0
ادعاء أن عائشة أذاعت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: إن عائشة أذاعت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم:3]
الرد:
أولاً: قد ثبت في الصحيح أن المقصود بهذه الآية هما عائشة وحفصة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
ففي صحيح البخاري: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فواطيت أنا وحفصة على: أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: «لا، ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحداً».
وفي رواية: «بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له»، فنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ - إلى - وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم:4].
ثانياً: أهل السنة والجماعة لا يحاولون طمس الحقيقة بل هذه الحادثة مدوّنة في أصح كتاب بعد كتاب الله في صحيح البخاري، والحديث المُسَر هو تحريم رسول الله لجاريته مارية القبطية على نفسه، أو امتناعه عن أكل العسل عند زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها.
ثالثاً: أما قولهم قوله تعالى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ يدل على كفر عائشة وحفصة رضي الله عنهما؛ لأن قراءتهم: "فقد زاغت قلوبكما" كما ذكرها النوري الطبرسي [في فصل الخطاب ص 313 والبياضي في الصراط المستقيم 3/168]، وقالوا الزيغ هو الكفر.
وهذه الدعوى باطلة أيضاً لأن الزيغ الميل، وهذا الميل متعلق بالغيرة لا غير، والزيغ والميل في هذه المسألة والغيرة بين الضرائر ليست زيغاً عن الإسلام إلى الكفر، فالغيرة من جبلة النساء ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية.
وعائشة وحفصة رضي الله عنهما قد مال قلبيهما إلى محبة اجتناب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته، وتحريمهما على نفسه أو مالت قلوبهما إلى تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان مباحاً له كالعسل مثلاً.
رابعاً: الغيرة بين أزواج النبي حاصلة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرى ذلك ويبتسم ويقرهن على هذا، لأن هذا من طبائع النساء، ولم يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرتهن، كما في البخاري من حديث عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمكم»، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت".
وكذلك غيرة سارة زوجة إبراهيم عليه السلام من هاجر عليهم السلام.
خامساً: الله عز وجل دعاهما إلى التوبة بقوله: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾، فهما قد تابتا ورجعا إلى الله عز وجل، وهذا عتاب من الله لهما كما عاتب الله نبيه وحبيبه وصفيه محمداً صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التحريم:1]، هل يقول قائل نأخذ بمفهوم المخالفة لمن فطرته منكوسة وأفهامه معكوسة ويقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتغِ مرضات الله، وإنما الله يربي نبيه ويربي أزواجه ويؤدبهم ويصطفيهم حتى يعلي قدرهم بين العالمين.
وهذا نظير قوله تعالى: (وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) [الإسراء:74-75]، ونظير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب:1]، هل يقول عاقل بأن الرسول ليس من المتقين، أو أنه كان يطيع الكافرين والمنافقين؟
وكقوله تعالى لنوح: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود:46]، فهل كان نوح من الجاهلين؟

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top