سبب إصرار الشيعة على القول بوجود محمد بن الحسن العسكري
غالب عواجي
عرفنا فيما تقدم عمق هذه الفكرة في أذهان الشيعة وتشبثهم بوجود ابن للحسن العسكري الذي جعلوا منه مهديهم المنتظر، ومكابرتهم وإصرارهم على القول بولادته، فما هو السر في هذا؟ والجواب حاصله أن الشيعة قد وضعوا شروطاً وقواعد وأوصافاً للإمام، ألزموا أنفسهم بتصديقها وهي من صنع الخيال، وبالتالي فهي صعبة المنال ثم جعلوها جزءاً من العقيدة الشيعية، بحيث لو لم تتحقق لانتقض جزء كبير من تعاليمهم، ولأصبحوا في حرج.
وأكثر تلك الشروط هي تقول على الله ومجازفة وحكم على الغيب، فمنها على سبيل المثال لا الحصر أن الإمام لا يموت حتى يكون له خلف من ذريته هو الذي يتولى الإمامة من بعده حتماً لازماً وقد روى الطوسي عن عقبة بن جعفر قال قلت لأبي الحسن قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد؟
فقال يا عقبة بن جعفر، إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده ، أن الإمامة لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً؛ بل في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
ومعنى هذا أن الحسن العسكري - وهو الإمام الحادي عشر- لو مات دون عقب لانتقضت هذه القاعدة، وقد روى الطوسي عن أبي عيسى الجهني قال أبو عبد الله عليه السلام لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما، إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، الإمام لا يغسله إلا إمام هو أكبر أولاده.
ولقد ذكر ابن بابويه القمي عن علي بن موسى بن جعفر كثيراً من الشروط التي اشتملت على خرافات وآراء ضالة ليست من الإسلام في شيء، كقولهم للإمام علامات يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل.
وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادة ولا يحتلم، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم -لأنها محفوظة بزعمهم عند الأئمة يتوارثونها- ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون له رائحة أطيب من رائحة المسك.
ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، ويكون أشد الناس تواضعاً لله عز وجل، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به، وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى إنه لو دعى على صخرة لانشقت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه محفوظ عند الأئمة والسيف ذو الفقار.
ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والجفر الأصغر؛ إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش، وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة.
ويروي الكليني عن أبي جعفر قال للإمام عشر علامات يولد مطهرا مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، فإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه.
وبغض النظر عن دراسة هذه الخيالات والخرافات التي يمجها العقل ويرفضها الفكر ويكذبها الواقع، إذ لا يوجد رجل تتوفر فيه هذه الشروط التي لم تتوفر حتى في الأنبياء والرسل عليهم الصلاة السلام مجتمعة - بغض النظر عن ذلك كله، فإن الذي يهمنا هنا هو معرفة السر الذي أصرَّ بموجبه الشيعة على القول بوجود ابن للحسن العسكري يخلف والده في إمامتهم.
وقد اتضح مما تقدم أن الذي حمل الشيعة على ذلك الإصرار هي تلك الشروط التي تنص على أن الإمام لا يموت حتى يوجد له عقب من أولاده هو الذي يتولى تجهيزه ودفنه، والقيام بأمر الشيعة بعده حتماً...وكان موت الحسن من دون ولد يهدم تلك الشروط التي وضعوها.
ومن هنا قرّروا أن يوجدوا للحسن ولداً تخلصاً من هذا المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، وليكن بعد ذلك ما يكون، وهم على ثقة بأن لكل صوت صدى، بل هم واثقون من أن استجابة الأكثر من الناس للخرافات والخزعبلات أقوى من استجابتهم للحق، وأقرب إلى نفوس الكثير من بني آدم.
وإضافة إلى ما تقدم في سبب دعواهم وجود المهدي، فإنه ينبغي ملاحظة أنه قد مرت بالشيعة ظروف سياسية واجتماعية ودينية ذاقوا فيها مرارة الحرمان من عدم إقامة دولة لهم تنظر إليهم بالعين التي يريدونها من تقديمهم واعتبار آرائهم، وغير ذلك مما كانوا فيه من العزة والتطاول على الناس، واعتبار عنصرهم أفضل العناصر.
وحينما غلبتهم الدولة الإسلامية وبلغ السيل الزبى بإخضاع الدولة الأموية لهم، فكر رؤساؤهم في ذلك الوقت في أمر يجتمع عليه عامتهم؛ لئلا يذوبوا في غيرهم، وييئسوا من استعادة أمرهم، فبدأوا في حبك المخططات السرية والعلنية، وتوجيه أنظار جميع الشيعة إلى الالتفاف حول أمل إذا تحقق عادت به سيادتهم كما يتصورون. وهو انتظار المهدي الغائب، الذي سيزيل عند رجوعه جميع من ناوأهم، ويقضي على قريش بخصوصهم بكل شراسة حتى يقول الناس لو كان هذا من قريش لما فعل بهم هكذا، حسب ما يرويه النعماني، وحسبما يروونه عنه في كتبهم.
وهذه الشراسة والشدة على العرب بخصوصهم ومنهم قريش، تدل دلالة واضحة على أن هذا المهدي ليس له صلة بالعرب، فهو عدو شرس لهم، ليس بينه وبينهم أية عاطفة أو صلة.
وفعلاً هذا المهدي ليس من قريش، بل هو مهدي فارسي متعصب ليزدجرد وللأسرة الساسانية التي قضى عليها الإسلام، يتضح ذلك في هذه الرواية التي يرويها الطوسي عن أبي عبد الله أنه قال اتقوا العرب فإن لهم خبر سوء، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم أحد.
وبهذا يتضح أن هذا المهدي مصنوع بمعرفة الشيعة وعلى طريقتهم، حقود شديد، يمثل الغلظة بأجلى صورها.
المصدر: الدرر السنية (من كتاب فرق معاصرة)
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).