نظرة الإثنى عشرية إلى الزيدية
رغم أن الزيدية تشكل إحدى فرق الشيعة، شأن الإثنى عشرية والشيخية والإسماعيلية، إلاّ أن الزيدية كان لها نصيب وافر من كره وحقد الإمامية والإفتاء بكفرهم، واعتبارهم نواصب [2]، ذلك أن الشيعة يؤمنون بكفر كل من لا يؤمن بالأئمة الاثنى عشر.
وروى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314 عن عبد الله ببن المغيرة، قال: " قلت لأبي الحسن علية السلام: إن لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي، ولا بد من معاشرتهم، فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا ".
ويقول أحد علمائهم, وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130: "إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب, وإنما الشيعة مذهب واحد, وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الاثنى عشر (ع), ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة, ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية, فهي أربعة مذاهب أولية, وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان: تشعبت منها مذاهب أخرى, والمذاهب الأربعة هي: الزيدية, الكيسانية, القداحية, الغلاة".
نظرة الزيدية إلى الاثنى عشرية:
في المقابل كان علماء الزيدية –إلا من شذّ منهم- يعرفون ضلال الشيعة الروافض ويحذرون منهم, ويتساوى في ذلك الاثنا عشرية والجارودية, وهم قسم من الزيدية عرفوا بالغلو والميل إلى الرفض والتشيع. وجاء عن الإمام زيد في رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف ما نصّه: "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني, وخرجوا من بيعتي, كما رفض أهل حرواء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه".
وسبب هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر حتى ينصروه ضد الجيش الأموي, فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة, وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا.
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول: "هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد" الأحكام في الحلال والحرام 1/454.
أما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ فقد رد عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين. وفنّد أساطيرهم, وربطهم بعبد الله بن سبأ, وغير ذلك.
ومن المعاصرين, يقول مجد الدين المؤيدي (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج زيد على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبر الشريف بضلالها".
أهم الشخصيات:
-الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
-الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298هـ), ويعود نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب, وولد في المدينة المنورة, وهو حفيد الإمام القاسم بن إبراهيم صاحب الطائفة "القاسمية" بالحجاز.
الانتشار:
تعتبر اليمن أهم مكان لوجود المذهب الزيدي, ويرتبط دخول الزيدية إلى اليمن بالإمام الهادي, الذي عكف على دراسة الفقه على مذهب زيد, ومذهب أبي حنيفة, ورحل إلى اليمن سنة 280هـ, فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية, لكن الإمام الهادي عاد بعد ذلك إلى الحجاز, ولم يكن قد دعا إلى إمامته في هذه الرحلة, وأحس أهل اليمن بالفراغ الذي تركه, فراسلوه ليرجع إليهم فأجابهم, وعاد إلى اليمن سنة 284هـ, واستقر في صعدة شمال اليمن, وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واستمر حكم الأئمة الزيديين لليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية, وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت استمرت أحد عشر قرناً من الزمان.
ورغم عدم وجود إحصاء رسمي دقيق عن نسبة الزيدية في اليمن إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 30-35% من سكان اليمن الموحد, حيث أن الزيديين يتركزون في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي مثل صنعاء وصعدة وحجة وذمار, بينما ينتشر السنة الشافعية في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل تعز وإب والحديدة ومأرب وعدن وحضرموت, بل الجنوب بأكمله, حيث أن ما كان يعرف باليمن الجنوبي سكانه سنة على مذهب الإمام الشافعي.
وكانت بعض المصادر تشير إلى أن نسبة الزيدية تشكل 45% من اليمن الشمالي, وباحتساب عدد السكان في الشمال والجنوب تكون نسبة 30-35% في اليمن الموحّد هي نسبة واقعية ومقبولة, مع ملاحظة أن الجنوب بالرغم من كبر مساحته هو أقل سكاناً من الشمال, وأن المحافظات السنيّة هي في الغالب أكثر سكاناً من المحافظات التي يكثر فيها الزيدية, خاصة محافظة تعز التي يصل عدد سكانها إلى حوالي مليوني نسمة من أصل 20 مليوناً أو أكثر قليلاً هم سكان اليمن شماله وجنوبه.
وبالإضافة إلى الوجود التاريخي للزيدية في اليمن, فإنه كان هناك دعوات زيدية في طبرستان والجبل والديلم, وأسست لهم دول لكنها لم تعمر طويلاً, ومنها حركة الحسن بن زيد بن محمد الملقب "الداعي إلى الحق" والذي ظهر سنة 250هـ في طبرستان, ثم احتل آمل وساري والري وجرجان وقومس هازماً بني طاهر ثم توفي سنة 270هـ, واستمرت تلك الدولة 95 عاماً (250-345هـ).
نشاط الزيدية في اليمن:
جدير بالقول أن الزيدية ظلت لسنوات طويلة زيدية صرفة يحارب أئمتها التشيع والرفض, إلا أن قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 شكل بارقة أمل لقادة العمل الزيدي في اليمن, خاصة وأن إيران مدّت يدها لهؤلاء في خطتها لتصدير الثورة ونشر التشيع في العالم ومنه اليمن.
وصارت الكثير من الهيئات والمؤسسات والمطبوعات الزيدية تنحى منحى إمامياً اثنى عشرياً, وللزيدية في اليمن الكثير من المؤسسات والأنشطة منها:
أولاً: الأنشطة التعليمية والدينية
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية, والترويج للفكر الإمامي.
2-إدارة عدد من المساجد والمراكز العلمية ومدارس تحفيظ القرآن, مثل الجامع الكبير, ودار العلوم العليا, ومركز بدر العلمي, ومركز ومسجد النهرين في صنعاء, ومركز الإمام القاسم بن محمد في مدينة عمران, ومركز الهادي في صعدة.
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية
1-طباعة الكتب والنشرات وتوزيعها بالمجان أحياناً مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوثي, أو "ثم اهتديت" للتيجاني.
2-إصدار بعض الصحف والمجلات خاصة في ظل أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية سنة 1990م ومنها صحيقة الشورى الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية, وصحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الحق, وحصيفة البلاغ التي يصدرها إبراهيم بن محمد الوزير.
3-الترويج لعدد من وسائل الإعلام الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل مجلة النور التي تصدرها مؤسسة الخوئي في لندن, ومجلة العالم التي تصدرها إيران.
ثالثاً: الأنشطة السياسية:
بادر الزيدية في اليمن إلى دخول المعترك السياسي بعد السماح بإنشاء الأحزاب سنة 1990م, ومن أحزابهم:
1-حزب الحق, ويرأسه أحمد محمد الشامي, وهو من علمائهم المعاصرين.
2-اتحاد القوى الشعبية, ويرأسه إبراهيم علي الوزير, وهذان الحزبان ليس لهما وزن يذكر على الساحة اليمنية.
رابعاً: الاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة الاحتفالات التي لم تكن مألوفة عند الزيدية في اليمن مثل:
إحياء ذكرى استشهاد الحسين, وإقامة المجالس الحسينية, وإحياء وفاة بعض الأئمة مثل جعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين, واتخاذ بعضهم جبلاً في مدينة صعدة أسموه (معاوية) يخرجون إليه في يوم عاشوراء ويطلقون عليه نيران أسلحتهم, والاحتفال بيوم الغدير.
خامساً: الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية
إنشاء "جمعية الإيمان الخيرية", ومما يجدر ذكره أن الجمهورية الإيرانية تقدم مساعدات مالية للشيعة في اليمن مثل تقديم المنح الدراسية للطلاب اليمنيين لدراسة العلوم الدينية في إيران, وإنشاء المركز الطبي الإيراني في صنعاء.
تاريخ العلويين في بلاد الأناضول
إبراهيم الداقوقي
مجلة النور السنة الخامسة عشر ـ العدد 163ـ
ربيع أول 1427هـ/ آذارـ نيسان 2006م
( هذا المبحث كاتبه معجب بالعلوية ! والمجلة الناشرة شيعية ! ولذلك لا يمكن اتهامهم بالوهابية أو السلفية ! ولأهمية بعض الحقائق التي أوردها الباحث عن حقيقة العلوية نشرنا هذا البحث ولقلة الكتابات عن العلوية في تركيا ، ونحن لا نوافق على كل ما ورد فيها ،وقد سبق للراصد التعريف بهم في العدد التاسع عشر . الراصد)
كنت مشاركا في ندوة (الحياة الفكرية في الولايات العربية في العهد العثماني في تونس العاصمة عام 1986 عندما قام الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي، عميد معهد الدراسات العثمانية في تونس، بتقديمي إلى البروفيسورة الروسية الدكتورة مليكوف المتخصصة في التركيات:
ـ أقدم إليك الدكتور إبراهيم الداقوقي، الذي قدّم رسالة دكتوراه عن أمير الشعر التركي (فضولي البغدادي) إلى كلية اللغات في جامعة أنقرة عام 1972، والحاصل على درجة الدكتوراه عن رسالته حول (حرية الإعلام) من كلية الحقوق بجامعة أنقرة عام 1975 ثم التفت الدكتور التميمي إلي قائلا:
ـ البروفيسورة مليكوف، من المعجبات بالجانب الصوفي ـ البكتاشي في الشعر التركي، وستهتم بالتأكيد بورقتك المعنونة (فضولي البغدادي والحياة الفكرية في العراق في القرن السادس عشر) التي ستقدمها في الندوة.
وبعد الترحيب بها، سألتها مباشرة:
ـ إذاً، أنت شيعية من أذربيجان؟
أجابت بابتسامة مشرقة:
ـ كلا. إنني مسيحية كاثوليكية.
ـ إذاً، ما هو سر العلاقة بين الكاثوليكية والبكتاشية التي تعد من طرق الشيعة التصوفية؟
ـ إن التسامح هو الذي يجمع بينهما، كما إنني لست شيعية وإنما علوية. أو بمعنى آخر: إنني من محبي الإمام علي بن أبي طالب ومن المعجبين به سيرة وسلوكا وفلسفة وأخلاقاً وإنسانية، ومن هنا تستطيع أن تقارن علاقتي بالعلوية بعلاقة المسيحي اللبناني جورج جرداق مؤلف أعظم كتاب عن الإمام علي، بالعلوية والعلويين.
تداعت إلي ذاكرتي نقاشاتي مع المرحوم رشيد علي، مختار قصبة داقوق وقارئ مقتل الطالبيين في ليالي عاشوراء باللغة التركمانية في التكية البكتاشية هناك والشارح الأكبر لديوان فضولي البغدادي (888 ـ 963هـ)، وتشجيعه لي لتحقيق ديوانه العربي المفقود الذي أصبح موضوع رسالتي للدكتوراه في كلية آداب أنقرة عام 1972 إضافة إلى الجلسات الفلسفية مع الشيوخ العلويين الأتراك في أنقرة واسطنبول لدى زياراتي لبيوت (الجمع)، وهي المنتديات البديلة عن الجوامع، التي أقامها العلويون في تركيا إثر إلغاء الزوايا والتكايا والمذاهب والطرق الصوفية في تركيا بعد إلغاء الخلافة. ثم علاقاتي الحميمة مع الشعراء والأدباء والإعلاميين والسياسيين العلويين في تركيا خلال مكوثي لأكثر من اثني عشر عاماً فيها، دبلوماسيا في البداية، ثم طالب دكتوراة، ثم أستاذاً في جامعاتها، وأخيراً باحثاً متخصصاً في الشؤون التركية ومترجما للعديد من المؤلفات التركية إلى اللغة العربية.
العلوية
تعني الفكرة العلوية اصطلاحاً: شيعة الإمام علي بن أبي طالب وسالك نهجه في الحياة بالالتزام بالحق والعدالة ومكارم الأخلاق مع احترام الآخر (الإنسان والحيوان والجماد) لأن الإنسان خليفة الله على الأرض وصورة من الإمام علي وفاطمة الزهراء ـ قطبا الإمامة الإثنا عشرية). إضافة إلى ضرورة المحافظة على الحيوان والجماد، باعتبارهما من مخلوقات الله. أما من حيث المضمون، فإن العلوية نظرية فلسفية ـ أخلاقية قائمة بذاتها، حتى أن الجامعات الألمانية بدأت بتدريسها منذ بداية العام الدراسي 2001ـ 2002 في كليات الإلهيات جميعها.
ومن هنا فإن الأمر الأساس الذي يؤكد عليه المثقفون الأتراك ـ وكان معظمهم من إخواننا الأكراد ـ في النقاشات حول العلوية والعلويين معهم، هو: "أن العلوية ليست ديانة ولا مذهبا دينيا إنما نظرة شمولية إلى الكون والإنسان والإله في إطار من التسامح، وبإيمان مطلق بالعدالة والحق، نظراً لالتزامها بالديموقراطية كمنهج وبحقوق الإنسان كممارسة بعيداً عن الاستبداد والإرهاب والديكتاتورية، ويغلفها التراث الشرقي بأديانه البدائية والسماوية، وطرقها الصوفية والابدالية.
ومن هنا فإننا نعد البكتاشية والمولوية وأهل الحق والبابائية ـ وليست البهائية ـ كلها اتجاهات متعددة في هذه النظرة الكلية الإنسانية للوجود التي يمتزج في إطارها العرب والأكراد والأتراك والعجم". ألم يردد الشاعر الشيخ جلال الدين الرومي، مؤسس الطريقة المولوية في مثنويته (ديوان شعره) باللغة الفارسية:
"تعالَ،
تعالَ لتكون معنا،
مَن تكن،
كافراً، وثنيا، أو مجوسيا.
تعالَ، وإن تكن قد تبتَ مائة مرّة، يكفي أن
نكون معاً.
لأن هذا المحفل لا يؤمن باليأس والقنوط".
ونظراً لتعدد الآراء حول العلوية ومذهبها وفلسفتها وأنماطها الصوفية، فإننا سنتناول العلوية بالدراسة ضمن المباحث الثلاثة التالية:
المبحث الأول ـ هوية العلويين
قال النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مرة "إن فيك لشبها من عيسى بن مريم" وفي مرة أخرى "لا يبغضك إلا منافق" وقال الرسول في مرة ثالثة، وقد شكا إليه بعض أصحابه شأنا من شؤون علي: "ما تريدون من علي؟ ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ عليّ منّي وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي".
إن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد على حقيقة ناصعة، هي "أن النبي كان يشعر بنوع من الإخاء لعلي بن أبي طالب، وإن عليا كان ممتلئا بهذا الإخاء. ثم إن النبي كان يوجه الأنظار إلى العظمة الإنسانية التي تتمثل في شخصية عليّ، وإلى أنه خير من يستطيع أن يتمم شروط الرسالة من بعده". ومن هنا فقد ولدت فكرة التشيع لعليّ، وتوطدت فكرة الشيعة بخلافه مع معاوية بن أبي سفيان وتوسعت وانتشرت بعد قتله على يد عبد الرحمن بن ملجم.
أما الفكرة العلوية، التي اعتمدت على فكرة التصوف بمؤثراتها الأجنبية، فقد ولدت أيام إمامة المهدي صاحب الزمان أواخر القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) نتيجة الخلاف بين طوائف الشيعة حول قضية "الباب" المعروفة في الفقه الشيعي، بعد أن كان الإسماعيليون قد انفصلوا عن الإمامية الإثني عشرية بسبب الاختلاف على الشخص الأجدر بتوليه الإمامة من أولاد الإمام جعفر الصادق: حيث اختارت المجموعة الثانية إسماعيل بن جعفر الصادق للإمامة، فأطلقت عليهم تسمية الإسماعيليين، أو السبعيين في الفقه الإسلامي، كمذهب من مذاهب الشيعة وإحدى طرق التصوف المعروفة في العالم الإسلامي.
غير أن بعض الباحثين الأتراك يعتقدون أن الفكرة العلوية قد وجدت في آسيا الوسطى، لاسيما في أوساط الشعراء المتصوفة الذين تغنوا بالعشق الإلهي وبالحق والعدالة وحب آل البيت، وقد عمل أولئك المتصوفة الأتراك الأوائل على مقاربة الإسلام مع عناصر تقاليدهم الاجتماعية لتسهيل قبوله واعتناقه من جهة ولترسيخ العقائد الإسلامية لدى الأتراك من جهة أخرى. ولذلك يقول الشاعر المتصوف الشيخ أحمد اليسوي، وهو من شعراء القرن الثاني عشر الميلادي، في ديوان الحكمة:
Seriatin sartlarini bilen Asik
Tarikatin manasini bilir Dostlar
Tarikatin islerini eda edip
Hakikatin Deryasina batar Dostlar
"إن العاشق الذي يعرف شروط الشريعة، يعرف ـ أيضا ـ أيها الأحبة، معنى الطريقة. وإن من يؤدي شعائر الطريقة، يخوض في بحر الحقيقة، أيها الأحباب". لأن العلوية تؤمن بأن الطريقة قرين الحقيقة والشريعة معاً".
ومن هنا أيضاً يعتقد بعض الفقهاء الإيرانيين والأتراك بأن العلوية قد تطورت وتكاملت منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة خراسان الإيرانية على أيدي لقمان بارندة ثم أحمد يسوي ويونس أمره ،الذي توفي العام 1321م في آسيا الوسطى، والحاج بكتاش ولي (1210ـ1270م) وهو من تلاميذ الشيخ أحمد اليسوي الذي دفعه للذهاب إلى النجف الأشرف لدراسة الفقه، والشاه إسماعيل الصفوي (1486 ـ 1524م)، وفضولي البغدادي في العراق.
وقد انتقل الحاج بكتاش ولي إلى بلاد الأناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشية العلوية، التي تناغمت مع الطريقة المولوية الصوفية لمؤسسها جلال الدين الرومي، ومع بابا الياس الذي كان قاضيا في مدينة قيصري العثمانية وشعراء الساز، (وهي آلة موسيقية وترية يستخدمها الشعراء الشعبيون، الذين يطلق عليهم أيضاً الشعراء العشّاق ومعظمهم من الشعراء العلويين) لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الإسلامي في الدولة العثمانية.
ولذلك فإن الفكرة العلوية تضم اليوم معظم الاتجاهات الصوفية في البلاد الإسلامية من أفغانستان شرقاً إلى المغرب الأقصى واتجاهاتها الفكرية المختلفة: اليسوية والبكتاشية والمولوية والقلندرية والقزلباشية والأبدالية العبدالية والصفوية والخلوتية والنصيرية والكاكائية والأخيّة الفتوّة والخشّابية وغيرها من الاتجاهات العلوية التي تؤطرها مبادئ التسامح والعلمانية والتقدمية الإنسانية، لأنها جميعا قالت بالحق والعدل وتخلّقت بأخلاق القرآن "لإيمانها بأن العلم لا يدرك بالعقل فقط وإنما بالعرفان أيضاً". غير أن أكبر وأعظم الفرق العلوية هي البكتاشية التركية، التي تفرعت منها معظم الفرق العلوية الأخرى. وكذلك الصفوية الإيرانية والنصيرية العربية المنتشرة في بلدان الهلال الخصيب.
الاتنوغرافي العلوية
يقطن العلويون اليوم في منطقة شاسعة من بقاع الشرق الأوسط، تمتد من أفغانستان إلى المغرب الأقصى مرروا بتركيا ومصر، وهي البقعة الجغرافية التي انتشر فيها أولاد وأحفاد الأئمة الحسن والحسين ولدي علي بن أبي طالب بعد القرن الثامن الميلادي، من العراق إلى خراسان والديلم وطبرستان وتركستان في الشرق وإلى سوريا ومصر وأقطار المغرب العربي، وتمركز معظمهم في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا وفي مدن ارزنجان وموش وبنغول وأراغلي واورفا وقونيا وأرضروم، ثم درسيم (توني إيلي) وأطرافها بشكل كثيف.
وإذا كانت العلوية العربية قد ولدت في مدرستي الكوفة والبصرة خلال القرن الثامن الميلادي، وانتشرت من خلال الأئمة العلويين في البلاد العربية وإيران وبلاد تركستان، فإن السلاجقة هم الذين حملوها إلى بلاد الأناضول.
وكان للمتصوف الشيخ بكتاش ولي، الذي جاء من خراسان إلى مدرسة الكوفة لدراسة الفقه، حيث مكث في المنطقة سنتين ثم سافر إلى بلاد الأناضول، دور كبير في نشر البكتاشية فيها، رغم أن البكتاشية ـ كطريقة صوفية ـ قد تكاملت بعد بكتاش ولي بقرن تقريبا. وقد التزم الشيخ بكتاش ولي في آماسيا، التي استقر فيها الشيخ العلوي بابا إسحاق الذي ثار مع أتباعه التركمان ضد السلاجقة العام 1240 الميلادي، غير أن السلاجقة قبضوا عليه وأعدموه فتولى بكتاش ولي رئاسة الجماعة البابائية ـ نسبة إلى بابا إسحاق ـ إلى أن توفى في مدينة صولوجا هويوك، حيث يحتفل بذكرى وفاته هناك خلال أغسطس ـ آب من كل عام.
وإذا كانت المصادر العلوية التركية تقدر نفوس العلويين ـ وحوالي 60 بالمائة منهم من الأكراد ـ بحوالي عشرين مليون نسمة، فإن المصادر الرسمية التركية تؤكد بأنهم لا يزيدون عن خمسة أو ستة ملايين فقط من مجموع سبعين مليون نسمة، وهم عدد سكان تركيا اليوم. وحوالي مليون نسمة منهم يعملون كعمال في البلدان الأوروبية منذ عام 1962 ويتركز معظمهم في ألمانيا حيث توجد لهم اليوم أربع جمعيات وعشرات رجال الأعمال والمتاجر وثلاثة نواب في البرلمان. ولهم في النمسا جمعيتان وعشرات المتاجر.
ويتميز العلويون بثلاث مزايا اتخذوها تقاليد متوارثة لا يحيدون عنها: إجراء ختان الأولاد في ذكرى ميلاد الإمام عليّ من كل عام، وإقامة احتفال كبير عند الزواج ـ عادة ـ في ذكرى ميلاد الإمام الحسين الشهيد، والاجتماع في بيوت (الجمع) لإجراء المقابلات في المناسبات ولقراءة الأنفاس البكتاشية والأشعار المولوية والخاصة بالشعراء العشّاق العلويين ومقتل الطالبيين ـ لاسيما أيام عاشوراء ـ وعقد الندوات الثقافية والتداول في أمور الجماعة بكل ديموقراطية وتسامح وعلمانية ظاهرة.
ومن هنا تتردد في الأوساط الاجتماعية التركية ثلاثة اتهامات ضد العلويين: بأنهم ملحدون وكفّار لعدم إيمانهم بشعائر الدين الإسلامي ولتمسكهم بالعلمانية، وبأنهم من غلاة الشيعة لأنهم يمارسون شعائر طريقتهم بصورة سرّية وبنوع من الإباحية، إضافة إلى اجتماع الرجال والنساء واختلاطهم في المناسبات والاحتفالات الخاصة بهم دون مراعاة للتقاليد الاجتماعية المعروفة في المجتمعات التي يعيشون بينها.
غير أن العلويين يردّون على هذه الاتهامات الثلاثة، بثلاث حجج دامغة، هي: لا علاقة للعلويين بالمذهب الشيعي ولا بالمذاهب الأخرى، لأنها نظرة جديدة للوجود والإنسان من خلال الالتزام بالعدالة والحق والإنصاف في إطار الإعجاب بالإمام علي بن أبي طالب ومحاولة السير على نهجه في الحياة والأخذ بمثله العليا الأخلاقية في المعاملات والعلاقة مع الآخر لاسيما وأن مؤسس العلوية في آسيا الوسطى، وهو الشيخ المتصوف الزاهد أحمد اليسوي الذي توفي العام 1176 هو فقيه سنّي. إضافة إلى أن الشيخ بابا الياس، الذي يعد من أوائل العلويين في بلاد الأناضول كان قاضيا سنيا في مدينة قيصري.
كما أن العثمانيين الذين تبنوا البكتاشية ـ وهي أصل العلوية التركية، رغم اختلافها عنها من بعض الوجوه ـ كانوا من السنّة الحنفية، في حين أن بين المذاهب العلوية التركية والكردية، العديد من الطرق الصوفية السنّية كالنقشبندية والكاكائية والخشّابية والبابائية وغيرها.
رغم أن الزيدية تشكل إحدى فرق الشيعة، شأن الإثنى عشرية والشيخية والإسماعيلية، إلاّ أن الزيدية كان لها نصيب وافر من كره وحقد الإمامية والإفتاء بكفرهم، واعتبارهم نواصب [2]، ذلك أن الشيعة يؤمنون بكفر كل من لا يؤمن بالأئمة الاثنى عشر.
وروى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314 عن عبد الله ببن المغيرة، قال: " قلت لأبي الحسن علية السلام: إن لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي، ولا بد من معاشرتهم، فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا ".
ويقول أحد علمائهم, وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130: "إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب, وإنما الشيعة مذهب واحد, وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الاثنى عشر (ع), ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة, ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية, فهي أربعة مذاهب أولية, وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان: تشعبت منها مذاهب أخرى, والمذاهب الأربعة هي: الزيدية, الكيسانية, القداحية, الغلاة".
نظرة الزيدية إلى الاثنى عشرية:
في المقابل كان علماء الزيدية –إلا من شذّ منهم- يعرفون ضلال الشيعة الروافض ويحذرون منهم, ويتساوى في ذلك الاثنا عشرية والجارودية, وهم قسم من الزيدية عرفوا بالغلو والميل إلى الرفض والتشيع. وجاء عن الإمام زيد في رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف ما نصّه: "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني, وخرجوا من بيعتي, كما رفض أهل حرواء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه".
وسبب هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر حتى ينصروه ضد الجيش الأموي, فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة, وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا.
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول: "هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد" الأحكام في الحلال والحرام 1/454.
أما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ فقد رد عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين. وفنّد أساطيرهم, وربطهم بعبد الله بن سبأ, وغير ذلك.
ومن المعاصرين, يقول مجد الدين المؤيدي (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج زيد على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبر الشريف بضلالها".
أهم الشخصيات:
-الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
-الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298هـ), ويعود نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب, وولد في المدينة المنورة, وهو حفيد الإمام القاسم بن إبراهيم صاحب الطائفة "القاسمية" بالحجاز.
الانتشار:
تعتبر اليمن أهم مكان لوجود المذهب الزيدي, ويرتبط دخول الزيدية إلى اليمن بالإمام الهادي, الذي عكف على دراسة الفقه على مذهب زيد, ومذهب أبي حنيفة, ورحل إلى اليمن سنة 280هـ, فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية, لكن الإمام الهادي عاد بعد ذلك إلى الحجاز, ولم يكن قد دعا إلى إمامته في هذه الرحلة, وأحس أهل اليمن بالفراغ الذي تركه, فراسلوه ليرجع إليهم فأجابهم, وعاد إلى اليمن سنة 284هـ, واستقر في صعدة شمال اليمن, وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واستمر حكم الأئمة الزيديين لليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية, وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت استمرت أحد عشر قرناً من الزمان.
ورغم عدم وجود إحصاء رسمي دقيق عن نسبة الزيدية في اليمن إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 30-35% من سكان اليمن الموحد, حيث أن الزيديين يتركزون في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي مثل صنعاء وصعدة وحجة وذمار, بينما ينتشر السنة الشافعية في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل تعز وإب والحديدة ومأرب وعدن وحضرموت, بل الجنوب بأكمله, حيث أن ما كان يعرف باليمن الجنوبي سكانه سنة على مذهب الإمام الشافعي.
وكانت بعض المصادر تشير إلى أن نسبة الزيدية تشكل 45% من اليمن الشمالي, وباحتساب عدد السكان في الشمال والجنوب تكون نسبة 30-35% في اليمن الموحّد هي نسبة واقعية ومقبولة, مع ملاحظة أن الجنوب بالرغم من كبر مساحته هو أقل سكاناً من الشمال, وأن المحافظات السنيّة هي في الغالب أكثر سكاناً من المحافظات التي يكثر فيها الزيدية, خاصة محافظة تعز التي يصل عدد سكانها إلى حوالي مليوني نسمة من أصل 20 مليوناً أو أكثر قليلاً هم سكان اليمن شماله وجنوبه.
وبالإضافة إلى الوجود التاريخي للزيدية في اليمن, فإنه كان هناك دعوات زيدية في طبرستان والجبل والديلم, وأسست لهم دول لكنها لم تعمر طويلاً, ومنها حركة الحسن بن زيد بن محمد الملقب "الداعي إلى الحق" والذي ظهر سنة 250هـ في طبرستان, ثم احتل آمل وساري والري وجرجان وقومس هازماً بني طاهر ثم توفي سنة 270هـ, واستمرت تلك الدولة 95 عاماً (250-345هـ).
نشاط الزيدية في اليمن:
جدير بالقول أن الزيدية ظلت لسنوات طويلة زيدية صرفة يحارب أئمتها التشيع والرفض, إلا أن قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 شكل بارقة أمل لقادة العمل الزيدي في اليمن, خاصة وأن إيران مدّت يدها لهؤلاء في خطتها لتصدير الثورة ونشر التشيع في العالم ومنه اليمن.
وصارت الكثير من الهيئات والمؤسسات والمطبوعات الزيدية تنحى منحى إمامياً اثنى عشرياً, وللزيدية في اليمن الكثير من المؤسسات والأنشطة منها:
أولاً: الأنشطة التعليمية والدينية
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية, والترويج للفكر الإمامي.
2-إدارة عدد من المساجد والمراكز العلمية ومدارس تحفيظ القرآن, مثل الجامع الكبير, ودار العلوم العليا, ومركز بدر العلمي, ومركز ومسجد النهرين في صنعاء, ومركز الإمام القاسم بن محمد في مدينة عمران, ومركز الهادي في صعدة.
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية
1-طباعة الكتب والنشرات وتوزيعها بالمجان أحياناً مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوثي, أو "ثم اهتديت" للتيجاني.
2-إصدار بعض الصحف والمجلات خاصة في ظل أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية سنة 1990م ومنها صحيقة الشورى الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية, وصحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الحق, وحصيفة البلاغ التي يصدرها إبراهيم بن محمد الوزير.
3-الترويج لعدد من وسائل الإعلام الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل مجلة النور التي تصدرها مؤسسة الخوئي في لندن, ومجلة العالم التي تصدرها إيران.
ثالثاً: الأنشطة السياسية:
بادر الزيدية في اليمن إلى دخول المعترك السياسي بعد السماح بإنشاء الأحزاب سنة 1990م, ومن أحزابهم:
1-حزب الحق, ويرأسه أحمد محمد الشامي, وهو من علمائهم المعاصرين.
2-اتحاد القوى الشعبية, ويرأسه إبراهيم علي الوزير, وهذان الحزبان ليس لهما وزن يذكر على الساحة اليمنية.
رابعاً: الاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة الاحتفالات التي لم تكن مألوفة عند الزيدية في اليمن مثل:
إحياء ذكرى استشهاد الحسين, وإقامة المجالس الحسينية, وإحياء وفاة بعض الأئمة مثل جعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين, واتخاذ بعضهم جبلاً في مدينة صعدة أسموه (معاوية) يخرجون إليه في يوم عاشوراء ويطلقون عليه نيران أسلحتهم, والاحتفال بيوم الغدير.
خامساً: الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية
إنشاء "جمعية الإيمان الخيرية", ومما يجدر ذكره أن الجمهورية الإيرانية تقدم مساعدات مالية للشيعة في اليمن مثل تقديم المنح الدراسية للطلاب اليمنيين لدراسة العلوم الدينية في إيران, وإنشاء المركز الطبي الإيراني في صنعاء.
تاريخ العلويين في بلاد الأناضول
إبراهيم الداقوقي
مجلة النور السنة الخامسة عشر ـ العدد 163ـ
ربيع أول 1427هـ/ آذارـ نيسان 2006م
( هذا المبحث كاتبه معجب بالعلوية ! والمجلة الناشرة شيعية ! ولذلك لا يمكن اتهامهم بالوهابية أو السلفية ! ولأهمية بعض الحقائق التي أوردها الباحث عن حقيقة العلوية نشرنا هذا البحث ولقلة الكتابات عن العلوية في تركيا ، ونحن لا نوافق على كل ما ورد فيها ،وقد سبق للراصد التعريف بهم في العدد التاسع عشر . الراصد)
كنت مشاركا في ندوة (الحياة الفكرية في الولايات العربية في العهد العثماني في تونس العاصمة عام 1986 عندما قام الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي، عميد معهد الدراسات العثمانية في تونس، بتقديمي إلى البروفيسورة الروسية الدكتورة مليكوف المتخصصة في التركيات:
ـ أقدم إليك الدكتور إبراهيم الداقوقي، الذي قدّم رسالة دكتوراه عن أمير الشعر التركي (فضولي البغدادي) إلى كلية اللغات في جامعة أنقرة عام 1972، والحاصل على درجة الدكتوراه عن رسالته حول (حرية الإعلام) من كلية الحقوق بجامعة أنقرة عام 1975 ثم التفت الدكتور التميمي إلي قائلا:
ـ البروفيسورة مليكوف، من المعجبات بالجانب الصوفي ـ البكتاشي في الشعر التركي، وستهتم بالتأكيد بورقتك المعنونة (فضولي البغدادي والحياة الفكرية في العراق في القرن السادس عشر) التي ستقدمها في الندوة.
وبعد الترحيب بها، سألتها مباشرة:
ـ إذاً، أنت شيعية من أذربيجان؟
أجابت بابتسامة مشرقة:
ـ كلا. إنني مسيحية كاثوليكية.
ـ إذاً، ما هو سر العلاقة بين الكاثوليكية والبكتاشية التي تعد من طرق الشيعة التصوفية؟
ـ إن التسامح هو الذي يجمع بينهما، كما إنني لست شيعية وإنما علوية. أو بمعنى آخر: إنني من محبي الإمام علي بن أبي طالب ومن المعجبين به سيرة وسلوكا وفلسفة وأخلاقاً وإنسانية، ومن هنا تستطيع أن تقارن علاقتي بالعلوية بعلاقة المسيحي اللبناني جورج جرداق مؤلف أعظم كتاب عن الإمام علي، بالعلوية والعلويين.
تداعت إلي ذاكرتي نقاشاتي مع المرحوم رشيد علي، مختار قصبة داقوق وقارئ مقتل الطالبيين في ليالي عاشوراء باللغة التركمانية في التكية البكتاشية هناك والشارح الأكبر لديوان فضولي البغدادي (888 ـ 963هـ)، وتشجيعه لي لتحقيق ديوانه العربي المفقود الذي أصبح موضوع رسالتي للدكتوراه في كلية آداب أنقرة عام 1972 إضافة إلى الجلسات الفلسفية مع الشيوخ العلويين الأتراك في أنقرة واسطنبول لدى زياراتي لبيوت (الجمع)، وهي المنتديات البديلة عن الجوامع، التي أقامها العلويون في تركيا إثر إلغاء الزوايا والتكايا والمذاهب والطرق الصوفية في تركيا بعد إلغاء الخلافة. ثم علاقاتي الحميمة مع الشعراء والأدباء والإعلاميين والسياسيين العلويين في تركيا خلال مكوثي لأكثر من اثني عشر عاماً فيها، دبلوماسيا في البداية، ثم طالب دكتوراة، ثم أستاذاً في جامعاتها، وأخيراً باحثاً متخصصاً في الشؤون التركية ومترجما للعديد من المؤلفات التركية إلى اللغة العربية.
العلوية
تعني الفكرة العلوية اصطلاحاً: شيعة الإمام علي بن أبي طالب وسالك نهجه في الحياة بالالتزام بالحق والعدالة ومكارم الأخلاق مع احترام الآخر (الإنسان والحيوان والجماد) لأن الإنسان خليفة الله على الأرض وصورة من الإمام علي وفاطمة الزهراء ـ قطبا الإمامة الإثنا عشرية). إضافة إلى ضرورة المحافظة على الحيوان والجماد، باعتبارهما من مخلوقات الله. أما من حيث المضمون، فإن العلوية نظرية فلسفية ـ أخلاقية قائمة بذاتها، حتى أن الجامعات الألمانية بدأت بتدريسها منذ بداية العام الدراسي 2001ـ 2002 في كليات الإلهيات جميعها.
ومن هنا فإن الأمر الأساس الذي يؤكد عليه المثقفون الأتراك ـ وكان معظمهم من إخواننا الأكراد ـ في النقاشات حول العلوية والعلويين معهم، هو: "أن العلوية ليست ديانة ولا مذهبا دينيا إنما نظرة شمولية إلى الكون والإنسان والإله في إطار من التسامح، وبإيمان مطلق بالعدالة والحق، نظراً لالتزامها بالديموقراطية كمنهج وبحقوق الإنسان كممارسة بعيداً عن الاستبداد والإرهاب والديكتاتورية، ويغلفها التراث الشرقي بأديانه البدائية والسماوية، وطرقها الصوفية والابدالية.
ومن هنا فإننا نعد البكتاشية والمولوية وأهل الحق والبابائية ـ وليست البهائية ـ كلها اتجاهات متعددة في هذه النظرة الكلية الإنسانية للوجود التي يمتزج في إطارها العرب والأكراد والأتراك والعجم". ألم يردد الشاعر الشيخ جلال الدين الرومي، مؤسس الطريقة المولوية في مثنويته (ديوان شعره) باللغة الفارسية:
"تعالَ،
تعالَ لتكون معنا،
مَن تكن،
كافراً، وثنيا، أو مجوسيا.
تعالَ، وإن تكن قد تبتَ مائة مرّة، يكفي أن
نكون معاً.
لأن هذا المحفل لا يؤمن باليأس والقنوط".
ونظراً لتعدد الآراء حول العلوية ومذهبها وفلسفتها وأنماطها الصوفية، فإننا سنتناول العلوية بالدراسة ضمن المباحث الثلاثة التالية:
المبحث الأول ـ هوية العلويين
قال النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مرة "إن فيك لشبها من عيسى بن مريم" وفي مرة أخرى "لا يبغضك إلا منافق" وقال الرسول في مرة ثالثة، وقد شكا إليه بعض أصحابه شأنا من شؤون علي: "ما تريدون من علي؟ ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ عليّ منّي وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي".
إن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد على حقيقة ناصعة، هي "أن النبي كان يشعر بنوع من الإخاء لعلي بن أبي طالب، وإن عليا كان ممتلئا بهذا الإخاء. ثم إن النبي كان يوجه الأنظار إلى العظمة الإنسانية التي تتمثل في شخصية عليّ، وإلى أنه خير من يستطيع أن يتمم شروط الرسالة من بعده". ومن هنا فقد ولدت فكرة التشيع لعليّ، وتوطدت فكرة الشيعة بخلافه مع معاوية بن أبي سفيان وتوسعت وانتشرت بعد قتله على يد عبد الرحمن بن ملجم.
أما الفكرة العلوية، التي اعتمدت على فكرة التصوف بمؤثراتها الأجنبية، فقد ولدت أيام إمامة المهدي صاحب الزمان أواخر القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) نتيجة الخلاف بين طوائف الشيعة حول قضية "الباب" المعروفة في الفقه الشيعي، بعد أن كان الإسماعيليون قد انفصلوا عن الإمامية الإثني عشرية بسبب الاختلاف على الشخص الأجدر بتوليه الإمامة من أولاد الإمام جعفر الصادق: حيث اختارت المجموعة الثانية إسماعيل بن جعفر الصادق للإمامة، فأطلقت عليهم تسمية الإسماعيليين، أو السبعيين في الفقه الإسلامي، كمذهب من مذاهب الشيعة وإحدى طرق التصوف المعروفة في العالم الإسلامي.
غير أن بعض الباحثين الأتراك يعتقدون أن الفكرة العلوية قد وجدت في آسيا الوسطى، لاسيما في أوساط الشعراء المتصوفة الذين تغنوا بالعشق الإلهي وبالحق والعدالة وحب آل البيت، وقد عمل أولئك المتصوفة الأتراك الأوائل على مقاربة الإسلام مع عناصر تقاليدهم الاجتماعية لتسهيل قبوله واعتناقه من جهة ولترسيخ العقائد الإسلامية لدى الأتراك من جهة أخرى. ولذلك يقول الشاعر المتصوف الشيخ أحمد اليسوي، وهو من شعراء القرن الثاني عشر الميلادي، في ديوان الحكمة:
Seriatin sartlarini bilen Asik
Tarikatin manasini bilir Dostlar
Tarikatin islerini eda edip
Hakikatin Deryasina batar Dostlar
"إن العاشق الذي يعرف شروط الشريعة، يعرف ـ أيضا ـ أيها الأحبة، معنى الطريقة. وإن من يؤدي شعائر الطريقة، يخوض في بحر الحقيقة، أيها الأحباب". لأن العلوية تؤمن بأن الطريقة قرين الحقيقة والشريعة معاً".
ومن هنا أيضاً يعتقد بعض الفقهاء الإيرانيين والأتراك بأن العلوية قد تطورت وتكاملت منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة خراسان الإيرانية على أيدي لقمان بارندة ثم أحمد يسوي ويونس أمره ،الذي توفي العام 1321م في آسيا الوسطى، والحاج بكتاش ولي (1210ـ1270م) وهو من تلاميذ الشيخ أحمد اليسوي الذي دفعه للذهاب إلى النجف الأشرف لدراسة الفقه، والشاه إسماعيل الصفوي (1486 ـ 1524م)، وفضولي البغدادي في العراق.
وقد انتقل الحاج بكتاش ولي إلى بلاد الأناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشية العلوية، التي تناغمت مع الطريقة المولوية الصوفية لمؤسسها جلال الدين الرومي، ومع بابا الياس الذي كان قاضيا في مدينة قيصري العثمانية وشعراء الساز، (وهي آلة موسيقية وترية يستخدمها الشعراء الشعبيون، الذين يطلق عليهم أيضاً الشعراء العشّاق ومعظمهم من الشعراء العلويين) لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الإسلامي في الدولة العثمانية.
ولذلك فإن الفكرة العلوية تضم اليوم معظم الاتجاهات الصوفية في البلاد الإسلامية من أفغانستان شرقاً إلى المغرب الأقصى واتجاهاتها الفكرية المختلفة: اليسوية والبكتاشية والمولوية والقلندرية والقزلباشية والأبدالية العبدالية والصفوية والخلوتية والنصيرية والكاكائية والأخيّة الفتوّة والخشّابية وغيرها من الاتجاهات العلوية التي تؤطرها مبادئ التسامح والعلمانية والتقدمية الإنسانية، لأنها جميعا قالت بالحق والعدل وتخلّقت بأخلاق القرآن "لإيمانها بأن العلم لا يدرك بالعقل فقط وإنما بالعرفان أيضاً". غير أن أكبر وأعظم الفرق العلوية هي البكتاشية التركية، التي تفرعت منها معظم الفرق العلوية الأخرى. وكذلك الصفوية الإيرانية والنصيرية العربية المنتشرة في بلدان الهلال الخصيب.
الاتنوغرافي العلوية
يقطن العلويون اليوم في منطقة شاسعة من بقاع الشرق الأوسط، تمتد من أفغانستان إلى المغرب الأقصى مرروا بتركيا ومصر، وهي البقعة الجغرافية التي انتشر فيها أولاد وأحفاد الأئمة الحسن والحسين ولدي علي بن أبي طالب بعد القرن الثامن الميلادي، من العراق إلى خراسان والديلم وطبرستان وتركستان في الشرق وإلى سوريا ومصر وأقطار المغرب العربي، وتمركز معظمهم في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا وفي مدن ارزنجان وموش وبنغول وأراغلي واورفا وقونيا وأرضروم، ثم درسيم (توني إيلي) وأطرافها بشكل كثيف.
وإذا كانت العلوية العربية قد ولدت في مدرستي الكوفة والبصرة خلال القرن الثامن الميلادي، وانتشرت من خلال الأئمة العلويين في البلاد العربية وإيران وبلاد تركستان، فإن السلاجقة هم الذين حملوها إلى بلاد الأناضول.
وكان للمتصوف الشيخ بكتاش ولي، الذي جاء من خراسان إلى مدرسة الكوفة لدراسة الفقه، حيث مكث في المنطقة سنتين ثم سافر إلى بلاد الأناضول، دور كبير في نشر البكتاشية فيها، رغم أن البكتاشية ـ كطريقة صوفية ـ قد تكاملت بعد بكتاش ولي بقرن تقريبا. وقد التزم الشيخ بكتاش ولي في آماسيا، التي استقر فيها الشيخ العلوي بابا إسحاق الذي ثار مع أتباعه التركمان ضد السلاجقة العام 1240 الميلادي، غير أن السلاجقة قبضوا عليه وأعدموه فتولى بكتاش ولي رئاسة الجماعة البابائية ـ نسبة إلى بابا إسحاق ـ إلى أن توفى في مدينة صولوجا هويوك، حيث يحتفل بذكرى وفاته هناك خلال أغسطس ـ آب من كل عام.
وإذا كانت المصادر العلوية التركية تقدر نفوس العلويين ـ وحوالي 60 بالمائة منهم من الأكراد ـ بحوالي عشرين مليون نسمة، فإن المصادر الرسمية التركية تؤكد بأنهم لا يزيدون عن خمسة أو ستة ملايين فقط من مجموع سبعين مليون نسمة، وهم عدد سكان تركيا اليوم. وحوالي مليون نسمة منهم يعملون كعمال في البلدان الأوروبية منذ عام 1962 ويتركز معظمهم في ألمانيا حيث توجد لهم اليوم أربع جمعيات وعشرات رجال الأعمال والمتاجر وثلاثة نواب في البرلمان. ولهم في النمسا جمعيتان وعشرات المتاجر.
ويتميز العلويون بثلاث مزايا اتخذوها تقاليد متوارثة لا يحيدون عنها: إجراء ختان الأولاد في ذكرى ميلاد الإمام عليّ من كل عام، وإقامة احتفال كبير عند الزواج ـ عادة ـ في ذكرى ميلاد الإمام الحسين الشهيد، والاجتماع في بيوت (الجمع) لإجراء المقابلات في المناسبات ولقراءة الأنفاس البكتاشية والأشعار المولوية والخاصة بالشعراء العشّاق العلويين ومقتل الطالبيين ـ لاسيما أيام عاشوراء ـ وعقد الندوات الثقافية والتداول في أمور الجماعة بكل ديموقراطية وتسامح وعلمانية ظاهرة.
ومن هنا تتردد في الأوساط الاجتماعية التركية ثلاثة اتهامات ضد العلويين: بأنهم ملحدون وكفّار لعدم إيمانهم بشعائر الدين الإسلامي ولتمسكهم بالعلمانية، وبأنهم من غلاة الشيعة لأنهم يمارسون شعائر طريقتهم بصورة سرّية وبنوع من الإباحية، إضافة إلى اجتماع الرجال والنساء واختلاطهم في المناسبات والاحتفالات الخاصة بهم دون مراعاة للتقاليد الاجتماعية المعروفة في المجتمعات التي يعيشون بينها.
غير أن العلويين يردّون على هذه الاتهامات الثلاثة، بثلاث حجج دامغة، هي: لا علاقة للعلويين بالمذهب الشيعي ولا بالمذاهب الأخرى، لأنها نظرة جديدة للوجود والإنسان من خلال الالتزام بالعدالة والحق والإنصاف في إطار الإعجاب بالإمام علي بن أبي طالب ومحاولة السير على نهجه في الحياة والأخذ بمثله العليا الأخلاقية في المعاملات والعلاقة مع الآخر لاسيما وأن مؤسس العلوية في آسيا الوسطى، وهو الشيخ المتصوف الزاهد أحمد اليسوي الذي توفي العام 1176 هو فقيه سنّي. إضافة إلى أن الشيخ بابا الياس، الذي يعد من أوائل العلويين في بلاد الأناضول كان قاضيا سنيا في مدينة قيصري.
كما أن العثمانيين الذين تبنوا البكتاشية ـ وهي أصل العلوية التركية، رغم اختلافها عنها من بعض الوجوه ـ كانوا من السنّة الحنفية، في حين أن بين المذاهب العلوية التركية والكردية، العديد من الطرق الصوفية السنّية كالنقشبندية والكاكائية والخشّابية والبابائية وغيرها.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).