0

يهتم الباحثون المتخصصون في علم الاجتماع بنوع جديد من البحوث الاجتماعية المرتبطة بالحالة الدينية للشعوب، وهو ما يعرف بـ"التدين الشعبي"، وفيه يقسم الباحثون الاجتماعيون التدين إلى نوعين "تدين شعبي" عام، و"تدين أصولي" نخبوي، وتتعدد هذه الدراسات، وتختلف من شعب إلى شعب، ومن ديانة إلى أخرى.

وفي واقعنا العربي نشأت دراسات عدة من هذا النوع، تتحدث عن الازدواجية التي تعيشها بعض الشعوب الإسلامية، حيث يكون للدين حضوران؛ حضور بين العامة، وهو (الشعبي)، وحضور بين الخاصة- إن صح التعبير- وهو (الأصولي).

المريب في أمر هذه الدراسات أنها تتجاوز حد الوصفية إلى التحليل، ثم عقد المقارنات، وهنا يظهر الانحراف وتتجلى مساوئ هذه الدراسات، حيث ينتصر الباحثون الاجتماعيون، لما أطلقوا عليه مسمى "التدين الشعبي"، في مقابل "التدين الأصولي" المستند إلى فهم "السلف الصالح".

والتدين الشعبي بشكله الموصوف في الدراسات الاجتماعية أقرب إلى الانحراف منه إلى التدين، فهو انحراف عن الدين الحق، إلى خرافات وأساطير وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان.

وفي الواقع العربي والإسلامي ينطبق مسمى التدين الشعبي- أكثر- على الطقوس الموروثة عن الصوفية، وهي في غالبها طقوس وعبادات بدعية، انتشرت بين المتصوفة ومريدي الطرق الصوفية.

وإلى هذا النوع من الدراسات أشار الكاتب "طارق الحمودي"، بموقع هوية برس المغربي، حيث أشار إلى ما تحويه مثل هذه الدراسات من فساد، ومن ذلك زعم الباحثين في هذا المجال أن التدين في المغرب نوعان؛ تدين شعبي، وتدين أصولي نخبوي، مبيناً أن هذا الكلام مستورد، أنتجه باحث غربي غير مسلم، جاهل بالإسلام وحقيقته وأصوله وعباداته، فالتفرقة بين التدينين اختراعه، واعتبار التقسيم فاسد، وفيه إسقاط وجهل..

يضيف الكاتب: "صاحب هذا هو "إدوارد فسترمارك-Edvard Westermarck"، وهذا الرجل يعرفه الباحثون الاجتماعيون المغاربة، فهو ممن حاول قراءة التدين المغربي قراءة اجتماعية محملة بالأخطاء المنهجية والمعرفية، و"فيسترمارك" هذا، عالم اجتماع وأنثروبولجي فنلندي، والمصيبة الأبعد في هذا أن هذا الرجل عده بعضهم أول سوسيولوجي دارويني النزعة".

من ناحية أخرى ذهب البعض كما أشرنا إلى اعتبار التدين الشعبي هو الدين وما خالفه تسلط ديني وسلطة غير روحية، ولهذا رأينا من الباحثين الاجتماعيين العرب من يستبدل مصطلح "التدين الشعبي" بمسمى "الدين الشعبي".

ومن أمثلة هؤلاء الباحثين الكاتب المصري شحاتة صيام أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم، حيث صدر له مؤخراً كتاب في هذا الصدد عنوانه: (الدين الشعبي في مصر)، انتصر فيه للتصوف، معتبراً إياه الحاضنة الوحيدة للتدين الشعبي.

وقد عرف صيام الدين الشعبي، أو التدين الشعبي بأنه "إسلام الطبقات الشعبية الضعيفة، التي تبتعد عن الإطار الرسمي وعن الحياة اليومية، وتنغمس في الحياة الروحية"، واصفاً إياه بأنه "تدين خارج إطار المؤسسات، متحرر من أية وصاية، هو منتج شعبي يهدف إلى مقاومة كل سلطة دينية".

للدراسات الاجتماعية أهمية كبرى، وهي كغيرها من الدراسات البحثية، تحتاج إلى مرجعية دينية منضبطة، كي تنضبط بها نتائجها، ولا تنحرف عن الجادة، وفي ذات الوقت يحتاج الباحثون- بصفة عامة- إلى النظر في القضايا العلمية بشيء من الإنصاف والموضوعية حتى لا تصطبغ نتائج أبحاثهم بالصبغة الشخصية، وتتمحور حول ما يريده الباحث لا حول ما هو واقع ومشاهد.

من خلال ما سبق يتبين للناظر مدى الخطأ والخلط الواقع فيه المقسمون للتدين، إلى تدين شعبي وآخر أصولي، فالتدين واحد، يتلمس فيه أصحابه خطى السلف الصالح، أما ما عدا ذلك، مما يسمى بـ"التدين الشعبي"، هي ممارسات منحرفة، سلك فيها أصحابها مسلكاً مخالفاً لصحيح الدين وطريقة السلف الصالح- رضوان الله عليهم-.

  المصدر البرهان

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top