السؤال هل يعتبر الشيعة في حكم الكُفَّار؟ وهل ندعو الله تعالى أن ينصر الكفار عليهم؟
الإجابة
الكفر حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله، فما دل الكتاب والسنة على أنه كفر
فهو كفر، وما دل الكتاب والسنة على أنه ليس بكفر فليس بكفر، فليس على أحدٍ
بل ولا له أن يكفر أحداً حتى يقوم الدليل من الكتاب والسنة على كفره.
وإذا
كان من المعلوم أنه لا يملك أحد أن يحلل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل
الله، أو يوجب ما لم يوجبه الله تعالى إما في الكتاب أو السنة، فلا يملك
أحد أن يكفر من لم يكفره الله إما في الكتاب وإما في السنة.
ولا بد في التكفير من شروط أربعة:
الأول ثبوت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب أو السنة.
الثاني ثبوت قيامه بالمكلف.
الثالث بلوغ الحجة.
الرابع انتفاء مانع التكفير في حقه.
فإذا
لم يثبت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب
والسنة، فإنه لا يحل لأحد أن يحكم بأنه كفر، لأن ذلك من القول على الله بلا
علم، وقد قال الله تعالى: {قل
إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن
تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وقال: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}.
وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف فإنه لا يحل أن يرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} الآية، ولأنه يؤدي إلى استحلال دم المعصوم بلا حق.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما»؛ إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه [هذا لفظ مسلم]، وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» [أخرجه البخاري ولمسلم معناه].
وإذا
لم تبلغه الحجة فإنه لا يُحكم بكفره لقوله تعالى {وأوحي إليّ هذا القرآن
لأنذركم به ومن بلغ}، وقوله تعالى {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في
أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون}،
وقوله تعالى {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} إلى
قوله {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان
الله عزيزاً حكيماً}، وقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «والذي
نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة- يهودي ولا
نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
لكن
إن كان مَن لم تبلغه الحجة لا يدين بدين الإسلام، فإنه لا يعامل في الدنيا
معاملة المسلم، وأما في الآخرة فأصح الأقوال فيه أن أمره إلى الله تعالى.
وإذا
تمت هذه الشروط الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول، أو الفعل أو الترك كفر
بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة
ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا يكفر لوجود المانع.
فمن موانع التكفير:
الإكراه فإذا أُكره على الكفر فكفر وكان قلبه مطمئناً بالإيمان لم يحكم بكفره، لوجود المانع وهو الإكراه، قال الله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح الكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
ومن موانع التكفير:
أن
يُغلقَ على المرء قصده فلا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو خوف، أو غير
ذلك لقوله تعالى {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم
وكان الله غفوراً رحيماً}، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله
أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة
فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد
أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ خطامها ثم قال
من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح»، فهذا
الرجل أخطأ من شدة الفرح خطأ يخرج به عن الإسلام لكن منع من خروجه منه أنه
أغلق عليه قصده فلم يدرِ ما يقول من شدة الفرح، فقد قصد الثناء على ربه
لكنه من شدة الفرح أتى بكلمة لو قصدها لكفر.
فالواجب الحذر من إطلاق الكفر على طائفة أو شخص معين حتى يعلم تحقق شروط التكفير في حقه وانتفاء موانعه.
إذا
تبين ذلك فإن الشيعة فرقٌ شتى، ذكر السفاريني في شرح عقيدته أنهم اثنتان
وعشرون فرقة، وعلى هذا يختلف الحكم فيهم بحسب بعدهم من السنة، فكل من كان
عن السنة أبعد كان إلى الضلال أقرب.
ومن
فرقهم الرافضة الذين تشيعوا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء
الراشدين رضي الله عنهم جميعاً تشيعاً مفرطاً في الغلو لا يرضاه علي بن أبي
طالب ولا غيره من أئمة الهدى، كما جفوا غيره من الخلفاء جفاء مفرطاً
ولاسيما الخليفتان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد قالوا فيهما شيئاً لم
يقله فيهما أحد من فرق الأمة.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 3356 من مجموع ابن قاسم
وأصل قول الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على علي -يعني في
الخلافة- نصاً قاطعاً للعذر، وأنه إمام معصوم، ومن خالفه كفر، وأن
المهاجرين والأنصار كتموا النص، وكفروا بالإمام المعصوم، واتبعوا أهواءهم،
وبدلوا الدين، وغيروا الشريعة، وظلموا واعتدوا، بل كفرواً إلا نفراً قليلاً
إما بضعة عشره، أو أكثر، ثم يقولون إن أبا بكر وعمر ونحوهما مازالوا
منافقين، وقد يقولون بل آمنوا ثم كفروا، وأكثرهم يكفر من خالف قولهم ويسمون
أنفسهم المؤمنين، ومن خالفهم كفاراً ومنهم ظهرت أمهات الزندقة والنفاق
كزندقة القرامطة والباطنية وأمثالهم .أ.هـ، وانظر قوله فيهم أيضاً في
المجموع المذكور4428ـ 429.
وقال
في كتابه القيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص951 تحقيق
الدكتور ناصر العقل والشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء، ولهذا
كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب،
كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء، وأعظمهم شركاً فلا يوجد في أهل
الأهواء أكذب منهم، ولا أبعد عن التوحيد منهم، حتى إنهم يخربون مساجد الله
التي يذكر فيها اسمه فيعطلونها من الجماعات والجمعات، ويعمرون المشاهد
التي على القبور التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها. أ.هـ.
وانظر
ما كتبه محب الدين الخطيب في رسالته الخطوط العريضة، فقد نقل عن كتاب
مفاتيح الجنان من دعائهم ما نصه اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، والعن
صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وابنتيهما قال ويعنون بهما وبالجبت
والطاغوت أبابكر وعمر، ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين عائشة، وأم المؤمنين
حفصة رضي الله عن الجميع.
ومن
قرأ التاريخ علم أن للرافضة يداً في سقوط بغداد وانتهاء الخلافة الإسلامية
فيها حيث سهلوا للتتار دخولها، وقتل التتار من العامة والعلماء أمماً
كثيرة، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة أنهم هم الذين
سعوا في مجيء التتر إلى بغداد دار الخلافة حتى قتل الكفار -يعني التتر- من
المسلمين ما لا يحصيه إلا الله تعالى من بني هاشم وغيرهم، وقتلوا بجهات
بغداد ألف ألف وثمانمائة ألف ونيفاً وسبعين ألفاً، وقتلوا الخليفة العباسي
وسبوا النساء الهاشميات وصبين الهاشميين .أ.هـ. 4592. تحقيق الدكتور محمد
رشاد سالم.
ومن عقيدة الرافضة التقية وهي أن يظهر خلاف ما يبطن ولا شك أن هذا نوع من النفاق يغتر به من يغتر من الناس.
والمنافقون
أضر على الإسلام من ذوي الكفر الصريح، ولهذا أنزل الله تعالى فيهم سورة
كاملة كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بها في صلاة الجمعة،
لإعلان أحوال المنافقين والتحذير منهم في أكبر جمع أسبوعي وأكثره وقال فيها
عن المنافقين {هم العدو فاحذرهم}.
وأما قول السائل هل يدعو المسلم الله أن ينصر الكفار عليهم؟
فجوابه
أن الأولى والأجدر بالمؤمن أن يدعو الله تعالى أن يخذل الكافرين وينصر
المؤمنين الصادقين الذين يقولون بقلوبهم وألسنتهم ما ذكر الله عنه في قوله
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً
للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}، ويتولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم معترفين لكل واحد بفضله، منزلين كل واحد منزلته من غير إفراط ولا
تفريط، نسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المؤمنين على الحق وأن ينصرهم على من
سواهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثالث - باب الولاء والبراء.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).