لم تهتم أمة من
الأمم بأصول دينها كما اهتم المسلمون بأصول دينهم القرآن والسنة, فقد نال
القرآن الكريم عناية المسلمين الفائقة رواية وجمعاً وتدويناً وحفظاً
وتجويداً وتأويلاً وتفسيراً, كما كانت السنة النبوية مركز اهتمام المسلمين
بعد القرآن الكريم, ففيها تقييد مطلق القرآن وتوضيح مشكله وتفصيل مجمله
وتخصيص عامه, كما أنها المصدر الثاني لهذا الدين العظيم, فكان علم مصطلح
الحديث والجرح والتعديل مفخرة من أعظم مفاخر الأمة الإسلامية, حيث لم يعرف
التاريخ علماً يؤصل قواعد تصحيح الأخبار وبيان صحيحها من سقيمها ونسبتها
لقائلها كعلم مصطلح الحديث الإسلامي, حتى قال أحد المستشرقين: فليفتخر
المسلمون بعلوم حديثهم.
تعريف السنة عند الروافض:
نظراً لسيطرة بعض
العقائد الباطلة على الشيعة الروافض ومن أهمها وأخطرها فكرة الإمامة,
ونظراً لاعتبار الإمام عندهم معصوم كعصمة الأنبياء, بل ربما تجاوز ذلك إلى
تفضيله على الأنبياء, فقد تأثر تعريف السنة عند الروافض بهذه العقائد
الباطلة, حيث حل الإمام محل النبي في التعريف.
وبينما يعرف أهل
السنة (السنة) بكونها كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل
أو تقرير, يعرف الشيعة السنة بخلاف ذلك تماماً, فيقول السيد محمد الحسيني
الشيرازي - الملقب بآية الله العظمى -: (السنة في الاصطلاح عبارة عن قول
المعصوم وفعله وتقريره, أعم من أن يكون من الأنبياء السابقين أو أوصيائهم
المنصوبين من قبل الله تعالى أو الصديقة مريم أو الصديقة الزهراء أو
الملائكة)(1).
ومن يقرأ في كتب
الحديث عند الشيعة يجد معظم رواياتها عن أئمتهم, ولا يجد إلا القليل منها
هو المسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وأكثر ما يروى في (الكافي) مثلاً -
وهو أعظم كتبهم - موقوف على جعفر الصادق, وقليل منها ما يعلو إلى أبيه
محمد الباقر, وأقل من ذلك ما يعلو إلى أمير المؤمنين, ونادراً ما يرفع سنده
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يأتي الأصولي
الفقيه المظفر ليأكد التعريف السابق: السنة قول المعصوم أو فعله أو تقريره,
بل يزيد على ذلك بأن بيان المعصومين للأحكام بوصفهم منصوبين من الله تعالى
ليس من نوع: رواية السنة وحكايتها, ولا من نوع الاجتهاد في الرأي
والاستنباط من مصادر التشريع, بل هم أنفسهم مصدر للتشريع, فقولهم (سنة) لا
حكاية السنة. (2)
وفحوى هذا الكلام
أن السنة بهذا المفهوم لم يستكمل بناؤها قبل مضي عصر الأئمة الاثني عشر,
بل إن هذه الفترة تمتد حتى نهاية عصر الغيبة الصغرى (329هجرية) للمهدي
المنتظر, لأن إجاباته وتوقيعاته لم تنقطع حتى هذا التاريخ, ولهذا يسمون هذا
العصر (بعصر النص) ويقولون: إن هذا العصر انتهى بغيبة الإمام المهدي
المنتظر, وبناء على ذلك فإن أجيال الشيعة الإمامية خلال ثلاثة قرون لم تعمل
بسنة واحدة او متكاملة, ولكن بسنن مطردة تزداد نصوصها مع كل إمام من
الأئمة(3).
إن أهواء الشيعة
تدخلت لرفض سنة النبي صلى الله عليه التي وردت عن طريق الصحابة, فكل حديث
في سنده أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة
وسمرة بن جندب وأمثالهم فهو مردود ولا يعتد به عندهم, ولا يأخذون من أحاديث
الصحابة إلا ما كان عن سلمان وعمار والمقداد وأبي ذر رضي الله عنهم
أجمعين, في حين يقبلون الأحاديث الواردة عن طريق أئمتهم جميعاً.
تدوين السنة عند الروافض وأهم كتبهم:
إن المدقق في زمن
وتاريخ تدوين السنة بين أهل السنة والشيعة يجد بوناً شاسعاً بينهما, فعلى
الرغم من صحة الرواية التي تفيد بأن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان أول
من أمر بتدوين السنة بشكل منظم, إلا أن ذلك لا يعني أن السنة النبوية لم
تكن محفوظة في الصدور ومدونة في الصحف قبل ذلك, فلا يمكن تدوين السنة في
عهده من فراغ, بل اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي,
مما يدل على أن السنة النبوية المعتمدة عند أهل السنة والجماعة قد تم
تدوينها في عصر مبكر من عهد النبوة وبإذن منه شخصيا صلى الله عليه وسلم,
بعد فترة نهي عن الكتابة لأسباب باتت معلومة ومشهورة.
وفي مقابل هذا
التدوين المبكر للسنة النبوية عند أهل السنة, نجد أن أول كتاب للشيعة في
هذا المجال هو كتاب سليم بن قيس الهلالي, والذي لم يخل من الطعن حتى من قبل
الشيعة أنفسهم, فقد قال عنه أبو القاسم الخوئي: (والكتاب موضوع لا مرية
فيه, وعلى ذلك علامات فيه تدل على ما ذكرناه)(4).
ويبدو أن أوسع
جمع لآثارهم في العصور المتقدمة هو ما قام به أبو جعفر القمي المتوفى سنة
290 هجرية في كتابه: (بصائر الدرجات) وهو مجموعة لأحاديثهم طبع سنة 1285
هجرية, والذي يكاد المجلسي ينقله بحذافيره في كتابه: (بحار الأنوار).
بعد ذلك جدد
الكليني التأليف في هذا المجال في القرن الرابع الهجري من خلال كتابه
(الكافي), ثم جاء ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق سنة 381 فألف كتابه (من
لا يحضره الفقيه), ليأتي الطوسي المتوفى سنة 460 بكتابيه: (التهذيب) و
(الاستبصار), لتكون هذه الكتب الأربعة الأخيرة هي المعتمدة وذات الأهمية
عند الشيعة, وهي جميعها متأخرة جدا عن تدوين أهل السنة للسنة النبوية.
وللعلم فهذه
الكتب الأربعة هي من ضمن الجوامع الثمانية المعتمدة عند الشيعة ويسمونها
المتقدمة, وأما المجامع الأربعة المتأخرة فهي: بحار الأنوار للمجلسي
المتوفى سنة 1111هجرية, ووسائل الشيعة للحر العاملي المتوفى سنة 1104
هجرية, والوافي للكاشاني, ومستدرك الوسائل للطبرسي المتوفى سنة 1320 هجرية.
تقليد الشيعة لأهل السنة:
لو فتشنا عن علم
دراية الحديث عند الروافض لما وجدنا لهم أي سهم في هذا الباب, فليس للشيعة
الإمامية شيء اسمه علم دراية الحديث, وأصول كتبهم كلها مسروقة ومأخوذة من
كتب أهل السنة, فهم مقلدين وعالة على أهل السنة في التصنيف في هذا العلم.
ويعترف الشيعة
الرافضة بأنه لم يكن لهم أي إسهام فكري في علم الحديث الشريف, وإنما
اقتبسوا ذلك – كعادتهم - من أهل السنة, وإن أول من صنف في الدراية من
الشيعة تقليدا لأهل السنة هو زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني,
والذي قتل عام 965هجرية, وفي ذلك يقول شيخهم الحائري: (ومن المعلومات التي
لا يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني
وإنما هو من علوم العامة)(5).
والغريب أنهم
يأمرون أتباعهم باجتناب أهل السنة والعمل بما يخالفهم ثم يقلدونهم في
التصنيف بعلم مصطلح الحديث, فقد قال الحر العاملي: (الاصطلاح الجديد -
تقسيم الحديث - موافق لاعتقاد العامة - أهل السنة - واصطلاحاتهم, بل هو
مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع, وقد أمرنا الأئمة عليهم السلام
باجتناب طريقة العامة)(6).
بل إن ابن المطهر
المتوفى سنة 726هجرية - أحد أكبر علمائهم - لم يتنبه لتعارض الأحاديث التي
أوردها, وعدم وجود ميزان شرعي للترجيح بينها, إلا حينما رد عليه شيخ
الإسلام ابن تيمية في كتابه الشهير (منهاج السنة النبوية) فتنبه ابن المطهر
لذلك, وبدأ بتقسيم الأحاديث إلى صحيح وحسن وضعيف, ولكن بعد أن انقضى كل
شيء وفقدت آلة العلم التي يتم بها تصحيح الحديث وتضعيفه.
أقسام الحديث عن الروافض:
الشيعة الإمامية بالنسبة لعلم الحديث فرقتان:
الأولى: الإخباريون:
وهم الذين شجبوا تنويع الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف, معتبرين أن جميع
مروياتهم وأخبارهم - خاصة في المجامع الأربعة المتقدمة - صحيحة, ولا علم
لهؤلاء بعلم مصطلح الحديث, حيث أن أول من ألف في ذلك من علمائهم ابن طاووس
وتلميذه ابن المطهر في القرن الثامن الهجري والذي رد عليه شيخ الإسلام ابن
تيمية كما قلنا في كتابه منهاج السنة.
الثانية: الأصوليون: الذين
قالوا بعدم صحة كل ما في كتبهم, وقد أخضعوها للبحث والدراسة ليس حبا في
اتباع الحق والتزامه, وإنما للرد على من شنع عليهم من أهل السنة من قولهم
بتحريف القرآن وغير ذلك من البلايا التي تحفل بها كتبهم المتقدمة.
والأصوليون الذين قالوا بتنويع الحديث جعلوا مراتب الحديث على الشكل التالي:
1) الصحيح: وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات [قواعد الحديث للموسوي ص24], وهو مأخوذ من تعريف أهل السنة كما هو ملاحظ مع إدخال لفظ الإمامي التي تؤمن بها الشيعة.
2) الموثق: وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته - بأن كان من أحد الفرق المخالفة للإمامية - ولم يشمل باقيه على ضعف.
3) الحسن: ما كان جميع سلسلة سنده إمامين ممدوحين بما لم يبلغ حد الوثاقة مطلقاً, فإن بلغ حدها ففي البعض خاصة.
4) الضعيف: وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة بأن يشمل طريقه على مجروح بالفسق أو نحوه أو مجهول الحال.
5) القوي: الذي
عده أكثرهم من أقسام الموثق, وبعضهم جعله أصلا مستقلا, وعرفه بأنه ما يدخل
في جميع ما خرج عن الأقسام الثلاثة المذكورة ولم يدخل في الضعيف, أو
المروي عن الإمامي غير الممدوح ولا المذموم.
والصحيح حجة
عندهم بلا خلاف بشرط أن لا يكون شاذاً أو معارضاً بغيره من الأخبار, وأما
الموثق والحسن فالمشهور حجيتهما, وأما الضعيف فليس بحجة.
وعلى هذا الأساس
فرواية غير الجعفري ضعيفة غير مقبولة لفسقه أو كفره, وعليه يرفض الشيعة
جميع أحاديث الخلفاء الراشدين الثلاثة وغيرهم من أجلاء الصحابة الكرام
والتابعين وأئمة المحدثين والفقهاء ما داموا لا يؤمنون بعقيدة الإمامية
الاثني عشرية.
ثم إن المتتبع
لكتب الروافض يجد أن تقسيم الخبر عندهم إلى صحيح وحسن وضعيف وموثق, إنما هو
ناشئ من احتكاك الشيعة بأهل السنة وتأثرهم بهم, إضافة لمحاولة الشيعة رد
الاعتبار إلى بعض مروياتهم وإن سلكوا طريق الغش والتدليس في ذلك.
كما أن المدقق في
موضوع علم رجال الحديث, يجد أنه لم يكن للشيعة كتاب في أحوال الرجال حتى
ألف الكاشاني في المائة الرابعة كتاباً لهم في ذلك, وهو كتاب في غاية
الاختصار, وقد أورد فيه أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل, وليس في كتب
رجالهم الموجودة إلا حال بعض رواتهم, كما أن المتتبع لأخبار رجالهم يجد أن
كثيراً ما يقع الغلط والاشتباه في أسماء الرجال أو آبائهم أو كناهم أو
ألقابهم.
والخلاصة:
أن هناك في
البداية بوناً شاسعاً بين تدوين السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عند أهل السنة, بينما لم يبدأ هذا التدوين إلا في القرن الثالث الهجري دون
أي منهج علمي عند الشيعة, إضافة إلى أن علم مصطلح الحديث بالكامل لم يعرفه
الشيعة في الأصل, وإنما أخذوه حرفياً من علماء أهل السنة, مع إدخال فكرة
الإمامة المزعومة فيه, كما أن مراجعة مروياتهم -التي امتلأت بالخرافات
والكذب - لتوثيقها لم تتم إلا في القرن الثامن الهجري, لتأتي هذه المراجعة
مشوهة ودون ضابط علمي إلا الانتصار لأوهامهم الإمامية المزعومة, والتي تنسف
السنة النبوية كمصدر تشريعي أساسي في الإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حول السنة المطهرة ص7
(2) أصول الفقه لمحمد رضا المظفر 2/55
(3) مع الشيعة الاثني عشرية د. علي أحمد السالوس 3/83
(4) معجم رجال الحديث9/228
(5) مقتبس الأثر 3/73 ويقصد بالعامة - أهل السنة -
(6) وسائل الشيعة 30/259
(7)
ومن المصادر الحديثة كتاب: استدلال الشيعة بالسنة النبوية في ميزان النقد
العلمي 14, وكتاب علم الحديث بين أصالة أهل السنة وانتحال الشيعة, وكتاب:
السنة النبوية وعلومها بين أهل السنة والشيعة الإمامية.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).