هائلاً من
الحقد والحنق على أهل السنة نتيجة لعمق الشعور بالتعالي عند قادة الفرس،
فبرروا ذلك الحقد بعدة عقائد فاسدة كان مردها إلى أسس الديانة الفارسية،
فأخذ الرافضة تلك العقائد على محمل المسلّمات، وساعد على ذلك اتساع الفراغ
العقدي الذي تركه لهم مذهبهم وسمح لهم بالاجتهاد للتوصل إلى تلك
الانحرافات؛ فتعبدوا بها آلهتهم، وجعلوها ديدنهم ومنهجهم، بعيداً عما
يتصايحون به على منابرهم من تحرير أراضي المسلمين المحتلة، وردع أعداء
الأمة، إلا أن الحقيقة تكشف أنهم ما سعوا يوماً إلا إلى تحرير الأراضي التي
احتلها أهل السنة وتشييعها باسم المقاومة، وما عملوا إلا لردع أعداء
الشيعة من المسلمين ومظاهرة أعدائهم عليهم، فخلقوا من المعتقدات ما يزيد
حقد الشيعة على المسلمين، فادّعوا لأتباعهم - زوراً وبهتاناً- بغض أهل
السنة لآل البيت، وأن الشيعة هم الناصرون الحقيقيون لهم، وأججوا في قلوبهم
الشعور بالظلم والاضطهاد حتى من الله –عز وجل- وأنه لم ينصر آل البيت من
الظلم الذي وقع عليهم، وما تآمر به الصحابة على الرسول –صلى الله عليه
وسلم- وعلى أتباعه، وما أشبه ذلك من اعتقادات اليهود بأن الله أوقع عليهم
الظلم والاضطهاد في الأرض، وما أعطاهم منزلتهم الحقيقية.
فشكّل ذلك الدافع النفسي
انطباعات مسبّقة عن أهل السنة عند الشيعة، أدّت إلى التعامل مع غيرهم
بعدوانية وتطرّف، وولّد ذلك ما يسمى بعقدة الانتقام والحنق لديهم، وأوجدوا
في عقائدهم ما يُشبع لديهم هذا المعتقد، فحرّفوا في عقيدة المهدي المنتظر،
واعتقدوا بأنه في مطلع فَرَجه سيُحيي أبا بكر وعمر ويصلبهما على جذع شجرة
ويحرقهما، وأنه سيقتل المسلمين من غير الشيعة، وهذا يبرّر سبب ما يحملوه من
الحقد والكره لجميع المسلمين، وما يقومون به من محاولات التخريب السياسية
والدينية، وشرعنة تلك العدوانية، وأخذها على محمل التعبد والاعتقاد البحت؛
ولذلك لا يجد أهل السنة لذلك علاجاً لتلك العقدة إلا بالقوة والمجابهة، ولا
مجال بعد ذلك للتحاور العقلي أو العقدي – خاصة عند كهنتهم-؛ ولهذا فشل كل
من حاول التقريب بين دين الشيعة والإسلام، بل ظهر ذلك جليّاً عقب سقوط
النظام العراقي الأخير، الأمر الذي جعلهم أشد الناس فتكاً وتربّصاً بأهل
السنة، وأكثر الحاقدين تعذيباً وتنكيلاً بنسائهم وأطفالهم.
4- الانهزامية السياسية والضحالة الاستراتيجية:
لم يكن هذا الدافع النفسي جديداً على أهل فارس، إلا أنه تطور بسبب ما وقع
للشيعة من تحجيم وتغيير ما تراكم عندهم من العقائد والشرائع الفاسدة
الضالة؛ فما مرت به الدولة الفارسية قبل الإسلام من صراعات مع الروم كان
كافياً ليحصر الفكر الفارسي/ الشيعي – فيما بعد- تحت استراتيجيات ضحلة،
وانكفاء على الذات، وتقوقع في المنهج، وانطوائية في التعامل، إلا من حرره
الإسلام والعقيدة الصافية، وقد ساعد على تلك الضحالة والانهزامية سقوط
الثقة المتبادلة بين أصحاب الفكر المجوسي بأتباعهم إثر تجلّي العقائد
الإسلامية الصحيحة الموافقة للفطرة أمام عوام الدولة الفارسية وما وقع من
دخول عبّاد النار في دين الله أفواجاً، فترك ذلك بين الشيعة تيارات فكرية
وعقدية انطبعت في عقولهم الباطنية، وأثّرت فيها ردود الفعل الناتجة لديهم
في حالة اللاوعي المتراكم عندهم.
كل
ذلك كان نتيجة لما صارت عليه الدولة الفارسية من انقسام وضياع للتراث،
وانهزامية في السياسة، وضحالة في الاستراتيجية، وفقدان العمق الجغرافي
للدولة المجوسية، وتوالي فتح المدائن ودخولها في الإسلام، واستدامة حكم
المسلمين لها.
هذا الانقلاب السياسي المفاجئ عندهم، وما خسروه من النفوذ المطلق على
العرب قبل إسلامهم، واستخدامهم كعبيد وعمال دفعهم إلى محاولة إعادة أمجاد
تلك الدولة، واسترداد بسط الهيمنة الفارسية على المسلمين باسم الإسلام،
وشغف العودة إلى الماضي البائد، فما آلوا جهدا في تشييع الناس والدول، ووضع
المخططات الزمنية لضم أجزاء كبيرة من دول المسلمين لإعادة العمق السياسي
والاستراتيجي الذي كان لديهم من قبل، وتدارك جميع الأسباب التي عملت على
ذهاب هذا العمق من سيطرتهم، وإضعاف جميع العوامل التي ساعدت على سقوط
الدولة الفارسية، فرتبوا بذلك سلّم الأولويات المعادية لهم فجعلوا المسلمين
في الدرجة الأولى من الخطر؛ لقربهم سياسياً من الدولة الفارسية، ولتأثيرهم
النافذ على أتباع دين التشيع، ولكونهم السبب الرئيس في سقوط دولتهم
الفانية، ثم النصارى في الدرجة الثانية بسبب ما كان ولم يزل من الخلافات
والحروب على السيطرة والهيمنة، وأخيراً اليهود فهم أقل الناس عداوة لقلة
الخطر العقدي والسياسي، ولضآلة المطامع السياسية والاقتصادية المشتركة
بينهما، هذا من جهة، ولوجود أخلاط كثيرة من اليهود في مجتمعات الشيعة.
5- الرواسب الفكرية والعقدية المنحرفة:
إن ما توارثه أبناء المجوس اليوم من الدولة الأولى لهم قبل الإسلام أثّر
في الشخصية الشيعية المعاصرة، وشكل دافعاً نفسياً قوياً، وركيزة عقديّة
متينة وجّهت الفكر الشيعي المعاصر في التعامل مع المجتمعات الأخرى خاصّة
المناهضة لها بالفكر والمنهج، وعلى رأسها الفكر الإسلامي السني المعاصر،
كما دعّم هذا الدافع ما رسخ في الشخصية الشيعية من العادات والتقاليد مما
أصبح عقيدة فيما بعد، كل ذلك لا بد أن يكون حاضراً في ذهن من يتعامل معهم
أو يحاورهم، وهذه قاعدة أساسية يجب أن توضع في عين الاعتبار في التعامل مع
أية أمة من الأمم، أو طائفة من الطوائف؛ فاليهود من طباعهم الغدر والخيانة
والمراوغة، وهي جزء من أسس تعاملهم مع الأمم الأخرى، ومن تجاوزها أو تغاضى
عنها في التعامل معهم سقط في شراك الضلالة والعبث.
وما علق مع الشيعة من الرواسب العقدية المجوسية والفارسية كان دافعاً
لاستحلالهم لكثير من المحرمات الإسلامية؛ فما يُظن بشعب يُعظم النار أكثر
من تعظيمه لله، ويستبيح دم الغير؛ ويسمون الأسماء بغير اسمها؛ فيأكل أموال
الناس بالخُمس، ويُحلّون الزنا واللواط ونكاح المحارم باسم المتعة، ويكتمون
عقائدهم ويُراؤون الناس باسم التُّقية، ويُحقّرون غير الشيعة منهم، وهذا
يُبرر ما يظهر لديهم من حب الاستعلاء ونظرة الأنا، والانغلاق والتكتّم، حتى
انحسرت العقيدة الفارسية لزمن طويل، واقتصرت على بلاد الفتن ومطلع قرن
الشيطان، شأنهم في ذلك شأن اليهود، فاستعلاؤهم وشعوبيتهم دفعتهم إلى احتقار
الغير، واعتقاد عدم تأهلهم لحمل العقيدة الشيعية والدخول في تلك الديانة،
ومن انتسب إليها من غير أصولهم الفارسية كان في درجة مغايرة لمن جرى في
عروقه الدم الفارسي؛ لذلك نرى المفارقة الواضحة بين شيعة إيران.
فالفرس
ينظرون للشيعة العرب نظرة ازدراء، والعرب ينظرون للفرس نظرة الحقد
والكراهية بالرغم من اشتراكهم في عقيدة واحدة؛ كما فعلت إسرائيل عند تهجير
يهود العالم فجعلت يهود أوروبا (الأشكناز) أعلى درجة من يهود الشرق
(المزراحيون)، وولّدت تلك النظرة الطبقية كمّا متراكماً من سوء الظن بالغير
والارتياب المستمر بالديانات والعقائد الأخرى مما قادهم إلى الغدر
والاستباق إلى الخيانة، والتملق والنفاق والخداع والباطنية، واختلاق عقيدة
التقيّة التي تصيغ تلك الرواسب الفكرية المنحرفة في عقيدة منهجية ممنهجة
تبرّر الاعتراف بتلك العقائد الشاذة رغم خروجها عن إطار العقل البشري السوي
وتضاربها مع الفطرة الإنسانية القويمة.
ومن الجدير بالذكر، أن تلك العقائد ليست متبعة بين الشيعة وغيرهم فحسب، بل
بين الشيعة أنفسهم، فكهنتهم يستخدمون التقية أمام عوامّهم اعتقاداً منهم
أن هذا ما تقتضيه المصلحة العامة، ويمنع الفرقة والانشقاق بين صفوف الشيعة
ومتبعيهم.
واجب أهل السنة تجاه هذا كله
على الرغم من اجتهاد أهل
الباطل من المجوس على باطلهم، والعمل على إرساء قواعده السياسية والفكرية
والاقتصادية وحتى الجناح العسكري فيه؛ إلا أن كثيراً من أهل السنة لا زالوا
في غفلة مما يُكاد لهم، على الرغم من الإنذارات الكثيرة المتكررة على
الصعيدين السياسي والعسكري.
ولهذا كان واجباً على كل راعٍ أو مسؤول أو شخص مؤثر أن يعمل على الحد من
خطر المجوس على أمة محمد من جهة، وتأهيل أهل السنة للتعامل مع ذلك الخطر
القادم من جهة أخرى، وذلك على عدة محاور:
المحور الأول: التعريف بعقائد الشيعة وصفاتهم:
إن المعرفة التامة بالشيعة تُصحّح منهج الحكم عليهم بداية، كما إنها
تُساعد على التعامل معهم على جميع المستويات، وتكشف عن أهداف مخططاتهم
وخداعهم؛ فيعلم المسلمون جميعاً نتائج التقارب العقدي وأهدافه، وأسباب
نباحهم بتحرير المسجد الأقصى وقتالهم لليهود، وتتكون الصورة كاملة مع ما
تحمله من التشويه والتسلق على عواطف الناس ومشاعرهم للوصول إلى أهدافهم
السياسية والفكرية، وليوقن المسلمون أن تلك الشعارات لم تكن يوماً إلا
وسائل مغرضة ليس همها نشر دين الإسلام ولا عزة شرع محمد – صلى الله عليه
وسلم-.
المحور الثاني: مجابهة أهل التشيع ونقض أفكارهم من خلال جميع الوسائل الممكنة:
وهي مرحلة مبنية على التعريف بعقائد الشيعة وخصائصها، وهذا الكشف عن فضائح
عقائدهم يجب أن يكون ممنهجاً على جميع المستويات وكافة الصُّعد؛ الكتابية
منها والمرئية والمسموعة والرقمية، كالكتب والمجلات والنشرات، وخطب الجمعة
والدروس الوعظية والإرشادية، وإنشاء المواقع الإلكترونية، ودفع المسلمين
إلى التمسك بعقائدهم وعدم الانحلال في عقائد الكفر والابتداع، وتنبيه
المتعاطفين من العوام على التخلص من آثار العقائد الشيعية التي سرّبها
أذناب المجوس إلى أهل السنة والرشاد.
كما يجب فتح أبواب المناظرات الشرعية والنقاشات العلنية المباشرة على
وسائل الإعلام مما شرعت به كثير من القنوات الفضائية، والمواقع الرقمية على
الشبكة العنكبوتية، ومحاولة استغلال المواقف السياسية لتفسير أسباب وقوع
شدة الخصومة والعداء من الرافضة وأتباعهم في بلاد أهل السنة، وما يحاولون
فعله في تلك البلاد من الانقلابات والتسلّح والتعاون مع اليهود والنصارى؛
كما حدث في بلاد البحرين والعراق ولبنان والسعودية واليمن والكويت وغيرها.
المحور الثالث: تهيئة أهل السنة عقدياً ونفسياً لمواجهة الشيعة على جميع المستويات:
وهي مرحلة ثالثة تقوم على بيان عورات الرافضة وهناتهم من خلال تسليط الضوء
على مواقف المجوس الأوائل والمعاصرين والباطنية منهم، وفضح نفاقهم
التاريخي والسياسي المعاصر لأهل السنة، وما قاموا به من الخيانات
والاغتيالات والانقلابات على خلفاء الإسلام، مما يؤهل عوام أهل السنة
ثقافياً ودينياً لمعرفة أهل التشيع وعدم التأثر بشوائب أفكارهم، وزرع
المناعة العقدية في قلوب المسلمين، وحثّهم على التزام سنة نبيهم وشرائع
دينهم الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة.
كما تهيئ كثيراً من أهل السنة لأن يكون مستعداً لما قد يقع من معارك فكرية وعقدية وسياسية وعسكرية معهم.
المحور الرابع: تعريف عوام الشيعة بمعنى التشيّع الحقيقي:
وأن هذا التشيع ينضوي على مصالح شخصية، وأهداف شعوبية عنصرية تخدم رؤوس
الفرس، وكهنة اليهود، وأن عامة الشيعة عبيد عندهم؛ يأكلون أموالهم بالباطل،
ويصدون عن سبيل الله، ويستحلون أعراضهم، ويستحيون نساءهم، وكل ذلك يكون من
خلال المحاور الثلاثة الأولى؛ وهذا الأمر –غالباً- لا يجدي نفعاً مع أسياد
الشيعة وأئمتهم لما يعرفونه أصلاً من انحرافات عقائدهم، ولما تصبو إليه
نفوسهم من المصالح المالية والشهوانية – إلا من كتب الله له الرحمة منهم-،
وبالتالي لا يمكن التعامل مع كثير من أولئك المغرضين إلا بالقوة، وإظهار
سفه عقولهم وبلادة فكرهم.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).