0

عدالة الصحابة في الكتاب والسنة

أولاً: مفهوم الصحابي والرد على المخالفين:

الصحابي في اللغة مشتق من الصحبة، وليس من قدر منها مخصوص بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً.

وأما في الاصطلاح فللعلماء فيه تعاريف مختلفة، فمن ذلك:

1- تعريف الإمام أحمد حيث قال: كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه.

2- تعريف البخاري حيث قال في صحيحه: ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.

3- تعريف سعيد بن المسيب حيث قال: الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين.

قلت: ولا يصح هذا عن سعيد لأنه من رواية الواقدي- وقد كذبه غير واحد من أئمة الحديث - ولأنه يخرج به كثير ممن أسلم في سنة الوفود، وأسلم قبل موته صلى الله عليه وسلم، وفيهم صحابة أجلاء كجرير البجلي وغيره ويخرج النساء أيضاً؛ لأن أغلبهن لم يشاركن في الغزو معه صلى الله عليه وسلم.

4- تعريف ابن حجر وهو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ومن روى عنه أو لم يروعنه ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ثم أسلم بعد موته، ويخرج بقوله: (ومات على الإسلام) ومن لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته كعبيد الله بن جحش وعبدالله بن خطل وربيعة بن أمية بن خلف ويخرج به كذلك المنافقون لأنهم ليسوا من الصحابة بالإجماع، ويدخل فيه من ارتد ثم عاد إلى الإسلام قبل موته كالأشعث بن قيس وعمرو بن معد بن يكرب الزبيدي؛ وهذا التعريف هو الراجح عند جمهور العلماء.

ثانياً: عدالة الصحابي وحجيتها والرد على المخالفين:

اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول سواءً من أسلم قبل الفتح أو بعده، وسواء من شارك في الفتنة أو لم يشارك فيها، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة كالرافضة ومن نحا نحوهم، وقد عدلهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاجون إلى تعديل أحد بعدهما، فمن ذلك:

1- الشهادة لهم بأنهم خير أمة، قال تعالى ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ والخطاب في هذه الآية عند نزولها هو للصحابة لكنه يشمل الأمة كلها.

2- الشهادة لهم بالإيمان الحق الصادق، قال تعالى: ﴿﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال:74].

3- حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ونفي هذه الأمور عنهم من قبل الله تعالى يعني نفي كل ما يناقض عدالتهم ومن ثم إثبات عدالتهم كاملة غير منقوصة، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات:7].

4- الشهادة لهم بالصدق، والفوز، والرشد، والتقوى والفلاح، فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:8-9]، وقال: ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة:20]، وقال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات:7]، وقال: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الفتح:26]، وقال: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التوبة:88].

5- الشهادة لهم بالجهاد والعمل الصالح والإخلاص، قال تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التوبة:88]، وقال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح:29].

6- الشهادة لهم جميعاً بالجنة والرضوان والمغفرة، فقال: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد:10]، قال ابن حزم: "كل الصحابة من أهل الجنة قطعاً بمقتضى هذه الآية، ولقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء:101]، ولا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية" اهـ. وقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:100]، وقال: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح:18]، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة»، وقال تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:89]، وقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التوبة:20-22].

7- الأمر بحبهم شرعاً، واعتباره علامة على الإيمان، وتحريم سبهم وبغضهم، واعتباره علامة على النفاق، قال صلى الله عليه وسلم: «حب الأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق» [متفق عليه]، وقال: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» [رواه الطبراني وهو حديث حسن]، وقال: «لا تسبوا أصحابي .. لا تسبوا أصحابي؛ فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» [رواه مسلم]، قال أبو زرعه الرازي: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة".

وقال الخطيب: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن - وأورد الآيات والأحاديث في ذلك، ثم قال: - والأخبار في هذا المعنى تتسع وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية والخروج من باب التأويل فيحكم بسقوط العدالة وقد برأهم الله من ذلك ورفع أقدارهم عنه على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤن من بعدهم أبد الآبدين.

والواجب نحو الصحابة ما يلي:

1- محبتهم وموالاتهم ظاهراً وباطناً.

2- الثناء عليهم والترضي عنهم والاستغفار لهم.

3- الكف عن ذكر مساوئهم وأخطائهم وعدم التعرض لسبهم وشتمهم أو التنقص منهم.

4- اعتقاد عدم العصمة لأحد منهم.

5- اعتقاد عدالتهم وإمامتهم في الدين.

6- الشهادة بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بها.

وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، وقد تركناها اختصاراً.

والله أعلم.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top