0
تتربع عقيدة توحيد الألوهية والربوبية سلم أولويات وأبجديات المسلم, فأول ما يطالب به المسلم - في مذهب أهل السنة والجماعة - تنقية اعتقاده من أي شبهة قد تعترض صحة إيمانه بالله تعالى, ومن أي لوثة فكرية قد تحرف فطرته السليمة وعقيدته الصحيحة بالله سبحانه.
وفي مقابل هذه الأولوية والاهتمام الشديد بعقيدة توحيد الألوهية عند المسلمين من أهل السنة, نجد التهاون والاستهتار اليهودي بهذه المسألة المصيرية, وبينما لا تتوقف كتابات وتوضيحات علماء أهل السنة لتنقية هذه العقيدة, والرد على الشبهات التي قد تعترض المسلم خصوصا في العصر الحديث الذي تجتاحه التيارات الفكرية الإلحادية, نجد الانحراف اليهودي العقائدي التاريخي يزداد, والتشويه المتعمد لأقدس وأعظم قضية في الوجود يتعاظم عند اليهود.
فما هي عقيدة اليهود في الألوهية؟؟ وما هي أبرز ضلالاتهم وأباطيلهم في هذه العقيدة الجوهرية؟؟ هذا ما سأحاول بيانه في هذا التقرير إن شاء الله.
تعريف التوحيد وتقسيماته عند أهل السنة
لا بد بداية من تعريف التوحيد وبيان أقسامه قبل الحديث عن عقيدة اليهود في الألوهية, وذلك حتى يتبين الحق من الباطل والصحيح من السقيم.
التوحيد: لغة: مصدر وحد يوحد توحيدا, أي جعله واحدا, وأصل التوحيد من وحد, ووحيد أي منفرد, وفلان واحد دهره أي: لا نظير له. (1)
واصطلاحا: إفراد الله بالعبادة وهو الشهادة بأن الله واحد, والاعتقاد به سبحانه منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه. (2)
وقد قسم علماء أهل السنة والجماعة التوحيد إلى:
1- توحيد الربوبية والملك: وهو الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه, وأنه المحيي المميت النافع الضار, المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار, الذي له الأمر كله وبيده الخير, وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير.
2- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله سبحانه بالعبادة بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدا يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله ويتقرب إليه, وهو يتضمن إخلاص العبادة لله وحده, والإيمان بأنه المستحق لها, وأن عبادة ما سواه باطلة, وهذا هو معنى لا إله إلا الله. (3)
وتوحيد الألوهية هو المنجي من الشرك دون توحيد الربوبية بمفرده, فقد كان عباد الأصنام مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء ومليكه, ولكنهم لما لم يأتوا بتوحيد الألوهية, وهو عبادته سبحانه وحده لا شريك له, لم ينفعهم توحيد الربوبية.
3- وهناك ما يسمى توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه, ووصف به ذاته العلية في كتابه الكريم أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل. (4)
الألوهية في المعتقد اليهودي
من يقرأ عن الإله في التصور اليهودي يجد العجب العجاب, فهم يجعلون لله شريكا وندا وولدا, بل يجعلون من أنفسهم ومن جنس اليهود عامة أبناء الله وأحباؤه, فالإله خاص بهم, ناهيك عن وصفهم الله سبحانه وتعالى بصفات لا تليق بالأسوياء من البشر فضلا عن رب العالمين.
ومن المفيد منذ البداية أن نؤكد أن النزعة المادية عند اليهود في الألوهية كانت ملازمة لهم طوال تاريخهم مع أنبيائهم, ورغم جهود موسى عليه السلام المضنية معهم في تخليصهم من هذه النزعة, إلا أنها كانت متأصلة فيهم, ولم يستطيعوا في فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله وحده كما ينبغي, وكانت نفوسهم تنزع إلى الوثنية في تصورهم عن الإله. (5)
ويبين الدكتور "فتحي الزغبي" العوامل التي أدت إلى تأثر اليهود بالوثنية فيذكر ثلاثة عوامل رئيسية هي:
1- ما تعرض له اليهود في فترات السبي والاضطهاد والاختلاط بالأمم الوثنية على مدى تاريخهم القديم.
2- فقدهم التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام وتحريفهم لها وانتفاء قدسية العهد القديم.
3- الاستعداد النفسي للانحراف, لأن اليهود لو لم يكن لديهم الاستعداد النفسي لتقبل الوثنية لكان من الممكن التغلب على الاضطهاد والسبي. (6)
وقد سجل القرآن الكريم الكثير من المواقف والأمثلة التي تظهر الانحراف اليهودي في قضية الألوهية, والنزعة المادية المسيطرة عليهم, والتي وصلت إلى أعظم وأخطر قضية عقائدية إيمانية, ألا وهي عقيدة الألوهية, ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك:
1- طلبهم من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها كعباد الأوثان, وهي قمة الجهل والتمسك بالمادية والوثنية التي رسخت في نفوسهم, قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الأعراف/138
2- اتخاذهم العجل وعبادتهم له من دون الله: وهي إشارة إلى استمرار تأثرهم بعبادة الأوثان, قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} الأعراف/148, وقال تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} طه/88 – 89
3- تعليقهم تصديقهم لموسى عليه السلام برؤيتهم الله جهرة: وهي نظرة مادية مفرطة في التجسيم والتشبيه لله تعالى بالبشر, قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} البقرة/55 وقال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ...} النساء/153
4- اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله: وهي تجسيد للنزعة المادية في المعتقد اليهودي في الإله, قال تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة/31 .
5- جعلهم لله ولدا وقولهم: العزير ابن الله: قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} التوبة/30
6- وصفهم الله تعالى بما لا يليق: فقد وصفوا الله تعالى بأنه يأكل ويشرب, ويعمل ويتعب ويستريح, وينسى ويندم ويتردد وتنطلي عليه الحيل, وأنه سبحانه متردد .....الخ, وهي صفات وردت في توراتهم المحرف وتلمودهم المبتدع المخترع.
7- ادعاؤهم أن الله مخلوق: أتى رهط من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟! قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه , ثم ساورهم غضبا لربه , فجاءه جبريل فسكنه فقال : اخفض عليك جناحك يا محمد , وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } الإخلاص 1-4  (7)
وقد تحدث الإمام السيوطي رحمه الله عن انحراف اليهود في توحيد الله تعالى, وبين أنهم أشركوا به سبحانه, وهم على علم أنه إله واحد لا شريك له, فقال في كتابه الدر المنثور عند قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة/22 قال: الخطاب هنا موجه إلى اليهود, {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} أي عدلاء, {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل لا ند له. (8)
8- ادعاؤهم أنهم أبناء الله وأحباؤه: وهذا من الشرك وتحريف وحدانية الله تعالى, قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} المائدة/18
وقد ورد في أسباب نزول الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو بن وشاس بن عدي فكلموه, فكلمهم صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله تعالى وحذرهم نقمته, فقالوا: ما تخوفنا يا محمد, نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى فنزلت الآية. (9)
الألوهية في التوراة والتلمود
يظهر من خلال التوراة أن فكرة الألوهية لدى اليهود بعيدة كل البعد عن الحقيقة, فقد قدموا الله تعالى بصورة مجسمة, ووصفوه بكثير من صفات النقص والضعف والكذب والغفلة والجهل – تعلا الله عما يقولون علوا كبيرا - . (10)
فقد ورد في سفر التكوين ظهور الله لنبي الله إبراهيم عليه السلام, هو واثنين من الملائكة, وأنهم غسلوا أرجلهم واتكئوا تحت شجرة ليستريحوا, وأنهم أكلوا خبزا وشربوا لبنا ... تعالى الله عن ذلك. (11)  
كما ورد في سفر التكوين كذبهم وافتراءهم على الله تعالى بأنه تعب بعد الخلق فاستراح في اليوم السابع من جميع أعماله, "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل, وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح ..." (12)
أما في التلمود فيعتقد اليهود أن اليهودي جزء من الله – تعالى الله عن ذلك – كما أن الابن جزء من أبيه, وأنه لو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الارض, ولما خلقت الأمطار والشمس, ولما أمكن باقي المخلوقات أن تعيش, ولذلك ورد في التلمود "إذا ضرب أمي – غير اليهودي – إسرائيليا فالأمي يستحق الموت". (13)
لقد أوغل اليهود في الشرك بالله وتحريف عقيدة الألوهية, وإذا فسدت العقيدة فسد كل شيء في الدين بعدها, فإذا كان أصل الإيمان ومرتكزه فاسد وباطل ومحرف عند اليهود, فمن باب أولى أن تفسد عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم.
ــــــــــــــــــــــــــ
الفهارس
(1) مختار الصحاح 1/296 وتيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد 1/26
(2) فتاوى مهمة لعموم الأمة لعبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين ص8
(3) التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية عبد العزيز بن باز ص 6
(4) مدارج الساكلين لابن القيم 1/24
(5) اليهودية للدكتور أحمد شلبي ص172
(6) اليهودية وتأثرها بالأديان القديمة 413
(7) تفسير الطبري 14/28 والسيرة النبوية لابن هشام 3/110 وأورده الألباني بلفظ آخر في الصحيح الجامع وحسنه برقم 8128
(8) الدر المنثور 1/89
(9) تفسير الطبري 6/164 
(10) الله جل جلاله والأنبياء في التوراة والعهد القديم محمد علي البار11-38
(11) سفر التكوين 18/1-8
(12) سفر التكوين 2/1-2
(13) التلمود سنهدرين ص2- 58
ومن مراجع التقرير : اليهودية بين الوحي الإلهي والانحراف البشري للدكتور : فرج الله عبد الباري , وعقائد اليهود من خلال الحوار مع النبي صلى الله عليه وسلم / عدنان أحمد العبد البرديني

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top