0

الصفويون يحالفون الصليبيين

يذكرك بالإمام موسى الصدر، بكلامه بداية الحرب اللبنانية، يوم دعا إلى الانفتاح والحوار والوحدة الوطنية بعيداً عن أية تأثيرات خارجية.

يصر على احتفال الطائفة الشيعية بعودة لبنان إلى سيادته واستقلاله مع باقي الطوائف اللبنانية، لأن التنظيمات الشيعية الموجودة الآن لا تمثل الطائفة الشيعية ولا تنسجم مع الترحيب والاحتفال بخروج الجيش السوري من لبنان.

يؤكد أن الشيعة هم طائفة أساسية ومكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني، وبالتالي فإن خروج الجيش السوري لا يؤثر سلباً على الطائفة كما تظن التنظيمات الموجودة فيها الآن، بهذا المعنى فالشيعة ليسوا انفصاليين ولا انعزاليين، لكن حتى الآن لا توجد أحزاب وقوى سياسية داخل الطائفة تستطيع أن تكرس هذه الدرجة من الانتماء الوطني في مواجهة القوى المكدسة داخل الطائفة والتي تكرس الولاء للوصاية السورية لأن سورية عندما دخلت لبنان استطاعت أن تحوّل ولاء الطائفة الشيعية إليها كاملاً.

أنه ابن جبل عامل، العلامة محمد حسن الأمين مؤسس (اللقاء الشيعي اللبناني) والذي التقيناه في منزله في الضاحية الجنوبية في بيروت.

لئن ذكرت الدولة الصفوية الشيعية التي تأسست في إيران قبل خمسة قرون فإنه يذكر فوراً تلك التحالفات التي كانت تعقدها هذه الدولة مع الدول الصليبية في أوربا وهي موجهة أساساً ضد الدولة العثمانية المسلمة السنية التي كانت تذود -آنذاك- عن حمى الإسلام و تقف سداً منيعاً أمام الأخطار والأطماع الأوربية الصليبية.

تأسست الدولة الصفوية سنة 907هـ الموافق 1502م، على يد الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي، الذي أقام كيانها وأرسى قواعدها وبنيانها وفرض فيها المذهب الشيعي بالقوة.

وينسب الصفويون إلى الجد الخامس للشاه إسماعيل، وهو صفي الدين الأردبيلي وهو أحد أقطاب التصوف المولود سنة 650 هـ.

وفي سنة 907هـ توج الشاه إسماعيل نفسه ملكاً على إيران بعد انتصاره على القبائل التركمانية الحاكمة، وما أن تم له ذلك حتى أعلن فرض المذهب الشيعي مذهباً رسمياً في مختلف أنحاء إيران دون مقدمات، وقد كان أكثر من ثلاثة أرباع إيران من السنة، وكل من عارض هذا الأمر لقي حتفه، فانقاد الناس له.

وبعد استتاب الأمر للصفويين، كان من المنطقي أن تتوجه بعدائها إلى دولة الخلافة العثمانية السنية بسبب العقائد الشيعية المعادية لكل المسلمين وخاصة أهل السنة، وكانت الدولة العثمانية قد قامت في القرن السابع الهجري في وقت كان المسلمون فيه متفرقين متناحرين، وكان قيام دولة العثمانيين قوة للإسلام وحماية للدول الإسلامية من الاستعمار الصليبي.

لم يرق للصفويين الشيعة أن يروا المسلمين متوحدين تحت خلافة واحدة وخليفة واحد، وأن تعود راية الجهاد إلى المسلمين بعد أن خمدت في النفوس أمداً طويلاً، فبادر هؤلاء الصفويون إلى توجيه أحقادهم وسهامهم إلى دولة الخلافة التي كانت منهمكة في فتوحاتها وفي الذود عن الإسلام والمسلمين.

كانت الخلافة العثمانية الممثلة لدولة الإسلام تقاتل أعداءها من الصليبيين الحاقدين على عدة محاور، فالروس من الشمال والنمسا من الغرب والإمارات الإيطالية وفرنسا وانجلترا والبرتغاليين في البحار والمحيطات والكل يحقد على هذه الدولة التي قضت على الدولة البيزنطية إحدى قواعد الدول النصرانية، وتوغلت في أوروبا كما أنها حالت دون انتشار النصرانية ودون امتداد النفوذ الاستعماري الصليبي وطلائعه من البرتغاليين، ومنعت وصولهم إلى القدس وسيطرتهم عليها.

وفي الوقت الذي كان العثمانيون فيه ينطلقون شمالاً وغرباً في فتوحاتهم ودفاعهم عن الإسلام، بدأ الصفويون ومنذ عهد المؤسس الشاه إسماعيل بعمل اضطرابات على الحدود الشرقية للدولة العثمانية، وباغتوهم من الخلف، الأمر الذي جعل السلطان العثماني سليم الأول يخرج لملاقاة الصفويين بعد أن شعر بخطرهم، واستمرت الحروب بين الخلافة العثمانية وبين الصفويين الروافض زمناً طويلاً، وبالرغم من انتصار العثمانيين في معظمها إلا أن هذه المعارك استنزفتهم وأنهكتهم وأعاقت فتوحاتهم ونشرهم للإسلام في أوربا.

وبعد وفاة الشاه إسماعيل خلفه ابنه طهماسب، واستمر على نهج أبيه، واتصل بملك المجر (هنغاريا) ليعاونه على العثمانيين العدو المشترك، فصمم الخليفة العثماني آنذاك سليمان القانوني على توجيه حملة إلى إيران لقتال الصفويين، لكنه حول قواته ضد المجر نظراً لحيوية هذه الجبهة وأهميتها في مواجهة الصليبيين، وفي هذه الأثناء يقوم طهماسب الصفوي بغزو بغداد واحتلالها وبدأت المحاولات لفرض المذهب الشيعي على أهل العراق الأوسط والجنوبي، فاستغاث أهل السنة هناك بـالسلطان سليمان.

وظلت الحرب بين العثمانيين والصفويين سجالاً وحدثت عدة معاهدات صلح، لكن الجانب الصفوي كان دائم النقض لهذه المعاهدات لأنه كان يشعر بضعف الدولة العثمانية في ذلك الحين.

لقد أدت هذه الحروب إلى أن يرجع القادة العثمانيون من فتوحاتهم في أوربا ليوقفوا الزحف الصفوي على الأراضي السنية، كما حدث مع سليم العثماني، وكما حدث مع السلطان سليمان حينما حاصر النمسا عام 1529م وكان يدك أسوارها لمدة ستة أشهر وكاد أن يفتحها ولكن طارت إليه أنباء من الشرق جعلته يكر راجعاً إلى إستانبول، لقد كانت نذر الخطر الصفوي.

لقد كانت التحالفات مع القوى الصليبية سمة مميزة للدولة الصفوية الرافضية التي ترى أن التقارب مع الصليبيين وأهل الكفر أفضل من تقاربهم مع المسلمين من أهل السنة، وفي حين كانت الدولة العثمانية رافعة راية الإسلام غازية في أوربا فاتحة للقسطنطينية مدافعة عن الدول الإسلامية من الهجمات الصليبية، وتخشاها جميع دول وممالك أوربا، كانت الدولة الصفوية تحيك المؤامرات ضدها وتدخل في اتفاقيات مع دول أوربا الصليبية للقضاء على القوة العثمانية الإسلامية، وبشهادة الجميع كان عهد الصفوية هو عهد إدخال قوى الاستعمار في منطقة الخليج حيث مهدت له الطريق بعقد التحالفات العسكرية والتجارية مع البرتغاليين والهولنديين والإنجليز.

ولقد شهد التاريخ كثيراً من تلك المؤامرات وخاصة في عهد الشاه إسماعيل الصفوي، فبعد الهزيمة المرة التي لحقت به في موقعة جالديران عام 920هـ أمام السلطان سليم، تحرك للتحالف مع البرتغاليين لتغطية الهزيمة، فأقام العلاقات معهم، وكان البرتغاليون أنفسهم يبحثون عن هذه العلاقات، فقد كانوا جزءاً من أوربا التي فرحت بظهور الدولة الصفوية حين لاحت لهم بظهورها فرصة انفراج الضغط العثماني عليهم وعلى تجارتهم، ولذلك سعت الدول الأوربية إلى إسماعيل تعرض عليه تثبيت عرى الصداقة والمودة وتحثه على إيجاد علاقات سياسية واقتصادية.

وعقدت اتفاقية بين الشاه إسماعيل الصفوي والبوكرك الحاكم البرتغالي في الهند نصت على ما يلي:

1- تصاحب قوة بحرية برتغالية الصفويين في حملتهم على البحرين والقطيف.

2- تتعاون البرتغال مع الدولة الصفوية في إخماد حركات (التمرد) في بلوجستان ومكران.

3- تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.

4- تصرف حكومة إيران (الصفوية) النظر عن جزيرة هرمز، وتوافق أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال.

وأما اتفاقاتهم مع جمهورية فينيسيا (البندقية) فكانت مخزية كذلك، فقد كانت فينيسيا من الدول المتأثرة تجارياً بسبب قضاء العثمانيين على الدولة البيزنطية وإغلاقها الطريق الرئيسي للتجارة بين أوربا وآسيا، فأرسل الشاه إسماعيل السفراء إلى بلاط فينيسيا طالباً الهجوم على العثمانيين عن طريق البحر وأن يقوم هو بالهجوم من ناحية البر بشرط أن تسترد فينيسيا قواعدها التي فقدتها في البحر الأبيض المتوسط.

ومن الدول التي كانت تسعى إيران لإيجاد علاقات معها للتخلص من الدولة العثمانية إسبانيا والمجر، حيث بعث الشاه إسماعيل برسالتين إلى إسبانيا والمجر طلب فيها عقد معاهدة صداقة وتعاون بينهم وعرض فكرة اتحاد بغرض سحق الأتراك العثمانيين.

كانت للشاه عباس كذلك اتصالات ومؤامرات مع الجانب الصليبي، فقد قدّم عباس عروضاً للإسبان عن طريق البنادقة كي يتقاسما أراضي الدولة العثمانية، فتحصل الأولى على الجزء الأوربي، وتستأثر الثانية بالآسيوي، ولم يكن هذا العرض سوى واحد من عروض كثيرة حملها سفراء إيرانيون وكانوا يقطعون المسافة بين أوروبا وإيران مجيئاً وذهاباً.

كما أن عباس جعل إيران تتحالف مع قوة انجليزية في الخليج، وشجع البرتغاليين والهولنديين على التجارة في بندر عباس.

كان هذا هو المنهج الذي نهجه الصفويون في تعاملهم مع دول السنة، منهج كيد وتآمر، ولقد أثر ذلك في كثير من مجريات الأمور، واستفادت منه الدول الأوروبية أعظم استفادة.

وفي الوقت الذي كان فيه حكام الصفوية فظين غليظين على أهل السنة، كانوا رقيقين لينين مع النصارى كما يعترف بذلك ويقره الكاتب والمؤرخ الشيعي عباس إقبال حيث يقول: ( ولم يكن الشاه عباس فظاً على غير أهل السنة من دون أتباع سائر المذهب لذا فقد جلب أثناء غزواته لأرمينية والكرج نحو ثلاثين ألف أسرة من مسيحيي هذه الولايات على مازنداران وأسكنهم بها كما رحّل إلى أصفهان خمسين ألف أسرة من أرامنة جلفاء وإيران وبنى لهم مدينة جلفا على شاطئ نهر زاينده رود وأنشأ لهم فيها الكنائس وشجعهم على التجارة مع الهند والبلاد الخارجية بأن أعطاهم الحرية الكاملة ).

ويذكر شاهين مكاريوس (تاريخ إيران ص 154) أن الشاه عباس أصدر منشوراً إلى رعاياه يقول فيه: إن النصارى أصدقاؤه وحلفاء بلاده، وأنه يأمر رعاياه باحترامهم وإكرامهم أينما حلّوا، واستطراداً لهذه السياسة، فتح الشاه موانئ بلاده لتجار الإفرنج وأوصى ألا تؤخذ منهم رسوم على بضائعهم، وألا يتعرض أحد من الحكام أو الأهالي لهم بسوء، ويقول مكاريوس: إن الشاه إسماعيل كان أول من فعل هذا مجاهراً من سلاطين المسلمين.

ـــــــــــــــــــ

للاستزادة:

(1) الصفويون والدولة العثمانية - أبو الحسن علوي عطرجي.

(2) حركات فارسية مدمرة - د. أحمد شلبي.

(3) الخمينية وريثة الحركات الحاقدة - وليد الأعظمي.

(4) التشيع العلوى والتشيع الصفوي - علي شريعتي.

المصدر: موقع مركز التنوير للدراسات الإنسانية

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top