لا يختلف اثنان
أن ايران هي من تتحكم بشيعة العراق، وأصبحت تمتلك منظومة متكاملة لإدارتهم
واستخدامهم كيف شاءت، ومتى شاءت، وبالطريقة التي تراها مناسبة لإدارة
مصالحها في العراق، حتى يكونوا ورقة ضغط للاستفادة منهم على المستوى
الإقليمي, فسعت إلى احتواء رموزهم, يصاحب ذلك تسلل المخابرات الإيرانية إلى
العراق لتنفيذ المخطط المرسوم مسبقاً, مع توفر الأموال الطائلة وتدفقها
بلا رقابة حكومية عراقية لتمويل المخطط المرسوم، والاستفادة من الإعلام
وتسخيره لخدمة أجنداتهم العاملة داخل العراق.
احتواء القيادات الشيعية:
يسيطر على الشارع
الشيعي في العراق عدة مرجعيات وتيارات أهمها: مرجعية علي السيستاني، وتيار
الصدر الذي يقوده مقتدى الصدر، وجماعة المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار
الحكيم، وبدرجة أقل حزب الدعوة بفروعه المختلفة، وهناك تيار آخر مدعوم من
إيران يعمل بصمت داخل مدن الجنوب وبعيداً عن الضجة الإعلامية كما يمارسها
الآخرون وهو تيار المرجع (المدرِّسي) الذي يقود ما يعرف بـ (منظمة العمل
الإسلامي) وهذه المنظمة أكثر قوة وتنظيماً، وتمتلك الشرعية الدينية الشيعية
التي تؤهلها أن تكون مرجعية دينية قوية مدعومة بمليارات إيران.
ولا شك أن
السياسة الإيرانية في العموم تقوم على احتواء التيارات الشيعية كلها،
والتعامل مع كل فصيل وشخصية قيادية تبرز على الساحة لحصد أي نجاح يحققه أي
طرف شيعي, ويبقى التعامل مع هذا الفصيل أو ذاك مرتبطاً إلى حد بعيد
بالتداخلات المختلفة داخل الساحة الإيرانية والخلافات بين المحافظين
والإصلاحيين، وبقدرة هذا الفصيل على تحقيق الهدف الشيعي بهيمنتهم على أوضاع
العراق.
وهناك تياران داخل القيادة الإيرانية حول الموقف من العراق:
الأول:
يقوده الزعيم الإيراني علي خامنئي، ويدعمه الرئيس السابق هاشمي (رفسنجاني)،
ويدعم هذا التيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر. ويقود التيار الثاني
الإصلاحيون، وهو يرفض التعامل والتعاون مع مقتدى الصدر، إلى حد أن الرئيس
الإيراني الأسبق محمد خاتمي رفض مرة استقبال الصدر عند زيارته لطهران، كما
أن هذا التيار يفضل دعم المرجع علي السيستاني والقيادات والقوى العراقية
كحزب الدعوة والحكيم المؤيدون للتعاون السلمي بين إيران والولايات المتحدة
وبريطانيا، على أساس أن ذلك يشكل أفضل ضمانة لحصول الشيعة العراقيين على
مطالبهم، وعلى حصة كبيرة في تركيبة الحكم في العراق.
تسلل المخابرات إلى العراق:
كانت الأداة
الرئيسية لإيران في تنفيذ استراتيجيتها للمخابرات الإيرانية، ونتيجة
التنسيق الأميركي الإيراني دخلت المخابرات الإيرانية وأصبحت ذات نفوذ واسع
في حكم العراق.
وتشير تقارير
صحفية إلى أن جهاز مخابرات فيلق القدس الإيراني ومخابرات الحرس الثوري
الإيراني يقومان بالدور الأخطر على صعيد أجهزة الاستخبارات داخل العراق،
ولعل الكشف عن الدور المزدوج للجلبي وعلاقته الطويلة مع المخابرات
الإيرانية يوضح إلى أي حد وصل الدور الذي مارسته المخابرات الإيرانية على
الساحة العراقية.
وتشير معلومات
صحفية إلى افتتاح 18 مكتباً للاستخبارات الإيرانية تحت مسميات مختلفة،
أبرزها الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء، وتوزيع المال والأدوية والمواد
الغذائية، وترتيب الانتقال إلى العتبات المقدسة، وضمن ميزانية تتجاوز مائة
مليون دولار.
وضمن المخطط
الإيراني شراء ولاء رجال دين أغلبهم شيعة وأقلية سنية رصد فيه مبلغ 5
ملايين دولار سنوياً للترويج والدفاع عن إيران، وتجميل صورة مواقفها في
الشارع العراقي، وأحياناً عبر الصحف والقنوات الفضائية. وفي المعلومات
الاستخباراتية أن إيران اشترت 2700 وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في
النجف وكربلاء ليسكن فيها رجال الاستخبارات الإيرانية ورجال فيلق القدس
الاستخباراتي حتى يكونوا على مقربة من مزاولة أعمالهم ونشاطاتهم على الساحة
العراقية.
تدفق الأفراد والأموال:
ويشار إلى حجم
المساعدات النقدية الإيرانية المدفوعة إلى مقتدى الصدر وحده عدا التيارات
الأخرى خلال سنة واحدة تجاوز سقف 80 مليون دولار، إلى جانب تدريب رجاله في
جيش المهدي، وإرسال معونات إنسانية شملت الغذاء والأدوية والمعدات والأثاث,
ومثال على ذلك ما ذكرته صحيفة (جمهوري إسلامي) الإيرانية أن إمام جمعة
شيراز الشيخ الحائري أرسل 150,000 حاجاً سنويا إلى العتبات المقدسة الشيعية
وإلى كربلاء.
ونتيجة للضوء
الأخضر من حكومة المالكي اكتظَّت الأسواق وغرف التجارة العراقية بالتجار
الإيرانيين، ومنه تسلَّلت إلى أجهزة المافيات (سرقة ونهب) بدون النظر إلى
عرقها أو مذهبها؛ إذ تشاركت الأحزاب السياسية الشيعية في نهب كل ما طالته
أيديهم وباعوه إلى التجار الإيرانيين، وقد وصف أحد العراقيين الدور
الإيراني في العراق قائلاً: خرجت إيران بعد احتلال العراق بأكبر حصة من
وليمة ذبح الدولة العراقية.
السيطرة الإعلامية:
قامت شركة
التلفزيون الرسمية في إيران والتي يسيطر عليها الإصلاحيون بافتتاح قناة
فضائية على غرار قناة الجزيرة القطرية باسم (العالم) تبث باللغة العربية من
محطات تقوية على طول الحدود العراقية لكسب تأييد العراقيين، وتتحدث تقارير
صحفية عن وجود 300 إعلامي إيراني بشكل دائم في العراق.
وتمول إيران
حوالي 35 فضائية شيعية عراقية، وكثير من الإذاعات والصحف المحلية والمؤسسات
الإعلامية, وهذا أصبح واضحاً بعد وصول المالكي إلى سدة الحكم في انتخابات
2005, وبدأ بعدها الترويج للمشروع الشيعي وتصديره إلى الخليج عبر العراق,
وبات واضحاً عند غالبية العراقيين أن لكل حزب أو حركة أو مليشيا شيعية في
العراق والمنطقة قناة تلفزيونية تروج لها ولبرامجها، وتشن حملات إعلامية ضد
خصومها, ويدير هذا الأخطبوط الإعلامي الشيعي الضخم مؤسسات إعلامية إيرانية
واسعة الخبرة والتمويل المالي.
إن القنوات
الشيعية الممولة إيرانياً تسوق مشاريعها وتروج لها حسب ما رسمته لها إيران،
وتمارس أدوارا نقدية لاذعة ضد خصومهم السنة من خلال فتح حوارات مباشرة مع
الجمهور، وهذا بدوره يجسد الأزمة بين السنة والشيعة, وبالنهاية يكون
الإعلامي الشيعي قد وصل إلى أهدافه المرسومة من قبل الممول الإيراني
والاستراتيجية التي تريد إيران تطبيقها في العراق.
وعندما نتكلم عن
احتواء إيران لشيعة العراق فإنهم قد عملوا بعدة مسارات أولها احتواء الرموز
الدينية, وفتح المجال لتدفق المخابرات الإيرانية إلى العراق، وتسخير
الإعلام، وصرف الأموال الطائلة لهذا الغرض, وهذا كله يجعل شيعة العراق تحت
تحكم إيران تستخدمهم حسب إرادتها وضمن برامجها للتأثير في السياسة
الإقليمية والدولية.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).