الصفوية والصوفية .. خصائص وأهداف مشتركة (10)
قال الصوفي التلمساني: "القرآن كله شرك ليس فيه توحيد، وإنما التوحيد في كلامنا نحن" [مجموعة الرسائل والمسائل (1/77)]
الدين
فرائض أوجبت على المسلمين كافة نبياً كان أو عبداً، غنياً كان أم فقيراً،
عالماً كان أم جاهلاً، وقد اتصفت الفرائض الإسلامية بالمرونة والسهولة بشكل
مميز، فالإسلام دين اليسر وليس العسر، حتى المحرمات التي حرمها الله تبارك
على عباده كلحم الخنزير والدم، فإنه تسامح في خرقها من قبل عباده في حالات
محددة واستثنائية، وهذا دليل على العطف الإلهي، وترجيح كفة التسامح
والغفران. أما من يتخذ من هذه الفرائض العبادية محلاً للسخرية والتهكم، أو
يخترع بديلاً عنها، أو يأتي بتخاريف وأساطير جاعلاً منها أعلى منزلة من
الفرائض، أو يدعي بأنه وصل إلى مرحلة إيمانية تتيح له أن يعفي نفسه منها،
فهذا ما لا يمكن التغاضي عنه والتهاون معه. الفرائض خط أحمر لا يمكن
التساهل أمام انتهاكه أو عدم احترامه، ولا نظن أن هناك من وصل الى مرحلة
أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، ومع هذا لم
يعفوا أنفسهم من أدائها إعفاء واستهانة وتهكماً.
الإعفاء من أداء
الفرائض عند الصوفية يكون بعد الوصول الى مرحلة (اليقين)، حيث ذكروا بأنه
إذا وصل أحدهم إلى هذا المقام تسقط عنه فروض العبادة، مستندين في ذلك على
تأويلهم الآية الكريمة: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99]، فما بعد اليقين تتوقف العبادة!
ألم يصل النبي
والصحابة إلى مرحلة اليقين في حين وصلها الشيوخ؟ وكذلك عند الوصول إلى
الغاية القصوى من (الولاية). ويذكر ابن حزم الظاهري بأنهم إذا وصولوا هذه
المرحلة "سقطت عنهم الشرائع كلها من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك". وكذلك عند
الوصول إلى مرحلة الفناء (الاتحاد مع الله)، وقال أبو علي وفا شعراً فيه:
وبعد الفنا بالله كن كيفما تشا *** فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر
والاتحاد كما جاء
على لسان ابن عربي في كتابه التجليات يكون في حال "إن الله والعبد شيء
واحد". وهو نفس ما عبر عنه الشيخ الكيلاني "إن أمري هو أمر الله" [الفيوضات الربانية في المآثر والاوراد القادرية (ص33)].
الصفويون كالعادة
هم الذين أسسوا هذه الفكرة، ولكن دون الإشارة بشكل مباشر إلى مصطلح
الاتحاد، فقد نسبوا لأبي جعفر القول "ان الله خلطنا بنفسه" [الكافي (1/ 113)، ونُسب للإمام علي رضي الله عنه القول "أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله" [الكافي (1/113)].
وهذا الاعتقاد
عند الفريقين مستمد من أفكار براهمة الهند بقولهم: "عندما اتحد مع برهم
أعفى من العمل والفروض"؛ لذلك تعفي العقيدتين أتباعهما من أداء العبادات؛
بل تبيح لهم المحظورات، وتزين لهم الضلال بكل أناقة وجسامة، وقد ادعى
(إبراهيم السنغالي) مؤسس الطريقة الفيضية التيجانية بأن اتباعه "يدخلون
الجنة جميعاً بلا حساب حتى لو لم يؤدوا فرائض الدين، أو الذين استحلوا
المحرمات" [راجع تفنيد الصوفية، لعبد الرحمن عبد الخالق]
وجاء عن الطريقة
الشاذلية صلاة عجيبة في أمرها تُسمى (مشيش) تعتبر التوحيد بالله (أوحال)
يُقال فيها "اللهم انتشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة" [المصدر السابق].
كما ابتدعوا صلاة تدعى (صلاة الفاتح) يذكر عنها الشنقيطي نقلاً عن الشيخ
التيجاني: بأن كل ما تذكره من صلاة وأذكار وأدعية على النبي صلى الله عليه
وسلم "لو توجهت بها (100) ألف عام، وتذكرها كل يوم (100) ألف مرة ما بلغت
مرة واحدة من صلاة الفاتح" [الفتوحات الربانية للشنقيطي (ص115)]!
فهي أهم من سورة
البقرة وآية الكرسي؛ لأن قراءتها مرة واحدة تضمن سعادة الدارين، وتكفر جميع
الذنوب! ويصف "الشيخ فقيه البناني" حِكم ابن عطاء: "كادت أن تكون وحياً،
ولو كانت الصلاة تجوز بغير القرآن؛ لجازت بحكم ابن عطاء" [إيقاظ الهمم (ص4)].
ولديهم صلاة أخرى
تسمى (العظيمية) وتبدأ بـ: "اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم، الذي
ملأ أركان عرش الله العظيم". لاحظ الخلل في السلام؛ فهم يسألون الله،
وبدلاً من استخدام كلمة (بنور وجهك العظيم) استعملوا (بنور وجه الله
العظيم) كأنما يتحدثون عن رب ثانٍ! وتكرر نفس الخطأ في العبارة التي
تلتها(الذي ملأ أركان عرش الله العظيم) وهكذا. وصلاة أخرى تسمى (جوهرة
الكمال) ادعى الشيخ أحمد التيجاني أنه أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وأخبره أنها تعادل تسبيح العالم (3) مرات! [للمزيد راجع الهدية الهادية إلى الطريقة التيجانية].
وفيما يتعلق
بفريضة الحج يصف ابن سبعين حجاج بيت الله في طوافهم "كأنهم حمير حول
المدا"! وكان الحلاج ممن ينكرون الحج الى بيت الله، ولا يعتبره من الفروض،
مكتفياً بالنية دون تحمل مشقة السفر، ولعل هذه الفكرة شجعت صاحبه أبو سعيد
القرمطي على غزو مكة ونهب الحجر الأسود بعد مرور تسع سنوات من موت صاحبه
الحلاج، لكي يبطل فريضة الحج للكعبة الشريفة. وهذا يفسر حمل جثة الحلاج على
جمل والطواف بها في بغداد، وكان ينادى عليها "هذا أحد القرامطة فاعرفوه".
وقد ذكر أحد شعرائهم:
إذا الناس صلوا فلا تنهضي *** وإن صاموا فكلي وأشربي
علماً أن الحلاج
قد أقام في مدينة قم، وكان من أقارب أبو الحسن النوبختي المؤلف الشيعي
المعروف، وذكر أن الحج لم يفوته؛ إذ بنى قبة في بيته، وكان يطوف حولها
كالكعبة. وعندما ناظره العلماء لم ينكر دعواه، ولكنه كذب عندما ادعى بأنه
قرأها في كتاب الصلاة للحسن البصري، وعندما رحل الحجاج إلى بغداد كانت له
مكاتبات عديدة مع قومه الفرس.
ومن عجائبهم:
أن سُئل ابو يزيد البسطامي عن سبب قطعه الحج، والعودة إلى بسطام؟ فقال:
بأنه التقى برجل حبشي في طريقه للحج، وقال له: "لماذا تركت الله ببسطام؟
وفي حجه الآخر التقى فقيراً سأله عما يملك من المال؟ فأجابه (200) درهم.
فقال الفقير اعطني إياها وطوف حولي (7) مرات! ففعل الشيخ ذلك [تذكرة الأولياء للعطار(ص82)].
ومؤسس طريقة
الخلوة والرهبنة الصوفية (الفارسي أبو سعيد بن أبي الخير) لم يحج مطلقاً
مدعياً بأن "الكعبة تزوره عدة مرات في اليوم"، وذكر أبو يزيد البسطامي:
"لقد جمعت عبادات أهل السموات والأرضين السبعة وجعلتها في مخدة، ووضعتها
تحت خدي" [تذكرة الأولياء (1/139)]،
ونَسب الصفويون للإمام الصادق القول "من زار قبر الحسين يوم عرفة كتب الله
له ألف ألف حجة مع القائم، وألف ألف عمرة م ع الرسول صلى الله عليه وسلم،
وعتق ألف ألف نسمة، وحمل ألف ألف فرس في سبيل الله" [الوافي للفيض الكاشاني (14/2476)].
وذكر الكاشاني
بأن "ثواب صلاة ركعة واحدة في حرم الحسين كثواب من حج ألف حجة، وأعتق ألف
عمرة، وأعتق ألف رقبة، ووقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل" [كتاب الوافي للفيض الكاشاني (14/ 1478)].
ويلاحظ أنه لا
الخميني ولا السيستاني حجوا إلى بيت الله! كذلك الأمر مع الصلاة، فقد جاء
في طبقات الشعراني حول ترجمة الشيخ إبراهيم بن عصيفير: "صوم المسلمين باطل
وليس به ثواب. أما المسلمون الذين يأكلون اللحم الضانئ والدجاج أيام الصوم،
فصومهم عندي باطل".
الشيخ يحرم ويحل
كما يحلوا له ظاناً نفسه الذات المقدسة! ونُسب للشبلي القول: "إن صليت
جحدت، وإن لم أصل كفرت". وقد اعترض محمد غوثي الشطاري على عدم صلاة شيخه [شرف الباني]! فأجابه: إن الله أعفاني عن الفرض وقال ليٌ: عينك عيني، أي ذاتك ذاتي" [دراسات في التصوف لإحسان إلهي ظهير (ص104)].
أما الطريف فهي حجة الشيخ (أحمد المعشوق) الذي برر تركه الصلاة بقوله: "إني امرأة حائض، لا توجب الصلاة علي"! [تذكرة الأولياء للميرزا لدهلوي (3/165)].
ولم يقتصر تهكمهم
على الصلاة فحسب بل وصل إلى عقوبة من يؤديها! يُذكر عن الشيخ شهاب الدين
النشيلي بأنه كان ينادى خادمه فإذا لم يجبه أو تأخر عنه لأنه يصلي، يقطع
الشيخ عليه صلاته زاجراً ويدفعه أمامه قائلاً: كم أقول لك لا تصلي هذه
الصلاة المشؤومة! [كتاب الطبقات الكبري للشعراني (2/141)].
في حين يرى
الصفويون أن حب الإمام علي يكفي لدخول الجنة حتى لو كان المسلم مشبع
بالذنوب، وليس مؤدياً الفرائض ومنها الصلاة! فيذكر الطوسي "من أحب علي لن
يدخل النار حتى لو كان كافرا أو يهوديا أو نصرانيا" [أمالي الطوسي لمحمد بن الحسن الطوسي (ص312)].
كما نُسب للإمام علي القول: "لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبلها الله منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي" [بحار الأنوار للمجلسي (27/ 172)].
وذكر المجلسي "لو سجد الساجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه ذلك إلا بولاية أهل البيت" [الخصال (1/41)].
كما أورد القمي" التقية بمنـزلة الصلاة" [الاعتقادات (ص114)].
ويحذو كل منهما
حذو الآخر بشأن الشهادة، في الوقت الذي تشير فيه المصادر التاريخية إلى
محافظة المسلمين على شعائر الإسلام المنصوص عليها بالقرآن، أو التي أخذوها
عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثلاً: عندما عطس أحد المسلمين حمد الله
وأضاف "الصلاة والسلام على رسول الله"! وقد اعترض ابن عمر على كلام الرجل
قائلاً: "ما علمنا رسول الله هكذا! وإنما نقول: "الحمد لله" لا غيرها [سنن الترمذي]. فكيف إذن بتغيير الأذان والشهادة؟!
الصفويون بدلوا فريضة الشهادة بالولاية، ونُسب لأبي جعفر القول: "بني الإسلام على خمس أشياء: الصلاة والصوم والزكاة والحج والولاية" [كتاب الكافي (2/18)]،
ولما سئل عن أفضل الخمسة قال: الولاية أفضل. وحول الصلاة والزكاة ذكر
الشيخ الصدوق أن: "من أنكر الولاية لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا حج ولا
صوم" [أمالي الصدوق (ص154)].
وصنف المجلسي باباً بعنوان: "أن الأئمة هم الصلاة والزكاة والحج والصيام
وسائر الطاعات"، وهو نفس ادعاء الجنيد "ليس التصوف بكثرة الصوم والصلاة، بل
بطمأنينة القلب وتسليم الروح". عجباً هل هناك طريقة أفضل من الصلاة ليطمئن
القلب؟ وهل هناك أفضل من الصوم لتسليم الروح؟!
وقد ثلثت الشهادة عند الصفويين بإضافة العبارة "أشهد أن علياً وليٌ الله" مقتدين بالثالوث المقدس عند النصارى.
ومن الغرائب:
أن الطوسي يذكر في كتابه الغيبة "عندما سقط المهدي من بطن أمه كان يقرأ
القرآن بصوت مسموع ... ثم استفتح فقال: أشهد أن لا الله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله"، أي عظم الشهادة كأول ركن من أركان الاسلام، ولم يثلث
الشهادة بإضافة جده الإمام علي! فيما أعتبر المتصوفة أن شهادة لا إله إلا
الله هي توحيد العامة والدهماء ممن يفتقرون إلى العلم، فالأهم برأيهم هو
توحيد الخاصة، ويعنون بذلك أنفسهم مدعين معرفتهم بالعلوم العلوية، وجاء في
ترجمة الشيخ إبراهيم بن عصيفير بأنه كان يتشوش من سماع صوت المؤذن، ويصيح
بالمؤذن بعد قوله الله أكبر: "عليك يا كلب! هل نحن كفرنا يا مسلمين حتى
تكبروا علينا" [للمزيد راجع كتاب: الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، للشيخ المناوي (2/14)، وكتاب السناء الباهر لمحمد الشلبي (ص315)].
وذكر الكمشخانوي
عن الشبلي بأنه أذن مرة فلا وصل إلى "أشهد أن محمداً رسول الله" ناجى الله:
اللهي! لولا أنك أمرتني لما ذكرت معك غيرك- يقصد النبي صلى الله عليه
وسلم" [كتاب جامع الأصول في الأولياء لأحمد الكمشخانوي].
ويسخرون من الأذان، فبعضم يسمع نباح كلب أو شاة ويقول: "لبيك وسعديك أو لبيك سيدي" [اللمع (ص492)].
وفي الوقت الذي
صور فيه الصوفية حجيج بيت الله بالحمير؛ فإن الصفويين صوروهم قردة وخنازير.
ففي كتاب السجاد، يقف الإمام الحسين على عرفة ومعه الزهري، فقال له: "بكم
تقدر هنا من الناس؟ فأجاب: كثير! كلهم حجاج قصدوا الله يدعونه بضجيج
أصواتهم. فقال الحسين: ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج! وقال للزهري: "ادن
مني. ثم مسح بيده على وجه الزهري وقال: ماذا تنظر الآن. قال الزهري: أراهم
قرود. ثم مسح على وجهه ثانية، وقال له: انظر الآن. فرآهم خنازير. ثم مسح
على وجهه مرة ثالثة فرآهم دواب"!
كما أنكر
الصفويون الزكاة، واستبدلوها بالخمس الذي يأخذونه من الجهلة والحمقى، وهو
أهم ركن في عبادتهم. حتى السرقة تُحل إذا دفعت عنها الخمس! أما المتصوفة
فإنهم لا يرون فيها منفعة، ويذكر عن شيخهم الشبلي بأنه ألقى (4000) دينار
في نهر دجلة! فاستغرب الناس فعله، وقالوا له: لِم لا تعطيها للناس؟
فأجابهم: الحجر أولى بالماء؟
كذلك فعل الحسين
النوري حيث رمى (300) دينار ثمن عقار باعه في النهر؟ هل النهر أم الفقراء
بحاجة إلى المال؟ وهل انعدم الفقراء في زمنهم؟ أهكذا تنص العقيدة
الإسلامية؟ الطاعة العمياء للأئمة والأقطاب تتضمن العقيدة الصفوية وجوب
طاعة الأئمة على كل الكائنات الحية والجماد والملائكة، ولم يستثنِ من هذه
القاعدة الشاذة سوى الذات الإلهية! لأن "الأئمة كالرسل، قولهم قول الله،
وأمرهم أمر الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، ولا ينطقون إلا
عن الله وعن وحيه" [الاعتقادات لابن بابويه]، فهم (كلمات الله)! كما في قوله تعالى في سورة يونس(46): ﴿لا تبديل لكلمات الله﴾ [راجع تفسير القمي، وبحار الأنوار، وتحف العقول، والاحتجاج].
ويحدثنا الطبري
(الصفوي وليس صاحب التأريخ الشهور) بأن "طاعة الأئمة مفروضة أيضاً على كل
مخلوقات الله من الجن والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة" [كتاب دلائل النبوة].
ويزيد المجلسي في
البحار: "لم يخلق الله آدم، وينفخ فيه من روحه، إلا بولاية علي، ولا كلم
الله موسى تكليماً إلا بولاية علي. ولا أقام الله عيسى آية للعالمين إلا
بالخضوع لعلي".
ولم يوضح لنا
لماذا الإمام علي دون غيره شُمل بهذا التخصيص الإلهي؟! ونُسب للإمام علي
القول: "أنا الواجب له من الله الطاعة. أنا سر الله المخزون. أنا العالم
بما كان وما يكون" [إحقاق الحق للمرعشي (22/351)].
ويذكر القمي بأنه: "من خالف الإمامية في شيء من أمور الدين كمن خالفهم في كل أمور الدين" [الاعتقادات لابن بابوية (ص116)].
وأن: "طاعة الأئمة واجبة حتى الكائنات الجامدة من سموات وأراضي وكواكب" [بحار الأنوار (25/341)].
ونسب الكليني للإمام الرضا القول: "الناس عبيد لنا في الطاعة" كما ورد في [غيبة الطوسي (ص16)، ومختصر البصائر (ص14)]
بأنه خلال المنازعة بين الإمامين زين العابدين، وعمه محمد بن الحنفية على
الإمامة اتفقا على أن يكون الحجر الأسود الحكم بينهما، "فتحرك الحجر حتى
كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي فصيح قائل: اللهم إن
الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (ع) إلى علي بن الحسين بن علي، ابن
فاطمة بنت رسول الله"! سبحان الله القاضي حجارة! ولا نعرف لماذا أشار الحجر
الى أن أمه فاطمة التي لا حاجة لذكرها؟ والأدهى منها في النزاع على
الإمامة بين زيد بن الحسن والباقر حيث كان الحكم بينهما هذه المرة (سكين
ناطقة) "فقد وثبت من يد زيد على الأرض، ثم قالت: يا زيد أنت ظالم! محمد أحق
بك وأولى"، وحذرته بقوة: "ولئن لن تكف لألين قتلك" [الاختصاص للشيخ المفيد (ص210)]. حجر يقاضي، وسكينة إرهابية وقحة تهدد بالقتل! كأننا نرى الرسوم المتحركة وليس سيرة أئمة.
مشى المتصوفة في نفس الطريق الأعوج، حيث يذكر ذو النون المصري بأن: "طاعة مريد شيخه فوق طاعته ربٌه" [تذكرة الأولياء (1/171)]،
فالشيخ أصبح أعلى منزلة من الله، ويذكر الشعراني: "في أدب المريد مع شيخه:
فيلازمه، ويصبر عليه، ويحبه، ويسلم له حاله، ولا يعترض عليه، ولا يتزوج
إلا بإذنه، ولا يكتمه شيئاً، ولا يقول له: لا" ]كتاب الأنوار القدسية - عبد
الوهاب الشعراني]، ويضيف الكمشخانوي: "من شرط المريد: أن لا يكون بقلبه
اعتراض على شيخه" [كتاب جامع الأصول – الكمشخانوي (ص2)]، ويذكر الشعراني عن آداب المريدين: بأن الشيخ "إذا مد يده لكم لتقبلوها، فقبلوا رجله" [الطبقات الكبرى(ص141)]، ويذكر الشيخ يوسف العجمي [الأنوار القدسية (2/36)]
بأن: "من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا يؤوله، وليفعل ما أمره به
شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ"! هل هذا أدب أم قلة أدب؟ أليس من الأجدى أن
ينبه شيخه على خطئه بدلاً من أن يتركه على عماه؟!
وينقل شيخ الأزهر
عبد الحليم محمود عن الشيخ الدردير قوله في أدب المريد: "أن لا يعترض على
أي شيء فعله شيخه ولو كان في ظاهره كفر ... وإذا قال له وهو صائم أفطر! وجب
عليه الفطر"! [كتاب(سيدي أحمد الدردير لشيخ الأزهر عبد الحليم محمود (ص119)] عجبا لشيخ الأزهر فهو يتجاهل قاعدة إيمانية صارمة تتمثل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» [صحيح البخاري رقم2735] فإذا كان شيخ الأزهر يذكر القول بلا تعليق فلا عتب على الآخرين.
يذكر ابن عجيبة: "نحن مطالبون بالتصديق للشيوخ في كل ما نطقوا به، فهم ورثة الأنبياء" [إيقاظ الهمم في شرح الحكم (ص27)]. ويذكر القشيري بأن الشيوخ قالوا: "عقوق الأستاذين لا توبة عنها" [الرسالة القشيرية (2/633)].
إذن الله تعالى يغفر للعبد، ويقبل توبته، والشيخ الصوفي لا يقبلها!
ولشهاب الدين
السهروردي رأي أدهى: "إذا دخل المريد الصادق تحت حكم الشيخ وصحبته وتأدب
بأدبه، يسري من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج، وكلام
الشيخ يلقح باطن المريد" المسألة تحولت إلى تلقيح! ومحذراً المريدين من
مخالفة شيوخهم ومعارضتهم لأنه "السم القاتل للمريدين" [عواف المعارف (93)].
وينقل القشيري عن
الشيخ عبد القادر الكيلاني القول: "الواجب علي المريد ترك مخالفة شيخه في
الظاهر، وترك الاعتراض عليه في الباطن، فصاحب العصيان بظاهره تارك لأدبه.
وصاحب الاعتراض بسره متعرض لعطبه، بل يكون خصماً على نفسه لشيخه" [الرسالة القشيرية (2/732)].
أما تاج الدين السبكي فيحدثنا بسوء نتيجة عدم الطاعة: "ما رأينا أحداً مبتلى بالإنكار إلا وكانت خاتمته خاتمة سوء" [الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية (1/126)].
ويوجه الشعراني المريدين: "الزم الأدب مع الذاكرين وغيرهم، فهو في الحقيقة أدب مع الله تعالى" [الطبقات الكبرى (1/188)].
ويذكر ابن عربي: ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله، فـقــم بـــها أدبــــــاً لله بالله.
هــم الأدلاء والقربى تؤيدهم *** على الدلالــة تأييداً على الله
كالأنبياء تراهم في محاربهم *** لا يسألون مـن الله سوى الله
فإن بدا منهم حــال تولٌهــهم *** عن الشريعة فاتركهم مع الله
فالكبريت الأحمر
لا يرى حرجا من اتباعهم حتى لو ضلوا؛ لأن شأنهم مع الله، ولكن أليس الشرع
يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ أليس العقل هو حجة الله على عباده،
ويحاسبهم عليه؟ وقد تضمن الذكر الحكيم إشارات واضحة حول: ألا يعقلون؟ ألا
يعلمون؟ لدينا عقل هو هبة من الله نميز به الخير عن الشر، والإيمان عن
الضلال؛ فلا طاعة للشيوخ والأقطاب وآيات الله وحججه إن حادوا عن الطريق
القويم.. هكذا علمنا الإسلام.
ومن الجدير بالذكر:
أن الطاعة العمياء لأتباع المراجع والمشايخ تعتبر أمضى سلاح بيد الطامعين؛
لذا كان الاستعمار القديم يتحرك بشكل فعال على المراجع والمشايخ لكسب ودهم
واستمالتهم لصفهم؛ لأنهم يدركون جيداً مدى تأثيرهم المغناطيسي على أتباعهم
سيما العوام، فكسب شيخ أو مرجع ديني لصف المحتل يضمن تجميد قوى وطنية تبلغ
الآلاف وأحياناً الملايين من المواطنين. وهذا ما حصل في العراق عندما جند
الأمريكان والانكليز السيد السيستاني لخدمة مشاريعهم الاستعمارية، فتعطلت
لغة الجهاد، وارتفع صوت التخاذل والاستسلام
وسنناقش هذا الموضع في مبحث مستقل بعنوان (الجهاد في المنظور الصفوي والصوفي).
ويوضح الشعراني
بأن محبة وطاعة الشيخ من قبل أتباعه تعني محبة الأشياء من أجله، أو كرهها
من أجله، وينطبق نفس الشيء على طاعة المراجع من قبل أتباعهم، فقد روجوا بأن
منفعتهم منهم حتى لو أخطئوا أكبر من منفعة الفرد في صواب نفسه! كذلك يدعي
بعض الشيوخ والمراجع بأنهم معصومون، أو هم أعرف من غيرهم بشرع الله، وسواء
السبيل، وهذا يعني لا يجوز الخروج عن طاعتهم؛ لأنها تعني الخروج عن طاعة
الله! وأصبحوا بذلك لا يقلون نفوذاً عن القادة العسكرين أمام جنودهم!
للحديث تابع بعون الله.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).