0

القول الفصل في آية الولاية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ)

قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 51-75].

من يقرأ الآيات السابقة بتمعن وإرادة للحق يجد التالي:

- نهانا المولى عز وجل عن ولاية اليهود والنصارى، وأخبرنا أن من يتولاهم منا يكون في حكمهم (منهم)، ووصفه بأنه ظالم.

- أوضح سبحانه وتعالى أن المنافقين يصرون على تولي اليهود والنصارى، ووعد بأن يجعلهم يندمون على ذلك.

- وصف تولي اليهود والنصارى بالردة عن الدين، وأخبر المؤمنين بأنهم لو فعلوا ذلك فسيستبدلهم الله بمن هم خير منهم.

- بعد توضيح الصنف الغير مسموح بولايته ونصرته وضح لنا الله تعالى الصنف الواجب علينا نصرته وموالاته، فقال بأنه لا ولي للمؤمنين إلا الله ورسوله وإخوتهم المؤمنين، ووصف مستحقي الولاية بأنهم يصلون ويزكون ويخضعون لله تعالى ويسلمون له.

- وصف من يلتزم بتلك الموالاة لله ورسوله والمؤمنين بأنهم حزب الله، ووعدهم الغلبة والنصر.

- ثم عاد للتحذير من موالاة اليهود والنصارى، وأضاف إليهم الكفار، ووصف من يتجنب موالاتهم بالإيمان.

ولكن يدعي الإمامية الاثني عشرية أن الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ﴾، خاصة بولاية سيدنا علي لوحده، واستدلوا لذلك بروايات تقول إن سيدنا علي رضي الله عنه قد تصدق بخاتمه وهو راكع؛ فلا مناص حسب دعواهم من أن يكون هو الحاكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولنا على دعواهم عدة تحفظات:

أولاً: دلالة سبب النزول:

ليس للإمامية الاثني عشرية متعلق بالآية إلا بما زعموه من سبب النزول، فقالوا إن سيدنا علي رضي الله عنه هو الولي المقصود لأنه قد تصدق بخاتمه وهو راكع، وسبب النزول هذا غير ثابت، فقد رويت أسباب نزول غيره في الآية منها ما هو أكثر مناسبة لنص الآيات، فقد روي بأنها نزلت في سيدنا عبادة بن الصامت، وفي المنافق عبدالله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من حلفائه من اليهود، وقال أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يتبرأ المنافق عبدالله بن أبي منهم، وعلى الرغم من ضعف الروايات في حادثة التصدق بالخاتم واضطرابها؛ فإن أسباب النزول مهما كانت لا تصادر معاني الآيات ولا تخرجها عن ظاهرها، وقد تعبدنا الله بتدبر القرآن الكريم واتباعه، ولم يتعبدنا بمعرفة أسباب النزول والإيمان بصحة الروايات فيها، وهو سبحانه لم يضمن لنا حفظ الروايات الدالة على سبب النزول بل ضمن لنا حفظ القرآن فقط.

ولو كان فهم القرآن مقصوراً على معرفة سبب النزول لضمنه الله تعالى في القرآن الكريم الذي وصفه ربنا فقال: ﴿عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل:103]، وقال: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل:89]، فما لا يكون مبيناً إلا بمعرفة غيره فلا يصح وصفه بالإبانة والتبيين، بل يكون ما يوضحه هو المبين له وهذا باطل.

ونخلص من ذلك: الى أن رواية التصدق بالخاتم وغيرها مما ذكر أنه سبب لنزولها ليس ملزماً للأمة، وليس مما يجب معرفته من الدين بالضرورة عكس معنى الآية الظاهر، فالإيمان بظاهر الآية ملزم للمسلمين، وتولي الله ورسوله والمؤمنين مما علم من الدين بالضرورة.

ثانيا: سيدنا علي مفرد والآية تأمر بموالاة الذين آمنوا أي مجموع المؤمنين:

وقد يظن البعض أن سبب ورود الجمع هو إرادة تعظيم سيدنا علي بالتحدث عنه بصيغة الجمع، وهذا قبيح جداً؛ إذ كيف يذكر الله ورسوله بالمفرد في الآية بينما يذكر غيرهما بالجمع تعظيماً، ولم أجد في كتاب الله جمع الاسم أو الصفة تعظيماً إلا لله عز وجل، فحتى سيدنا محمد قد خاطبه الله بالمفرد في العديد من الآيات ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ [الأحزاب:1].﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ [المائدة:41].

ثالثا: ما معنى ﴿وَلِيُّكُمُ﴾؟

من القبيح وصف الله تعالى بإمامة الحكم؛ إذ لو قصد من كلمة (وَلِيُّكُمُ) في الآية الوالي أو الأمير لصار المعنى: إنما أميركم الله ورسوله والذين آمنوا. وهذا ظاهر البطلان، وقد يحملها البعض على معنى الأولى، والأحق كقوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾ [الأحزاب:6].

وفي هذا تكلف ظاهر في حمل كلمة "ولي" على الأولى والأحق بدون قرينة فولي وصف وأولى صيغة تفضيل، وهذا المعنى على بعده أيضا بعيد عما يريدون؛ لأن طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله وليس هذا لغيره من المؤمنين؛ إذ أن طاعة غيره من أولياء الأمر مشروطة بطاعة الله ورسوله وليست مقترنة بها فلا قياس بين الرسول وولي الأمر في هذه، على أن الآية الكريمة ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ﴾ خالية من التفضيل إطلاقاً، فليس فيها صيغة تفضيل ولا فيها أولى ممن ولا أولى بماذا، فيسقط هذا المعنى لخلو الآية من التفضيل!

وليجرب المخالف أن يأتينا بكلام مفيد في تفضيلا بأولى ليس فيه أولى ممن ولا أولى بماذا فلن يستطيع.

وقد يقول بعضهم: إن "ولي" هنا بمعنى المتصرف والوكيل، كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة:282].

ونجيب عليه بأنه لا علاقة لذلك بالحكم والولاية العامة، فلا الأمة سفيهة ولا قاصرة حتى يعين الله عليها قيماً كما عين على السفيه والقاصر الضعيف، فقد مدح الله هذه الأمة المرحومة في عدة مواضع فقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران:110].

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143].

وليس من مهام الحاكم أن يكون وكيلاً على رعيته كالقيم على المرأة والسفيه، بل مهمته أن يدير أمورهم حسب شرع الله فقط فيرد من شذ منهم عنه إليه، وليس له أن يتحكم في تصرفات الملتزم بالشريعة ولا أن يمضي بدلاً عنه شيئاً لا يريده، فلا يتصرف بالنيابة عنهم في كل الأمور كالولي القيم على القاصر والسفيه، إمامة الحاكم ليست كقوامة الرجل على أهل بيته ليتدخل في تفاصيل حياتهم، بل يقتصر دوره على الحكم بشرع الله ورسوله، ومن زعم غير ذلك فعليه الإثبات.

وحيث بطلت الأقوال السابقة، فلم يتبق إلا أن نحمل كلمة ولي على الناصر والمعين (من الموالاة) حتي يستقيم المعنى، ونعطي لربنا التنزيه اللائق به، فكما هو من القبيح أن نصور الله كوالي وأمير، فمن الجميل جداً أن نصف الله بالولاية بفتح الواو وهي النصرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [لأعراف:196]، ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ (سـبأ:41].

رابعاً: سياق الآية يوضح معنى كلمة وليكم:

لو قرأنا الآية التي تليها بتمعن وإرادة للحق لأتضح لنا المقصود من كلمة وليكم في الآية موضع الخلاف، فبعد أن وجهنا المولى عز وجل إلى وجوب قصر موالاتنا ونصرتنا على المؤمنين، وأن لا نتولى غيرهم؛ بين لنا نتيجة تولي الله ورسوله والمؤمنين وهي الغلبة والتمكين؛ لأننا سنصبح حينها من حزب الله الغالب، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، وتشبهها من هذه الناحية الآية رقم 51 السابقة لها، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، فبعد أن نهانا الله تعالى عن موالاتهم بين الله لنا نتيجة توليهم، وهي: أن من يتولاهم يصبح في حكمهم "منهم".

اتحاد الفعل " يتولى" في العبارتين في الآيتين أعلاه: "ومن يتول الله".. "ومن يتولهم" يوضح لكل طالب حقيقة أن نوع الموالاة التي يتحدث عنها ربنا في الآيتين واحدة وهي المحبة والنصرة،

فيتضح لكل ذي بصيرة أن كلمة "وليكم" في الآية موضع البحث لا تعني "واليكم" ولا "من تولونه أموركم"، بل تعني "من تتولونه" لأنه قد جاءت نتيجتها بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾.

فلو كانت كما يظن الاثني عشرية لكانت الآية التي تليها: "ومن يول أمره لله ورسوله والذين أمنوا"، ولكنه تعالى قد قال: "ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا"، وهناك فرق كبير في المعنى؛ فهل من متدبر؟!

فيكون معنى "إنما وليكم" هو "إنما من تتولونه" وليس "إنما من يتولى أمركم".

خامسا: كلمة الذين مشكلة:

ليجرب المخالف أن يأتي بجملة فيها الاسم الموصول "الذين"، ويقصد به شخص واحد دون أن يكون التعبير ركيكاً متكلفاً فلن يستطيع، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن سيدنا محمد غير مرة بكلمة "الذي" ومنها قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ﴾ [الأعراف:157]، ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158].

وقال عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم:37].

وأخبر كذلك عز وجل عن نفسه بكلمة "الذي" في مرات كثيرة يصعب حصرها، ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف:196]، وهي هنا في الموالاة كآية الولاية تماماً.

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الرعد:2].

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [الأنعام:165].

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [الشعراء:78]، ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الشعراء:218].

وغيرها الكثير جداً من الآيات؛ فكيف يعبر عن نفسه وعن خليله وعن حبيبه بالذي ثم يعبر عن أحد المؤمنين بالذين، وهو على قباحته إذا كان للتعظيم فلا يستساغ لغوياً للفرد كما أسلفنا.

سادساً: أيهما أهم الحكم أم الموالاة:

لم يؤكد الله تعالى على وجوب ولاية الأمر في القرآن قدر ما أكد على وجوب الموالاة والنصرة بين المؤمنين، فالحكم وإدارة شئوون الناس من أمور الدنيا تتخذها كل الأمم الكافرة والمؤمنة؛ لأنها من ضروريات حياتهم ولم يخبرنا الله تعالى في القرآن أن تولي أمور المسلمين فضيلة لمن يتولاها، فيثيبه الله عليها أو يعاقبه على تركها، وإنما الثواب والعقاب على تصرفات الحاكم بعد أن يحكم، والآية تكرار وتأكيد لوجوب الموالاة بين المؤمنين فلقد كرر ربنا الأمر بموالاة المؤمنين والتبري من غيرهم، فمن الآيات التي تحض على موالاة المؤمنين قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال:ْ72]، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71]، ووعد بمعاقبة من والى غيرهم كما مر في الآيات التي بدأت بها الموضوع.

سابعاً: ربنا ليس عاجزاً عن التعبير عما يريد:

لو أراد الله الولاية أو المحبة والمولاة لشخص واحد من دون المؤمنين، فلن يعجزه قول "والذي آمن" بدلاً من قول "والذين آمنوا"، فقد قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر:38]، فليس من البلاغة ولا من البيان الذي تميز به كلام الله

الغموض واستخدام اللفظ في غير محله دون قرينة من كلام الله توضح المقصود منه.

ثامناً: إنما للحصر وتحمل معنى ليس الا:

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [طـه:98]، أي: ليس لكم إله إلا الله، فلو طبقنا ذلك على الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ﴾، على افتراض المعنى الذي تذهب اليه الإمامية لصار المعنى: ليس لكم والياً إلا الله ورسوله وعلي، وهذا بالإضافة إلى قبحه في حق الله عز وجل - كما تقدم - فإنه يحصر الولاية في سيدنا علي بعد وفاة سيدنا محمد، فلا يستطيع أحد أن يتولى بعده حتى ولده لأن الولاية قد حصرت فيه فقط فتصبح الأمة بعد موته كالرعية بدون راعي، وهذا ليس من مصلحة الأمة في شيء لأنها ستدخل في حيرة كالتي دخلها الإمامية بعد غيبة إمامهم.

تاسعا: مناقشة حديث التصدق بالخاتم:

يعتمد الإمامية الاثني عشرية على حديث تصدق سيدنا علي بخاتمه أثناء ركوعه لتفسير الآية، وعلى افتراض صحة الحديث فهناك أكثر من تحفظ على ذلك الاستدلال:

- الآية تتحدث عن الزكاة الواجبة: ﴿يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، وهم يقولون تصدق بخاتمه وليس التصدق كالزكاة.

- لا مشروعية لإيتاء الزكاة الواجبة أو صدقة التطوع أثناء الصلاة لأنها خارج الصلاة.

- ذكر الله أن من صفات المؤمنين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الخضوع والتذلل لله تعالى، فالركوع هنا بمعنى الخضوع، وهو كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، فالمطلوب هنا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والخضوع التام لله: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران:43]، ولا يزعم أحد هنا أن السيدة مريم مطالبة بالركوع مع الرجال جماعة.

- أنه بالاستدلال بدليل خارجي على معنى الآية تصبح الآية غير محكمة الدلالة؛ لأن المحكم هو ما استغنى بنفسه لإيصال المعنى، وهم يجعلون إمامة سيدنا علي وولده أهم أركان الإسلام، فلزم أن يكون عليها آية محكمة تدعو إليها، شأنها شأن كل الأركان والواجبات التي يجازى فاعلها بالجنة، ويعاقب منكرها بالنار، ولا أقل من ذلك لعقيدة بمثل هذه الخطورة.

عاشراً: الولي غير ولي الأمر:

لم تأت كلمة ولي في القرآن الكريم بمعنى حاكم أو وال على المسلمين إطلاقاً إلا مقرونه بكلمة الأمر "أولي الأمر"، ولا نجد في الآية إلا كلمة "ولي" وهي من الولاية بفتح الواو كما مر وهي النصرة وليست ولاية الأمر.

الحادي عشر: الحكم هبة وليس وصية من الله:

الولاية والحكم هبة من الله وعطاء وليست وصية منه والعطاء ينفذه المعطي بينما الوصية ينفذها من أوصي بها، وقد يعطيه للصالح أو للطالح وينزعه منهما متى أراد، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:26].

فهو سبحانه يعطي الملك وينزعه بنفسه من خلال تهيئة الظروف لمن أراد له الحكم والولاية فلا يحتاج أن يوصي به، قال تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ [البقرة:251]، لم يوص بداوود وإنما آتاه الملك من عنده، فما باله لم يفعل كذلك مع سيدنا علي إذا كنتم تزعمون أنه قد نصبه حاكماً وإماما؟!

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ [البقرة: 258]، فربنا عز وجل هو الذي آتى النمرود الملك ليستدرجه، وهو إذا أعطى الملك مكن لمن يعطيه في الأرض ونصره، وإذا نصب فإنه لا ينتظر موافقة البشر بل ينفذ تنصيبه كما فعل مع طالوت مع أنه ليس من بيت النبوة: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:247]، فقد اختار لهم طالوت ملكاً وفرضه عليهم برغم معارضة الأكثرية؛ لأنه هو من أراد طالوت وآتاه الملك، كما مكن لذي القرنين من عنده عندما آتاه الحكم: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف:83-84].

فهو قد مكن لذي القرنين ونصره عندما آتاه الملك، والعقل والنقل يرفضان أن يوصي الله بأن يحكم المؤمنين شخص ثم لا يمكن له ويفرض حكمه لأنه هو مالك الملك، فلا يتولى الملك أحد إلا بمشيئته وتمكينه سبحانه وتعالى، فلا حاجة له أن يوصي به من لا يملك تنفيذه من الناس.

الثاني عشر: سؤال مشكل:

أخيراً: أسال الزملاء الإمامية عن شهادتهم الثالثة في الآذان، وهي: "أشهد أن علياً ولي الله"، ما معنى (ولي) في قولهم هذا؟

إن قالوا: والي فقد كفروا إذ جعلوه حاكم على ربه، وإن قالوا ولي بمعنى موالي ومحب قلنا لهم هذا هو ما نحاول أن نقوله لكم عن معنى كلمة ولي منذ البداية.

هذه اثنى عشر إشكالا على استدلال الإمامية بآية الولاية على عدد أئمتهم؛ فأرجو أن يكون فيما سبق كفاية لمن أراد التدبر، وتنزيه الله عز وجل عن النقص والغموض لينصر ما لا يمكن نصره بدليل.

اللهم اهدنا واهد بنا.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top