0
قال الرسول الكريم في حقها: “كمل من الرجال كثير، وكمل من النساء أربع: آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد بن عبد الله”

هي خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، حبيبة رسول الله وزوجه التي منها رزق الولد ورفيقة جهاده وكفاحه من أجل إعلاء كلمة الله وتبليغ رسالته. كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفياً لها يذكرها بالخير ويثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها حتى قالت عائشة ـ رضي الله عنها: ” ما غِرْت من امرأة ما غِرْت من خديجة من كثرة ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين” البخاري.

أقرأها جبريل السلام من ربها وبشرها ببيتها في الجنة حيث قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم: “هذه خديجة أقرئها السلام من ربها، وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نَصَب” (البخاري). من قصب تعني من لؤلؤ مجوف واسع كالقصر، لا نصب تعني لا تعب فيه، و لا صخب أي لا ارتفاع أصوات،وما أروعها من بشرى

خديجة بنت خويلد بن أسد، تجتمع مع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في جده قصي بن كــلاب تزوجت في الجاهلية أي قبل مجيء الإسلام مرتين ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وظلت وفيه له كل الوفاء كما ظل هو وفياً لها حتى توفيت في السنة العاشرة من البعثة ، وقد أنجبت له أولاده “عبد الله والقاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة ما عدا إبراهيم. وحزن عليها حزناً شديداً وكانت أول من آمن به و لذلك فهي أفضل أمهات المؤمنين وأفضل نساء أهل الجنة.

كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتعطي لهم من الأجر نظير قيامهم بمهام التجارة لها. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من بين هؤلاء الرجال، حيث خرج إلى الشام في تجارة لخديجة “رضي الله عنها” -وكان يبلغ من العمر حينئذ خمسة وعشرين عاماً- مع غلامها ميسرة، حيث ربحت رحلتهما أضعاف ما كانا يربحان، وعادا إلي مكّة فسرّت بذلك، ووقعت في نفسها محبّة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدّثت نفسها بالزواج منه.

أما صديقتها نفيسة بنت منية فكانت الأقرب لها تحدثها بأسرارها وترتاح لها، فقالت عنها:(كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة، قوية، شريفة و أنعم الله عليها بالكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبًا، وأعظمهم شرفـًا، وأكثرهم مالاً، وأحسنهم جمالاً وكانت تدعى في الجاهلية “بالطاهرة”، قد طلبها جُلّ رجال قومها، وذكروا لها الأموال، فلم تقبل فأرسلتني خفية إلي محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به!! قلت: فإن كُفيت ذلك، ودعيت إلى المال، والجمال، والشرف، والكفاية، ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟! قلت: خديجة بنت خويلد! قال: وكيف لي بذلك يا نفيسة؟ وأنا يتيم قريش، وهي أيم قريش ذات الجاه العظيم والثروة الواسعة. فقالت نفيسة: قل بلى وأنا أفعل.

وكان لصديقة خديجة الدور الأكبر في زواج رائع مظلل ببركة الله ليكون لهذه الزيجة أثر بالغ في الدعوة إلى الله ذلك كان زواج النبي من خديجة رضي الله عنها،

فقد اختار الله سبحانه وتعالى لنبيه ـصلى الله عليه وسلم ـ زوجة تناسبه وتؤازره، وتـُخفف عنه ما يصيبه، وتعينه على حمل تكاليف الرسالة، وتعيش همومه، فقد كانت ـ رضي الله عنها ـ طوال حياتها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثالاً طيباً للزوجة الصالحة، التي تعين زوجها على أعبائه.

وعندما نتعرض لسيرة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وقصة زواجها من رسولنا الكريم نجد كنوزًا من المبادئ والقيم التي نستطيع أن نستفيد منها لتكون قدوتنا و دليلنا في حياتنا، فلنتأمل معًا ما كانت تتحلى به خديجة من “الحياء والخجل” عندما تمنت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجًا لها فمنعها حياؤها من التصريح أو حتى التلميح له بمشاعرها بل أوحت إلى صديقة لها لتقوم بهذه المهمة فأم المؤمنين خديجة كانت ذات أصل راق ونسب شريف ترسخت في فكرها قاعدة هامة وهي أن الحرة تـُطلب ولا تـَطلب ولذلك ساعدتها صديقتها في تحقيق حلمها بدون أن تمس كرامتها بشيء، وهنا تظهر لنا قيمة أخرى كانت تهتم بها تلك الشريفة الطاهرة وهي قيمة “الصداقة” فهي لم تصرح بمشاعرها إلا لمن كانت تربطها بها علاقة قوية قائمة على الاطمئنان والاحترام فلن تبوح سيدة شريفة مثلها بأسرار نفسها إلا لمن تثق بها وهكذا نستطيع نحن أن نتخذها في ذلك قدوة لنا.

كذلك عندما نحلل شخصية أم المؤمنين خديجة نجدها شخصية قوية وذكية فقد اختارت زوجها بنفسها عندما لمست فيه أخلاقـًا رائعة لم تجدها في نـُظرائه و كانت خديجة رضي الله عنها تعمل بالتجارة فهي ناجحة وطموحة وبمقاييس عصرنا فهي سيدة أعمال من الطراز الأول وهنا نلقي ضوءً على من يريدون تحييد المرأة وتهميش دورها بناءً على حجج واهية فالمرأة تستطيع أداء دورها كاملا في المجتمع فهاهي أم المؤمنين خديجة تنجح في تجارتها وتصون نفسها في الوقت ذاته ويكون طموحها سببًا في ثرائها الذي أصبح أكبر دعم لرسالة زوجها ودعوته إلى الله.

نقطة أخرى نستفيد منها في قصة زواج خديجة رضي الله عنها من رسولنا الكريم ألا وهي معايير اختيارها له، فقد اختارته عندما أعجبتها أخلاقه، غاضة الطرف تماما عن فقره مقارنة بثرائها وهنا نلفت نظر فتياتنا إلى خطأ معايير اختيار الزوج المبنية فقط على الماديات والإمكانيات المالية، فالأهم في تقييم الزوج هو الأخلاق والدين والاكتفاء فقط بالإمكانات المادية لتقييم الزوج قد يأتي بنتائج وخيمة، كذلك نلاحظ من شخصية أمنا خديجة رضي الله عنها ما كانت تـُكنـُه لزوجها من حب ظهر أثره فيما قدمته له من عون وتدعيم من مالها وجهدها بإخلاص وعزيمة وهذا هو ما يجب أن تكون عليه كل الزوجات مع أزواجهن حتى يظللهم الله ببركته في تلك الزيجة الرائعة نرى صفات توافرت في خديجة جعلت منها الحبيبة والزوجة ذات المكانة العالية في قلب الرسول ومهدت لدور رائع قامت به بعد نزول الوحي في لقاءاتنا القادمة سنتناول تلك السيرة العطرة لخديجة بنت خويلد عسى أن يكون اقتداؤنا بها سبباً في أن يجمعنا الله بها يومًا ما في جنته مع الخيرات الحسان.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top