0

إلى الآن يبدو أن البعض ما زال غير مستوعب إمكانية حدوث ثورة في إيران، فالبروباغندا التي نسجت حول إيران جعلت منها دولة قوية وإمبراطورية لا تقهر، ونظاماً مزج بين الديمقراطية والدين، ناهيك عن قوة عسكرية هائلة تناطح بها، ولو من خلال الإعلام، أمريكا، وتهدد إسرائيل، وأيضاً فإيران قوة اقتصادية هائلة في المنطقة استفادت منها في نسج تشكيلات ومليشيات عسكرية في العديد من دول المنطقة، باتت تسيطر على المشهد السياسي في تلك الدول؛ العراق وسوريا ولبنان واليمن.

فجأة ومن دون سابق إنذار خرج الإيرانيون يحتجون، بدأت الشرارة يوم الخميس الثامن والعشرين من ديسمبر، من مشهد، ثالث أهم مدينة إيرانية بعد طهران وقم، وثاني أهم مدينة اقتصادية في إيران، الآلاف من الإيرانيين خرجوا إلى الشارع يطالبون بتدخل الحكومة بعد أن سرق الفساد مدخراتهم، قدموا على منازل في مشروع سكني كبير، إلا أنهم لم يحصلوا على شيء، واتضح لهم أن المستثمرين مسؤولون في النظام الإيراني، فكانت الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات والغضب في عموم إيران.

تعيش إيران وضعاً اقتصادياً مزرياً، كل من ذهب إلى إيران يعرف حقيقة ذلك، ناهيك عن أن الشعب الإيراني تعب كثيراً من سلطات رجال الدين؛ ففي الوقت الذي ينعمون به بامتيازات وثروات، يعيش الشعب أتون الفقر والبطالة التي وصلت إلى 60% في بعض المدن الإيرانية، وفقاً لتصريحات وزير الداخلية عبد الرضا رحماني.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الإيرانيون من الفقر والبطالة فإن النظام الإيراني يوجه نفقات كبيرة جداً لإدامة مليشياته في المنطقة، فحزب الله في لبنان ومنذ تأسيسه مطلع الثمانينات يعتاش ويعيش على ما يصله من موارد مالية من طهران، حتى وإن اعتمد في بعض المراحل على تجارته للمخدرات أو السلاح، كما كشف ذلك تحقيق موسع لمجلة فورين بوليسي الأمريكية.

أما في العراق فعلى الرغم من أن إيران استفادت من التغلغل والسيطرة على عراق ما بعد 2003 وتحويله إلى سوق ضخمة لبضائعها الرديئة، إلا أن الأحزاب والمليشيات والإعلام الذي تدعمه إيران في العراق يستنزفون جزءاً كبيراً من موارد إيران المالية؛ فعلى سبيل المثال هناك في العراق أكثر من 40 فصيلاً مسلحاً يعتاشون على ما تقدمه لهم إيران من إمدادات وتصرفه لهم من رواتب شهرية، ناهيك عن المئات من السياسيين العراقيين ممَّن وظفتهم إيران وتنفق عليهم وعلى أحزابهم منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، طبعاً لا يمكن أن ننسى الإعلام الذي تموله إيران في العراق، وهو إعلام كبير جداً تدفع له شهرياً ملايين الدولارات.

أما في سوريا فالحديث عن الدعم الذي قدمته إيران لنظام بشار الأسد معروف جداً، فلولا الدعم الإيراني ومن بعده الدعم الروسي لكان هذا النظام القابع في دمشق في خبر كان.

وكذا الحال في اليمن؛ حيث أسهمت إيران بدعم الحوثيين منذ سنوات وسلحتهم ودربتهم، وما زالت تتحين الفرص من أجل مدهم بالسلاح والمال، وحتى بالمقاتلين إن اقتضت الحاجة.

أما أذرع إيران حول العالم بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط، فهي الأخرى كانت تستنزف جزءاً كبيراً من موارد الشعب الإيراني، حيث سخره نظام الملالي لخدمة أهدافه التوسعية.

الشعب الإيراني يعرف ويدرك حقيقة ما جرى، العالم اليوم لم يعد خاضعاً لأنظمة الستار الحديدي كما كان أيام الشيوعية والحرب الباردة، فلقد رفعت الحواجز وتحول العالم ليس إلى قرية صغيرة وإنما إلى بيت واحد فيه غرف عدة، إن شئت فيه غرف شفافة.

نعم حركت التظاهرات في إيران الحاجة والفقر والبطالة والفساد وضياع الفرص وعدم وجود متنفس، ولكن أيضاً حرك التظاهرات حجم الظلم الكبير الذي تعرض له الإيرانيون طيلة أربعة عقود من الزمن.

لقد استنزف النظام الإيراني موارد شعبه على مغامرات بائسة وتوهم العظمة والتفرد في منطقة لا تقبل بهذا المنطق كونها عصب العالم الاقتصادي، ودغدغت مشاعره أحلام إمبراطورية فارس، مستغلاً المذهب وقضية فلسطين التي تركت بلا راع بعد ذهاب عراق صدام حسين، فتوسع وراح يسطو كسارق ليل على هذه العاصمة العربية أو تلك، جاعلاً من الثورات العربية التي انطلقت لقلع أنظمة الفساد والاستبداد حصان طروادة لإيجاد موطئ قدم لأحلامه على رقعة العالم العربي المنكوبة أصلاً، وفاته أن وراءه شعباً يمكن أن يسأله ذات يوم؛

أين ذهبتم بنا؟ وماذا جنينا من سياساتكم التوسعية؟

نعم يمكن أن تندلع ثورة في إيران، ولم لا ؟ فالنظام قمعي استبدادي جعل من المذهب والدين مطيته لتحقيق أحلامه، وهو نظام فاسد أفقر شعبه، فعلام نستكثر على الإيرانيين أن يثوروا؟

المصدر الخليخ اونلاين

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top