تحولت المعتزلة
في القرن الرابع من فئة فكرية محدودة إلى عقيدة شعبية عامة، وذلك حين اتحدت
المعتزلة مع الشيعة على يدي النوبختي وأمثاله.
والسبب في ذلك
أنه بعد عودة المتوكل إلى السنة وظهور السنة في البلاد، صار خلفاء بني
العباس وولاتهم يكتبون في جميع الأمصار إلى القضاة والعلماء الذين أُذلوا
وعُذبوا وأهينوا وكبتوا، وقتل منهم من قتل في أيام ظهور المعتزلة، فأعقب
ذلك حرباً شديدة على المعتزلة في جميع الولايات الإسلامية، فحشر المعتزلة
وحصروا وضيق عليهم حتى من العامة، وكذلك وقع للروافض، فاتحد الطرفان؛ حتى
إن الرافضة -وكانوا قبل ذلك مشبهة - تخلت عن مذهبها في التشبيه؛ فمذهب
الشيعة في صفات الله سبحانه وتعالى هو ما قاله هشام بن الحكم الرافضي،
وداود الجواربي، وما أصله لهم عبد الله بن سبأ؛ من أن: علياً هو الله؛ فهم
حلولية يمثلون الله بخلقه، ويثبتون الصفات إلى حد أنهم يجعلونها مثل صفات
المخلوقين، هذا أصل دين الشيعة، لكنهم تحولوا فأصبحوا معطلة نفاة، ينفون
الصفات.
والذي يعرف أصول
الشيعة لا يستغرب أي شيء منهم، فمن أصول الشيعة التي يقولون إن أبا عبد
الله جعفر الصادق علمهم إياها، وذلك حين سأله بعضهم فقال: إني أكون في بلد
ليس فيه أحد من الأئمة ولا من الفقهاء، فماذا أصنع فقال: "انظروا إلى ما
عليه العامة فخالفوهم، فهو الحق" حسب زعم الشيعة! والعامة هم أهل السنة،
ويعنون بذلك جميع أهل السنة حتى كبارهم، وحتى العلماء منهم، وهكذا دأبهم:
خالف تصب، المهم ألا توافق أهل السنة في شيء.
فكانوا يقولون
بهذا التمثيل كما هو دين عبد الله بن سبأ اليهودي؛ فلما وجد الرافضة أن أهل
السنة يحاربون الاعتزال -لأن المعتزلة ينفون صفات الله وينفون الكلام عن
الله وينفون الرؤية- وافقوا المعتزلة وخالفوا أهل السنة، فالمطلب عندهم أن
يخالفوا علماء أهل السنة؛ كالإمام أحمد بن حنبل ومالك والشافعي وغيرهم، وأن
يكونوا على خلاف دينهم؛ فخالفوهم؛ فأصبحوا معتزلة؛ ولذلك نقول: إن الكتب
التي تتحدث عن تراجم متكلمي الشيعة تتكلم عن المعتزلة والعكس، ولو أن أحداً
ألف عن متكلمي المعتزلة فإنه يتعرض لمتكلمي الشيعة.
فاتحدت الفرقتان
وأصبحتا شيئاً واحداً، وما تزال الشيعة إلى اليوم تعتقد في صفات الله ما
تعتقده المعتزلة، فينكرون صفات الله، وهذا هو التوحيد عند المعتزلة وهو
الأصل الأول عندهم.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).