حجية السنة بين ضوابط أهل السنة وأهواء الشيعة
الخلافات بين أهل
السنة والجماعة والشيعة ليست خلافات فرعية بسيطة كما يدعي البعض, بل هي
خلافات عقائدية جوهرية, وكيف لا والشيعة يقرون بتحريف القرآن الكريم
ونقصانه, وهو دستور المسلمين ومصدر التشريع الأول في الإسلام, فقد أورد أحد
علمائهم الشيخ يحيى تلميذ الكركي قوله: (مع إجماع أهل القبلة من الخاص
(الشيعة) والعام (أهل السنة) أن القرآن الذي في أيدي الناس ليس القرآن
الكريم كله, وأنه قد ذهب من القرآن ما ليس في أيدي الناس)(1).
ويورد الكليني
رواية في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إن القرآن الذي جاء به
جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية)(2).
ومن المعروف أن
القرآن الذي بين أيدينا (6263) آية فقط, مما يعني حسب زعمهم أن ثلثي القرآن
ناقص ومخفي, تعالى الله وكتابه عما يقولون علواً كبيراً.
ولعل السبب الأهم
الذي دفع الشيعة لادعاء نقصان القرآن وتحريفه, هو عدم ذكر القرآن الكريم
موضوع الإمامة, التي يدعي الشيعة أنها من لوازم الإيمان, ومن أهم أسس
العقيدة عندهم, فالإمامة منصب إلهي كما يدعون, فكما أن الله تعالى يختار من
يشاء من عباده للنبوة والرسالة, ويؤيده بالمعجزة الدالة على صدقه، فكذلك
يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه, وأن ينصبه إماماً للناس من
بعده(3).
ورغم أهمية الاختلاف بين أهل السنة والجماعة, الذين يعتقدون بحفظ الله تعالى للقرآن من التحريف والتبديل والنقصان, بقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9],
وبين الشيعة الذين يعتقدون بنقصان القرآن الكريم وبالتالي تحريفه, فهم
يزعمون أن القرآن الحقيقي الصحيح مخفي عند القائم - كما يسمونه - من ولد
علي رضي الله عنه, وأنه سيأتي قبل يوم القيامة كما يزعمون(4).
أقول: رغم
الاختلاف الكبير في قضية القرآن الكريم, إلا أن الشيعة الرافضة مضطرون
ومأمورون في الظاهر باعتماد القرآن الذي بين أيدينا, ريثما يأتي زمان
القائم الذي معه القرآن الصحيح كما يزعمون, فتبقى حجية السنة النبوية هي
الأهم والأكثر ظهوراً ووضوحاً في اختلافات أهل السنة والجماعة والشيعة
الرافضة؛ فرغم اشتراك الطائفتين في اعتبار السنة النبوية مصدراً للتشريع,
إلا أن سنة الشيعة مختلفة تماماً عن السنة عند أهل السنة والجماعة, فبينما
يعتمد أهل السنة والجماعة على ما تضمنه صحيحي البخاري ومسلم, وما تضمنته
كتب السنن الأربعة والمسانيد والمعاجم من أحاديث, ضمن ضوابط علمية تتعلق
بالسند وعلم رجال الحديث والجرح والتعديل وغير ذلك من شروط الأخذ بالأحاديث
النبوية سنداً ومتناً لتكون حجة في التشريع بعد القرآن الكريم.
نجد الشيعة
يعتمدون على ثمانية مصادر للأحاديث المروية عن الأئمة كما يدعون ويسمونها
(الجوامع الثمانية) أربعة منها متقدمة وهي: (الكافي) للكليني و(من لا يحضره
الفقيه) لابن بابويه القمي و(تهذيب الأحكام في شرح المقنعة) و(الاستبصار
فيما اختلف فيه من الأخبار) لأبي جعفر الطوسي, وأما الأربعة المتأخرة فهي:
(بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار) لمحمد باقر المجلسي
و(وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) لمحمد بن الحسن الحر العاملي
و(الوافي) لمحسن الكاشاني و(مستدرك الوسائل ومستنبط الوسائل) لحسين النوري
الطبرسي.
والمدقق بين
السنة المعتمدة عند أهل السنة والجماعة وبين السنة المعتمدة عند الشيعة يجد
اختلافاً كبيراً كاختلاف ما بين النور والظلام, وبوناً شاسعاً كالمسافة ما
بين السماء والأرض، فبينما اعتمد أهل السنة والجماعة على أحاديث متصلة
السند إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم, ضمن ضوابط محكمة من علم رجال
الحديث والجرح والتعديل وغير ذلك من الشروط والضوابط، نجد الشيعة يعتمدون
على أحاديث منقطعة السند, لا تستند على أي أساس علمي أو منطقي, وإنما على
أهواء وميول وأحقاد, جعلتهم ينسبون للنبي صلى الله عليه وسلم, ولعلي رضي
الله عنه وغيره من الصحابة الكرام أحاديث وأقوال وأفعال ما أنزل الله بها
من سلطان.
ولعلي بهذه
العجالة أبين للقارئ الكريم أهم الفروق بين حجية السنة عند أهل السنة
والجماعة المستندة على شروط وأصول وضوابط علمية شرعية, وبين السنة التي
يحتج بها الشيعة الرافضة, والتي لا تستند على شيء من ذلك.
الفرق الأول: زمن تدوين السنة:
فبينما بدأ تدوين
السنة عند أهل السنة والجماعة بشكل متسلسل ومتصل منذ عهد النبي صلى الله
عليه وسلم, حين سمح النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام بكتابة الحديث
بعد منعه من ذلك خوفاً من اختلاطه بالقرآن الكريم في بداية نزول الوحي,
حيث ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قوله: "كنت أكتب كل
شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا:
أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن
الكتاب, فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه
فقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق»" [سنن أبي داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1532].
ثم استمر
الاهتمام بتدوين السنة زمن الصحابة - وإن كان الغالب الحفظ في الصدور - من
خلال الصحف التي دون فيها بعض الأحاديث النبوية خوفاً من النسيان, كصحيفة
علي رضي الله عنه, حيث ورد عن أبي جحيفة قوله لعلي رضي الله عنه: "هل عندكم
كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهماً أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه
الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم
بكافر" [صحيح البخاري برقم 111].
ثم سار التابعون
على نهج الصحابة, فكتب السنة عروة بن الزبير والزهري ومجاهد وسعيد بن جبير
والحسن البصري وغيرهم كثير, وهذا لا يخالف ما رواه البخاري من أن عمر بن
عبد العزيز هو الذي أمر بتدوين السنة في مطلع القرن الثاني الهجري, فإنما
أراد جمع الجهود المتفرقة التي كانت موجودة فعلا قبل ذلك(5).
وأما عند الشيعة
فلم يبدأ تدوين السنة في الحقيقة إلا في سنة 290 هجرية, كأقدم جمع لآثارهم,
والتي جمعها أبو جعفر القمي محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفى سنة 290
هجرية, وذلك رغم ظهور كتاب سليم بن قيس الهلالي المتوفى سنة 138 هجرية,
إلا أن الكتاب مطعون فيه من الشيعة أنفسهم, كما جاء على لسان علمائهم(6)؛
نظراً لقوله: إن الأئمة 13، بينما جميع كتب الشيعة تقول إنهم 12, ومع ذلك
تجد بعض العقائد والمرويات في كتاب سليم بن قيس هذا تروى وتقرر في كتب
الشيعة, في تناقض صارخ بين أقوالهم وأفعالهم, ثم جاء الكليني سنة 328 هجرية
بكتابه (الكافي) ليكون المرجع الأساسي للتآليف بعد ذلك(7).
فالفارق الزمني في التدوين والاتصال والتسلسل واضح بين أهل السنة والشيعة.
الفرق الثاني:
بينما يشترط أهل
السنة والجماعة في الحديث أن يكون مسنداً, أي أن يرويه رجل عن رجل من
الراوي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, مع اشتراط العدالة والضبط من
أوله إلى منتهاه دون شذوذ أو علة قادحة, في علم يعتبر مفخرة لهذه الأمة لم
ينله غيرها, كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (علم الإسناد والرواية مما خص
الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وجعله سلماً إلى الدراية, يفرقون به
بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم, فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به
المنقولات, وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات, وغيرهم من أهل
البدع والكفار, إنما عندهم منقولات يأثرونها دون إسناد, وعليها دينهم
الاعتماد, وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل...)(8).
بينما الشيعة
يزعمون رواية أحاديثهم عن آل البيت, ولكن دون سند ولا ضبط ولا شيء من هذا,
بل هو الكذب والتلفيق, وإن وجد السند ظاهرياً فلأهداف وغايات لا علاقة لها
بعلم تصحيح الأحاديث أو تضعيفها, بل للتخلص من نقد أهل السنة لهم، كما
يعترف بذلك الحر العاملي أحد أئمتهم بقوله: (والفائدة في ذكره - أي السند -
دفع تعيير العامة - أي أهل السنة - الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة بل
منقولة من أصول قدمائهم)(9).
الفرق الثالث:
الزيادة والنقصان
في المتن عند الشيعة معروف وموجود, بل يعترف به أئمتهم, كما ورد في الكافي
للكليني: عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أسمع
الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس)(10).
بينما لا يجوز
الزيادة أو النقصان في المتن عند أهل السنة والجماعة, فالزيادة والنقص في
متن الحديث تعتبر كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعاً إن كان
بقصد, وإن كانت بغير قصد فهي غلط وعدم ضبط, وكلاهما لا يؤخذ الحديث عنه عند
جماهير علماء أهل السنة والجماعة.
سئل الإمام أحمد
بن حنبل: عمن يؤخذ العلم؟ فقال: عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو
إليه, أو كذاب فإنه لا يكتب عنه قليل ولا كثير, أو عن رجل يغلط فيرد عليه
فلا يقبل(11).
فالعدالة بعدم
الاتهام بالفسق وخوارم المروءة, والضبط بالحفظ وعدم النسيان أو الغلط من
أهم شروط الراوي في الحديث عند أهل السنة والجماعة.
الفرق الرابع:
الصحابة كلهم
عدول عند أهل السنة والجماعة, بمعنى أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله
صلى الله عليه وسلم, لما اتصفوا به من قوة الإيمان, والتزام التقوى
والمروءة, وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور, وليس معنى عدالتهم أنهم
معصومون من المعاصي أو من السهو والغلط, فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل
العلم, وعدالة الصحابة جميعا أساس لا بد منه لنقل السنة النبوية الصحيحة
إلينا, فهم الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم, ولولاهم لما وصل
إلينا من حديثه صلى الله عليهم شيئا(12).
بينما قدح الشيعة
الرافضة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبالغوا في العداء لهم
وكفروهم وحكموا بردة خيارهم, بل جعلوا لعنهم صباح مساء عبادة لهم, ولا يخلو
كتاب من كتبهم من هذا السب والقدح, ومن ذلك مثلاً:
فعن أبي جعفر
عليه السلام قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا
ثلاثة. فقلت ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود, وأبو ذر الغفاري,
وسلمان الفارسي, ثم عرف أناس بعد يسير... (12).
وهؤلاء الذين
عرفوا عددهم أربعة فقط, ليصبح مجموع الذين نجوا من الردة في كتب الشيعة
سبعة, فهل يعقل أن تؤخذ السنة النبوية بكل تفاصيلها من سبعة فقط؟!
الفرق الخامس:
بينما يشترط أهل
السنة والجماعة رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فالحديث
بتعريفهم: كل ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير,
فإن لم يكن مرفوعا سمي موقوفاً وهو ما أضيف إلى الصحابي, أو مقطوعاً وهو
ما أضيف إلى التابعي, وكلاهما ليس بمنزلة الحديث المرفوع, بغض النظر عن حكم
الجميع صحة وضعفا بحسب السند في كل منهم(14).
بينما يكتفي
الشيعة الروافض برواية الحديث عن أحد أئمتهم الإثني عشر الذين يعتقدون
عصمتهم, فيعلم بذلك صحة الحديث ونسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما
يدعون, بل عندهم في عقيدتهم أن الإمام المعصوم إذا حدث بحديث يجوز لك أن
تقول: قال الله!!
يقول عبد الله
فياض أحد شيوخهم المعاصرين: (إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي
تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم,
كما هو الحال عند أهل السنة والجماعة)(15).
بل إن
المازندراني شارح الكافي يقول: (يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله أن
يرويه عن أبيه أو عن أحد أجداده, بل يجوز أن يقول: قال الله!!)(16).
إن الفروق كثيرة
ومتشعبة - لا يمكن حصرها هنا - بين حجية السنة عند أهل السنة والجماعة,
المنضبطة بشروط اتصال السند والعدالة والضبط وعدم الشذوذ, التي تميز الحديث
الصحيح من السقيم كالضعيف والموضوع, من خلال علم عظيم يعتبر أعجوبة هذه
الأمة وميزة تفتخر بها, ألا وهو علم الجرح والتعديل لرواة حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم, وبين حجية السنة عند الشيعة الرافضة, التي لا سند لها
ولا أصل ولا فصل, بل هي عبارة عن أكاذيب وأباطيل, لمجموعة من الحاقدين
والحانقين على هذا الدين, وضعت في مصنفات وكتب, لا يحتاج كشف زيفها
وبطلانها إلا قراءة بعضها, من كثرة ما تحمله حروفها من الكذب البواح.
فهلا زاد المسلم من القراءة والمطالعة ليكون على بينة من دينه وعقيدته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي 23.
(2) الكافي للكليني 2/634.
(3) انظر الفرق بين الرسول والنبي والامام عندهم الكافي للكليني 1/230.
(4) انظر هذه الرواية الخرافية المزعومة في الاحتجاج للطبرسي 70-77.
(5) علم الحديث بين أصالة أهل السنة وانتحال الشيعة أشررف الجيزاوي 352.
(6) أقوال هاشم معروف الحسيني و ابن داود الحلي وأبو القاسم الخوئئي في دراسات في الحديث والمحدثين 197.
(7) أصول مذهب الشيعة 1/352.
(8) مجموع الفتاوى ابن تيمية 1/9.
(9) وسائل الشيعة 30/258.
(10) أصول الكافي للكليني 1/51.
(11) الكفاية في علم الرواية 144.
(12) مناهل العرفان للزرقاني 1/122.
(13) روضة الكافي 8/245.
(14) منهج النقد في علوم الحديث د. نور الدين العتر 1/325.
(15) تاريخ الإمامية عبد الله فياض 140.
(16) شرح أصول الكافي محمد صالح المازندراني 2/226.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).