0
د/ خالد سعد النجار

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في كتاب
الخميني
والوجه الآخر، في ضوء الكتاب والسنة
تأليف: د. زيد العيص
عرض: د. خالد سعد النجار

كتاب «الخميني، والوجه الآخر، في ضوء الكتاب والسنة» من أروع الكتب التي سلطت الضوء على نقاط هامة في عقيدة ومسيرة الطائفة الشيعية المعاصرة، ورغم أنني طالعت كثيرا من المؤلفات التي تتناول قضية الشيعة، خاصة كتب شيخا العلامة (إحسان إلهي ظهير) رحمه الله تعالى، إلا أن كتاب أستاذنا (د. زيد العيص) يعد -وبحق- إضافة جديدة لهذا الموضوع، حيث تناول مسيرة هذا الرمز الشيعي (الخميني) الذي كثر حوله الزخم واللغط، وناقش أباطيله بمنهج علمي رصين مبتعدا في مسيرته التأليفية عن التجريح البذيء الذي تأباه أخلاقنا الإسلامية العفيفة.. لقد كانت رحلتي مع صفحات الكتاب من أمتع الرحلات المعرفية في حياتي، وقفت خلالها على درر من الأقوال والمناقشات، وأحببت أن أرصدها في هذا الجمع المختصر، لينتفع بها القاصي والداني من طلاب المعرفة والباحثين عن الحقيقة في هذا الخضم الشيعي الرهيب، سائلا المولى هذا وجل أن يجعله في ميزان كاتبه وجامعه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

- المجمع عند الشيعة الإمامية أن الله تعالى نص على الأئمة بالتعيين، وهم اثنا عشر إماما، يتسلم اللاحق الإمامة من السابق، حسب تسلسل معروف، وهو أن تنتقل الإمامة من الأب الأكبر إلى الابن الأكبر، بعد علي وابنه الحسن، لأنها انتقلت منه إلى الحسين رضي الله عنهم.
ثم انتقلت من الحسين إلى ابنه الأكبر علي، وانتقلت من علي إلى ابنه الأكبر محمد، ثم إلى ابنه الأكبر جعفر، وكان من المفروض أن تنتقل إلى ابنه الأكبر إسماعيل، ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان، فقد توفى إسماعيل قبل أبيه، فأحدث موته مشكلة، إذ كيف يموت إسماعيل، وقد أخبر الله تعالى أنه سيكون الإمام بعد أبيه جعفر.
إما أن الله تعالى لم ينص أصلا على الأئمة بهذا التسلسل، وهذا القول يهدم معتقد الإمامة برمته، وإما إن الله تعالى لم يكن يعلم أن إسماعيل سيموت قبل أبيه، وهذا ينافي علم الله المطلق، وإما أنه سبحانه كان يعلم أن إسماعيل سيموت قبل أبيه، ومع هذا أخبر سبحانه بأنه الإمام بعد أبيه، وهذا يؤدي إلى نسبة العبث إلى الله تعالى.
وكان القول بالبداء المخرج المناسب من هذا المأزق، فقالوا: إنه بدا لله تعالى أن ينقل الإمامة من إسماعيل إلى أخيه الأصغر موسى.
ووضعت مباشرة روايات في فضل البداء، واعتبر سرا من أسرار آل محمد صلى الله عليه وسلم، وغامض علومهم.
- ويبرز سؤال، وهو ما قصد الخميني من رفع مقام الأئمة بخاصة الثاني عشر منهم -المهدي- على حساب مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
نعرف الإجابة عن هذا السؤال إذا عرفنا مكانة الفقهاء، ودورهم في أثناء غياب الإمام المهدي، فقد سبق أن اشرنا بأن الفقهاء في معتقد الخميني نواب عن الإمام، لهم ما له من حقوق، يقومون بمهامه جميعا، ويتمتعون بصلاحياته واختصاصاته، وذلك باسم «ولاية الفقيه».
وحيث أن الخميني هو الفقيه المجتهد، فقد استحق وصف نائب الإمام وصار له ما للإمام، وبهذا الأسلوب مهد الخميني لنفسه ليصبح صاحب الأمر بلا منازع.
وإذا كان ذلك فلا عجب أن يضفي الخميني على نفسه هالة من القداسة، أو يضيفها عليه أنصاره، كونه نائبا للإمام المهدي، وبين أيدينا حادثتان تكشفان عن جانب من مظاهر هذا التعظيم:
(الحادثة الأولى): إدخال اسم الخميني ضمن ألفاظ الآذان بعد اسم الله مباشرة، وقبل اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر هذا الدكتور موسى الموسوي العالم الشيعي الإمامي حين قال: «أدخل الخميني اسمه في آذان الصلوات في إيران بعد استلام الخميني الحكم فيها وفي كل جوامعها كما يلي: الله أكبر الله أكبر خميني رهبر، أي أن الخميني هو القائد، ثم أشهد أن محمدا رسول الله .. ».
ثم قال: نستثني جامع كوهر شهادة في المشهد المقدس الرضوي، حيث لم يسمح الإمام الطباطبائي القمي أن تدخل هذه البدعة إلى الجامع الذي يصلي فيه، وأبلى بلاء حسنا في مقاومة هذه البدعة، وقد كتب الله له النجاح فتغلب على زمرة الخميني في آخر المطاف.
(الحادثة الثانية): ذكرها أيضا د. الموسوي، فقال: «لقد جرت العادة في البلاد الإسلامية إذا ذكر اسم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صلى الحاضرون عليه إجلالا وإكبارا، وفي إيران اليوم إذا ذكر اسم الخميني صلى الحاضرون ثلاث مرات، وقال بارزكان في خطاب جماهيري: ماذا تقولون لرسول الله إذا قال لكم تصلون علي مرة إذا ذكرت، وثلاث مرات إذا ذكر ابني. وكان بارزكان يقصد من ابني الخميني الذي يدعي أنه من أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكاد بارزكان يدفع حياته ثمنا لهذا الكلام».
- يقول أبو زرعة: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن، أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة».
- ولقد تنبه العلامة الندوي لهذه النتيجة المترتبة على الطعن في الصحابة فقال: «إن صورة المسلمين الأولين التي تبرز للعيون في ضوء معتقدات الفرقة الإمامية وتصريحاتها تثير تساؤلا في نفس كل مثقف ذكي بحق، وهو أن الدعوة الإسلامية إذا لم تتمكن من التأثير العميق في الحياة أيام ازدهارها على يد داعيتها الأعظم. وإذ كان المؤمنون بهذه الدعوة لم يستطيعوا البقاء على الجادة القويمة ولم يعودوا أوفياء لدعوة نبيهم صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وذهابه إلى الرفيق الأعلى ولم يبق على الصراط المستقيم الذي ترك عليه النبي أتباعه إلا أربعة، فكيف نسلم إن هذا الدين يصلح لتزكية النفس الإنسانية وتهذيب الأخلاق، وأنه يستطيع أن ينقذ البشرية من الهمجية والشقاء ويرفعه إلى قمة الإنسانية».
- ولقد وجه الخميني ومن قبله من علماء الشيعة الإمامية اتهاما إلى عمر رضي الله عنه مفاده أنه حال بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كتابة كتابا للمسلمين، يتضمن تعيين خليفة من بعده:
ذكر أهل السنة أصل هذه القصة، فقد أخرج البخاري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال قوموا عني.
وفي رواية أخرى لهذا الحديث أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس.
يفيد هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في كتابة شيء للصحابة يهتدون به، ولكن اختلافهم عنده حول هذا الأمر جعله يعدل عنه، ويأمر بالقيام من عنده.
ولا أحد يعلم ماذا كان سيكتب الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الذي نجزم به أنه لم يكن في نيته أن يكتب شيئا يتعلق بالإمامة التي يرى الشيعة أنها أحد أركان الإيمان.

وإذا ذهبنا نستنطق هذا الحديث برواياته المتعددة فإننا نخلص إلى أنه حمل فوق ما يحتمل، ولنا في إثبات هذا عدة أمور:

1- أنه ورد في رواية أحمد ومسلم أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس، والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين فعاش بعد قضية الكتاب عدة أيام، ولم يطلب الكتاب مرة أخرى مما دل على أن الأمر الذي رغب في كتابته لم يكن محتما وإلا لعاود الطلب، بل لأمر بإحضار الكتاب ولا راد لأمره صلى الله عليه وسلم من البشر.
وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يترك تبليغ أمر لازم، بسبب لغط في مجلسه واختلاف، وقد نزل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [المائدة:67]

2- ورد في الحديث نفسه من روايات أخرى أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بعد ذلك بأمور أقل شأنا من مسألة الخلافة، فقد ذكر ابن عباس أنه أوصى صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وأوصى أن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، وأوصى بتجهيز جيش أسامة، وأوصى بالقرآن الكريم، وأوصى بتسوية القبور.
فهل يعقل أن يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور، ويتعذر عليه أن يوصي بأمر الخلافة لعلي، لو أراد ذلك، بخاصة أنه لا يحتاج إلى أكثر من كلمات لتبليغ هذا الأمر.

3- تفيد الروايات أن عمر لم يكن الوحيد الذي اقترح ترك الرسول وشأنه إشفاقا عليه، وحرصا على راحته، فقد مال جمع من الصحابة إلى تأجيل أمر الكتاب وكان فيهم عمر، ولربما فيهم بعض آل البيت. وإذا كان ذلك كذلك لم يجز إسناد الأمر إلى عمر نفسه، وكأنه الوحيد الذي سعى لهذا الأمر.

4-
هناك كلمتان قيمتان في هذا المقام لابن تيمية وللعقاد. يقول ابن تيمية: «من توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، وأما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب.
وإن قيل إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتابا حضره طائفة قليلة أولى وأحرى، وأيضا فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ إذ لو وجب لفعله».
وأبطل الأستاذ العقاد هذه الدعوى بأسلوب منطقي، حيث قال: «أما القول بأن عمر هو الذي حال بين النبي عليه السلام والتوصية باختيار علي للخلافة بعده فهو قول من السخف بحيث يسيء إلى كل ذي شأن في المسألة، ولا تقتصر مساءته عمر، ومن رأى في هذه المسألة مثل رأيه، فالنبي عليه السلام لم يدع بالكتاب الذي طلبه ليوصي بخلافة علي أو خلافة غيره، لأن الوصية بالخلافة لا تحتاج إلى أكثر من كلمة تقال، أو إشارة كالإشارة التي فهم فيها المسلمون منها إيثار أبي بكر بالتقديم وهي إشارته إليه أن يصلي بالناس، وقد عاش النبي بعد طلب الكتاب فلم يكرر طلبه، ولم يكن بين علي وبين لقائه حائل، وكانت السيدة فاطمة زوج علي عنده إلى أن فاضت نفسه الشريفة، فلو شاء لدعا به وعهد إليه.
وفضلا عن هذا السكوت الذي لا إكراه فيه نرجع إلى كل سابقة من سنن النبي في تولية الولاة، فنرى أنه كان يجنب آله الولاية، ويمنع وراثة الأنبياء، وهذه السنة مع السكوت لا يدلان على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أراد خلافة علي فحيل بينه وبين الجهر بما أراد».

5-
إن القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سيوصي لعلي ليس بأولى من القول بأنه كان سيوصي لأبي بكر، على فرض التسليم بأن الكتابة تتعلق بهذا الأمر، بل تشير بعض الأدلة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لو كتب شيئا في أمر الخلافة لما أوصى لغير أبي بكر رضي الله عنه.
ودليلنا على هذا ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون»
وفي رواية عند مسلم عنها رضي الله عنها قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»
فهذان الحديثان يدلان دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينوي أن يكتب لأبي بكر بأمر الخلافة لكنه عدل وعلل هذا بأنها لن تتجاوزه، لأن الله يريد ذلك والمؤمنون كذلك، فلا حاجة للكتابة.
ولهذا لم يعاود طلب الكتاب صلى الله عليه وسلم، لأن الأمر صائر إلى أبي بكر لا محالة، وترك اتخاذ القرار للمؤمنين ليرشدهم إلى العمل بالشورى، ويوجههم إلى كيفية اختيار الحاكم، فتحقق بهذا المسلك الذي سلكه صلى الله عليه وسلم أمران حسنان: أولهما: اختيار أبي بكر، والثاني: العمل بالشورى، وليس بعد الحق إلا الضلال.
هذه هي قصة الكتاب التي استند إليها الخميني في الحكم على الفاروق عمر رضي الله عنه بالكفر والزندقة، والتآمر على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- طلب الحاجات والشفاء من المخلوقات.. أبان الخميني عن معتقده في هذه المسألة حين طرح سؤلا بهذا الشأن وأجاب عنه .. فقد قال: هل طلب الشفاء من التربة شرك؟
أجاب بقوله: «إن الإجابة عن هذا السؤال تتوضح من خلال ما يحمل الشرك من معنى، فقد عرفتم بأن الشرك هو أن يكون مع الله أحد أو عبادة أحد أسوة بعبادة الله، أو طلب الحاجة من أحد على أساس كونه إلها أو شريكا للإله أو له استقلالية في التأثير، ولكن ذلك لا يعد شركا ولا كفرا إذا ما تم الطلب على أساس أن الله قادر على أن يستجيب للطلب من خلال من يتفانى من أجل دينه، وخسر روحه من أجله تعالى».
ويعني بهذا تربة أرض كربلاء التي سال عليها دم الحسين رضي الله عنه، فاستحقت بهذه الخصوصية أن يطلب منها الشفاء بعد اليأس من الأدوية.. يقول الخميني: «إن الله هو الذي أعطى الأدوية ما نلمس من مفعول، ومن هنا فهل يمكن أن يكون اللجوء بعد اليأس من الأدوية إلى تربة أريقت فوقها دماء قرابين على طريق الله، وطلب الشفاء منها شركا أم هو توحيد وعبادة لله؟!! قولوا: هل هذا هو الأفضل أم التمسك بالطبيعة والتغاضي عن الأعمال الغيبية والإلهية؟!».

وقد أجاز الخميني الأكل من هذه التربة بقصد الاستشفاء، مع أن الشيعة تحرم أصلا أكل التراب، وجعل هذه الخاصية لتربة قبر الحسين خاصة، ولم يلحق بها حتى تراب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
- يعتقد الخميني أن إقامة القباب على القبور لا تكون شركا، وإنما هي عبادة لله وطاعة، إذا كانت تعبيرا عن الاحترام لأصحابها، أو من أجل الصلاة أو استراحة الزوار، كما يحث على زيارتها لطلب الأجر والثواب من أصحابها.
ويستدل على مشروعية هذه الأعمال التي دعا إليها بما يفعله المسلمون من طواف حول الكعبة المشرفة، ومن تقبيل للحجر الأسود وهي كلها حجارة لا تضر ولا تنفع، فالمسلمون الموحدون يقومون بهذه الأعمال ولم يقل أحد أنهم مشركون فكذلك الذين يبنون القباب على القبور، ويعبدون الله عندها فهم موحدون، ولا يجوز اتهامهم بالشرك.
ويسوق الخميني رواية طويلة ليستدل بها على فضل زيارة قبر الأئمة وإعمارها وتتضمن ذم المنكرين لهذه الأعمال ووصفهم بالأشرار.
يقول الخميني ما نصه: «ينقل الشيخ الطوسي عن أبي عامر -واعظ أهل الحجاز- قوله: إنني ذهبت إلى الصادق عليه السلام وسألته: ما هو أجر من يزور أمير المؤمنين ويبني قبره؟ فرد علي السؤال قائلا: يا أبا عامر قد روى أبي عن جده الحسين بن علي بأن الرسول قال لأبي -يعني عليا- إنك ستنقل إلى العراق، وتدفن في أرضه، فقال يا رسول الله: ما هو أجر من يزور قبورنا، ويقيمها ويجدد العهد بها؟ فقال: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبور أولادك بقعة من بقاع الجنة، وصحنا من صحونها، وإن الله أدخل في قلوب المختارين من خلقه حبكم، وجعلهم يتحملون الأذى والذل من أجلكم ويقومون بإعادة بناء قبوركم، ويأتون لزيارتكم تقربا إلى الله، وزلفى إلى رسول الله، وهؤلاء مشمولون بشفاعتي، يا علي، إن من يبني قبوركم ويأتي إلى زيارتها يكون كمن شارك سليمان بن داود بناء القدس، ومن يزور قبوركم يصيبه ثواب سبعين حجة غير حجة الإسلام، وتمحى خطاياه، ويصبح كمن ولدته أمه توا، إنني أبشرك وبشر أنت محبيك بهذه النعمة التي لم ترها عين، ولم تسمعها أذن، ولم تطرأ على بال أحد، إلا أن هناك توافه من الناس يلومون زائري قبوركم، كما يلومون المرأة الزانية، أن هؤلاء شرار أمتي، والله لا يشملهم بشفاعتي».
- أفتى الخميني بأن المسلم السني مباح المال، ويجوز أخذ ماله بأي طريقة إن أمن الشيعي على نفسه، نص على هذا الحكم عند حديثه عن فريضة «الخمس» والأصناف التي تجب فيها، فقال: «يجب الخمس فيما غنم من أهل الحرب الذين تستحل دماؤهم وأموالهم وتسبى نساؤهم وأطفالهم إذا كان الغزو بإذن الإمام عليه السلام، وأما إذا كان في حال الغيبة وعدم التمكن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه، وأما ما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة وكذا الربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس فيها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، ولا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين دينارا على الأصح، نعم يعتبر فيها أن لا يكون غصبا من مسلم أو ذمي أو معاهد ونحوهم من محترمي المال، والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين ما وجد، وبأي نحو كان، ووجوب إخراج خمسه».
ومعلوم أن عامة علماء الشيعة الإمامية يطلقون على أهل السنة لفظ «النواصب»، فأينما ورد هذا اللفظ في كتبهم فالمراد به المسلم السني، وهذا من المسلمات المتفق عليها عندهم.
- وقد أفتى الخميني أيضا بعدم جواز إعطاء الزكاة لأحد من أهل السنة، وحكم بأنها لا تجزئ إذا دفعت إليهم وأفتى بعدم جواز إعطائهم شيئا من الصدقة المندوبة كذلك، حيث يقول: «يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر لا الإيمان ولا الإسلام، فتجوز على الغني وعلى الذمي، وإن كانا أجنبيين، نعم لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين» فقد ساوى في هذا الحكم بين أهل السنة وأهل الحرب، وفضل عليهم أهل الذمة وهم اليهود والنصارى.
وأفتى أيضا بأن ذبيحة أهل السنة لا تحل، حين قال: «وتحل ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب وإن أظهر الإسلام».
ولقد طفح حقد الخميني على أهل السنة حتى أصاب كلابهم، حينما حكم بعدم جواز الأكل مما صاده كلب أرسله أحد من أهل السنة، إذ يقول: «فلو أرسل كلب صيد كافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب لعنهم الله لم يحل ما قتله».
- ويؤكد الخميني في موضع آخر أن الراد على الفقيه راد على الله تعالى مستدلا بما رواه في مروية عمر بن حنظلة: من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد. والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله، وعلق الخميني بقوله: «وفي هذه الرواية عد المجتهد حاكما، وعد الرد عليه رد على الإمام والرد على الإمام رد على الله، والرد على الله يقع في حد الشرك».
- إن رائحة الفلسفة الإشراقية تفوح من معتقد الخميني ولا غرابة فإن نشأته كانت نشأة فلسفية، فقد درس الفلسفة، ودرسها سنوات طويلة، وكان للفلاسفة وأقوالهم في نفسه مكانة عالية، بخاصة الفيلسوف الإشراقي شهاب الدين السهروردي، المقتول بحلب سنة 587هـ، فقد كان الخميني معجبا به، وكان ينعته بالحكيم الأكبر وينقل أقواله في كتبه.
تحدث هذا الفيلسوف عن فكرة الولي المتأله، وانتهى إلى القول بأن الزمان لا يجوز أن يخلو من ولي متأله، وهو مناط السلطتين الروحية والدنيوية وهو الإنسان الكامل على الحقيقة، بل هو أفضل من الأنبياء والمرسلين، لأن عنده الحجج والبيانات، وإذا كانت السياسة بيده كان الزمان نورانيا وإذا خلا الزمان منه كانت الظلمات هي الغالبة.
ولهذا وصف فلاسفة الإشراق المتأخرون من الفرس السهروردي بأنه المحي رسوم الفرس، في قواعد الظلمة والنور، وقد لخص الإمام ابن تيمية منهج السهروردي وأمثاله من الفرس المتألهين فقال: «الواحد من هؤلاء يطلب أن يصير نبيا».
- وخلاصة معتقد الخميني في «ولاية الفقيه» أن للفقيه العادل السلطة المطلقة على البلاد والعباد، بأمر من الإمام باعتباره نائبا له، وهذه السلطة تخول الفقيه أن يعامل الناس كأنهم أطفال قصر، وهذا ما صرح به الخميني بقوله: «ولاية الفقيه أمر اعتباري جعله الشرع كما يعتبر الشرع واحدا منا قيما على الصغار، فالقيم على الشعب بأسره، لا تختلف مهمته عن القيم على الصغار إلا من ناحية الكمية».
- أورد صاحب بحار الأنوار قصة زواج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم، وهذا الزواج أدى إلى إشكالات كثيرة عند الشيعة، بسبب موقفهم من عمر، والحكم بكفره، ويقول المجلسي في بحاره: قيل لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يحتجون علينا ويقولون إن أمير المؤمنين عليه السلام زوج فلانا [المقصود بفلان عمر وكذا يكنون عنه في كتبهم] ابنته أم كلثوم، وكان متكئا فجلس وقال: أيقولون ذلك؟ .. إن قوما يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله، ما كان يقدر أمير المؤمنين أن يحول بينه وبينها فينقذها، كذبوا ولم يكن ما قالوا، إن فلانا خطب إلى علي عليه السلام ابنته أم كلثوم، فأبى علي عليه السلام، فقال للعباس: والله لئن لم يزوجني لأنزعن منك السقاية وزمزم، فأتى العباس عليا فكلمه، فأبى عليه، فألح العباس، فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقة الرجل على العباس، وأنه سيفعل في السقاية ما قال، أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنية من أهل نجران يهودية، يقال لها: سحيفة بنت جريرية، فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم، وحجبت الأبصار عن أم كلثوم، وبعث بها إلى الرجل، فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوما، فقال: ما في الأرض أهل بيت سحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس، فقتل، وأخذت الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين عليه السلام أم كلثوم.
- «الرقاع» تعد الرقاع من مصادر الخميني التي اعتمد عليها، وقصة هذه الرقاع تتلخص في أنه لما مات الحسن بن علي بن الرضا العسكري، الإمام الحادي عشر هند الشيعة لم يترك ذرية، لأنه كان عقيما، وقد أكد هذا الأمر عشرات المؤرخين من السنة والشيعة، وقد نتج عن موته مشكلة كبرى، لأن الشيعة يعتقدون أنه لا يجوز أن تخلو الأرض من إمام.
وأمام هذه المعضلة زين لأحد رجالات الشيعة وهو عثمان بن سعيد العمري أن يدعي أن للحسن العسكري ولدا في الخامسة من عمره، ولكنه مختف عن الناس خوفا على نفسه، فصدق الأتباع هذه الحكاية التي رأوا فيها خروجا من مأزق.
ادعى العمري المذكور أنه سيكون الواسطة بين الإمام المختفي وبين الشيعة، حيث سيقوم بحمل أسئلتهم إليه، ويحضر لهم الجواب من الإمام، كما سيتولى قبض الأموال نيابة عنه، واستمر العمري على عمله عشرين سنة، إلى أن توفى سنة 280هـ، فخلفه من بعده ابنه محمد على هذه المهمة إلى أن توفى سنة 305هـ، بعدها خلفه الحسين بن روح إلى أن توفى سنة 326هـ، وأخيرا خلفه أبو الحسن السمري المتوفي سنة 329هـ، وهو الذي نقل للشيعة أن الإمام أخبره بوقوع الغيبة الكبرى، ولن يره بعدها أحد إلا أن يشاء الله.
لقد استمرت الغيبة الصغرى تسعا وستين سنة 260-329هـ وكان خلالها يتلقى الشيعة الأحكام من الإمام الغائب على رقاع، وقد جمعت الأحكام التي وردت فيها، وعدها الشيعة من مصادرهم، والخميني واحد من الذين اعتمدوا على بعض ما ورد فيها، وذلك عند حديثه عن وجوب الرجوع إلى الفقهاء في حل المشكلات الاجتماعية المعاصرة إبان غياب الإمام لأنهم نوابه، حيث قال: «الرواية الثالثة توقيع صدر عن الإمام الثاني عشر القائم المهدي (ع) وسنعرضه مع بيان كيفية الاستفادة منه في كتاب الدين وإتمام النعمة».

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top