0

الآثار السلبية للعصمة المزعومة

رغم خطورة الأفكار والعقائد الشيعية الاثني عشرية المعلن عنها في كتب علمائهم وأئمتهم، وابتعادها كل البعد عن عقائد أهل السنة والجماعة، بل عن عقيدة الإسلام الصحيحة الموضحة في القرآن والسنة؛ إلا أن آثارها السلبية على مختلف الأصعدة الدينية والدنيوية لم تكن ظاهرة بشكل واضح كما هي الآن، وربما يعود السبب في عدم إشهارها وإعلانها طوال هذه القرون من الزمان؛ إما لعدم امتلاكهم القوة الكافية لمواجهة نتائج هذه الأفكار والعقائد، أو تنفيذاً لعقيدة التقية الموجودة في دينهم، أو لكلا الأمرين معاً.

وفي كل الأحوال فقد بدأت آثار ونتائج هذه الأفكار والعقائد تظهر أكثر فأكثر في العقد الأخير بالتحديد أي منذ احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، وتسليمها فيما بعد لإيران، حتى أصبح للشيعة في الوقت الراهن وجود ملحوظ في أكثر من بلد عربي وإسلامي، ولا يقتصر هذا الوجود على نشر الأفكار والعقائد الشيعية فحسب؛ بل تعداه لإنشاء مليشيات عسكرية تجاوزت في قوتها وتنظيمها قوة الدولة أحياناً (لبنان)، أو على أٌقل تقدير لم تستطع الدولة القضاء عليها أو إخضاعها كما هو الحال في (اليمن).

فكرة عصمة الأئمة عند الشيعة:

لعل من أخطر الأفكار والعقائد الشيعية التي كان لها آثار سلبية كثيرة وملموسة فكرة العصمة المزعومة لأئمة الشيعة الاثني عشرية، وإذا كانت عصمة الأنبياء والمرسلين المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة ضرورة تقتضيها مهمة تبليغ رسالة الله تعالى وأوامره ونواهيه لعباده كي لا يقع الخطأ والغلط في أداء أحكام الدين وإرشاداته؛ فهم لا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى كما جاء في القرآن الكريم، فإن الشيعة قد غالوا كثيراً في أئمتهم من خلال ادعاء العصمة الكاملة لهم والتي تجاوزت في كثير من الأحيان حدود عصمة الأنبياء والمرسلين إلى درجة الشرك بالله، فقد اتخذوا أئمتهم أرباباً من دون الله، تماماً كما ادعى النصارى الألوهية في المسيح عليه السلام .

قال القمي الملقب بالصدوق عند الشيعة: (اعتقادنا في الأنبياء والرسل، والأئمة والملائكة عليهم السلام أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر) (1).

كما جاء في كتاب عقائد الإمامية: (ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل ما ظهر منها وما بطن، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع، والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي). ص51، وقد نقل الإجماع على هذه العقيدة عند الشيعة المجلسي في كتابه بحار الأنوار (2).

ومع كون أئمة الشيعة الثلاثة الأوائل هم من الصحابة الكرام، ومن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهم عند أهل السنة والجماعة مكانتهم في العلم والصحبة، كما أن لهم في القلب محبتهم ومودتهم؛ إلا أن ذلك لا يعني القول بعصمتهم كما تدعي الشيعة، وهو مثبت في كلام علي رضي الله عنه.

ومع إشادة شيخ الإسلام ابن تيمية بالأئمة الأربعة: علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر، واعتبارهم من العلماء الثقات المعتد بهم، وبيان فضلهم وتقديرهم، وإجازته تقليدهم لمن عجز عن الاستدلال، حالهم في ذلك حال بقية علماء الأمة الثقات؛ إلا أنه لم يقل أحد منهم بعصمتهم أبداً، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد كانوا يعترفون بأنهم غير معصومين.

أما الباقين من أئمة الشيعة الاثني عشر المعصومين حسب زعمهم باستثناء الإمام الأخير الذي ليس له في الحقيقة وجود وهو محمد بن الحسن العسكري الغائب المنتظر فهؤلاء كأمثالهم من الهاشميين كما ذكر الإمام ابن تيمية لهم حرمة ومكانة، إلا أنه لم يأخذ عنهم علم تستفيده الأمة، فكيف تكون لهم العصمة والتشريع كما تدعي الشيعة؟ (3).

الآثار السلبية للعصمة المزعومة:

بعيداً عن سرد أدلة الشيعية الباطلة على إدعاء العصمة لأئمتهم، وبعيداً عن حقيقة ضعف هذه الأدلة وتهافتها، والرد القوي عليها من قبل الكثير من علماء أهل السنة؛ فإن ما يعنينا في هذا المقال هو الآثار السلبية لهذه العقيدة الباطلة، وبيان الأهمية البالغة لأثر بعض العقائد الباطلة على المدى البعيد على الأمة الإسلامية.

لقد كان كثير من عامة المسلمين لا يجدون بأساً بإعلان بعض التيارات الفكرية والمذهبية عن بعض عقائدها التي تخالف بشكل واضح عقيدة الإسلام، بل وتنال من عقائده ورموزه الدينية، على اعتبار أن لكل إنسان الحرية في اعتقاد ما يريد، وأنه لا ضير من وجود الأديان والمذاهب والأفكار المختلفة في البلد العربي والإسلامي الواحد تحت شعار ما بات يعرف بالتعايش والمواطنة.

ومع صحة شعار التعايش والمواطنة؛ إلا أنه شعار حق يراد من استخدامه هنا باطل، فالتعايش والمواطنة التي أرسى دعائمها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب وغيرهم في المدينة المنورة، هي النموذج الأمثل للتعايش والمواطنة الحقيقية في الإسلام، أما التعايش الذي يعني هضم حقوق أهل السنة في بلاد غالبية أهلها منهم، ناهيك عن انتقاص عقيدتهم، ومحاولة تشويهها باسم التعايش والمواطنة وحرية العقيدة؛ فهو أمر لا يمكن قبوله أبداً.

وها هم المسلمون اليوم يحصدون بعض آثار ونتائج تلك الغفلة عن تسلل الأفكار والعقائد الباطلة لبلاد المسلمين، والتساهل بأمرها، ولعل من أخطر هذه الأفكار والعقائد الباطلة التي ولدت آثار ونتائج كارثية وسلبية عقيدة العصمة عند الشيعة.

ومن أهم وأخطر هذه الآثار ما يلي:

1-هدم العقيدة الإسلامية الصحيحة: فمن المعلوم أن العقيدة الصحيحة عند أهل السنة والجماعة تقوم على الإيمان بعصمة الأنبياء والمرسلين فيما يبلغونه عن الله تعالى ، وأنه لا عصمة لأحد من بعدهم، وما دامت الرسالة والنبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا معصوم على وجه الأرض.

وإن الشيعة بادعائهم العصمة المزعومة لأئمتهم يهدمون ركناً أساسياً من أركان العقيدة الصحيحة ليس من خلال تعدد الموحى لهم من الله من غير الأنبياء والمرسلين؛ بل من خلال ما هو أدهى من ذلك وأمر ألا وهو نسبة الصفات الألوهية لأئمتهم، حيث يزعمون أن قول الإمام من قول الله ورسوله، كما يعتقدون أن هناك علماً ووحياً إلهياً مودعاً عند الأئمة المعصومين، ناهيك عن تكفيرهم كل من ينكر إمامة، وبالتالي عصمة أئمتهم المزعومة.

ومن المعلوم أن العقيدة هي الدافع والمحرك الأساسي لسلوك الإنسان نحو الخير إن كانت صحيحة، وباتجاه الشر إن كانت فاسدة وباطلة، فإذا ما فسدت العقيدة بأمثال هذه الأفكار الباطلة؛ فإن النتيجة بلا شك التأثير على السلوك والتصرفات.

2- تشويه التشريع الإسلامي: فمن المعلوم أن السنة النبوية المأثورة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره تعتبر المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وبادعاء الشيعة العصمة للأئمة الاثني عشر جعلوهم مصدراً للتشريع أي للتحليل والتحريم، من خلال نقل معظم الأحاديث عنهم لا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وتكمن خطورة هذا الأمر بأنه يهدف إلى نسف السنة النبوية بالكامل من خلال النقل عن الأئمة المعصومين -المكذوبة في الحقيقة على الأئمة -، وعدم الاعتراف بالأحاديث النبوية المروية عن خيرة الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولعل تحليل الشيعة لنكاح المتعة -المحرم في الإسلام -مثالاً صارخاً لتشويه وتغيير الأحكام الشرعية، وهو نتيجة مباشرة للأخبار التي نقلوها كذباً وبهتاناً عن أئمتهم المعصومين الموحى إليهم بزعمهم، التي لم تكتف بتحليل الحرام، بل صرحت كثير من الأخبار التي نقلوها عن أئمتهم بفضيلته وأجره العظيم عند الله تعالى والعياذ بالله ، مما يدل على مدى تأثير عقيدة العصمة على الحياة بكافة نواحيها الدينية والدنيوية.

3- وإذا ما انتقلنا من الآثار السلبية العقائدية والشرعية للعصمة المزعومة إلى الآثار الإنسانية؛ فإن النتائج الملموسة التي نراها اليوم بأم أعيننا من خلال إراقة دماء أهل السنة في أكثر من بلد عربي وإسلامي؛ يعتبر من أعظم وأخطر الآثار السلبية لهذه الفكرة المزعومة.

فما ذهب من ذهب من الشيعة للقتال هنا وهناك ضد أهل السنة والجماعة في العالم العربي والإسلامي إلا بعد أن مورس عليه نوع من غسيل الدماغ، وتغييب العقل، من خلال إضفاء هالة من التقديس والتعظيم ليس للأئمة الاثني عشر المعصومين بزعمهم فحسب؛ بل للناطقين باسمهم في العصر الحاضر من زعامات الشيعة الدينية والسياسية.

وهي طريقة باتت متبعة عند كل الفرق والمذاهب الباطلة، حيث لا بد للوصول إلى الانقياد التام والكامل من قبل أتباعها من إيجاد هذه الهالة من التقديس والتعظيم، والتي تظهر باسم العصمة للأئمة عند الشيعة تارة، وباسم الولاية والكرامة عند الشيخ عند غلاة الصوفية تارة أخرى، وهكذا يكون لكل مذهب وفرقة باطلة طريقة في تغييب عقول الناس واستدراجهم نحو الطاعة العمياء.

إن الآثار السلبية لفكرة العصمة المزعومة لبشر من غير الأنبياء لا يمكن حصرها، فالإنسان مهما ارتقى في درجات الكمال والأخلاق؛ فإنه يبقى بشراً يخطئ ويصيب، بل إن الأنبياء والمرسلين لم يخرجوا أنفسهم عن نطاق البشرية، فقد صرحوا في أكثر من موضع في القرآن الكريم بأنهم بشر مثل سائر البشر، ولولا مساندة الله تعالى لهم بالوحي والعصمة لتبليغ الرسالة التي كلفوا بها لما اختلفوا عن البشر العاديين في شيء.

إن فكرة العصمة لغير الأنبياء والمرسلين غير مقبولة شرعاً ولا عقلاً، ولا بد أن يتنبه العقلاء في هذا العالم لآثارها المدمرة على المدى القصير، وأن يعملوا بجد على معالجتها من خلال التركيز على دحض الفكرة من أصلها شرعياً وعلمياً وعقلياً في مختلف وسائل الإعلام، نظراً لأن نتائجها وآثارها المدمرة لن تقف عند حدود معينة كما يظن البعض، بل ستتعداها إلى نطاق واسع قد لا يتخيله الكثير منا، وحينها لا ينفع الندم أو التحسر على عدم التدارك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اعتقادات الصدوق ص108

(2) (ج25/350-351)

(3) كتاب (منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية 2/243 و 6/387 طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود.

المصدر: موقع شبكة الألوكة

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top