في هذا المبحث
سنلقي الضوء على شعر الخميني أولاً، ومن ثم نتعرف على أصول الخميني من خلال
شعره المنشور في ديوانه بالترجمتين العربية عن الفارسية، ونقيم الحجة على
المعارضين؛ لأن الكلام مصدره الخميني نفسه.
الخميني الشاعر:
من المعروف إن موقف الإسلام من الشعر واضح وليس فيه غموض، فقد ورد في سورة الأنبياء: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾، وفي سورة الشعراء: ﴿وَالشُّعَرَاءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ
يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾، وفي سورة الصافات: ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾، وفي سورة الطور: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾، وفي سورة الحاقة: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾، وأخيراً في سورة يس: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ﴾.
وهذا الأمر يفسر
لنا تقلص الشعر في فجر الرسالة الإسلامية، ورغم محاولة البعض من أن يستشف
من خلال السور الكريمة السابقة أن الغرض ليس التقليل من أهمية الشعر، بقدر
ما هو نفي صفة الشعر عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن اتهمه قومه
بالشعر.
صحيح أن بعض
السور تشير إلى هذه الحالة وتؤكدها على اعتبار أنه لا يجوز الجمع بين
النبوة والشعر، لكن توجد سور أخرى تشير إلى نبذ الشعراء كما يتجلى في سورة
الشعراء. فقد حُددت صفاتهم بالغاوين والمنافقين على اعتبار أنهم يقولون ما
لا يفعلون. وقد أخرج الإمام البخاري : «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعرا» [صحيح البخاري4/50]. بل وصف الشاعر الفحل امرؤ القيس: "إنه أشعر الشعراء، وقائدهم إلى جهنم".
البعص الآخر يظن
بأن الشعر لم يجزر في فجر الدعوة بل ارتقى وتهذب وتحددت أغراضه ليتوافق مع
خلق الإسلام. يمكن القول أنه من هذه الزاوية فقط، يمكن تأييد صحة ذلك، لكن
هذا لا ينفِ حقيقة جزره بسبب انشغال المسلمين بالدعوة الجديدة وحفظ القرآن
الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والفتوحات وغيرها. لاشك إن
الإسلام ضد العصبية والعشائرية والمفاخرة بالأنساب والكهانة والتكسب من
وراء الشعر والنفاق والغواية والمغالاة والإسراف في المديح والهجاء
والإبتذال الجنسي، وهذه أبرز أغراض الشعر حينذاك.
ربما يستشهد البعض بقول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «اهجِ قريشاً فو الله لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام من غلس الظلام»، وكذلك حديثه: «لشعرك أجزل عند قريش من سبعين مقاتلاً، ولشعر كعب بن مالك أشد على قريش من رشق»،
على اعتبار أن هذا المديح يعني تشجيعاً للشعر! لكن من المعروف - لو صحت
هذه الأحاديث على قلتها - فإن النبي صلى الله عليه وسلم ربما رغب في دعم
فجر الدعوة بالشعراء والرد على الشعراء الذين ناصبوه العداء، سيما أن الشعر
كان أفضل وسيلة إعلامية وقتها، ولكن سرعان ما تخلى عنهم. وربما كان حديثه
الشريف قد سبق نزول الآيات المذكورة. ولا يغرب عن بالنا أن قريشا هم قوم
النبي صلى الله عليه وسلم وهجاؤهم يعني هجاءً لأهله وعشيرته، وهذا أمر لا
يعقله لبيب، سيما أن هناك الكثير من الأحاديث النبوية التي تشيد، بقريش
وافتخار النبي صلى الله عليه وسلم بأصله القريشي. علاوة على ذلك هناك أبيات
لا تزيد عن عدد الأصابع نُسبت للخلفاء الراشدين الثلاثة أيضاً، ولا نعرف
مدى صحتها، رغم أنها تصب في خدمة الدعوة الإسلامية والإشادة بالنبي صلى
الله عليه وسلم.
لكن
الطامة الكبرى هي في ديوان الشعر الذي نسب للخليفة الرابع الإمام علي،
بالرغم من أن جميع الروايات التي تتحدث عنه بلسانه تخلو من الاستشهاد
بالشعر، كما لم يُسمع يوماً من النبي صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء
الراشدين إشارة إلى شعر الإمام علي، أو استشهاد أولاده كالحسن والحسين
بأبيات من شعره أبيهم المزعوم. والإمام علي أدرى من غيره بموقف الإسلام من
الشعر، ولكن نسب الشعر إليه لا يعد غريباً، فهذا الصحابي الجليل ظُلم من
المهد إلى اللحد على أيدي من يدعي أنهم أتباعه! فقد نسبوا له صفات ربانية،
ونسبوا إليه فنون السحر والشعوذة والدجل، ربما الشعر يُعد أسهل من بقية
الصفات المنسوبة إليه.
كالعادة
انبرى الصفويون الجدد إلى تمجيد الشعر الذي يصب في خدمة العقيدة وتحفيز
الشعراء للإشادة بسيرة الأئمة وسماتهم. وهناك من أدخل الغاوين والمنافقين
إلى الجنة بسبب قولهم الشعر فقط في مدح أهل البيت، حتى لو كان الشعراء من
الزنادقة والماجنين! فقد نسبوا للإمام المفترى عليه الصادق القول: "من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنّة" [وسائل الشيعة10/467]. وزادوا الطين بلة بأن نسبوا له القول: "ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به، إلا أوجب الله له الجنّة وغفر له" [رجال الشيخ الطوسي/ 289].
وهذا أمر عجيب! فالجنة عند الصفويين غير جنة المسلمين، هي مفتوحة الأبواب
لمن يقول الشعر في أهل البيت، ولمن يبكي على الحسين، ولمن يمارس المتعة،
ولمن لا يؤدي أي فروض إسلامية! أي جنة هذه؟ ربما هناك خلط بين الجنة والنار
في عقولهم المريضة!!
الحقيقة أن الجمع
بين الدين والشعر تبدو فكرة غير مستساغة، إلا في حال كون الشعر بأكمله
ينصب على العقيدة، ولا يخرج عن ضوابط الإسلام المعروفة، وهذا ما لا نجده في
الدواوين المنسوبة للإمام علي والإمام الشافعي وغيرهم، مما يجعلنا في شك
من أمرها، والله أعلم.
يبدو أن الأحاديث السابقة المنسوبة للأئمة شجعت الخميني على الخوض وحل الغاوين والمنافقين، والحقيقة أن الآية الكريمة: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ تنطبق على الخميني بحذافيرها.
في الديوانين
المنشورين للخميني بترجمة عن الفارسية لمحمد علاء الدين منصور. والآخر
لغسان حمدان. هناك العديد من القصائد التي تفتقر إلى الإلهام الشعري والحدس
والإبداع التصويري، والخيال الواسع، والبلاغة الرصينة، ناهيك عن بقية
الالتزامات في الشعر كالوزن والقافية، ربما لأن شعره بالفارسية، لذا لم
يلزم نفسه بها، ولم يتمكن المترجمان من معالجتها، فبقيت جمل ركيكة مضطربة،
تحاول أن تجسد الأفكار العقائدية بطريقة رتيبة ومملة للغاية بسبب التكرار.
فالديوان معظمه يتناول كلمات مكررة كـ: المعشوقة والحانة والسكر والدرويش
والخانقاه والحجاب والسفور، والطاووس. من الصعب جداً أن ينتقل القارئ من
محطة شعرية إلى محطة أخرى دون أن يتوقف كاستراحة من الملل والسأم والركاكة.
علاوة على الأخطاء الإملائية التي يزخر بها ديوانه مع أنه يجيد اللغة
الغربية ويفترض به والمترجمان أن يلاحظا ذلك ويتلافيانها.
من شعره الركيك على سبيل المثال:
"لن يذهب ببغاء بستان المحبة إلى صومعة البوم.
وأنى لصقر الفردوس أن يكون كلباً معلماً" [الديوان. ترجمة غسان حمدان/77].
ومنه:
"لقد منح تقبيل حبيبتي وعناقها روحي الحياة، وفي فراقها ما من خبر عن التقبيل ولا العناق" [الديوان/114].
كذلك:
"ففكِ عني قيدي لكي أطير متشقلباً، خرقتي الملوثة هذه وسجادة الرياء" [الديوان/144].
ومنه:
"ونحن في حوزة اصحاب النظر كالثلج باردين" [الديوان/157].
كذلك:
"إني بعوضة ولكني أغدو طاووساً بلطفك" [الديوان/253].
صدق الخميني في قوله في قصية (أصحاب الألم) :"في معبد الأوثان نحن كالرجال أوفياء العهد مع عبدة الأصنام" [الديوان/157].
وفي بعض أشعاره توجد مغالاة لحد الكفر، كقوله في موسى بن جعفر:
"وإذا لم يقل موسى بن جعفــــــــــر ولي الحضرة الإلهية إنه إمام للخلق
فإني أعلنها صراحة أنه رسول الله ومعجـزته ابنــته هذه بــلا شــــــــك".
لاحظ ركاكة
الشعر، والغاية الخبيثة منه، فهو يعتبر فاطمة بنت موسى معجزة! وهي صبية
عليلة لا ذكر لها في التأريخ سوى أنها كانت مريضة وماتت خلال سفرها للقاء
أخيها الرضا. فما هي المعجزة التي أتت بها؟ ثم كيف يجرأ على وصف موسى
الكاظم بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون نبياً؟ ويتمادى في
المغالاة معتبراً أن الفاطمتين:
وهما ابنتان لم يأت مثلهما من * * * مشيمة القدرة ولن يأتي مقدر قــط
وهذا الشعر نفسه قد حوره من شاهنامة الفردوسي:
من هذا العالم إلى أربعمئة سنة لاحقه * * * لن يرى العالم مثل هذه النطفة
ويصف الفاطمتين بقوله:
"الأولى صارت على فرق الأنبياء تاجاً، والثانية على رأس الأولياء مغفر" [الديوان/308].
قد فهمنا فضل
فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها بنت رسول الله لا غير. لكم ما هو
فضل فاطمة بنت موسى الكاظم؟ وهل الفاطمتان أفضل من مريم العذراء وآسيا
زوجة فرعون وخديجة؟ ثم أفضل بماذا؟ ولماذا؟ ماذا قدمتا للإسلام لتكون
إحداهما تاجاً فوق الأنبياء، والأخرى كالذات المقدسة بيدها صك الغفران؟
كالعادة فبرك
الشعوبيون أحاديثاً هزيلة ونسبوها للأئمة منها: عن الإمام الصادق: "إن
للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها لأهل قم، تقبض فيها إمرأة من ولدي، واسمها
فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم" [بحار الأنوار60/288]، وعن الإمام الرضا: "من زارها عارفاً بحقها فله الجنة" [عيون أخبار الرضا 2/267]، دون أن يكلف نفسه بتعريفنا ما هو حقها؟ وعنه أيضاً: "من زار المعصومة بقم كمن زارني" [رياحين الشيعة 5/35]، وعن الجواد: "من زار قبر عمتي فله الجنة" [كامل الزيارات /536]. أحاديث تافهة تفضح نفسها بنفسها بأنها من صنع الصفويين وليس الأئمة.
حاول الخميني أن يجمع بين الإسلام (نور فاطمة) والزرادشتية (قوى النور والظلام) في شعره حيث يذكر في ديوانه:
ولا عجب لهذا الممكن؛ لأن نوره من الزهراء التي نورها من علي ونوره من الرسول
ونور الله في الرسول الأكرم ظاهر، وتجلى نوره على علي الحيدر القائد
وشع منه على حضرة الزهراء، ثم ظهر من ابنه موسى بن جعفر
هو ذاك النور الذي خلقته مشيئة كن، وهو العالم الذي ينير العالم
ذاك النور هو النور الذي من تجلي القدرة أضفى على آنسات الوجود زينة وبهاء
ولو علم الشيطان بهذا النور ما قال عن آدم إنه من تراب وهو من طين وهو من نار
شرف الممكنات كلها من هذا النور، وإلا لبطلت عن بكرة أبيها
[الديوان/ ترجمة محمد علاء/213].
وحول نور فاطمة
المزعوم أجاب جواد التبريزي عن سؤال يتعلق بحضور فاطمة في مجالس النساء
بقوله: "الحضور بصورتها النورية في أمكنة متعددة في زمان واحد، لا مانع
منه، فإن صورتها النورية خارجة عن الزمان والمكان، وليست جسماً عنصرياً
ليحتاج إلى الزمان والمكان" [للمزيد راجع صراط النجاة للخوئي3/438]، طرح زرادشتي واضح.
في قصيدة الخميني
بعنوان (الانتظار) عن الإمام المهدي، يتجاوز الخميني بشكل سافر على القرآن
الكريم بقوله: "إن القرآن كله فصل مختصر في مدحه. سلطان الدين ملك الزمان،
مالك رقاب الرجال والنساء" [الديوان/213].
ويتلاعب الخميني في شعره بألفاظ القرآن الكريم ولا يحصر الآيات بين أقواس كقوله: "قل للمدعي حسبك جنة النعيم" [الديوان/46]، ويقصد بها آية سورة الشعراء: ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ [الشعراء:85].
وقوله: "العارفون بوجهك، كلهم ظلوم وجهول" [الديوان/50]، في إشارة إلى سورة الأحزاب: ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:72]/ و: "إن كنت آدمياً فما حدث لعلم الأسماء؟ [الديوان/85]، من قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة:31]، وأيضا: "قل لجميع الموابذة، إن طريقنا يختلف وطريقكم، فلكم دينكم ولي ديني" [الديوان/124]، من سورة الكافرون: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:6]، وكذلك يفعل مع الأحاديث النبوية الشريفة كقوله: "ان الفقر فخر إن فرغ المرء من العالم" [الديوان/77]، وهو من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الفقر فخري، وبه أفتخر».
الخلاصة: من ديوان الخميني تخرج بنتائج:
أولهما: تمجيده لملوك المجوس:
له قصيدة بعنوان (شيخ المجوس) مطلعها: "العهد الذي كنت قد عقدته مع الشيخ بائع الخمر" [الديوان/123]،
ويشبه قلبه بدير المجوس: "كروب عشقك بروحي غير أني لا أفصح عنها لأحد. لا
أقدر نشر مكنون قلبي لأمرئ. فليس في دير المجوس هذا من يكتم الأسرار" [الديوان/64]. وكذلك: "اعتكفت من بعد هذا بباب شيخ المجوس؛ إذ أغناني عن كلا الدارين برشفة من خمرة" [الديوان/74]. ومنه: "كنٌ خادم شيخ المجوس ففي مذهب العشق ما من حاكم غير المعبودة حاملة الكأس" [الديوان/102]. وقوله: "جئت إلى باب شيخ المجوس صاحب الأسرار. طردوني عن زقاقك بإذلال" [الديوان/130]. و: "وأنا جئت مترنماً إلى دير المجوس بقلب حزين، وتوجهت من الدير إلى المسجد" [الديوان/130]. و: "فلا تحقرن كوخ شيخ المجوس فإني أشم عطر الحسناء من بابه وجدرانه" [الديوان/148]. و: "في بلاط شيخ المجوس شيوخ عبيد مضاجعون للمحبوبة" [الديوان/161]. و: "حلٌ الربيع فمزقوا عمامة الزهد، واذهبوا إلى شيخ المجوس واستشيروه" [الديوان/356].
ولاحظ ما
يقول في هذه القصيدة في مدح آل ساسان له بعنوان (وصف الربيع ومدح أبي صالح
إمام الزمان) "استولت قوته (يقصد المهدي) على ما بين بلاد العرب وإقليم
إيران، وما بين أعالي بلجيكا حتى حدود غازان. والهند والقوقاز والحبشة
والبلغار والتركستان والسودان على طراز السهل والجبال باتساع بحر عمان، لقد
تلت دولته ومجده في العظمة دولة آل ساسان" [الديوان/325].
بمعنى حتى دولة المهدي المزعومة تأتي عنده في العظمة بعد دولة آل ساسان!
بل إنه يشبه المهدي بأحد ملوكهم بقوله: "وأمر الرعد أن يكون جاهزاً بامتثال
أمره كأنه الملك جمشيد" [الديوان/326].
ثانياً: تمجيد النوروز دون بقية أعياد المسلمين:
ولم يأتِ على
ذكرهما مطلقاً، مع إنه أشار إلى عيد ما يسمى بالغدير. من قصائده قصيدة
بعنوان عيد النوروز ومطلعها: "هبت ريح النوروز على السهل والجبال" [الديوان/29]. وكذلك: "ما دام تهب ريح النوروز كل سنة في البستان، وينبعث من غيوم آذار الريحان والزهر إلى الأرض" [الديوان/315]. أيضاً: "أحال النوروز القديم من جديد خيالاً للشباب" [الديوان/319]. و: "في هذا النوروز تسمع الجلبة والثورة في الجنان الثماني وللملائكة أيضاً في عالم اللاهوت" [الديوان/329]. و: "فهذا النوروز اقترن بميلاد المهدي" [الديوان/329].
ثالثاً: الإشادة بكسرى الذي مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم:
حيث يصف كسرى بالمقتدر، ويتغنى به متشبهاً بقوته: "إذ حولتني بجرعة واحدة إلى كسرى المقتدر" [الديوان/108]. وأيضاً: "لا تتكلموا عن عرش سليمان ولا كرة جمشيد فتاج كسرى الملك لدي" [الديوان/141]. كرة جمشيد حسب الأساطير الفارسية كرة بلورية يرى فيها الملك جمشيد العالم كله. و: "في حزنك يا وردتي البرية يا من أنت لي ككسرى" [الديوان/147]. و: "فيا كسرى الفلك المعلى، انظر برهة كرماً" [الديوان/314]، و: "فانبعث أيها الكسرى من غيبتك وأعن أهل الإيمان" [الديوان/332]، لاحظ يشبه المهدي بكسرى ويناشده البعث.
رابعاً: نظرة الغلو عند الخميني:
وهي نظرة لها
امتداد في الفكر المجوسي والزرادشتي القديم، وتتجلى في قصائده عن المهدي
وفاطمة المعصومة وغيرها. علاوة على بدعة نور فاطمة بنت محمد صلى الله عليه
وسلم المستمدة من صراع قوى النور مع الظلام في العقيدة المجوسية
والزرادشتية وعقيدة المخلص المستمدة من العقيدة الزرادشتية.
فقد جاء في كتاب
(تثبيت دلائل النبوة) بأن المجوس ادعوا بأن موعودهم المنتظر (الميت الحي)
هو(ابشاوثن ابن بشاسف)، ويقيم في حصن يقع ما بين خراسان والصين. كما جاء
أيضاً في السفر المجوسي (بونداهش وكذلك باهمان ياشت) بأن: "آخر رسل
المستقبل سيتجدد في زمانه ويصلح الكون ويقيم القيامة".
ومن الكتب
القديمة أيضاً التي تناولت فكرة المنقذ ما ذكره الهمداني بأن: "المجوس
يدعون لهم منتظراً حياً باقياً من ولد بشتاس يدعى بشاوثن، أإنه في حصن عظيم
بين خراسان والصين".
وجاء في مقتضب
الأثر لابن عياش، وبحار الأنوار للمجلسي: "لما جلى الفرس عن القادسية وبلغ
يزدجر بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه، وظن أن رستم قد هلك
والفرس جميعاً، وجاء مبادر وأخبره بيوم القادسية وانجلالها عن خمسيين ألف
قتل، خرج يزدجر هارباً في أهل بيته ووقف بباب الإيوان وقال: السلام عليك
أيها الإيوان ها أنا منصرف لكني راجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه
ولا آن أوانه. قال سليمان الديلمي: فدخلت على أبي عبد الله فسألته عن ذلك
وقلت له: ماقوله أو رجل من ولدي فقال: ذلك صاحبكم القائم بأمر الله عز وجل
فهو ولده"، وهذا كلام صريح بأن القائم من سلالة يزدجر وليس من سلالة النبي
صلى الله عليه وسلم.
خامساً: أن الكثير من شعر الخميني مسروق من ابن العربي والحلاج وابن الفارض والشعراء الفرس:
على سبيل المثال لا الحصر:
قال ابن العربي:
وبيت لأوثان وكعبة طائف * * * وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت * * * ركائبه، فالحب ديني وإيماني
ويذكر الخميني:
المسجد والصومعة والمعبد والدير والكنيسة
حيث يمر ذكرك وهو سكينة فؤادي
نحن حجب وأستار وأنقاب وألثام
والحجب هي ذاتها سري الغامض
[الديوان/42].
الخميني يعترف بأصوله الهندية:
عندما أشارت بعض
المقالات الأجنبية والعربية إلى الأصول الهندية للخميني، انتاب البعض الغضب
والهيجان، وأخذوا يشككون بهذه المقالات ويعتبرونها ذات أهداف مغرضة!
والمثير في الأمر أن المعارضين كانوا من العرب وليسوا من الفرس! وهذا طلسم
يصعب فك رموزه عندما يكون العرب أشد تعصباً للجنس الفارسي من الفرس أنفسهم!
روى ابن أبي شيبة أن جماعة من الصحابة قالوا لسلمان الفارسي: "صلِ بنا يا
أبا عبد الله أنت أحقنا بذلك! فقال: لا! أنتم بنو إسماعيل الأئمة، ونحن
الوزراء". وروي عن سلمان أيضاً قوله: "اثِنْتَانَ فَضَلْتُمُونَا بِهَا يَا
مَعْشَرَ الْعَرَبِ لاَ نَنْكِحُ نِسَاءَكُمْ وَلاَ نَؤُمُّكُمْ" [السنة2/336]، والحديث النبوي الشريف: «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء. إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي. الناس كلهم بنو أدم، وأدم من تراب».
وتجدر الإشارة
بأن اللقب النرجسي الذي أسبغه الخميني على نفسه (روح الله) يعود إلى النبي
يوسف عليه السلام، حيث جاء في التلمود: "وكانت روح الله مع يوسف" [التلمود/130]!
نشر موقع
(Burbuja) الإسباني مقالاً بعنوان (من هو الخميني؟) استند إلى وثائق سرية
تشير بأن الخميني لم يولد في إيران، ولا تجري في عروقه الدماء الفارسية،
وإنما هو ابن سيدة هندية من كشمير. وأنه لم يكن يستحق لقب آية الله الذي
تكرم به شريعة مداري للخميني عام 1964م كي ينقذه من حكم الإعدام الذي أصدره
شاه إيران بحقه، على اعتبار أن الحائز على لقب آية الله يُعفى من حكم
الإعدام. ويدعي صاحب المقال الوثائقي بأن والد الخميني هو(William Richard
Williamson) أي (وليم ريتشارد وليامسون) وهو من مواليد 1872م في بريستول،
وأورد الكاتب أسماء شهود يؤيدون كلامه، ممن عملوا في شركة النفط الإيرانية
البريطانية (بريتيش بتروليوم)، كشهادة الكولونيل آرشي تشيشولم (Archie
Chisholm) الذي تولى رئاسة تحرير صحيفة (فاينانشال تايمز). ويشير التقرير
بأن وليامسون اعتنق الإسلام وغير اسمه إلى (الحاج فضل الزبيري) وأنه تزوج
من (7) سيدات من العرب والهند. وأن أحد أبنائه هو (الخميني).
وبغض النظر عن
مدى صحة المعلومات الواردة، فإن الذي يدعم آراء المتشككيين في أصول الخميني
هو رفضه الحديث عن أصوله، وعدم معرفة النسابين شجرته العائلية، حيث
يتوقفون عند أبيه أو جده. وسواء كان الخميني من أصول هندية أو غيرها؛ فإن
عدم فكه لغز أصله ساعد على تثبيت أصوله غير الفارسية.
ومع هذا فإن
العرق الهندي بحد ذاته لا يعني إهانة للخميني، فالعرق الهندي ليس أقل أهمية
ومكانة من العرق الفارسي، والحضارة الهندية أكبر وأهم من الحضارة
الفارسية، والهند حالياً أهم وأقوى وأكثر تقدماً من جمهورية إيران. ولا
نفهم سر الانزعاج من الأصول الهندية للخميني إلا إذا اعتبر البعض أن الأصل
الهندي لا يشرف الخميني، وهذا حمق وغباء لا مثيل له.
فطن الخميني بأنه
من الصعب أن يقنع الناس بأنه من سلالة علي بن أبي طالب إذا بقي على أصوله
الهندية، ولذا فمن الأفضل أن يتوارى خلف جدار العنصر الفارسي، وذلك لأن
الفرس لا تهتم بالأنساب؛ فخيرهم يعجز عن ذكر اسم جده الرابع أو الخامس، قد
قال المتنبي:
وإنّما الناس بالملـــــــوك وما * * * تفلح عُربٌ ملوكها عجم
لا أدبٌ عندهم ولا حسب * * * ولا عهودٌ لـــــــــهم ولا ذمـم
ولأن بعض من ذرية الإمام علي عاشوا في بلاد فارس، ويمكن أن يطعم لقبه في جذعهم عنوة.
لكن محاولة
الخميني لإثبات نسبه للأئمة لم تثبت نجاحها، فالكذب حبله قصير، وسرعان ما
يتعثر لسانه بكلامه ويعود إلى أصوله الهندية. وربما نسبه غير الحقيقي فضحه
الله تعالى على لسان الخميني نفسه.
أن ادعاء النسب
جريمة مخلة بالشرف؛ لأنه يخلط في الأنساب، ويضيع للحقوق، علاوة على أنه كذب
صريح، وكفر. فقد ورد في الحديث النبوي الشريف: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار» [صحيح البخاري6/539]. وآخر: «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر» [صحيح البخاري12/54].
لاحظ مثلا ترجمة
غسان حمدان لسيرة الخميني، حيث يذكر: "ولد عام 1902 في خمين ابن أصغر لأب
كان الزعيم الديني لمدينته، ولأم من عائلة دينية هي الأخرى، كانت معروفة
ومحترمة في خمين" [ديوان الخميني/7]. هذا كل ما جاد به لنا مترجم ديوانه عن أصول الخميني! وكذلك بقية الكتاب الذين تحدثوا عن سيرته.
عن ترجمة حياة
الخميني في موسوعة ويكيبيديا ورد: "هاجر أجداد الخميني من موطنهم الأصلي
نيسابور الواقعة في شمال شرق إيران إلى مملكة عودة الواقعة في شمال الهند،
والتي كان يحكمها حاكم شيعي من أصول فارسية. استقرت العائلة المهاجرة في
قرية كنتور. جد الخميني سيد أحمد موسوي الهندي ولد في كنتور، اضطر لمغادرة
الهند عام 1830 إلى مدينة النجف العراقية. وعام 1834 غادر النجف إلى فارس
ليستقر عام 1839 في مدينة خمين. وتزوج في خمين لاحقاً وأنجب ثلاثة بنات
وثلاثة أبناء، أحدهم كان السيد مصطفى أب الإمام الخميني. تزوج مصطفى نحو
1882 مع هاجر آغا خانم بنت آقا ميرزا أحمد، وكان أحد أولادهم روح الله
الخميني". مجرد ألقاب آغا وخانم وآقا وسيد وموسوي! ولا شيء مثبت تأريخياً
حول صحة إقامتهم في النجف وتنقلاتهم المذكورة بين الهند وفارس والعراق.
وردت اعترافات
الخميني بأصوله الهندي في ديوان شعره الذي ترجمه غسان حمدان (12) مرة، وقد
حار فيها المترجم كما يبدو فيها! ثم فسرها في هامش ديوانه بقوله: "تخلص
الإمام الخميني أو توقيعه الأدبي" ولا نفهم ما يقصد من العبارة اللغز! ربما
يعني تخص وليس تخلص، وتبقى العبارة غير واضحة!
جاء في شعر الخميني: "لا يفصح الهندي عن أسرار حبك. ما أنا فاعل وهي مكشوفة بلونها". [الديوان/40]. و: "وإني لأقتفي أثرها كل أيامي مثل الهندي. مع أنني لا أوفق في رؤيتها كل أيامي" [الديوان/59]. و: "لأحملن روحي بكفي وأعجل بها إلى ميدان الوغى. نظم الهندي هذا مع أن أستاذاً قد أنشد" [الديوان/69].
ويصف نفسه: "ذلك المسافر الذي أقام في وادي الروح. لا يغادر مقامك قط مثل الهندي" [الديوان/72]. كذلك: "أنت ملكة جمع الحسان والهندي هو المفتون بك. وكل ما يملكه من حياة، نثره ترابا على عتبتك [الديوان/83]. وأيضاً: "قد أتى الهندي من الهند إلى رأس زقاقك. أنى له أن يتناجى مع ملك شيراز وطوس" [الديوان/120].
وفي قصيدة بعنوان
(شيخ المجوس) يناجي شيخه بقوله: "ولن تسمع أنت من فم الهندي حديثاً آخر،
غير حديث عن صفاء الخمر، وكلام بائع الخمر" [الديوان/124]. ويحدث نفسه قائلاً: "فأسعد قلباً يا هندي من عاقبة الأمر". كذلك: "إن سمع قصيدة الهندي هذي شاعر شيراز وذلك الأديب البليغ" [الديوان/309].
يقصد بالشاعرين حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي. منها: "مادام بقيت الولاية
مقررة على ولي العصر، والنبوة لمحمد، والخلافة لحيدر، وما دام شعر الهندي
من الرحيق كالسكر المكرر" [الديوان/333]. كذلك: "شجيرة حبك في قلب الهندي لا تثمر غير التنهدات والحسرة" [الديوان/349].
ويناجي نفسه أخيراً بقوله: "فلا تقرأ حديث ليلة وصالك يا هندي، فإني أخشى عيون الحاسدين السيئة" [الديوان/149].
علاوة على إشارات
أخرى منها حديثه عن نهر جيحون الذي ينبع من جبال بامير في الهند ويصب في
بحر آرال في روسيا بقوله: "فمن همٌ لقاء وجهك، تمتليء المآقي كنهر جيحون" [الديوان/105]. ربما له ذكريات مع النهر باعتباره يقع في موطنه الأصلي الهند!
هذه نماذج من شعر الخميني التي لا ينفي فيها أصله الهندي، فلماذا يتنطع المتنطعون ويدعون أصوله الفارسية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1. نشر ديوان الخميني بترجمتين:
- ديوان إمام، أشعار الإمام الخميني. ترجمة عن الفارسية غسان حمدان. دار التنوير. بيروت 2009م.
-
الديوان. الإمام الخميني. ترجمة محمد علاء الدين منصور. من منشورات المجلس
الأعلى للثقافة في مصر. سنة 2004، ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة العدد
674 .
2.
سبق أن نشرنا موضوعين مهمين عن الخميني هما: (الخميني يطمر غدير خم، ويهدم
كل أحاديث الولاية). والثاني بعنوان: (حيرة الإسلام بين الكاتب والإمام/
بجزئين) حول أصل فتوى الخميني يهدر دم الكاتب المأفون سلمان رشدي، يمكن
الرجوع إليها على المواقع الألكترونية.
3. نشرنا على موقع البرهان حصرياً مبحثاً عن الخميني تحت عنوان: (الخميني أنموذج صارخ للصفوي الصوفي).
4. نشرنا على موقع البرهان حصرياً مبحثاً عن الخميني تحت عنوان: (الانحراف الجنسي عند آية الله) يمكن الرجوع إليه على موقع البرهان.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).