اعتقاد الاثنا عشرية أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق
ناصر القفاري
يقول الاثنا عشرية: إن الأئمة الاثني عشر هم الواسطة بين الله وخلقه. قال المجلسي عن أئمته: (فإنهم حجب الرب، والوسائط بينه وبين).
وعقد لذلك بابًا بعنوان (باب أن الناس لا يهتدون إلا بهم، وأنهم الوسائل بين الخلق وبين الله، وأنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم).
وجاء في أخبارهم أن أبا عبد الله قال: (نحن السّبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ).
وجاء
في كتاب (عقائد الإمامية) أن الأئمة الاثني عشر هم: (أبواب الله والسبل
إليه... إنهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق).
وإذا
كان المسلمون يعتقدون أن الرسل هم الواسطة بين الله والناس في تبليغ أمر
الله وشرعه، فإن الاثني عشرية تعتقد أن هذا المعنى موجود في الأئمة، لأنهم
يتلقون من الله - كما مر في فصل عقيدتهم في السنة - وتزيد على ذلك فتجعل
لهم من خصائص الألوهية ما يخرج بمن يؤمن به من دين التوحيد إلى دين
المشركين حين تجعل هداية الخلق إليهم، وأن الدعاء لا يقبل إلا بأسمائهم،
وأنه يستغاث بهم عد الشدائد والملمات، ويحج إلى مشاهدهم، والحج إليهم أفضل
من الحج إلى بيت الله، وكربلاء أفضل من الكعبة، ولزيارة أضرحة الأئمة مناسك
وآداب سموها (مناسك المشاهد) وجعلوها تحج كما يحج بيت الله الذي جعله الله
قيامًا للناس، ويطاف بها كما يطاف بالبيت، وتتخذ قبلة كبيت الله الحرام.
وسأعرض - إن شاء الله - لهذه المسائل من خلال النقل الأمين - بحول الله - من كتب الشيعة المعتمدة عندها.
وقبل
أن أعرض لهذه المسائل أبين أن دعوى (الواسطة) للأئمة غريبة على نصوص
الإسلام، بل هي منكرة، لأنها عين دين المشركين، وقد بعث الرسل لتخليص
البشرية من هذا الشرك.
وليس بين المسلم في عبادته لربه ودعائه له، حجب تمنعه، ولا واسطة تحجبه. قال تعالى: {وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وقال
أهل العلم: (إن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم
كَفَرَ إجماعًا؛ لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام الذين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
وحينما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن قال: لابد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإننا لا نقدر أن نصل إليه إلا بذلك.
أجاب
- رحمه الله - بقوله: إن أراد أنه لابد لنا من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا
حق فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به وينهى عنه إلا
بواسطة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، وهذا ما أجمع عليه أهل الملل من
المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده،
وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أوامره ونواهيه، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}، ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل.
وإن
أرادوا بالواسطة: أنه لابد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين الله في جلب
المنافع ودفع المضار، مثل أن يكونوا واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم،
يسألون ذلك ويرجعون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفَّر الله به
المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع
ويدفعون بهم المضار، فمن جعل الأنبياء أو الملائكة أو الأئمة والأولياء
وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم
غفران الذنوب، وهداية القلوب وتفريج الكربات، وسد الفاقات فهو كافر بإجماع
المسلمين. إلى أن قال: فمن أثبت وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذي بين
الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، وأن الله إنما
يهدي عباده وينصرهم ويرزقهم بتوسطهم، بمعنى أن الخلق يسألوهم وهم يسألون
الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم،
والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من
الوسائل أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب، فمن
أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا
قتل.
وأعود
- الآن - لعرض المسائل التي أشرت إليها آنفًا من خلال كتب الشيعة نفسها
لتتضح حقيقة الشرك والدعوة إليه الكامنة في المذهب الإمامي الاثني عشري.
المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة:
قال أبو عبد الله: (بلية الناس عظيمة؛ إن دعوناهم لم يجيبونا، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا).
فهذا النص يقرر أن هداية الناس لا تتحقق إلا بالأئمة، وأن الناس في بلاء وضلال دائم لأنهم يرفضون إجابة دعوة الأئمة.
وكلا الحكمين (حصر الهداية بالأئمة، والحكم بالضلال على الناس) باطل من القول وزور لمخالفته للنقل والعقل والواقع.
ومرة أخرى تقول أخبارهم: (قال أبو جعفر: بِنَا عُبِدَ الله، وبِنَا عُرِفَ الله، وبِنَا وُحِّدَ الله).
فهي لا تنفي الهداية عن الأمة، ولكن تجعل مصدرها الأئمة.
والحق
أن الهداية بمعنى التوفيق إلى الحق وقبوله، لا يملكها إلا رب العباد،
ومقلب القلوب والأبصار، والذي يحول بين المرء وقلبه، والذي إذا قال للشيء:
كن فيكون.. والشيعة في إطلاقها هذه العبارات بلا أي قيد تجعل لأئمتها
مشاركة لله جل شأنه في هذه الهداية، وهو شرك أكبر؛ فالله سبحانه هو الهادي
وحده لا شريك له.
قال تعالى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} [الكهف: 17]. ويقول لنبيه - عليه السلام -: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص: 56].
أما هداية الدلالة على الحق والإرشاد إليه فهذه وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان، ولا تنحصر في الاثني عشر. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]. وإطلاق القول بأن هداية العباد لا تتم إلا بالأئمة جرأة على الله سبحانه.
المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة:
قالوا: لا يفلح من دعا الله بغير الأئمة، ومن فعل ذلك فقد هلك.
جاء
في أخبارهم عن الأئمة: (من دعا الله بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك
واستهلك). وبلغت جرأتهم في هذا الباب أن قالوا: (إنّ دعاء الأنبياء استجيب
بالتّوسل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجمعين).
وقد
استشهد على ذلك المجلسي بإحدى عشرة رواية من رواياتهم. كما عرض لروايات
كثيرة مماثلة في أبواب أحوال الأنبياء، وبالأخص في أحوال آدم وموسى
وإبراهيم، وكذا في أبواب معجزات النبي.
وجاءت
روايات كثيرة في هذا المعنى في عدد من مصادرهم المعتمدة. وهذا الزعم
الخطير يهدف بطريقة ماكرة، وأسلوب مقنع إلى (تأليه الأئمة) وأنهم ملجأ
المحتاجين ومفزع الملهوفين وأمان الخائفين وقبلة الداعين، ولا تستجاب
الدعوات إلا بذكر أسمائهم، فأي فرق بين هذا وبين ما يزعمه المشركون في
أصنامهم؟!
نعم هناك فرق، وهو أن المشركين في وقت الشدة يخلصون الدعاء لله {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65].
هذه الآية تبني ما هو الشّرك وما هو التّوحيد، فهي تتعلّق بالإخلاص في
الدّعاء عند اضطراب الموج ولا تتعلّق بالإمامة. أما هؤلاء فإنهم يشركون في
الرخاء والشدة، بل يزعمون أن الشدة لا ترفع إلا بالدعاء بأسماء الأئمة.
تقول
إحدى رواياتهم: (عن الرضا عليه السلام قال: لمّا أشرف نوح عليه السّلام
على الغرق دعا الله بحقّنا فدفع الله عنه الغرق، ولمّا رمي إبراهيم في
النّار دعا الله بحقّنا فجعل الله النّار عليه بردًا وسلامًا، وإنّ موسى
عليه السّلام لمّا ضرب طريقًا في البحر دعا الله بحقّنا فجعله يبسًا، وإنّ
عيسى عليه السّلام لمّا أراد اليهود قتله دعا الله بحقّنا فنجّي من القتل
فرفعه الله).
وكما
أن الاستجابة لدعاء الأنبياء بسبب الأئمة، فإن ما جرى لبعض الأنبياء هي
بزعمهم بسبب موقفهم من الأئمة، فآدم عليه السلام - كما يفترون -.. لما
أسكنه الله الجنة مثّل له النبي وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم فنظر
إليهم بحسد، ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب
إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين صلوات الله عليهم غفر الله له، وذلك قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] (15). (كما ادعوا أنّ يونس عليه السّلام حبسه الله في بطن الحوت لإنكاره ولاية علي بن أبي طالب ولم يخرجه حتى قبلها).
هذا ما تقوله الشيعة وتفتريه، ولكن يقول الله سبحانه: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. ولم يقل سبحانه: فادعوه بأسماء الأئمة أو مقامات الأئمة أو مشاهدهم.
كما قال جل شأنه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
ولو كان أساس قبول الدعاء ذكر أسماء الأئمة لقال: ادعوني بأسماء الأئمة
أستجب لكم، بل إن هذا الأمر الذي تدعيه الشيعة وتفتريه من أسباب رد الدعاء
وعدم قبوله، لأن الإخلاص في الدعاء لله أصل في الإجابة والقبول. قال تعالى:
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14]. {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29].
وهؤلاء الأئمة هم من سائر البشر {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194].
ولم يجعل الله عز وجل بينه وبين خلقه في عبادته ودعائه وليًا صالحًا ولا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلاً، بل الجميع عباد الله {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} ... [النساء: 172]. {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93].
وتربية
الشيعي من خلال أدعيته ومناجاته لله على هذا المنهج هي تربية خطيرة.. حيث
تزرع في قلبه ومشاعره الاتجاه إلى غير الواحد القهار، وتنمي في نفسه التوجه
إلى البشر لا إلى خالق البشر، ويترعرع في هذا المحضن الوثني لينشأ أولاده
وأحفاده على هذه الطريق، ولربما ينسى ذكر الله سبحانه أصلاً؛ لأن ذكر
الأئمة في لسانه، ووجودهم في قلبه حين الدعاء والتوجه.
ويتركز ذلك من خلال الكلمة والقدوة.
وقد
صرحت بعض رواياتهم بشيء من هذا المعنى، حيث تقول بأن بعض الشّيعة كتب إلى
إمامه يشتكي أو يسأل ويقول: (إنّ الرّجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن
يفضي إلى ربّه) فجاء الجواب: (إذا كانت لك حاجة فحرّك شفتيك، فإنّ الجواب
يأتيك). فهم أسرع إجابة وأقضى للحاجة، وهذا شرك يهون عند شرك الجاهلية
الأولى. وواقع مشاهد الشيعة ومزاراتهم يعبر عن الثمرات المرة لهذه
الأساطير.
ودعوى
أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل بالأئمة هي دعوى جاهلة غبية؛ إذ ليس
للأئمة وجود في حياة الأنبياء عليهم السلام، وهي دعوة للشرك بالله سبحانه؛
إذ إنهم جعلوا مفتاح الإجابة وأساس القبول هو ذكر أسماء الأئمة، فهي كقول
المشركين بأن أصنامهم تقربهم إلى الله زلفى.. وهي زعم باطل، إذ إن الأنبياء
عليهم السلام - كما جاء في قول أصدق القائلين - إنما دعوا الله عز وجل
باسمه سبحانه وبوحدانيته جل شأنه. قال سبحانه عن يونس: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
والكلمات التي قالها آدم عليه السلام وزوجه هي كما قال الله سبحانه: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
وهذه المقالة من الشيعة معلوم فسادها من الدين بالضرورة، وهي من وضع زنديق ملحد أراد إدخال الشرك في دين الإسلام يُرِيدُونَ {لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
ونقلت
كتب الشيعة نفسها ما يناقض هذه الدعوى عن الأئمة في مناجاتهم لله ودعائهم
له، فأمير المؤمنين كان يقول كما تنقل كتب الشيعة: إلهي أفكّر في عفوك
فتهون عليّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه إن
أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه!
فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته.
وما من إمام إلا قد رووا عنه الكثير من أمثال هذا الدعاء، مما لا يتسع المجال لعرضه وقد أتى على أكثره المجلسي في بحاره.
المسألة الثالثة: الاستغاثة بالأئمة:
لا
يستغاث إلا بالله وحده، ولكن الشيعة تدعو إلى الاستغاثة بأئمتها فيما لا
يقدر عليه إلا الله وحده، وقد خصصت بعض رواياتها وظيفة كل إمام في هذا
الباب فقالت: (.. أمّا عليّ بن الحسين فللنّجاة من السّلاطين ونفث
الشّياطين، وأمّا محمّد بن علي وجعفر بن محمّد فللآخرة وما تبتغيه من طاعة
الله عزّ وجلّ، وأمّا موسى بن جعفر فالتمس به العافية من الله عزّ وجلّ،
وأمّا عليّ بن موسى فاطلب به السّلامة في البراري والبحار، وأمّا محمّد بن
علي فاستنزل به الرّزق من الله تعالى، وأمّا عليّ بن محمّد فللنّوافل وبرّ
الإخوان وما تبتغيه من طاعة الله عزّ وجلّ، وأمّا الحسن بن عليّ فللآخرة،
وأمّا صاحب الزّمان فإذا بلغ منك السّيف الذّبح فاستعن به فإنّه يعينك).
ثم جاء صاحب البحار بدعاء يتضمن الاستغاثة بالأئمة على هذا النحو السالف الذكر اعتبره من قبيل الشرح لهذا النص.
وقد قرر المجلسي أنهم - كما يزعم – (الشّفاء الأكبر والدّواء الأعظم لمن استشفى بهم).
وأدعيتهم
تنسج على هذا المنوال، حيث الأئمة عندهم هم المستغاث والمرتجى، فيتوجه
الشيعي للإمام ويقول - كما جاء في رواياتهم - عن إمامهم المنتظر:
(أركان
البلاد، وقضاة الأحكام، وأبواب الإيمان.. منائح العطاء، بكم إنفاذه
محتومًا مقرونًا، فما شيء منه إلا وأنتم له السّبب وإليه السّبيل.. فلا
نجاة ولا مفزع إلا أنتم، ولا مذهب عنكم يا أعين الله النّاظرة..).
ولا يخفى ما في هذا النص من تأليه للأئمة، حيث جعلهم سبب كل شيء، ولا مفزع إلا إليهم، وبهم العطاء محتومًا ... !!
وأدعية
كثيرة تسير على هذا الضلال في الغلو بالأئمة إلى مقام خالق الأرض
والسماوات، وهي قد جمعت في كتب الأدعية عندهم كمفاتيح الجنان وعمدة الزائر
وغيرهما، وقد وردت في كتبهم المعتمدة في أبواب المزار، والأدعية، ودراستها
وجمعها وتحليلها يحتاج إلى بحث مستقل، وترى في تلك الأدعية السبئية قد أطلت
بوجهها المظلم الذي يؤله عليًا من خلال هاتيك الدعوات والاستغاثات.
وهناك
(رقاع) تكتب، وتوضع على قبول الأئمة، لأن قبور الأئمة وأضرحتهم التي لا
تنفع ولا تضر هي - بزعمهم - مناط الرجاء ومفزع الحاجات. قالوا: (إذا كان لك
حاجة إلى الله عزّ وجلّ فاكتب رقعة على بركة الله، واطرحها على قبر من
قبور الأئمّة إن شئت، أو فشدّها واختمها واعجن طينًا نظيفًا واجعلها فيه،
واطرحها في نهر جارٍ، أو بئر عميقة، أو غدير ماء، فإنّها تصل إلى السّيّد
عليه السّلام وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه).
ثم
ذكروا أنه يكتب في هذه الرّقعة: (بسم الله الرّحمن الرّحيم، كتبت إليك يا
مولاي صلوات الله عليك مستغيثًا، فأغثني يا مولاي صلوات الله عليك عند
اللهف، وقدّم المسألة لله عزّ وجلّ في أمري قبل حلول التّلف وشماتة
الأعداء، فبك بسطت النّعمة عليّ، واسأل الله (الخطاب للإمام في قبره( جلّ
جلاله لي نصرًا عزيزًا..).
ثم
ذكروا بأنه يصعد النّهر أو الغدير وينادي على أحد أبواب المنتظر، فينادي
أحدهم ويقول: (يا فلان بن فلان سلام الله عليك، أشهد أنّ وفاتك في سبيل
الله وأنت حيّ عند الله مرزوق، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله جلّ
وعزّ، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه السّلام فسلّمها إليه فأنت الثّقة
الأمين).
قالوا: (ثم ارم بها في النّهر وكأنّك تخيل لك أنّك تسلّمها إليه).
وهناك رسائل أيضًا تبعث إلى المنتظر المعدوم لطلب الاستغاثة.
وقد
قرر المحققون من أهل العلم بالأنساب والتواريخ أن هذا المنتظر الذي تنتظره
الرافضة لم يولد أصلاً؛ لأن الحسن العسكري مات عقيمًا - كما سيأتي - ولهذا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا المنتظر: (وهو شيء لا حقيقة له ولم يكن
هذا في الوجود قط). ومع هذا فقد وضعوا من الروايات في مشروعية إرسال رقاع
إلى هذا المعدوم لطلب الاستغاثة والنجدة فيما لا يقدر عليه إلا الله، فمن
ذلك أيضًا:
قالوا:
تكتب رقعة إلى صاحب الزّمان وتكتب فيها (بسم الله الرّحمن الرّحيم، توسّلت
بحجّة الله الخلف الصّالح محمد بن الحسن. بن علي بن محمد بن علي بن موسى
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، النّبأ العظيم،
والصّراط المستقيم، والحبل المتين، عصمة الملجأ، وقسيم الجنّة والنّار
أتوسّل إليك بآبائك الطّاهرين.. وأمّهاتك الطّاهرات، الباقيات الصّالحات..
أن تكون وسيلتي إلى الله عزّ وجلّ في كشف ضرّي وحلّ عقدي وفرج حسرتي، وكشف
بليّتي ...).
قالوا:
(ثم تكتب رقعة أخرى لله سبحانه وتطيب الرّقعتين، وتُجمل رقعة الباري تعالى
في رقعة الإمام رضي الله عنه وتطرحهما في نهرٍ جارٍ أو بئر ماء بعد أن
تجعلهما في طين حرّ).
انظر
في هذا النص وصفه لهذا المعدوم بأنه عصمة الملجأ، وفارج الحسرة، وكاشف
البلية. وهي صفات لا تطلق إلا على من يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء،
ومن يهدي من يعتصم به إلى صراط مستقيم وهو الخالق جل علاه. ولكن هؤلاء
جعلوا لهذا المعدوم خصائص الرب عز وجل.
وتأمل قوله في نهاية النص: (وتجعل رقعة الباري في رقعة الإمام (فكأنهم يجعلون هذا المعدوم هو المقدّم في طلب الحاجات!!
ثم
ساق المجلسي استغاثة أخرى بهذا المنتظر، وفيها (ارجع فيما أنت بسبيله إلى
الله تعالى، واستعن بصاحب الزمان. عليه السلام، واتخذه لك مفزعًا، فإنه نعم
المعين، وهو عصمة أوليائه المؤمنين.. وقل: السلام عليك يا إمام المسلمين
والمؤمنين، السلام عليك يا وارث علم النبيين، السلام عليك يا عصمة الدين،
السلام عليك يا معز المؤمنين المستضعفين، السلام عليك يا مذل الكافرين
المتكبرين الظالمين، السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان.. يا مولاي،
حاجتي كذا وكذا فاشفع لي في نجاحها).
وصاحب
الزمان عندهم قد عجز عن الخروج إلى شيعته خوف القتل كما تقرر نصوصهم
المعتبرة - كما سيأتي - فكيف يوصف بهذه الأوصاف، ويطلب منه هذا الحاجات مما
لا يقدر عليه إلا كاشف الملمات وهو عاجز عن حماية نفسه قد قبع في سردابه
وتوارى عن الأنظار؟!
المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله:
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية: (حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد
أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله
وحده، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت).
هذه
المسألة التي قال عنها عالم من أكبر علماء أهل السنة المعنيين بتتبع أمر
الرافضة والرد عليهم بأنه قد وصله خبرها عن طريق بعض الثقات هي اليوم مقررة
ومعلنة في المعتمد من كتب الاثني عشرية في عشرات من الروايات تنص على أن
زيارة المشهد أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام.
جاء في الكافي وغيره: (إنّ زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجّة، وأفضل من عشرين عمرة وحجّة).
وحينما
قال أحد الشّيعة لإمامه: (إنّي حججت تسع عشرة حجّة، وتسع عشرة عمرة (أجابه
الإمام - بأسلوب يشبه السخرية - قائلاً: (حجّ حجّة أخرى، واعتمر عمرة
أخرى، تكتب لك زيارة قبر الحسين عليه السّلام).
فكأنه
يقول له: علام تبذل كل هذا الجهد، وزيارة قبر الحسين أفضل من عملك هذا، ثم
تراه وجهه لإكمال عشرين حجة وعمرة ليتحقق له بذلك فضل زيارة واحدة لقبر
الحسين، ولم يوجهه لزيارة الحسين، وذلك زيادة في التقريع وإظهار السخرية
وإبداء التحسر.
وتذهب
رواياتهم إلى المبالغة بالقول بأفضلية زيرة قبر الحسين وقبور سائر الأئمة
على الركن الخمس من أركان الإسلام حج بيت الله الحرام، وتصل في ذلك إلى درك
من العته والجنون، أو الزندقة والإلحاد لا يكاد يصل إليه أحد في هذا
الباب، حتى ليقول القائل بأن هذا دين المشركين لا دين المسلمين الموحدين؛
لأن هؤلاء يقدمون لنا دينًا آخر غير ما يعرفه المسلمون؛ دين شيوخهم وآياتهم
لا دين رب العالمي، وتخرصات وأوهام رجالهم، لا وحي سيد المرسلين، فهي أشبه
ما تكون بمؤامرة لتغيير دين المسلمين، وتغيير قبلة المسلمين، بيت رب
العالمين. وتقدم لنا رواياتهم هذا المعنى بصور مختلفة وأساليب متنوعة لتؤثر
في قلوب السذج والجهلة، وتخدع عقول الناشئة والعجم، فما أسرع تأثير البدعة
في هؤلاء.
فهذا
أحد الأعراب يشد الرحل من اليمن لزيارة الحسين - كما تزعم أساطيرهم -
فيلتقي بجعفرهم الذي يسمونه بالصادق، لأن جعفر بن عبد الله بريء من
افتراءات هؤلاء وأكاذيبهم، فيسأله جعفر عن أثر زيارة قبر الحسين فقال هذا
الأعرابي: إنه يرى البركة من ذلك في نفسه وأهله وأولاده وأمواله وقضاء
حوائجه، فقال أبو عبد الله - كما تقول الرواية -: أفلا أزيدك من فضله فضلاً
يا أخا اليمن؟ قال: زدني يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن
زيارة أبي عبد الله عليه السلام - يعني نفسه - تعدل حجة مقبولة زاكية مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله فتعجب من ذلك، فقال له: أي والله وحجتين
مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعجب، فلم
يزل أبو عبد الله عليه السلام يزيد حتى قال: ثلاثين حجة مبرورة متقبلة
زاكية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بهذا الأسلوب الغريب الذي أشبه ما يكون بلعب الأطفال ومحاوراتهم يقرر جعفرهم أن زيارة الضريح أفضل من ثلاثين حجة.
ويفترون
أيضًا على رسول الله بأنه قرر هذا الشرك بنفس هذا الأسلوب الذي بلفظه يكشف
كذبهم فضلاً عن معناه، حيث تقول روايتهم: (كان الحسين عليه السلام ذات يوم
في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلاعبه ويضاحكه، وإن عائشة قالت: يا
رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي!! فقال لها: وكيف لا أحبه وأعجب به وهو
ثمرة فؤادي وقرة عيني، أما إن أمتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له
حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك؟!، قال: نعم وحجتين، قالت:
حجتين؟ قال: نعم وأربعًا. فلم تزل تزاده وهو يزيد حتى بلغ سبعين حجة من حجج
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعمارها).
وتذهب رواية أخرى إلى أن (من زار قبر أبي عبد الله كتب الله له ثمانين حجة مبرورة).
وتزيد
رواية أخرى على ذلك فتقول: (من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفًا بحقّه
كان كمن حجّ مائة حجّة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وتتنافس
رواياتهم في المبالغة في الأعداد لتتجاوز المئات إلى مرحلة الآلاف،
وتتجاوز ذلك إلى ذكر أصناف من الثواب والأجر، وكأن الدين هو مجرد زيارة
قبر، والوقوف على ضريح.
فقد
جاء في (وسائل الشيعة) وغيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: (لو يعلم
الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقًا، وتقطعت
أنفسهم عليه حسرات، قلت: وما فيه؟ قال: من زاره تشوقًا إليه كتب الله له
ألف حجّة متقبّلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف
صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل
محفوظًا سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان، ووكل به ملك كريم يحفظه من بين
يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه، فإن مات
سنته حضرته ملائكة الرّحمن يحضرون غسله وأكفانه والاستغفار له ويشيّعونه
إلى قبره بالاستغفار له، ويفسح له في قبره مدّ بصره، ويؤمنه الله من ضغطة
القبر، ومن منكر ونكير يروعانه، ويفتح له باب إلى الجنة، ويعطى كتابه
بيمينه ويعطى له يوم القيامة نور يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي
مناد هذا من زار الحسين شوقًا إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنّى
يومئذ أنّه كان من زوّار الحسين عليه السّلام).
وفي
رواية أخرى: (إن الرجل منكم ليغتسل في الفرات ثم يأتي قبر الحسين عارفًا
بحقه فيعطيه الله بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجة مقبولة، ومائة عمرة
مبرورة، مائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل).
ورواية
ثالثة تقول: (من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيًا
لقي الله عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة، وألفي ألف عمرة، وألفي
ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم..).
ثم
ذكرت الرواية أن هذا الفضل كله يحصل أيضًا لمن لم يستطع زيارة قبره في هذا
اليوم، ولكن صعد على سطح داره وأومأ إليه بالسلام ثم دعا على قاتله وندب
الحسين وبكاه ولم ينتشر في يومه هذا في حاجة).
وعلى
غرار هذا عشرات من الأمثلة تكل اليد من نقلها، ويتعب الفؤاد من تأملها،
لأنها روايات الهدف منها صرف الناس عن عبادة الواحد القهار إلى عبادة
المخاليق الضعفاء، وغايتها التحلل من تكاليف الإسلام وشرائع الدين إلى مجرد
نقل القدم إلى قبر ليحصل بذلك على كل الأجر، حتى تنتهي بمعتقدها إلى ضرب
من الإباحية، والإعراض عن أوامر الله وشرائعه، والتعدي على محارمه.
فلو
كان شيء من هذا حقًا لذكره القرآن العظيم في آياته، لماذا يذكر الحج في
آيات عدة من القرآن، ولا تذكر زيارة قبر الإمام مطلقًا.. وهي أفضل من الحج
إلى بيت الله الحرام - بزعمهم -؟!
وقد
تنبه أحد الشيعة لذلك وتعجب لماذا تخص زيارة الحسين بهذا الفضل الذي يربو
على فضل الحج مئات المرات وليس لها ذكر في القرآن؟! أليس هذا دليل الوضع
والافتراء؟!! فقال - بعد أن استمع من إمامه لفضائل زيارة قبر الحسين
المزعومة - قال: (قد فرض الله على الناس حج البيت، ولم يذكر زيارة قبر
الحسين عليه السلام).
فأجاب
إمامهم بجواب يبدو فيه الاضطراب، حيث قال: (وإن كان كذلك فإن هذا شيء جعله
الله هكذا). وهذا اعتراف منهم وهم أرباب التأويل الباطني بخلو القرآن من
هذه البدعة، وهذا كافٍ في نقض مزاعمه من كتبهم. فالإقرار هو سيد الأدلة،
وبأيديهم يهدمون بيوتهم.
وكأن إمامهم في جوابه هذا يقول: لا جواب عندي، الأمر هكذا، لم يبين الله لعباده سبيل عبادتهم وما يتقون.
ثم
حاول بعد هذه الكلمة المضطربة أن يتلمس جوابًا بعيدًا عن الموضوع فأردف
قائلاً: (أما سمعت قول أمير المؤمنين: إن باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر
القدم، ولكن الله فرض هذا على العباد). وهذا اعتراف منهم أيضًا بأن زيارة
قبر الحسين كباطن القدم (والأصح كباطن الخف( لم تدخل فيما فرض الله، ثم
واصل الاعتذار فقال: (أوما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل
الحرم ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم).
وهذا
كسابقه اعتراف بأن الزيارة لم تفرض، وإن كانت في نظر هذه الزمرة أحق.. ثم
هي في اعتذارها تحاول أن تجعل من نفسها رقيبة على تشريع رب العالمين،
فكأنها تشير بأن الله سبحانه لم يفعل ما هو أولى وأحق (تعالى الله عما
يقوله الظالمون) ، حيث لم يجعل موقف عرفات في الحرم بل جعله في الحل، وهكذا
تتطاول هذه الزمرة الملحدة التي وضعت هذه الأخبار، وخدعت بها الأغرار
تتطاول على شرع الله وحكمته، وتضع من نفسها وصية على أمر الله.
ورواياتهم
في هذا كثيرة للغاية - كما أشرنا من قبل - وإنني الآن أمام زخم هائل من
الروايات التي لا تخطر ببال من لم يخض غمار هذه الأساطير؛ روايات كثيرة ما
أدري ما آخذ منها وما أدع، فكل منها يثير العجب والاستنكار لكل من كان على
صلة بكتاب ربه، أو على أدنى وعي بأمر دينه، ولم يلجم عقله التعصب ويغلق
فكره الهوى وتأخذه العزة بالإثم تعصبًا لبدعته وطائفته.
ولو
حاول الشيعي أن يتخلى عن هذه الأساطير التي تشده إلى الظلام ولو لحظة ثم
يتفكر في أمر هذا الخطر الأكبر الذي يأخذ به ليلقيه في غياهب الشرك
وظلماته، لينسى ربه وخالقه، ويتعلق بقبر مخلوق قد أرم لا يملك لنفسه نفعًا
ولا ضرًا ولا حياة ولا نشورًا {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194].
والعجب
أنه ورد عندهم بعض الروايات في تخفيف هذا الغلو الذي يجعل من الشخوص إلى
القبر أفضل من حج بيت الله الحرام، ولكن شيخ الشيعة المجلسي رد ذلك بحجة
التقية.
تقول
روايتهم: عن حنان قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في زيارة قبر
الحسين صلوات الله عليه فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال: تعدل حجة وعمرة؟ قال
فقال: ما أضعف هذا الحديث ما تعدل هذا كله ولكن زوروه ولا تجفوه فإنه سيد
شباب أهل الجنة.
قال
المجلسي في تأويل هذا النص الذي ينقض عشرات الروايات التي جاء بها، ويكشف
ضلال ما عليه طائفته قال: (لعل المراد أنها لا تعدل الواجبين من الحج
والعمرة والأظهر أنه محمول على التقية، أي إن جعفرًا يقول هذا الكلام على
سبيل الكذب مجاملة لأهل السنة أو خوفًا منهم وليس من دين الشيعة.. وهكذا
يفعل شيوخهم بكل رواية عن أهل البيت لا توافق أهواءهم يبطلون مفعولها بهذه
الحجة الجاهزة (التقية) فصار التشيع يكتسب غلوه على مر الأيام بفعل شيوخه
وصار دينهم دين شيوخ الرافضة لا دين الأئمة..
زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:
مما
يكشف أن هذه الروايات هي ثمرة مؤامرة ضد الأمة لصرفها عن بيت ربها، والعمل
على إفساد أمرها، وتفريق اجتماعها.. والحيلولة دون تلاقيها في هذا المؤتمر
السنوي العام.. أن هذه الروايات خصت زيارة الحسين يوم عرفة بفضل خاص،
تقول:
)من
أتى قبر الحسين عارفًا بحقّه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجّة
وعشرين عمرة مبرورات مقبولات.. ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجّة
ومائة عمرة.. ومن أتاه يوم عرفة عارفًا بحقّه كتب الله له ألف حجّة وألف
عمرة مبرورات متقبّلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل).
وتكاد
بعض رواياتهم تصرح بالهدف، فهذا جعفرهم يقول: (لو أنّي حدّثتكم بفضل
زيارته وبفضل قبره لتركتم الحجّ رأسًا وما حجّ منكم أحد، ويحك أما علمت أنّ
الله اتّخذ كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يتّخذ مكّة حرمًا..).
فأنت
تلاحظ أنه صرح من طرف خفي أن ترك الحج وزيارة كربلاء أولى. وقال: (إنّ
الله يبدأ بالنّظر إلى زوّار قبر الحسين بن علي عشيّة عرفة قبل نظره إلى
أهل الموقف)، قال الراوي: وكيف ذلك؟ قال أبو عبد الله - كما يزعمون -: لأنّ
في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا، وأولاد الزّنا عند الشّيعة
هم غير الشّيعة من المسلمين.
ويظهر
من روايتهم أن لهذه الأساطير تأثيرها حتى قال أحد نقلة هذه الأسطورة
ورواتها بعد سماعه دعاء من جعفرهم لزوار قبر الحسين قال: (والله لقد تمنيت
أني زرته ولم أحج..).
وتتحدث
رواية أخرى أن من أراد أن يتنفل بالحج والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنيا أو
عائق فأتى الحسين بن علي في يوم عرفة أجزأه ذلك من أداء حجته وضاعف الله له
بذلك أضعافًا مضاعفة (قال الراوي): قلت: كم تعدل حجة وكم تعدل عمرة؟ قال:
لا يحصى ذلك. قلت: مائة. قال: ومن يحصي ذلك؟ قلت: ألف. قال: وأكثر، ثم قال:
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
وأنت تلاحظ أن صدر النص يشير إلى أن الحج أفضل، وأن زيارة الحسين هي البديل عند حصول عائق بينما عجزه يشير إلى خلاف ذلك.
قال
شيخهم الفيضي الكاشاني في التعليق عما تذكره رواياتهم من فضائل زيارة قبر
الحسين: (إن هذا ليس بكثير على من جعله الله إمامًا للمؤمنين، وله خلق
السّماوات والأرضين، وجعله صراطه وسبيله، وعينه، ودليله، وبابه الذي يؤتى
منه، وحبله المتّصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجج وأولياء، هذا مع
أنّ مقابرهم رضي الله عنهم فيها أيضًا إنفاق أموال، ورجاء آمال، وإشخاص
أبدان، وهجران أوطان، وتحمّل مشاق، وتجديد ميثاق، وشهود شعائر، وحضور
مشاعر).
تأمل
هذا الغلو، حيث جعل الحسين هو الحبل والواسطة بين الله وعباده، وأنه عين
الله وبابه!! ولاحظ توجيهه لفضل زيارة قبر الحسين بفعل أسباب الوقوع في
الشرك نفسه من شد الرحال إلى القبر، وإنفاق الأموال لها أو عندها طلبًا
لشفاعتها، وتعلق الآمال عليها، إلى آخر ما ذكره من أعمال الشرك وأسبابه،
ومع ذلك فهذا عندهم من أفضل الطاعات!!.
زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:
ليست
زيارة قبر الحسين عن هؤلاء أفضل من الحج فحسب، بل أفضل الأعمال، جاء في
رواياتهم أنّ زيارة قبر الحسين (أفضل ما يكون من الأعمال). وفي رواية أخرى
(من أحبّ الأعمال زيارة قبر الحسين)، وأنشأ المجلسي بابًا خاصًا بهذا
العنوان ذكر فيه جملة من جنس هذه الروايات.
وهكذا
تنسى شرائع الإسلام وأوامره، ويهتم هؤلاء بالقبور والأضرحة ويجعلونها من
أفضل الأعمال بلا دليل إلا ما صنعته أوهامهم وأوحاه لهم شياطينهم، ليشرعوا
من الدين ما لم يشرعه الله.
قولهم: إن كربلاء أفضل من الكعبة:
قبلة
المسلمين، وأقدس مقدساتهم، وأفضل البقاع بيت الله الحرام، مهوى أفئدة
المسلمين، الذي لا يشرع الطواف إلا به.. والذي جعله الله مثابة للناس
وأمنًا.. ملتقى المسلمين العام، وقبلتهم التي يتجهون إليها جميعًا.. تقول
روايات الاثني عشرية بأنها ليست إلا ذنبًا ذليلاً مهينًا لأرض كربلاء .
إن
وراء الأكمة ما وراءها.. لقد أقضَّ مضاجع الأعداء اجتماع المسلمين في هذا
الملتقى الطاهر، وأرَّق أجفانهم تلاقيهم وتوجيههم لهذا المكان الواحد..
فراموا
الكيد لذلك بكل وسيلة.. وراحوا يبحثون عما يصرفون به قلوب المسلمين.. وكان
المدخل الميسر لهم عن طريق التشيع، فقالوا: إن قبر الحسين أفضل من الكعبة
البيت الحرام.. ووضعوا من الروايات ما يحتالون به لإثبات هذه المقالة،
ونسبوها لبعض آل البيت زورًا وبهتانًا.. علها تجد طريقها لقلوب المغفلين،
وعقول الجاهلين، ويميل إليها أهل الأهواء، والابتداع، وأصحاب الأحقاد
المتوارثة، والثارات القديمة، ومن يبغي في الأمة الفرقة والشتات.
لقد
اعتبر الشيعة كربلاء وغيرها من أماكن قبور أئمتهم المزعومة حرمًا مقدسًا؛
فالكوفة حرم، وقُمّ حرم، وغيرها، جاء في رواياتهم (إنّ الكوفة حرم الله
وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أمير المؤمنين، وإنّ الصّلاة فيها
بألف صلاة والدّرهم بألف درهم).
ويروون
عن جعفرهم (إنّ لله حرمًا هو مكّة، ولرسوله حرمًا وهو المدينة، ولأمير
المؤمنين حرمًا وهو الكوفة، ولنا حرمًا وهو قم) ، ستدفن فيه امرأة من ولدي
تسمّى فاطمة، من زارها وجبت له الجنّة).
وقال
علي بن الحسن - كما يفترون علي -: (اتّخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا
مباركًا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف
عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا
تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة، وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه
أولياءه في الجنّة).
وتقديسهم لأرض كربلاء لأنه ضمت جسد الحسين فاستمدت قداستها بوجوده فيها.
فهل
كان الحسين مدفونًا فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، أو هي
معدة لاستقباله منذ غابر الأزمان؟! وإذا كان كل هذا الفضل بوجود جسد الحسين
فلماذا لم تفضل المدينة وفيها جسد رسول الله؟! إن هذا تناقض في بنية
المذهب.. وهو يكشف أنه ليس الهدف تقديس الحسين، ولكن الكيد للأمة ودينها.
وقد جاءت روايات كثيرة عندهم تفضل كربلاء على بيت الله.
فتتحدث
بعض هذه الأساطير عن محاورة جرت بين كربلاء والكعبة يتبين منها أن هؤلاء
الوضاعين لا عقل عندهم فضلاً عن الدين، قال جعفرهم: (إن أرض الكعبة قالت:
من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فجر عميق وجعلت حرم
الله وأمنه.(
فأوحى
الله إليها - كما يفترون - أن كفي وقرّي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت
أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا
تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت
الذي به افتخرت، فقرِّي واستقري وكوني ذنبًا متواضعًا ذليلاً مهينًا غير
مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم).
ولكن
الكعبة لم تأخذ بالنصيحة كما تقول روايات الشيعة!! فلم تتواضع لأرض
كربلاء، وتصبح كالذنب الذليل المهين لها، فحلت بها العقوبة، بل إن العقوبة -
كما يقولون - وقعت على كل ماء وأرض ما عدا كربلاء، قالوا في رواياتهم:
(...
فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لترك التواضع لله، حتى سلط الله على الكعبة
المشركين، وأرسل إلى زمزم ماء مالحًا حتى أفسد طعمه..).
أما كربلاء فقد نجت من العقوبة على الرغم أنها افتخرت وقالت: (أنا أرض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر..).
هذا
جزء مما يدعونه حول كربلاء، وجمعه كله وتحليله يستغرق مؤلفًا خاصًا، وهي
كلمة لا يمكن أن تخضع للمناقشة بالعقل والمنطق؛ فهي من جنس هذيان المحمومين
وكلمات المجانين، ولو لم أجدها في كتبهم المعتمدة، وبروايات عديدة لما
أثبتها.. وهذه الدعاوى والمخاريق هي إساءة بالغة لأهل البيت الذين يزعمون
محبتهم والتشيع لهم، ولكنهم كانوا عليهم أشد من أعدائهم، وهي فضيحة من
فضائح دين الشيعة قد تنتهي بقارئها والمؤمن بها من مثقفي الشيعة وعقلائهم
إلى درب الإلحاد والضلال.
ولقد
خاب واضع هذه الأساطير وفشل في تحقيق أهدافه، فلم يتجه المسلمون إلى
كربلاء، وظلت هذه الروايات لا تؤثر إلا بأولئك الذين أصمهم التعصب عن سماع
الحق وأعمى قلوبهم، فهاموا في أودية من الضلال.
فما
دام كتاب الله سبحانه بين المسلمين فلن يغتر بمثل هذه المؤامرات إلا من
اتخذ كتاب الله مهجورًا، ولم ير الحق إلا فيما قاله الحجة والسيد والآية
وما سارت عليه طائفته، وإن كان لا شاهد له من كتاب الله سبحانه.
والذي
يروي هذه الأسطورة السالفة الذكر عن جعفر الصادق رجل يدعى صفوان الجمال،
وهو كما يزعم شيوخ الشيعة من رجال جعفر وهو ثقة عندهم)، فقد يكون هو الذي
باء بإثم هذا الإفك، إذا لم يكن السند مصنوعًا، ولم أجد لهذا الرجل ذكرًا
في الكتب التي رجعت إليها من كتب الرجال عند أهل السنة.
زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:
وصلت
مبالغات الشيعة في الحديث عن فضائل زيارة قبر الحسين والأئمة الآخرين إلى
درجة لا تتصور ولا يقبلها ذو عقل، قال جعفرهم: (من خرج من منزله يريد زيارة
الحسين كتب الله له بكلّ خطوة حسنة.. إلى أن قال: وإذا قضى مناسكه.. أتاه
ملك فقال له: أنا رسول الله، ربّك يقرئك السّلام ويقول لك: استأنف فقد غفر
لك ما مضى).
فالملائكة تقابل زوار القبر، وتبلغهم سلام الله وتوزع عليهم صكوك الغفران!!
هذه
دعاوى فوق الجنون بدرجات، وأعظم منها وأكبر جرأتهم على القول بأن الله
يناجي زوار الحسين، قالت رواياتهم: (.. فإذا أتاه (يعني أتى الزّائر قبر
الحسين) ناجاه الله فقال: عبدي، سلني أعطك، ادعني أجبك).
وهكذا
يفترون الكذب على الله، وإنما يفتري الكذب على الله الذين لا يؤمنون،
ويزعمون وهم الذين سلكوا مسلك أهل التعطيل في كلام الله سبحانه، أن الله
يناجي ويكلم زوار الحسين.. وهذه فرية خطيرة.. وبهتان عظيم.
ولم
يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة، بل زعموا أن الله - تعالى عما
يقوله الظالمون علوًا كبيرًا - يزور قبور الأئمة مع الشيعة، ففي البحار
للمجلسي (إنّ قبر أمير المؤمنين يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء
ويزوره المؤمنون).
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وتسطرها أقلامهم، إن يقولون إلا كذبًا.
مناسك المشاهد:
زيارة
الأضرحة فريضة من فرائض مذهبهم، يكفر تاركها. وقد عقد لذلك المجلسي بابًا
بعنوان: (باب أن زيارته) واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورد من الذم والتأنيب
والتوعد على تركها( وذكر فيه) حديثًا من أحاديثهم.
ومن هنا وضعوا لها مناسك كمناسك الحج إلى بيت الله الحرام.
يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد
كتابًا سماه (مناسك المشاهد) جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت
الحرام الذي جعله الله قيامًا للناس، وهو أول بيت وضع للناس، فلا يطاف إلا
به ولا يصلى إلا إليه ولم يأمر إلا بحجه).
ولكن
كشف لنا اليوم شيخهم أغا بزرك الطهراني في كتابه (الذريعة) أن ما صنفه
شيوخهم في المزار ومناسكه قد بلغ ستين كتابًا، كلها ألفت لإرساء قواعد هذا
الشرك وتشييد بنائه، وهذا عدا ما اشتملت عليه كتب الأخبار المعتمدة عندهم
من أبواب خاصة بالمشاهد - كما سيأتي - ومن هذه المناسك ما يلي:
أ- الطواف بها:
اتفق
المسلمون على أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور.. ولكن شيوخ الشيعة
شرعوا لأتباعهم الطواف بأضرحة الموتى من الأئمة، ووضعوا من الروايات على آل
البيت ما يسندون به هذا الشرك، فقال المجلسي بأنه ورد في بعض زيارات
الأئمة (إلا أن نطوف حول مشاهدكم)، وفي بعض الروايات (قبّل جوانب القبر)،
كما قال بأن الرضا كان - على حد زعمه - يطوف بقبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وأخذ من ذلك (شرعية) هذا (النسك الوثني) في مذهبهم، ولم يلتفت إلى
نصوص القرآن الصريحة الواضحة في النهي عن الشرك والوعيد عليه بنار جهنم
وبئس المصير، ولكن أشكل عليه روايات لهم تناقض - كالعادة - مذهبهم في
المشاهد وهي مروية عن أئمتهم فرام التخلص منا بالتأويل.
فقد
جاء في رواياتهم ما ينهى عن الطواف بالقبور كقول إمامهم: (لا تشرب وأنت
قائم ولا تطف بقبر،..فإن من فعل ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه، ومن فعل شيئًا من
ذلك لم يكن يفارقه إلا ما شاء الله). وقد أجهد المجلسي نفسه قال في تأويل
هذه الرّواية فقال: (يحتمل أن يكون النّهي عن الطّواف بالعدد المخصوص الذي
يُطاف بالبيت).
فأنت
ترى أن المجلسي لم يحاول أن يسلك ما يتفق مع كتاب الله سبحانه وما عليه
المسلمون، وما جاء عندهم أيضًا: (ولا تطف على قبر) فينصح لنفسه وطائفته
بالنهي عن هذه البدعة فيقر بذلك، ويؤول ما يخالفه، لأنه شذوذ وانحراف وباب
من أبواب الشرك بالله، لم يفعل ذلك بل تكلف في تأويل نصهم الذي يدل على
المعنى الحق حتى قال: (يحتمل أن يكون المراد بالطواف المنفي هنا التغوط).
فدين
الشيعة هو دين المجلسي لا دين الأئمة، وعمل الشيعة بما قاله شيوخهم لا ما
قاله إمامهم.. فأعرضوا عن قول الإمام: (ولا تطف بقبر)، كما أعرضوا من قبل
عن قول الله ورسوله وإجماع المسلمين، فضلّوا وأضلّوا قومهم سواء السّبيل.
ب- الصلاة عند الضريح:
من
مناسك المشاهد والأضرحة أداء ركعتين أو أكثر عند قبور الأئمة، وربما
يتخذونها قبلة - كما سيأتي - وكل ركعة تؤدى عند القبور تفضل على الحج إلى
بيت الله الحرام مئات المرات، جاء في أخبارهم: (الصّلاة في حرم الحسين لك
بكلّ ركعة تركعها عنده كثواب من حجّ ألف حجّة، واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف
رقبة، وكأنّما وقف في سبيل الله ألف ألف مرّة مع نبي مرسل).
وليس
هذا خاصًا بقبر الحسين بل كل قبور أئمتهم كذلك، ففي البحار: من زار الرضا.
أو واحدًا من الأئمة فصلى عنده.. فإنه يكتب له (ثم ذكر ما جاء في النص
السابق وزاد) وله بكل خطة مائة حجة، ومائة عمرة، وعتق مائة رقبة في سبل
الله، وكتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة.
انظر كيف يفضلون الصلاة عند القبور على الحج إلى بيت الله الحرام، فيقدمون الشرك على التوحيد.
وقديمًا كان المشركون يقولون بأن دينهم أفضل من دين الله، وأنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً.
واتخاذ القبور مساجد ملعون فاعلها على لسان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وفي الصحيحين أيضًا أنه ذكر له في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة، وذكر له من حسنها وتصاوير فيها فقال: «إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله».
وقد ثبت أيضًا النهي عن اتخاذ القبور مساجد في كتب الاثني عشرية نفسها، ولكن شيوخهم يؤولونه - كما سيأتي -.
جـ- الانكباب على القبر:
من مناسك المشاهد عندهم الانكباب على القبر، ووضع الخد عليه، وتقبيل
الأعتاب. ومناجاة صاحب القبر حتى ينقطع النفس كما يقولون.
قال
المجلسي: (باب ما يستحب فعله عند قبره عليه السلام..). ثم ذكر أن شيخ
طائفتهم الطّوسي قال في وصفه لأعمال زيارة يوم الجمعة: (.. ثم تنكبّ على
القبر وتقول: مولاي إمامي، مظلوم استعدى على ظالمه، النّصر، النّصر حتى
ينقطع النّفس).
وفي
أكثر زياراتهم يؤكدون في أثنائها وخاتمتها على الانكباب على القبر،
ودعائه، فهذه زيارة للحسين أوصى بها جعفر الصادق - كما يزعمون - وأمر قبل
بدء هذه الزيارة بصيام ثلاثة أيام ثم الاغتسال، ولبس ثوبين طاهرين، ثم صلاة
ركعتين، ثم قال: (فإذا أتيت الباب فقف خارج القبّة، وأوم بطرفك نحو القبر
وقل: يا مولاي يا أبا عبد الله يا ابن رسول الله عبدك وابن عبدك وابن أمتك،
الذّليل بين يديك، المقصّر في علو قدرك، المعترف بحقّك، جاءك مستجيرًا
بذمّتك، قاصدًا إلى حرمك، متوجّهًا إلى مقامك - إلى أن قال:- ثمّ انكبّ على
القبر وقُل: يا مولاي أتيتك خائفًا فآمنّي، وأتيتك مستجيرًا فأجرني.. ثم
انكبّ على القبر ثانية). إلى آخر الزيارة التي يدعو فيها مخلوقًا من دون
الله سبحانه، ويتضرع إليه وكأنه يتضرع أمام الله، فماذا يكون الشرك إذا لم
يكن هذا شركًا؟! ومثل ذلك قال مفيدهم: (فإذا أردت الخروج فانكبّ على القبر
وقبّله - إلى أن قال:- ثم ارجع إلى مشهد الحسين وقل: السّلام عليك يا أبا
عبد الله، أنت لي جُنَّة من العذاب).
وهكذا
أصبح في دينهم الشرك بالله من المستحبات، فهو سجود على القبر أو لصاحب
القبر يسمونه (الانكباب)، ودعاء للميت الذي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا
وكأنهم يدعون خالق السماوات والأرض القادر على كل شيء {وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى
يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5]،
وهم يعدون هذا من أفضل القربات، ويوهمون الأتباع بأن هذا الشرك (يوجب
غفران الذّنوب ودخول الجنّة، والعتق من النّار، وحطّ السّيئات، ورفع
الدّرجات، وإجابة الدّعوات). و(توجب طول العمر وحفظ النّفس والمال، وزيادة
الرّزق وتنفّس الكرب، وقضاء الحوائج). و(تعدل الحجّ والعمرة والجهاد
والإعتاق). إلى آخر الفضائل الموهومة.. فشرعوا من الدّين ما لم يأذن به
الله.
ولهم
تعلق بكل عمل يتصل بالشرك بالله من قريب أو بعيد، حتى وإن لم يوجد نص
يعتمدون عليه من كتبهم المليئة بما يغني في باب الشرك وأسبابه، يقول
المجلسي - مثلاً -: (وأمّا تقبيل الأعتاب فلم نقف على نصّ يعتدّ به ولكن
عليه الإماميّة). أي أنهم يتعبدون بذلك مجاراة لأسلافهم وتقليدًا لهم، فكأن
الشرك وأعماله المنتشرة في أمهات كتبهم لم تملأ ما في نفوسهم، فتعلقوا بما
عليه من سبقهم كحال المشركين الذين قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
وكل
إمام ينسب له من المبادئ الشركية الجديدة، حتى (المنتظر) الذي لم يولد له
قوانين جديدة في هذا الباب منها استقبال القبر في الصلاة واستدبار الكعبة
...ومنها في مسألتنا هذه وضع الخد على القبر، فقد خرجت الرواية فيها - كما
يقولون - من الناحية المقدسة، أي من قبل المهدي المنتظر المزعوم بواسطة
سفرائه الكذبة حيث قال مهديهم: (... والذي عليه العمل أن يضع خدّه الأيمن
على القبر).
ولهذا
قرر شيوخهم أن من آداب زيارة هذه الأضرحة (وضع الخدّ الأيمن عند الفراغ من
الزّيارة والدّعاء). وقالوا: (لا كراهة في تقبيل الضّرايح؛ بل هو سنّة
عندنا ولو كان هناك تقية فتركه أولى).
هذه
مبادئ جديدة ابتدعها شيوخ السوء من الرافضة (وقد اتفق المسلمون على أنه لا
يشرع الاستلام والتقبيل إلا للركنين اليمانيين، فالحجر الأسود يستلم
ويقبل، واليماني يستلم، وقد قيل إنه يقبل وهو ضعيف، وأما غير ذلك فلا يشرع
استلامه ولا تقبيله كجوانب البيت، والصخرة والحجرة النبوية، وسائر قبور
الأنبياء والصالحين).
والهدف
من هذه المبادئ الصد عن دين الله سبحانه، والدعوة إلى الشرك بالله وتهيئة
أسبابه، وقد وضعت أدعية تقال أثناء هذه الأعمال فيها من الشرك بالله
سبحانه، وتأليه الأئمة ما يستقل عنده فعل المشركين.
د ـ اتخاذ القبر قبلة كبيت الله:
قال
شيخ الشيعة المجلسي: (إنّ استقبال القبر أمر لازم، وإن لم يكن موافقًا
للقبلة.. واستقبال القبر للزّائر بمنزلة استقبال القبلة وهو وجه الله، أي
جهته التي أمر النّاس باستقبالها في تلك الحالة).
وحينما وجد المجلسي في روايات قومه نصين متعارضين - كالعادة -
الأول:
عن أبي جعفر محمد الباقر يقول: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قال:
لا تتّخذوا قبري قبلة ولا مسجدًا، فإنّ الله عزّ وجلّ لعن الذين اتّخذوا
قبور أنبيائهم مساجد).
والثاني:
من مهديهم المنتظر (الذي لا وجود له كما يقول أهل العلم( ونصه: (كتب
الحميري). إلى النّاحية المقدّسة. يسأل عن الرّجل يزور قبور الأئمّة عليهم
السّلام.. هل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلام أن يقوم وراء
القبر ويجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم
القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب (المهدي المزعوم) :.. أمّا
الصّلاة فإنّها خلفه ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن
يمينه ولا عن يساره؛ لأن الإمام صلى الله عليه لا يتقدم عليه ولا يساوى).
حينما
وجد المجلسي هذين النصين رجح لقومه العمل بالنص الثاني فقال: (يمكن حمل
الخبر السّابق على التّقية أو على أنّه لا يجوز أن يجعل قبورهم بمنزلة
الكعبة يتوجّه إليها من كلّ جانب). ومن الأصحاب من حمل الخبر الأوّل على
الصّلاة جماعة، والخبر الثّاني على الصّلاة فرادى، وستأتي الأخبار المؤيدة
للخبر الثاني (يعني في اتخاذ القبر قبلة) في أبواب الزيارات).
انظر
كيف يؤيد شيوخهم الشرك بالله سبحانه، ويردون الحق ولو جاء في كتبهم،
فيرجّح المجلسي ما جاء عن المنتظر الذي لا حقيقة له، ويردّ ما روي عن أبي
جعفر عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم والموافق للكتاب والسّنّة وإجماع
الأمّة.
وقد
توقف المجلسي أيضًا عند قول إمامه وهو يبين طريقة زيارة القبر من البعيد
عنه قال: (اغتسل يوم الجمعة أو أي يوم شئت، والبس أطهر ثيابك واصعد إلى
أعلى موضع في دارك أو الصّحراء فاستقبل القبلة بوجهك بعدما تبيّن أنّ القبر
هنالك). توقف المجلسي عند هذا النص، لأن استقبال القبر في دينه أمر لازم
فقال: (قوله: فاستقبل القبلة بوجهك لعله عليه السلام إنما قال ذلك لمن
أمكنه استقبال القبر والقبلة معًا ... ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا
جهة القبر مجازًا.. ولا يبعد أن تكون القبلة تصحيف القبر).
كل
هذه التكلفات والتأولات لأنه يقول بأن طائفته (حكموا باستقبال القبر
مطلقًا) أي في كل أنواع الزيارات وهو الموافق للأخبار الأخر في زيارة
البعيد.
وقال:
إنه مع بعد الزائر عن القبر يستحسن استقبال القبر في الصلاة واستدبار
الكعبة، وذلك عند أداء ركعتي الزيارة التي قالوا فيها: (إن ركعتي الزيارة
لابد منهما عند كل قبر). وهذا ليس بغريب من قوم زعموا أن كربلاء أفضل من
الكعبة.
فماذا نسمي هذا الدين الذي يأمر أتباعه باستدبار الكعبة واستقبال قبور الأئمة؟ وماذا نسمي هؤلاء الشيوخ الذين يدعون لهذا الدين؟
فليسم بأي اسم إلا الإسلام دين التوحيد الذي نهى رسوله عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في المقابر فكيف باتخاذ القبور قبلة!!
ومن
العجب أن هذا النهي عن اتخاذ القبور مسجدًا وقبلة ورد في كتب الشيعة
نفسها، كما جاء في الوسائل للحر العاملي. وغيره، كما ورد أيضًا بطلان
الصلاة إلى غير القبلة.
والتناقض في هذا المذهب من أعجب العجب.
هذا
بعض ما جاء في مصادرهم المعتمدة حول المشاهد، وهو قليل من كثير، حيث إن
لهم عناية ظاهرة، واهتمامًا واسعًا بأمر المشاهد ومناسكها كاهتمامهم بمسألة
الإمامة، وقد خصصت مصادرهم المعتمدة له قسمًا خاصًا مما لا تجده في كتب
المسلمين الموحدين.
ففي
بحار الأنوار للمجلسي، كتاب مستقبل سماه (كتب المزار) يتضمن أبوابًا
كثيرة، اشتملت على مئات الروايات، وقد استغرق ذلك حوالي ثلاثة مجلدات. من
طبعة البحار الأخيرة.
وكذلك في وسائل الشيعة للحر العاملي ذكر( بابًا بعنوان: (أبواب المزار).
وفي الوافي للكاشاني الجامع لأصولهم الأربعة عقد ثلاثة وثلاثين بابًا بعنوان (أبواب المزارات والمشاهد).
وفي
كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه (أحد مصادرهم المعتمدة) أبواب عدة
حول المشاهد وتعظيمها كباب تربة الحسين وحريم قبره، وأبواب زيارة الأئمة
وفضلها.
وفي تهذيب الأحكام للطوسي مجموعة كبيرة من الأبواب تتضمن تعظيم المشاهد والقبور، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليفهم.
وفي مستدرك الوسائل ستة وثمانون بابًا حوت (رواية في الزيارات والمشاهد).
هذا عدا ما اشتملت عليه كتبهم الأخرى التي هي في منزلة المصادر الثمانية عندهم كثواب الأعمال لابن بابويه وغيره.
وهذا
غير ما ألف في المزارات من كتب خاصة به في الماضي والحاضر مثل: كامل
الزيارات لابن قولويه، ومفاتيح الجنان لعباس القمي، وعمدة الزائر لحيدر
الحسيني، وضياء الصالحين للجوهري وغيرها.
وكلها
تتحدث عن الفضائل المزعومة لمن شد الرحل لزيارة أضرحة الأئمة وطاف بها،
ودعا في رحابها، واستغاث بمن فيها، وتذكر مئات الأدعية التي فيها من الغلو
في الأئمة ما يصل بهم إلى مقام الخالق جل شأنه، وفيها من الشرك بالله ما
الله به عليم.
وكان
لاهتمامهم بهذا المعول الهادم لأصل التوحيد أثره في ديار الشيعة، حيث عمرت
بيوت الشرك التي يسمونها المشاهد، وعطلت بيوت التوحيد وهي المساجد وبقي
هذا الاهتمام إلى اليوم ... الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة)
إن
للمسلمين كعبة واحدة يتجهون إليها في صلاتهم ودعائهم، ويحجون إليها،
ويطوفون بها، أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد وكعبات عبارة عن أضرحة الموتى
من الأئمة وغيرهم، وهي قبور تنافس بيت الله بل تفضل عليه، ويقام فيها الشرك
ويهدم التوحيد.
وقد
يقال: إن الشرك والمشاهد منتشرة في كثير من بلاد السنة. وقد أثار شيخ
الإسلام ابن تيمية هذا السؤال في أثناء حديثه عن غلو الشيعة في أئمتها وما
عندها من الشرك والبدعة حيث قال: (فإن قيل: ما وصفت به الرافضة من الغلو
والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنة..)، وأجاب
رحمه الله عن ذلك: بأن هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله، وكل ما نهى الله
عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء كان فاعله منتسبًا إلى السنة أو
التشيع، ولكن ما عند الرافضة من هذه الأمور المخالفة للكتاب والسنة أكثر
مما عند أهل السنة).
وأضيف
أيضًا أن الفرق بين الشيعة وأهل السنة في ذلك أن ما عند أهل السنة هو
انحراف في واقعهم تنكره أصولهم، وما عند الشيعة هو ما يتفق مع أصولهم بل هو
ما تدعو إليه وتحث عليه أحاديثهم ورواياتهم - كما رأينا - فهو معروف في
أصول الشيعة منكر في أصول أهل السنة.
ونتيجة
هذا الفرق أن ما عند أهل السنة قابل للإصلاح وما عند الشيعة غير قابل حتى
تغير أصولهم أولاً، وهذه النتيجة ليست نظرية أو خيالية بل ظهرت بشكل واقع
في تأثير حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي في محاربة
الشرك، واستعصاء الشيعة على هذا الإصلاح.
وقد شهد بهذه الحقيقة شاهد من أهلها:
يقول
العالم الإيراني - الشيعي الصل - أحمد الكسروي : (ومما يرى من لجاج الشيعة
أنه قد انقضى منذ ظهور الوهابيين أكثر من مائة وخمسين عامًا، وجرت في تلك
المدة مباحثات ومجادلات كثيرة بينهم وبين الطوائف الأخرى من المسلمين،
وانتشرت رسالات وطبعت كتب، وظهر جليًا أن ليست زيارة القبب، والتوسل
بالموتى، ونذر النذور للقبور وأمثالها إلا الشرك، ولا فرق بين هذه وبين
عبادة الأوثان التي كانت جارية بين المشركين من العرب فقام الإسلام يجادلها
ويبغي قلع جذورها، يبين ذلك آيات كثيرة من القرآن، فأثرت الوهابية في سائر
طوائف المسلمين غير الروافض أو الشيعة الإمامية، فإن هؤلاء لم يكترثوا بما
كان، ولم يعتنوا بالكتب المنتشرة والدلائل المذكورة أدنى اعتناء، ولم يكن
نصيب الوهابيين منهم إلا اللعن والسب كالآخرين).
إن
الشرك قد ألبس في مصادر الشيعة المعتمدة ثوب الحق، وأصبح هو الدين، وهذا
هو الخطر الأكبر، والداء الأعظم. لقد عقدت أمهات كتبهم (أبوابًا) كثيرة
ضمنتها مئات من الروايات تجسد الشرك وترسي قواعده، وألفت في هذا كتبٌ
مستقلة جمعت من الشر في هذا السبيل فأوعت - كما مر -.
لقد
غلت الرافضة بالأئمة وقبورهم، وصنعوا صنيع النصارى في غلوهم في المسيح..
فترك هؤلاء الروافض عبادة الله وحده لا شريك له فتراهم يعطلون المساجد التي
أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.. ويعظمون المشاهد المبنية على القبور
فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت
العتيق، بل السفر إليها والطواف بها والصلاة عندها وتقديم القرابين في
رحابها والانكباب على الضريح والاستغاثة به، وطلب الشفاء منه، أو التوسل به
وطلب شفاعته هي عندهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات - كما مضى ذكر بعض
شواهده - ومن أضل ممن يفضل الشرك على التوحيد، ويعمر المشاهد ويعطل
المساجد، و(يعتاض عن أرض مكة والحرم وعفرة ومنى بأرض كربلاء). ويستبدل
الباطل بالحق، ويرى أنه أهدى من الذين آمنوا سبيلاً؟!
وقد
علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بما
ذكروه من أمر المشاهد ولا شرع ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء
والصالحين، بل هذا من دين المشركين . الذين قال الله تعالى فيهم: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} وَنَسْرًا [نوح: 23].
قال ابن عباس وغيره: هؤلاء.. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا
أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا
وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت.
وقد
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأبي الهياج الأسدي:
(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع
تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته).
وهذا
المعنى أقرت به بعض روايات الشيعة، فقد روى الكليني عن أبي عبد الله قال:
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرًا إلا سوّيته. وفي رواية
أخرى (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصّور).
وعن
أبي عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى على قبر أو
يقعد عليه أو يبنى عليه. وعن أبي عبد الله قال: لا تبنوا على القبور.. فإنّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، وعنه أيضًا عن آبائه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصّص المقابر.
وقد
زعم الحرّ العاملي أنّ هذا النهي يشمل كل قبر (غير قبر النبي صلى الله
عليه وسلم والأئمة عليهم السلام وأن هذا النّهي لمجرّد الكراهة).
وصيغة
العموم واضحة في هذه الروايات، كما أن دلالة التحريم بينة، ولا دليل عند
العاملي سوى ما شذت به طائفته في واقعها وفي جملة من رواياتها، والشذوذ
دليل على البطلان لمخالفته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وإجماع الأمة بما فيهم أهل البيت الذين أثر عنهم التحذير من ذلك، لأن ذلك
وسيلة للشرك بالله، ثم إن الحكمة التي ورد من أجلها النهي لا تفرق بين قبر
وقبر، وقد يكون الخطر في قبور الأئمة أشد لعظيم الافتتان بهم، ولهذا كان
أصل الشرك هو الغلو في الصالحين.
وتناقض
كتب الشيعة نفسها حينما تنقل أدعية الأئمة، ومناجاتهم لله سبحانه، وتضرعهم
بالاستكانة إليه، وإخلاص الدعاء له وحده، وإظهار الضعف والافتقار إليه
سبحانه، مما يكشف باطل الشيعة، ويبين أن ما تفعله في مزاراتها، وتدعو إليه
في رواياتها ليس من هدي الأئمة.
فهذا
جعفر الصادق كان من دعائه كما تعترف كتب الشيعة: (اللهم إنّي أصبحت لا
أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا، قد ذلّ مصرعي،
واستكان مضجعي، وظهر ضري، وانقطع عذري، وقل ناصري، وأسلمني أهلي ووالدي
وولدي بعد قيام حجتك عليّ، وظهور براهينك عندي، ووضوح أدلتك لي.
اللهم وقد.. أعيت الحيل، وتغلقت الطرق، وضاقت المذاهب، ودرست الآمال إلا منك، وانقطع الرّجاء إلا من جهتك..).
هذا
ما يجأر به جعفر ويلجأ به إلى الله فهو لا يملك شيئًا من النفع، أو الضر
لنفسه فكيف لغيره، وإذا كان ذلك في حياته فهو بعد موته أعجز.
وكثير من الأئمة نقل عنهم أمثال هذه الدعوات).
كما
تنقل كتب الشيعة أن أمير المؤمنين عليًا صور حالته في القبر في مناجاته
لربه فقال: (إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حقرتها، وانصرف عنها المشيعون من
جيرتها.. ولم يخف على الناظرين ضرّ فاقتها.. قد توسدت الثرى وعجز
حيلتها..). فليس له حيلة في نفسه إلا برحمة من الله وفضل، فكيف يطلب منه في
قبره الشفاعة والغفران وينسى ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم.
والحسين
لم يستطع أن يدفع عن نفسه القتل فكيف يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله؟!
وقد نقلت كتب الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذه هو والحسن
بهذه العوذة وهو هذا الدعاء: بسم الله الرحمن الرحيم: أعيذ نفسي وديني
وأهلي ومالي وولدي وخواتيم عملي، وما رزقني ربي وخولني بعزة ربي وعظمة
الله.. إلخ ). فهو أضعف من أن يقي نفسه شر ما يصيبها إلا بحفظ الله، فإذا
كان ذلك في حياته فهو بعد موته أعجز، والله سبحانه لم يجعل بينه وبين خلقه
واسطة إلا الرسل للإبلاغ والبيان.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).