0

التشبيه لغة: الشين والباء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تشابُه الشّيء وتشاكُلِهِ لوناً وَوَصْفاً(1)، والشبيه: المثل، والجمع أشباه. وأشبه الشيء الشيء: ماثله(2).

أما التشبيه في الاصطلاح: فهو وصف الله بشيء من خصائص المخلوقين، وذلك بأن يثبت لله تعالى في ذاته أو صفاته وأفعاله من الخصائص مثل ما يثبت للمخلوق، كأن يقال: يد الله مثل أيدي المخلوقين، واستواءه كاستوائهم، ونحو ذلك، أو يعطي لمخلوق من خصائص الرب تعالى، التي لا يماثله فيها شيء من المخلوقات (3).

والتشبيه نوعان:

الأول: تشبيه الخالق بالمخلوق، وذلك كتشبيه ذات الله تعالى بذوات المخلوقين كقول المشبهة أن الله جسما كالأجسام، أو أنه بينه وبين الأجسام تشابها(4)، وكذلك وصف الله بصفة هي من صفات المخلوقين، كوصف اليهود لله بالبخل والعجز والمرض- تعالى الله عن هذا علوا كبيرا-.

الثاني: تشبيه المخلوق بالخالق، بإثبات شيء للمخلوق مما يختص به الخالق عز وجل من الأفعال والحقوق والصفات(5).

فمن مَثَّلَ صفات الله بصفات خلقه أو بعضها فقد شبه، ومن أعطى للمخلوق صفات الخالق أو بعضها فقد شبه.

والفرق بين التمثيل والتشبيه أن التمثيل مساواة الشيء لغيره من كل وجه، أما التشبيه فمساواة الشيء لغيره في أكثر من وجه، وقد يطلق أحدهما على الآخر(6).

أما التكييف فهو جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل، مثال ذلك: قول الهاشمية عن الله (طوله كعرضه)، أو قولهم: (طوله طول سبعة أشبار بشبر نفسه)(7).

أصل مقالة التشبيه:

كثر التشبيه في فرق الشيعة، وفشا فيها إلى حد كبير، فظهر فيهم من يصف الله بالجسم، ويشبه صفاته تعالى بصفات خلقه، فكانوا بذلك أول من ابتدع هذا المعتقد الكفري في الإسلام.

وبين أبو منصور البغدادي هذا الرأي بقوله: "وأول ظهور التشبيه صادر عن أصناف من الروافض الغلاة"(8).

ثم جاء الرازي وحدد رؤوس هذه البدعة، فقال في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: "اليهود أكثرهم مشبهة، وكان بدو ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض، مثل بنان بن سمعان الذي كان يثبت لله تعالى الأعضاء والجوارح، وهشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي، وأبو جعفر الأحول الذي كان يدعى شيطان الطاق"(9).

ثم جاء شيخ الإسلام ابن تيمية وحدد أول من نطق بتلك المقالة وتولى كبر نشرها، فقال: "وأول من عُرف عنه في الإسلام أنه قال: إن الله جسم، هو هشام بن الحكم"(10).

ومن الملاحظ أن هشاماً- ومن تبعه من المشبهة- قد قام بتطوير مقالات عبد الله بن سبأ اليهودي المتشيع، أو أنه تلقى الأمر مباشرة من أقوال اليهود والنصارى، سيما وأنه قد تلبس فترة من الزمن بقيم الإلحاد والزندقة.

يقول أبو الحسن الملطي إن: "هشاما كان ملحداً دهرياً، ثم انتقل إلى الثنوية والمانية، ثم غلبه الإسلام، فدخل في الإسلام كارهاً، فكان قوله في الإسلام بالتشبيه والرفض"(11).

ولهشام أقوال كثيرة في تشبيه الله بخلقه نقلت عنه في كتب الفرق والملل والنحل، قال البغدادي: "حكى ابن الراوندى في بعض كتبه، عن هشام أنه قال: بين الله وبين الأجسام المحسوسة تشابه من بعض الوجوه، لولا ذلك ما دلت عليه"(12).

من أقوال أئمة أهل السنة في البراءة من التشبيه:

- يقول الإمام أبو إسماعيل الصابوني: "إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة- حفظ الله أحيائهم ورحم أمواتهم- يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوية، ويعرفون ربهم عز وحل بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم، على ما وردت به الأخبار الصحاح، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيده كما نص سبحانه عليه في قوله-عز من قائل-:{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِين}(13)، ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله، ولا يكيفونها بكيف أو يشبهونها بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعليل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}(14)"(15).

- ويقول حافظ بغداد الخطيب البغدادي في رسالة له في الصفات: "أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف- رضوان الله عليهم- إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، القصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمور، ودين الله بين الغالي فيه، والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح، وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لقوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}(16)، وقوله عز وجل: {ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}(17)"(18).

- ولشيخ الإسلام ابن تيمية مقولة يلخص فيها قضية التشبيه وموقف أهل السنة منها، يقول فيها: "إن الإسلام وسط في الملل بين الأطراف المتجاذبة، والسنة في الإسلام، كالإسلام في الملل، فالمسلمون في صفات الله تعالى وسط بين اليهود الذين شبهوا الخالق بالمخلوق، فوصفوا الخالق بالصفات التي تختص بالمخلوق، وهي صفات النقص، فقالوا: إن الله فقير، وإن الله بخيل، وإن الله تعب لما خلق العالم فاستراح، وبين النصارى الذين شبهوا المخلوق بالخالق، فوصفوه بالصفات المختصة بالخالق، فقالوا: هو الله. والمسلمون وصفوا الخالق بصفات الكمال ونزهوه عن صفات النقص، ونزهوه أن يكون شيء كفوا له في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن صفات النقص مطلقا، ومنزه في صفات الكمال أن يماثله فيها شيء من المخلوقات"(19).

فقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}(20) قد بيَّن الموقف من مسألة صفات الله عز وجل، ففي هذه الآية قاعدة جليلة سار عليها أهل السنة والجماعة فكانوا وسطا بين المشبة والمعطله، فقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} رد على أهل النفي والتعطيل، ولذلك قيل: إن "المشبه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والممثل أعشى، والمعطل أعمى"(21).

ـــــــــــ

(1) مقاييس اللغة لابن فارس: (مادة شبه): (3/243).

(2) لسان العرب لابن منظور مادة: (شبه): (13/503).

(3) مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها- د. جابر بن إدريس بن علي أمير: (1/79)؛ وينظر: معجم مصطلحات العقيدة لفالح الحربي:(ص: 99،100).

(4) الملل والنحل للشهرستاني: (1/184-185).

(5) مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها للدكتور جابر بن إدريس: (1/164).

(6) ينظر: معجم ألفاظ العقيدة لفالح الحربي: (ص:99).

(7) المرجع السابق: (ص:97).

(8) الفرق بين الفرق: (ص:214).

(9) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص: (63-64).

(10) منهاج السنة النبوية: (1/72-73).

(11) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، ص: (24).

(12) الفرق بين الفرق، ص: (49).

(13) سورة ص:(75).

(14) سورة الشورى: (11).

(15) عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص: (3-4).

(16) سورة الشورى: (11).

(17) سورة الإخلاص الآية: (4).

(18) مسألة في الصفات للخطيب البغدادي، مطبوعة ضمن عدد مجلة الحكمة الأول: (ص:287-288)- والرسالة من تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع.

(19) الصفدية: (2/310).

(20) سورة الشورى: (11).

(21) منهاج السنة النبوية: (2/526).

المصدر البرهان

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top