الحمد لله الذي فضل من شاء من عباده، ورفع في الجنة منازل أحبابه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإن قراءة سيرة الصحابة
والإقتداء بهم، نهج غفل عنه البعض وطواه النسيان عند آخرين. ومعرفة سيرتهم
وفضائلهم سببٌ لمحبتهم وتقرب إلى الله بذلك، وقد قال الرسول: «المرء مع من أحب» [رواه مسلم].
ويتأكد الفضل والخير في الخلفاء الأربعة لسابقتهم في الإسلام وبلائهم
وجهادهم، عن مسروق أنة قال: "حُبُّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة"،
وقيل للحسن: حب أبي بكر وعمر من السنة؟ قال: "لا، بل فريضة".
وقد ذكر ابن الجوزي: "أن السلف
كانوا يُعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السور من القرآن".
وعلى هذا يتأكد بيان علم الصحابة ودينهم وفضائلهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وأما الخلفاء الراشدون والصحابة فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من
الإيمان، والإسلام، والقرآن، والعلم، والمعارف، والعبادات، ودخول الجنة،
والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله، فإنما هو ببركة
ما فعله الصحابة الذين بلّغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله. وكل مؤمن آمن
بالله، فللصحابة رضي الله عنهم الفضل إلى يوم القيامة، وخير الصحابة تبع
لخير الخلفاء الراشدين، فهم كانوا أقوم بكل خير في الدنيا والدين من سائر
الصحابة، كانوا والله أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً،
وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبية وإقامة دينه فاعرفوا لهم
فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم
كانوا على الهدى المستقيم".
وقد أثنى الله عليهم ورسوله ورضي عنهم وأعد لهم الحسنى في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ} [التوبة:100] وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً
مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي
الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ
فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29].
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: «خير القرون: القرن الذي جئت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» [رواه مسلم]. ومن أفضل الصحابة وأجلهم وأكثرهم نفعاً للأمة، الخلفاء الراشدون: أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي اللّه عنهم أجمعين.
وسنتحدث بإيجاز سريع عن الخليفة الأول:
أبوبكر الصديق رضي الله عنه
هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن
كعب، ويجتمع مع النبي في مرة بن كعب، وكنيته أبوبكر، وعثمان هو إسم أبي
قحافة، ولد أبو بكر بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر. وكان تاجراً جمع
الأموال العظيمة التي نفع بها الإسلام حين أنفقها، وهو أول من أسلم من
الرجال. وقد وصفه الرسول بالصديق، فعن أنس بن مالك قال: صعد رسول الله
أُحداً ومعه أبوبكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: «اثبت أحداً، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان» [رواه مسلم].
وأبوبكر أول من دعا إلى الله من
الصحابة فأسلم على يديه أكابر الصحابة، ومنهم: عثمان بن عفان، وطلحة،
والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، رضي الله عنهم أجمعين.
وقد قال عنه الرسول: «إن من أمنِّ الناس عليَّ في صحبته وذات يده أبوبكر» [رواه الترمذي]. وكان رسول الله يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر» [رواه أحمد].
فبكى أبوبكر وقال: "وهل أنا ومالي إلا لك يارسول الله". وإنفاق أبي بكر
هذا كان لإقامة الدين والقيام بالدعوة فقد أعتق بلالاً وعامر بن فهيرة
وغيرهما كثير.
وفي الترمذي وسنن أبي داود عن عمر قال: "أمرنا رسول الله أن نتصدق، فوافق ذلك في مالاً، فقال النبي: «ما أبقيت لأهلك؟» فقلت: "مثله"، وأتى أبوبكر بكل ما عنده، فقال: «يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟» قال: "أبقيت لهم الله ورسوله"، قلت: "لا أسابقه إلى شيء أبداً".
وكانت أحب نساء الرسول إليه عائشة ابنة الصديق رضي الله عنهما.
ولأبي بكر ذروة سنام الصحبة،
وأعلاها مرتبة، فإنه صحب الرسول من حين بعثه الله إلى أن مات، فقد صحبه في
أشد أوقات الصحبة، ولم يسبقه أحد فيها، فقد هاجر معه واختبأ معه في الغار
قال الله تعالى: {إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40]، والصديق أتقى الأمة بدلالة الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا
الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ
عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ
الْأَعْلَى} [الليل:17-20].
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنها نزلت في أبي بكر.
ولأبي بكر من الفضائل والخصائص
التي ميّزه الله بها عن غيره كثير، منها: أنه أزهد الصحابة، وأشجع الناس
بعد رسول الله صلى عليه وسلم، وأنه أحب الخلق إلى رسول الله، ولم يَسُؤهُ
قط، وهو أفضل الأمة بعد النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وهو أول من
يدخل الجنة، كما روى أبوداود في سننه أن النبي قال لأبي بكر: «أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي» [رواه الحاكم]. وهو أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله.. وتأمل في خصال اجتمعت فيه في يوم واحد: قال رسول الله لأصحابه: «من أصبح منكم اليوم صائماً؟» فقال: أبوبكر: "أنا"، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" فقال أبوبكر: "أنا"، قال: «هل فيكم من عاد مريضاً؟» قال أبوبكر: "أنا"، قال: «هل فيكم من تصدق بصدقة؟» فقال أبوبكر: "أنا"، قال: «ما اجتمعن في امرىءٍ إلا دخل الجنة» [رواه مسلم].
وكما كتب الله لأبي بكر أن يكون
مع الرسول ثاني اثنين في الإسلام، فقد كتب له أن يكون ثاني اثنين في غار
ثور، وأن يكون ثاني اثنين في العريش الذي نُصب للرسول في يوم بدر.
ولعلم الصحابة بمكانه وقربه من
الرسول وفضله وسابقة إسلامه، فقد بايعوه بعد وفاة الرسول بالخلافة، وقد كان
أمر وفاة الرسول ذا حزن وفزع وصدمة عنيفة، وقف لها أبوبكر ليعلن للناس في
إيمان عميق قائلاً: "أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات،
ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت"، ثم تلا على الناس قول الله عز
وجل لرسوله : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر:30].
وتمت البيعة بإجماع من المهاجرين
والأنصار. وقد كانت سياسته العامة والخاصة خيرٌ للإسلام والمسلمين و الناس
كافة، أوجزها في كلمة قالها خطيباً في مسجد رسول الله بعد أخذ البيعة قال:
"أيها الناس، إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن
أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى
آخذ الحق له إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء
الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع
الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله،
فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
وهي خطبة شاملة جامعة أتبعها
بالعمل لخدمة هذا الدين ونشره، فأنفذ جيش أسامة بن زيد، وبلغ من تكريم أبي
بكر لهذا الجيش الذي جهزه الرسول أن سار في توديعه ماشياً على قدميه،
وأسامة راكب، وقد أوصى الجيش بوصية عظيمة فيها تعاليم الإسلام ومبادئه
السمحة.
ثم قام أبوبكر بعمل عظيم لا ينهض
له إلا الرجال الموفقون، فقد وقف للردة التي وقعت بعد وفاة الرسول موقفاً
لا هوادة فيه ولا ليونة، وقال كلمته المشهورة: "والله لأقاتلن من فرّق بين
الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا
يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها". ولما يسر الله عز وجل القضاء
على المرتدين انطلقت عينا أبي بكر خارج الجزيرة العربية؛ رغبة في نشر هذا
الدين وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فوجَّه الجيوش إلى الجهاد في أرض
فارس والروم، وجعل على قائد جبهة الفرس خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعلى
قائد جبهة الروم أبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه. وكانت أولى
المواقع العظيمة موقعة اليرموك التي فتح الله فيها للمسلمين أرض الروم وما
وراءها.
ومن أجلِّ أعمال أبي بكر جمع
القرآن الكريم، وقد عهد بذلك إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقام بالأمر
حتى كتب المصحف في صحف جُمعت كلها ووضعت عند أبي بكر، حتى انتقلت من بعده
إلى عمر، ثم إلى عثمان رضي الله عنهم أجمعين.
مرض أبوبكر وتوفي في جمادى الآخر
سنة 13هـ ودفن بجوار الرسول، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر، وعهد
للخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
اللهم ارض عن أبي بكر، واجزه الجزاء الأوفى؛ جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين.
اللهم امين
فضائل أبي بكر الصديق من كتب الشيعة
روايات في أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
"وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين، وإنا لنعرف له سنة، ولقد أمره رسول الله بالصلاة وهو حي" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد الشيعي ج1 ص332].
إن علياً عليه السلام قال في خطبته: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر"،
ولم لا يقول هذا وهو الذي روى:
"أننا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبل حراء إذ تحرك الجبل، فقال
له: قر، فإنه ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيد" ["الاحتجاج" للطبرسي].
كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن العباس" ["الإرشاد" ص14].
فهذا ابن عباس يقول وهو يذكر
الصديق: "رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيماً، وللقرآن تالياً، وعن
المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، وعن المنهيات زاجراً،
وبالمعروف آمراً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، فاق أصحابه ورعاً
وكفافاً، وسادهم زهداً وعفافاً" ["ناسخ التواريخ" ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران].
يقول ابن أمير المؤمنين عليّ ألا وهو الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم، والذي أوجب الله اتباعه على القوم حسب زعمهم -
يقول في الصديق، وينسبه إلى رسول الله عليه السلام أنه قال: "إن أبا بكر مني بمنزلة السمع" ["عيون الأخبار" ج1 ص313، أيضاً "كتاب معاني الأخبار" ص110 ط إيران].
وكان حسن بن علي رضي الله عنهما
يؤقر أبا بكر وعمر إلى حد حتى جعل من إحدى الشروط على معاوية بن أبى سفيان
رضي الله عنهما: "إنه يعمل ويحكم في الناس بكتاب، وسنة رسول الله، وسيرة
الخلفاء الراشدين"، - وفي النسخة الأخرى - الخلفاء الصالحين ["منتهى الآمال" ص212 ج2 ط إيران].
الإمام الرابع للقوم علي بن
الحسن بن علي، فقد روى عنه أنه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر
وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: "ألا تخبروني
أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من
الله ورضواناً أولئك هم الصادقون؟ قالوا: لا، قال: "فأنتم الذين تبوؤا
الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما
أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"؟ قالوا: لا، قال: "أما أنتم
قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين
قال الله فيهم: "يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا
تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا"، اخرجوا عني، فعل الله بكم" ["كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران].
عن أبى عبد الله الجعفي عن عروة
بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيف؟
فقال: "لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه"، قال: قلت: وتقول الصديق؟
فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: "نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا
صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" ["كشف الغمة" ج2 ص1]
الناطق بالوحي سماه الصديق كما رواه البحراني الشيعي في تفسيره "البرهان"
ولم يقل هذا إلا لأن جده رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن بعض رجاله
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الغار قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر،
وانظر إلى الأنصار مخبتين في أفنيتهم، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟
قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنت الصديق" ["البرهان" ج2 ص125].
أبو عبد الله جعفر الملقب
بالسادس - سئل عن أبى بكر وعمر كما رواه القاضي نور الله الشوشترى"إن رجلاً
سأل عن الإمام الصادق عليه السلام، فقال: يا ابن رسول الله! ما تقول في حق
أبى بكر وعمر؟ فقال عليه السلام: "إمامان عادلان قاسطان، كانا على حق،
وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة" ["إحقاق الحق" للشوشتري ج1 ص16 ط مصر].
عن ابو عبدالله جعفر رواه الأربلي أنه كان يقول: "لقد ولدنى أبو بكر مرتين" ["كشف الغمة" ج2 ص161].
حسن بن على الملقب بالحسن
العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم - فيقول وهو يسرد واقعة الهجرة أن
رسول الله بعد أن سأل علياً رضي الله عنه عن النوم على فراشه قال لأبى بكر
رضي الله عنه: "أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك
أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟" قال أبو بكر: "يا
رسول الله! أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل
عليّ موت صريح ولا فرح ميخ وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلى من أن أتنعم
فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا
فداءك"، فقال رسول الله عليه الصلاه والسلام: "لا جرم أن اطلع الله على
قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر،
والرأس من الجسد، والروح من البدن" ["تفسير الحسن العسكري" ص164، 165 ط إيران].
وهذه روايه "إن ناساً من رؤساء
الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده، وقالوا له: رحمك
الله، ماذا تقول في حق أبي بكر وعمر؟ قال: ما أقول فيهما إلا خيراً كما لم
أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا،
وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590 تحت عنوان "أحوال الإمام زين العابدين"].
وقال فيه علي: "إن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" ["رجال الكشي" ص70].
فهذا السلمان يقول: "إن رسول الله كان يقول في صحابته: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه" ["مجالس المؤمنين" للشوشتري ص89].
وفى رواية "سأل الصديق علياً كيف
ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر:
"سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله" ["تاريخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان "عزام أبي بكر"].
وهذه ايضا روايه "وكان علي عليه السلام يقول: محمد ابني من ظهر أبي بكر" ["الدرة النجفية" للدنبلي الشيعي شرح نهج البلاغة ص113 ص إيران].
ولمن انتقص الصديق رضي الله عنه نقول
وأقول لمنتقص الصديق قال الله تعالى:
{أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ
آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن
تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] إن العمى الحقيقي عمى القلب الذي يفسد البدن كله وخصوصا الفكر فالعقيدة الصافية توفيق من الله ودليل حياة القلب وبصيرته
وعودة للصديق ورحلة الغارلقد عاتب الله أهل الأرض جميعا ما خلا الصديق في قوله تعالى:
{إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ} [التوبة:40]
وهذا الخطاب الإلهي أستثنى الصديق لأنه كان مع النبي صلى الله عليه ولم
يخاطب بهذه الآية دون البشر كلهم.ذكر الطبري عن عمرو بن الحارث عن أبيه: أن
أبا بكر الصديق رحمة الله تعالى عليه حين خطب قال: "أيكم يقرأ (سورة
التوبة)"؟ قال رجل: أنا قال: اقرأ فلما بلغ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ} [التوبة:40] بكى أبو بكر وقال: "أنا والله صاحبه".لا تحزن إن الله معنا كم هي كلمة رائعة تقال لرجل يستحقها
أخرج البخاري عن أنس عن أبي بكر
رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم
نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهم»
وروى الحاكم وأبن أبي شيبة: قال عمر بن الخطاب: "و الله لليلة من أبي بكر
خير من آل عمر و ليوم من أبي بكر خير من آل عمر لقد خرج رسول الله صلى الله
عليه و سلم لينطلق إلى الغار و معه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه و
ساعة خلفه حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: «يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي و ساعة خلفي؟» فقال: "يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك" فقال: «يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني»
قال: "نعم و الذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمة إلا أن تكون بي دونك"
فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: "مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك
الغار"، فدخل و استبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة
فقال: "مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجرة" فدخل و استبرئ ثم قال: "انزل
يا رسول الله فنزل فقال عمر: و الذي نفسي لتلك الليلة خير من آل عمر".
الله أكبر صاحب النبي صلى الله
عليه وسلم في الدنيا ورفيق دربه كما شهد بذلك علي رضي الله عنه حيث روى
البخاري عن أبن عباس: "إني لواقف في قوم فدعوا لعمر بن الخطاب وقد وضع على
سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله إني كنت
لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول "كنت وأبو بكر وعمر وفعلت وأبو بكر وعمر"
"وانطلقت وأبو بكر وعمر|. فإن
كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالبما أروعها من
شهادة بل وأعظم منها شهادة النبي صلى الله عليه وسلم للصديق بالصدق حيث
قال صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت لم
أخلق لهذا خلقت للحراثة قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر وأخذ الذئب شاة
فتبعها الراعي فقال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري قال آمنت
به أنا وأبو بكر وعمر". قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم. فحتى مع غياب
الصديق يشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق."
هل هذا يلجم أفواه الحاقدين لا
والله فمرض القلب لا طب فيه وأزيد ما رواه البخاري من ثقة رسول الله صلى
الله عليه وسلم في هذا الرجل العظيم: عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:
"أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت إن
جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول الموت قال صلى الله عليه وسلم إن لم تجديني فأتي
أبا بكر" .
بل كان الصديق رفيق النبي حتى في
زياراته للمسلمين فهذا عتبان بن مالك وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إني قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي وإذا كانت الأمطار سال
الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم وددت أنك يا
رسول الله تأتي فتصلي في مصلي فأتخذه مصلي قال
فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم سأفعل إن شاء الله قال عتبان فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر الصديق حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت
له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك؟....إلى أخر
الحديث
إن في هذا ذكرى لمن كان له قلب
وأختم بما ذكر القرطبي عن الليث بن سعد: الليث بن سعد: ما صحب الأنبياء
عليهم السلام مثل أبي بكر الصديق
والحمد لله رب العالمين
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).