0

طيلة الشهور الماضية، لم يكلَّ أو يملَّ الشعب الإيراني من الخروج للشوارع اعتراضاً على سياسات النظام الإيراني، فالمظاهرات تخرج للشوارع يومياً في المدن والمحافظات؛ احتجاجاً على الفقر والبطالة وإهمال الدولة المواطنَ الإيراني، إلا أن وسائل الإعلام العالمية -ومع الأسف- لم تغطِّ تلك الاحتجاجات ولم تعطها حجمها الحقيقي؛ بسبب أن مصالح الدول الكبرى، الغربية منها أو الشرقية، لا يروق لها أي تغيير للنظام الحاكم في طهران؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تغيُّر منظومة توازن القوى بالمنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن إعلام الأنظمة التي تدور بفلك النظام الإيراني لا تغطي أخبارها؛ لأنها لا تصبُّ في مصلحة أنظمتها.

- ما السبب الحقيقي لخروج الإيرانيين للشوارع؟

خرج الشعب الإيراني للشوارع ضد الحالة الاقتصادية المتردية التي تعيشها إيران، لكنه يعرف جيداً ما الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة الاقتصادية المتردية، إنها سياسات النظام الذي يحكمهم، فرفع المتظاهرون شعاراتهم، ليس ضد غلاء الأسعار، إنما ضد الديكتاتورية الحاكمة لبلدهم، وضد التدخل في شؤون دول الجوار وغير دول الجوار، وضد دعم النظام مراكز التشيُّع بشتى دول العالم، وضد دعم نظام بشار الأسد الذي يشن حرباً ضد شعبه، وضد دعم المليشيات العراقية التي تُعَد بالعشرات، وضد دعم مليشيا "حزب الله" اللبناني. فالشعب الإيراني يفكر، ما الذي جناه من كل المغامرات العسكرية الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين؟! وما الذي جناه من تمويل حملة التشيُِّع التي يقودها النظام في أفريقيا وشرقي آسيا وغيرها من البلدان؟!

في بلد يزخر بالموارد الطبيعية والبشرية كإيران، وصلت حالة البؤس بالشعب الإيراني للحد الذي تقول فيه الإحصاءات الرسمية: إن نسبة البطالة بلغت 12.4%، وإن 25 مليوناً من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من نصف سكانها يعتمدون على المساعدات من الدولة، وأصبح بلداً منبوذاً لا يستطيع حاملُ جوازه التنقل بِحرية بين بلدان العالم.

- لماذا لا يتم دعم الشعب الإيراني في انتفاضته؟

ورغم أن الشعب الإيراني من الشعوب الحية التي تأبى الضيم، وهو الذي ثار على حكم الشاه وأطاح به عام 1979، وكان يتوق إلى الحياة بِحرية، فإن الخميني الذي خُدِعوا به، قام بسرقة الثورة وعمل على تصفية كل من شارك فيها، ليدخل الشعب الإيراني في نفق مظلم لم يستطيعوا الخروج منه لحد الآن، حتى بدأوا يترحمون على حكم الشاه ويقولون في تظاهراتهم: "ليتنا لم نُسقط الشاه". حينما سيطر الخميني على حكم إيران، أول ما قام به هو شنّه حرباً على العراق مدة ثماني سنوات، أكلت الأخضر واليابس للإيرانيين، واستغل الخميني تلك الحرب كفرصة سانحة له لكي يتخلص من كل خصومه السياسيين واحداً بعد الآخر.

ومع هذا، لم يستسلم الشعب الإيراني وخرج بانتفاضة شعبية عام 2009، مطالباً بالإصلاحات وضد عمليات التزوير التي جاءت بـ"نجاتي" لرئاسة إيران ومصادرة أصوات الإصلاحيَّين "مير حسين موسوي" و"مهدي كروبي". قوبلت انتفاضة الإيرانيين بهجمة شرسة من قوات النظام القمعية وزُجَّ بالمئات منهم في السجون. وتُرك الشعب الإيراني وحده في انتفاضته تلك، كانت حينها إدارة الرئيس الأمريكي "أوباما" تريد تحسين علاقاتها مع نظام إيران، فلم تساند انتفاضة الشعب الإيراني وتركته لمصيره، في مواجهة القتل والاعتقالات والتعذيب والقمع، واتضح فيما بعد أن "أوباما" كان يطمح إلى إعطاء دور إقليمي لنظام إيران بعد أن تخلى عن العرب، توج ذلك بإبرام الاتفاق النووي في 2015.

أما ترامب الذي لا يفوّت مناسبة إلا ويعلن فيها رغبته في معاقبة النظام الإيراني على تدخُّلاته بالدول الإقليمية، ورغبته في إلغاء الاتفاق النووي وإعلان استراتيجيته بدعم القوى المطالبة بالديمقراطية وتغيير النظام الحاكم في طهران. إلا أننا لم نرَ شيئاً على أرض الواقع لحد الآن، والتظاهرات الأخيرة لم يصدر عنه وعن إدارته أي موقف مساند للشعب الإيراني، سوى بيان هزيل صدر عن الخارجية الأمريكية.

وأوروبا التي لا تُخفي مواقفها الداعمة للنظام الإيراني ضد تهديدات ترامب الاستعراضية طيلة تلك الفترة السابقة، وتُدافع بقوة عن الاتفاق النووي مع النظام الإيراني، هي الأخرى لم تُصْدر موقفاً مسانداً لانتفاضة الشعب الإيراني. أما الأنظمة العربية التي تدّعي عداوتها للنظام الإيراني، فلم يَصْدر عنها أي بيان داعم للانتفاضة، ولم يغطِّ أعلامها أخبارها إلا بشيء بسيط.

وكم هو معيب أن تجد بعض العرب يدافعون عن النظام الإيراني وكأنه نظامهم الذي يحكم بلادهم، ويقفون ضد إرادة الشعب الإيراني! أليس من العار أن ترى الشعب الإيراني يرفض تدخُّل دولته بشؤون الدول العربية، وفي الوقت نفسه ترى أطرافاً سياسية بتلك البلدان تدعو لهذا التدخل وتتعاون معه؟! ولو كان حديثنا عن الأنظمة والأحزاب والمليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني فلا غرابة، لكن الغريب أن يصل الأمر إلى أن تكون هناك شرائح واسعة من الشيعة العرب لا تتمنى للشعب الإيراني التحرر من تلك السلطة الظلامية، وتتمنى أن يبقى النظام الإيراني سليماً معافىً! أليس أمراً مستهجناً أن يكون هذا موقفهم؟! أم أنه غياب الوعي الذي تعانيه تلك الشرائح؟! ألم يحِن الوقت ليكون للشيعة العراقيين موقفهم الرافض لأحزاب السلطة التي دعموها طيلة السنوات الأربع عشرة سنة الماضية، والتي ترتبط بهذا النظام، المرفوض من قِبل شعبه؟

تلك السلطة التي تحكم في بغداد باسم الشيعة، لم تجنِ منها الشيعةُ إلا القتل لشبابهم، في مغامرات عسكرية طائفية بالعراق وسوريا، ودمار مناطقهم، وانتشار التخلف وتردِّي التعليم والصحة، وانتشار المخدرات بين أطفالهم وفتيانهم، حتى أصبحت أبسط حقوق الإنسان في العيش الكريم حلماً لأي فرد منهم. هل هناك ما يبرر لكل التضحيات التي قدموها وحياة البؤس التي يعيشونها؟! فقط، من أجل تكرار تجربة إيران في العراق؟ التجربة التي رفضها الشعب الإيراني، ويخرج الآن للشوارع رفضاً لها.

- هل من بارقة أمل لانتصار انتفاضة الشعب الإيراني؟

وإذا كانت انتفاضة 2009 قد خرجت ضد تزوير إرادة الناخبين وتأييداً للإصلاح، فإن انتفاضة نهاية 2017 تحمل معها معاني ورسائل أخرى ذات سقف مرتفع، فقد بدأت بـ"الموت للدكتاتور" ويقصدون بها خامنئي، وشعارات أخرى ترفض التدخل في الدول الأخرى، وهذا يعني رفضاً لمنظومة التفكير التابعة للنظام الإيراني برمتها. ومن هنا، تأتي خطورتها على النظام، وفي الوقت نفسه تحمل بارقة أمل للشعوب المكتوية من نار النظام الإيراني، فهذه الانتفاضة تدلل على أن الشعب الإيراني لا يرضى بتصرفات حكومته، وقد حسم أمره فيها ويريد تغييرها. لكن، هل تغيُّر الأنظمة المستبدة يكون بالأماني فحسب، أم يجب أن يكون هناك عمل كبير ومساندة لهذا الشعب المظلوم، سواء كانت تلك المساندة من قِبل دول فاعلة، أو من قِبل شعوب حيَّة؟

وفي قراءة أولية للوضع بالمنطقة ومنظومة التحالفات التي تحكمها، يبدو أن هذه الانتفاضة التي خرج بها الشعب الإيراني ليست في أفضل توقيت لها. فالنظام الإيراني مرتبط بحلف قوي وكبير مع الشرق متمثلاً بروسيا، وفي الوقت نفسه يتحالف مع الغرب في السر ويعاديه بالعلن متمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، والولايات المتحدة تستفيد من النظام الإيراني من خلال جعله الفزاعة التي تخوف بها دول الخليج لتستنزفها مالياً، ولن تفكر أمريكا أبداً في إسقاط هذا النظام ما دام نافعاً لها ولا يشكل خطراً على أمن إسرائيل، فضلاً عن وجود أنظمة لأربع دول يرتبط مصيرها بمصير النظام الإيراني، فهي على استعداد لمساندته بكل ما أوتيتْ من قوى حتى لا يسقط.

فأيُّ أمل بقي لمثل هذه الانتفاضة لكي تُسقط النظام والحال على ما نرى؟ لكن دروس التاريخ علَّمتنا أن الشعوب تستطيع أن تفرض إرادتها، وإذا ما أصر الشعب الإيراني على الاستمرار في انتفاضته، فالعالم لا يمكنه أن يقف ساكتاً على ما يجري هناك إلى ما لا نهاية، ولا بد له من مساندته ولو إعلامياً على الأقل، وربما يتطور الأمر بفرض عقوبات جديدة ضد هذا النظام.

إن استمرار التظاهرات في مدن إيران سوف يقوض ويحدُّ من جهود النظام الإيراني المنصبّة على تدخلاته في دول الجوار وغير دول الجوار، ومن ثم فإن الدول الكبرى التي أسندت تلك المهمة إلى هذا النظام، ستجد أن هذا النظام عاجز عن القيام بالدور الإقليمي المنوط به والمكلف إياه من قِبلهم، وفي هذه الحالة سوف يكون هذا النظام عبئاً عليهم.

فإذا ما أراد الشعب الإيراني التخلص من هذا النظام، فما عليه إلا الاستمرار والإصرار على الاحتجاجات التي خرج بها مهما كلف الأمر، وهذا الإصرار هو الذي سيقنع الدول الكبرى المسانِدة لهذا النظام بالتخلي عنه والرضوخ لإرادة الشعب الإيراني. أما الشعوب المستضعفة، التي تعاني تدخلات هذا النظام، فعليها مساندة الشعب الإيراني وإبداء موقف واضح من ذلك، وإرسال رسالة للشعب الإيراني تفيد بأن خصومتنا مع النظام وليس مع الشعب الإيراني، فالذي تعانونه، هو نفسه ما نعانيه نحن أيضاً.

المصدر الخليخ اونلاين

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top