بعد قطع السعودية علاقتها بإيران...السيف أصدقُ أنباءً من الكتبِ
إحسان الفقيه
إحسان الفقيه
عندما تعالت أصوات
الاستغاثة من المسلمين في أرض الروم، خرج الخليفة المعتصم بجيشه قاصدا
عمورية، إلا أن المُنجّمين قد حذروه من الخروج، وأكدوا له أن مصيره
الهزيمة.
لم يعبأ الخليفة المعتصم - الذي يتناهى إلى سمعه صرخات الأيامى والثكالى "وامعتصماه"- بأحاديث المنجمين، وحاصر عمورية سنة 223هـ، حتى فتحها، فانبرى الشاعر أبو تمام يؤكد انتصار العزم والسيف على خرافات الكُهّان، فقال:
يؤكد على أن حد الحسام كان قاطعا في الفصل بين الحقيقة والخرافة، وأن النصر والظفر يُلتمس بالنزال والنضال، لا بالتكهّنات وضروب الخيال.
*وما أشبه الليلة بالبارحة، فكثيرا ما خاض الخائضون في تفسير التوجهات الجديدة للسعودية في عهد سلمان، فقطع الحزم قول كل خطيب، وتهاوت التكهّنات أمام سيف العزم وهمّة الرجال الرجال..
كثيرا ما تعرّضتُ أنا ككاتبة للّمز والغمز والرمي بالعمالة، وأفضل الخصوم حالا من نعتني بالكاتبة الوردية، واتهمني بأنّ حلمي الذي بنيته على الواقع الجديد للسعودية ليس سوى بيت عنكبوت.
إن عيناي لتدمعان كلما صدّق الله تعالى ظني وأنا الكاتبة الصغيرة عندما كنت أُخالف في توقعاتي جهابذة الأقلام، وشاء الله أن يرضيني بعد كل حفلة سخرية اقتاتت على كتاباتي وحُسن ظنّي الذي وصفه بعض المُشفقين ( الأقل قسوة ) بالبلاهة وسوء التقدير .
*قلتُ: عمليات عاصفة الحزم لن تنتهي رغم الإعلان عن إنهائها، قوبلت بالهجوم الضاري والسخرية اللاذعة، وما هي إلا ساعات مضت، حتى استأنفت قوات التحالف عملياتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ولطالما كتبت عن السعودية ومواجهة المشروع الإيراني، فانهالت عليّ ردود الأفعال التي تنفي عن السعودية كونها تسعى لوقف النفوذ الإيراني، فانجلت صفحة أخرى من صفحات الغيب، عما يُبرهن على أن السعودية بالفعل تقود مشروعا سنيا ضد المشروع الإيراني، كان آخر هذه البراهين قطع العلاقات مع إيران.
بعد قيادتها عاصفة الحزم في اليمن، وموقفها الحازم في سوريا والإصرار على رحيل الأسد، ودعم المعارضة السورية، دعت السعودية لتحالف إسلامي لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله دون اعتبارات دينية أو طائفية، لتؤكد على سعيها لقيادة منطقة العالم الإسلامي نحو تكتُّل جديد ينتزع سلطة الغرب في توصيف الإرهاب، وهو ما انزعجت منه إيران ورفضته، لعلمها أن التحالف سوف يطال أذرعها الإرهابية.
ومؤخرا، وجّهت السعودية صفعة قاسية لإيران، بعد تنفيذ حكم الإعدام بالشيعي السعودي نمر النمر، والذي كان يدين بالولاء للولي الفقيه، على حساب أمن بلاده، وحرّض على العنف والانفصال داخل المملكة، وخرج على الحكومة الشرعية.
إعدام النمر ليس مجرد تنفيذ حكم قضائي صادر ضد مواطن سعودي شيعي، إعدام النمر هو إعدام للصّلَف الإيراني، وإعلان انتهاء عصر الوداعة أمام السطوة الإيرانية، لأن النمر كان رجل إيران الأول في المملكة.
السعودية كانت تعلم يقينا أن إعدام النمر سوف يفتح عليها أبواب الجحيم الإيرانية، وأن طهران - بأذرعها في العالم العربي والإسلامي- لن تسكت، وهو ما كان يستدعي المماطلة في تنفيذ الحكم أو تخفيفه تحت أي مبرر قانوني.
لكن السعودية يبدو أنها تغلق الحسابات القديمة، وتتعامل في المنطقة بناء على قواعد جديدة ترسمها هي، فنفذت حكم الإعدام.
*كان هذا الحكم بمثابة رسالة قوية للشيعة في الداخل مفادها: لا يسعكم سوى الانخراط في السياق الوطني العام، كمواطنين سعوديين، فمن يحمل اسم السعودية في هويته، لابد وأن يقطع صلته بأي أجندات خارجية.
فيه رسالة لإيران، مفادها: السعودية لا تعبأ بالتصعيد الإيراني، وأنها أصبحت أهلا للندّية، ولن تبني سياستها على ردود الأفعال.
وجاء قطع العلاقات السعودية مع إيران لقطع آخر حبال الود المفروض وصْلها مع طهران بحكم ضرورات التعايش الإقليمي، وحسابات المصالح والمفاسد، ومراعاة الواقع الدولي.
لم يكن اقتحام السفارة السعودية في طهران أول التجاوزات الإيرانية، فالدولة الصفوية ذات تاريخ طويل من العربدة والإساءة للملكة، لكنه عصر غير العصر ورجال غير الرجال.
ومن وجهة نظري، لو لم تحدث تلك التحولات القوية في السياسة السعودية في عهد سلمان، لم تكن المملكة لتقطع علاقتها بهذا الشكل مع إيران، وفي هذا دلالة واضحة على أن السعودية ترغب في أن تُحدث تمايُزا ضروريا للصفوف في المنطقة لمواجهة المشروع الإيراني، لتنحاز إليها الدول التي تدرك خطورة المشروع الصفوي، ولديها رغبة قوية في وقف الزحف الإيراني.
وتأكيدا لهذا الاتجاه، سارعت دولتا السودان والبحرين لقطع علاقتهما مع إيران، وطرد السفير الإيراني، في الوقت الذي أعلنت الإمارات خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى قائم بالأعمال، وهو قرار ليس بالهيّن في ظل العلاقات المتينة بين أبوظبي وطهران.
*أستحلفكم بالله يا قوم، منذ متى كانت الدول العربية الإسلامية تقاطع إيران من أجل تجاوزها بحق دولة أخرى؟ إننا يا سادة أمام واقع إيجابي جديد لا يجحده إلا مُكابر، السعودية تتمحور في المنطقة، لتشكيل تكتّل إسلامي عربي قادر على التعاطي مع المشاريع التي ترغب في ابتلاع المنطقة، وبمعزل عن الرعاية الأمريكية.
وأزعم أن الدعم السعودي الأخير لنظام السيسي ذو طابع تكتيكي وليس استراتيجي، هو بمثابة معالجة لحالة راهنة، فمن وجهة نظري تهدف من خلاله السعودية إلى تفادي انحياز مصر إلى المعسكر الإيراني، وهو بلا شك سيكسب ذلك المعسكر قوة، كما أن احتواءها في المعسكر السعودي سوف يفرض عليها التزامات معينة، قد تحدث فارقا نوعيا في أزمات المنطقة، على سبيل المثال: الملف السوري، حيث تطمح السعودية إلى تغيير الموقف الرسمي المصري الذي يساند الأسد.
ومن ناحية أخرى ترغب السعودية في وأد أي محاولات إماراتية للسيطرة على صناعة القرار في مصر.
وقد تشهد مصر في الفترة القادمة فتحا لأبواب حوار وطني تفرضه دول الخليج على السيسي، وقد يخدم هذا الاتجاه ما نسمع عنه من أحكام البراءة التي يصدرها القضاء المصري حاليا بحق معارضي النظام.
نعم لا يرضينا سوى الإطاحة بهذا القاتل، وتغيير حقيقي في مصر، إلا أن لكل دولة حساباتها، وبالرغم من أن كثيرا من قوى المعارضة لن تتنازل عن إسقاط ذلك النظام، لكنهم يتفهمون جيدا الحسابات الدولية، خاصة وأن السعودية لها أولويات لهذه المرحلة المتمثلة في وقف المد الإيراني، والذي يُحتّم تحقيق الاستقرار في دول منطقة العالم الإسلامي العربي دون تحديد صيغة معينة.
نأمل في أن تشهد الأيام المقبلة، مواقف حازمة أخرى للدول العربية والإسلامية تجاه العربدة الإيرانية، على غرار ما فعلته السعودية والبحرين والسودان، أو على الأقل اتخاذ موقف مشابه لموقف الإمارات، بهدف تطويق إيران، وكفّها عن العبث في المنطقة.
ومهما ذهبت التخرّصات، وحيثما اتجهت التكهّنات، فسيبقى السيف دائما، أصدق أنباءً من الكتبِ.
وحفظ الله بلاد المسلمين وشرفاء الأُمّة ..
المصدر : شؤون خليجية
لم يعبأ الخليفة المعتصم - الذي يتناهى إلى سمعه صرخات الأيامى والثكالى "وامعتصماه"- بأحاديث المنجمين، وحاصر عمورية سنة 223هـ، حتى فتحها، فانبرى الشاعر أبو تمام يؤكد انتصار العزم والسيف على خرافات الكُهّان، فقال:
السيف أصدقُ أنباءً من الكتبِ * في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ
يؤكد على أن حد الحسام كان قاطعا في الفصل بين الحقيقة والخرافة، وأن النصر والظفر يُلتمس بالنزال والنضال، لا بالتكهّنات وضروب الخيال.
*وما أشبه الليلة بالبارحة، فكثيرا ما خاض الخائضون في تفسير التوجهات الجديدة للسعودية في عهد سلمان، فقطع الحزم قول كل خطيب، وتهاوت التكهّنات أمام سيف العزم وهمّة الرجال الرجال..
كثيرا ما تعرّضتُ أنا ككاتبة للّمز والغمز والرمي بالعمالة، وأفضل الخصوم حالا من نعتني بالكاتبة الوردية، واتهمني بأنّ حلمي الذي بنيته على الواقع الجديد للسعودية ليس سوى بيت عنكبوت.
إن عيناي لتدمعان كلما صدّق الله تعالى ظني وأنا الكاتبة الصغيرة عندما كنت أُخالف في توقعاتي جهابذة الأقلام، وشاء الله أن يرضيني بعد كل حفلة سخرية اقتاتت على كتاباتي وحُسن ظنّي الذي وصفه بعض المُشفقين ( الأقل قسوة ) بالبلاهة وسوء التقدير .
*قلتُ: عمليات عاصفة الحزم لن تنتهي رغم الإعلان عن إنهائها، قوبلت بالهجوم الضاري والسخرية اللاذعة، وما هي إلا ساعات مضت، حتى استأنفت قوات التحالف عملياتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ولطالما كتبت عن السعودية ومواجهة المشروع الإيراني، فانهالت عليّ ردود الأفعال التي تنفي عن السعودية كونها تسعى لوقف النفوذ الإيراني، فانجلت صفحة أخرى من صفحات الغيب، عما يُبرهن على أن السعودية بالفعل تقود مشروعا سنيا ضد المشروع الإيراني، كان آخر هذه البراهين قطع العلاقات مع إيران.
بعد قيادتها عاصفة الحزم في اليمن، وموقفها الحازم في سوريا والإصرار على رحيل الأسد، ودعم المعارضة السورية، دعت السعودية لتحالف إسلامي لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله دون اعتبارات دينية أو طائفية، لتؤكد على سعيها لقيادة منطقة العالم الإسلامي نحو تكتُّل جديد ينتزع سلطة الغرب في توصيف الإرهاب، وهو ما انزعجت منه إيران ورفضته، لعلمها أن التحالف سوف يطال أذرعها الإرهابية.
ومؤخرا، وجّهت السعودية صفعة قاسية لإيران، بعد تنفيذ حكم الإعدام بالشيعي السعودي نمر النمر، والذي كان يدين بالولاء للولي الفقيه، على حساب أمن بلاده، وحرّض على العنف والانفصال داخل المملكة، وخرج على الحكومة الشرعية.
إعدام النمر ليس مجرد تنفيذ حكم قضائي صادر ضد مواطن سعودي شيعي، إعدام النمر هو إعدام للصّلَف الإيراني، وإعلان انتهاء عصر الوداعة أمام السطوة الإيرانية، لأن النمر كان رجل إيران الأول في المملكة.
السعودية كانت تعلم يقينا أن إعدام النمر سوف يفتح عليها أبواب الجحيم الإيرانية، وأن طهران - بأذرعها في العالم العربي والإسلامي- لن تسكت، وهو ما كان يستدعي المماطلة في تنفيذ الحكم أو تخفيفه تحت أي مبرر قانوني.
لكن السعودية يبدو أنها تغلق الحسابات القديمة، وتتعامل في المنطقة بناء على قواعد جديدة ترسمها هي، فنفذت حكم الإعدام.
*كان هذا الحكم بمثابة رسالة قوية للشيعة في الداخل مفادها: لا يسعكم سوى الانخراط في السياق الوطني العام، كمواطنين سعوديين، فمن يحمل اسم السعودية في هويته، لابد وأن يقطع صلته بأي أجندات خارجية.
فيه رسالة لإيران، مفادها: السعودية لا تعبأ بالتصعيد الإيراني، وأنها أصبحت أهلا للندّية، ولن تبني سياستها على ردود الأفعال.
وجاء قطع العلاقات السعودية مع إيران لقطع آخر حبال الود المفروض وصْلها مع طهران بحكم ضرورات التعايش الإقليمي، وحسابات المصالح والمفاسد، ومراعاة الواقع الدولي.
لم يكن اقتحام السفارة السعودية في طهران أول التجاوزات الإيرانية، فالدولة الصفوية ذات تاريخ طويل من العربدة والإساءة للملكة، لكنه عصر غير العصر ورجال غير الرجال.
ومن وجهة نظري، لو لم تحدث تلك التحولات القوية في السياسة السعودية في عهد سلمان، لم تكن المملكة لتقطع علاقتها بهذا الشكل مع إيران، وفي هذا دلالة واضحة على أن السعودية ترغب في أن تُحدث تمايُزا ضروريا للصفوف في المنطقة لمواجهة المشروع الإيراني، لتنحاز إليها الدول التي تدرك خطورة المشروع الصفوي، ولديها رغبة قوية في وقف الزحف الإيراني.
وتأكيدا لهذا الاتجاه، سارعت دولتا السودان والبحرين لقطع علاقتهما مع إيران، وطرد السفير الإيراني، في الوقت الذي أعلنت الإمارات خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى قائم بالأعمال، وهو قرار ليس بالهيّن في ظل العلاقات المتينة بين أبوظبي وطهران.
*أستحلفكم بالله يا قوم، منذ متى كانت الدول العربية الإسلامية تقاطع إيران من أجل تجاوزها بحق دولة أخرى؟ إننا يا سادة أمام واقع إيجابي جديد لا يجحده إلا مُكابر، السعودية تتمحور في المنطقة، لتشكيل تكتّل إسلامي عربي قادر على التعاطي مع المشاريع التي ترغب في ابتلاع المنطقة، وبمعزل عن الرعاية الأمريكية.
وأزعم أن الدعم السعودي الأخير لنظام السيسي ذو طابع تكتيكي وليس استراتيجي، هو بمثابة معالجة لحالة راهنة، فمن وجهة نظري تهدف من خلاله السعودية إلى تفادي انحياز مصر إلى المعسكر الإيراني، وهو بلا شك سيكسب ذلك المعسكر قوة، كما أن احتواءها في المعسكر السعودي سوف يفرض عليها التزامات معينة، قد تحدث فارقا نوعيا في أزمات المنطقة، على سبيل المثال: الملف السوري، حيث تطمح السعودية إلى تغيير الموقف الرسمي المصري الذي يساند الأسد.
ومن ناحية أخرى ترغب السعودية في وأد أي محاولات إماراتية للسيطرة على صناعة القرار في مصر.
وقد تشهد مصر في الفترة القادمة فتحا لأبواب حوار وطني تفرضه دول الخليج على السيسي، وقد يخدم هذا الاتجاه ما نسمع عنه من أحكام البراءة التي يصدرها القضاء المصري حاليا بحق معارضي النظام.
نعم لا يرضينا سوى الإطاحة بهذا القاتل، وتغيير حقيقي في مصر، إلا أن لكل دولة حساباتها، وبالرغم من أن كثيرا من قوى المعارضة لن تتنازل عن إسقاط ذلك النظام، لكنهم يتفهمون جيدا الحسابات الدولية، خاصة وأن السعودية لها أولويات لهذه المرحلة المتمثلة في وقف المد الإيراني، والذي يُحتّم تحقيق الاستقرار في دول منطقة العالم الإسلامي العربي دون تحديد صيغة معينة.
نأمل في أن تشهد الأيام المقبلة، مواقف حازمة أخرى للدول العربية والإسلامية تجاه العربدة الإيرانية، على غرار ما فعلته السعودية والبحرين والسودان، أو على الأقل اتخاذ موقف مشابه لموقف الإمارات، بهدف تطويق إيران، وكفّها عن العبث في المنطقة.
ومهما ذهبت التخرّصات، وحيثما اتجهت التكهّنات، فسيبقى السيف دائما، أصدق أنباءً من الكتبِ.
وحفظ الله بلاد المسلمين وشرفاء الأُمّة ..
المصدر : شؤون خليجية
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).