الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن
محبة النبي صلي الله عليه وسلم من الإيمان لأنها فرع عن محبة المؤمن لربه
وخالقه ومولاه، فالله سبحانه وتعالى هو الذي كرمه وشرفه واصطفاه فجعله
خاتمًا للنبيين، وإمامًا للمرسلين، وأرسله للناس كافةً بشيرًا ونذيرًا،
وحباه الشفاعة العظمى والمقام المحمود، فأضحى أكثر الأنبياء تابعًا يوم
القيامة وسيد ولد آدم ولا فخر.
وطاعة
النبي صلي الله عليه وسلم من لوازم محبته، وكذلك تعظيم النبي صلي الله
عليه وسلم وتوقيره، وتعظيم سنته وهديه، ونصرة دينه، والدعوة إلى منهاجه.
ومن لوازم محبته صلي الله عليه وسلم محبة أصحابه وأنصاره ومحبة أهل بيته وقرابته ومودتهم.
قال تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى:23]،والمعنى:
لا أطلب منكم أجرًا على هذا البلاغ وهذه الهداية إلا أن توادوني لقرابتي
منكم ولا تتعرضوا لي بالأذى والتكذيب، والمعنى الآخر: لا أسألكم أجرًا إلا
أن تحبوا أهل بيتي وقرابتي، وهذا المعنى وإن لم يكن ظاهر الآية إلا أنه دلت
عليه نصوص كثيرة مثل قول الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب:33].
وقول النبي صلي الله عليه وسلم : «أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي« [مسلم]
وقوله صلي الله عليه وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا
بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض،
وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني
فيهما».[رواه الترمذي: وهو في صحيح الجامع الصغير 2458].
وهم
الآل الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلي عليهم حين
نصلي عليه فنقول في صلاتنا: اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أهل البيت:
من
هم أهل البيت؟ ورد في اللسان: أهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، والجمع أهلون
وأهال، وأهل الرجل: زوجه، وتأهل يعني تزوج، وأهل القرآن حفظته والعاملون
به، وأهل المذهب من يدين به، وأهل الإسلام من يدين به، وأهل البيت سكانه،
وأهل الرجل أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلي الله عليه وسلم أزواجه وبناته
وصهره. وقيل: نساء النبي صلي الله عليه وسلم والرجال الذين هم آله، وآل
الرجل أهله، أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء همزة فصارت أأل، فلما توالت
الهمزتان أبدلوا الثانية ألفًا.
(لسان العرب ج1 ص163-164، ومفردات الراغب ص29).
والعترة هم الأهل والرهط، قال أبو بكر في أساري بدر: يا رسول الله عترتك وأصلك وقومك، تجاوز عنهم يستنقذهم الله بك من النار.
ويتبين
من هذه المعاني اللغوية أن أهل بيت النبي صلي الله عليه وسلم هم أزواجه
وذريته وقرابته من بني هاشم ممن حُرم الصدقة بعده، وقد اتفق أهل السنة
والجماعة على ذلك، مع اختلافهم فيمن تحرم عليهم الصدقة، وقد وقع في صحيح
مسلم من حديث زيد بن أرقم أنه قال: أهل بيته الذين حُرموا الصدقة بعده ،
قيل: ومن هم يا زيد؟قال: هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس.
ويرى
الشيعة على اختلاف مذاهبهم أن أهل البيت هم أصحاب الكساء علي وفاطمة
والحسن والحسين لأن النبي صلي الله عليه وسلم أدخلهم في كساء وقال: اللهم
هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.
ولأن النبي صلي الله عليه وسلم لما نزلت آية المباهلة مع نصاري نجران: {
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [آل عمران:61]
أخرج
عليًا وفاطمة والحسن والحسين ليباهل بهم نصارى نجران الذين يمارون في
بشرية المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ويزعم
الشيعة أن هذا التخصيص يخرج أزواج النبي صلي الله عليه وسلم وسائر بني
هاشم من مسمى أهل البيت، مع أن الخطاب في سورة الأحزاب موجه من أوله إلى
آخره إلى نساء النبي صلي الله عليه وسلم .
{يا
أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن
وأسرحكن سراحا جميلا (28) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن
الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما (29) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة
مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا (30) ومن يقنت منكن
لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما (31) يا
نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في
قلبه مرض وقلن قولا معروفا (32) وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية
الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من
آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا}. [الأحزاب:28-38].
فنساء النبي صلي الله عليه وسلم أولى الناس بقوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}، ومعهن باقي الذرية الطاهرة وسائر بني هاشم.
والعجب
أن الشيعة وإن اتفقوا على أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين دون
ما سواهم، نراهم يختلفون على أشخاص الأئمة منهم اختلافًا عظيمًا ويطعنون
على ذرية فاطمة من غير الأئمة، ولهذا يطعن الإمامية على أبناء الحسن بن
علي، ولا يرونهم أهلا للإمامة، ويطعن الزيدية على الإمامية الاثنى عشرية
ويرون إمامة زيد بن علي، ويطعن الإسماعيلية على إمامة جعفر الصادق ويرون
إمامة إسماعيل.
موقف السلف من آل بيت النبي –رضي الله عنهم-
يعرف
السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم حقوق آل بيت النبوة،
فيحبونهم ويعظمونهم لقد كان صديق الأمة يقول: ارقبوا محمدًا في أهل بيته
ويقول: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلي الله عليه وسلم أحب إلى أن
أصل من قرابتي.
وأهل
السنة متفقون على حب آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ومودتهم،
ومعرفة حقهم وفضلهم وعلو مكانتهم ومن كان من أهل البيت من صحابة رسول الله
صلي الله عليه وسلم فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه، ولصحبته إياه، ولقرابته
منه صلي الله عليه وسلم ، ومن لم يكن منهم صحابيًا فإنهم يحبونه لإيمانه
وتقواه، ولقربه من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ويرون أن شرف النسب تابع
لشرف الإيمان، ومن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحسنيين.
فأهل السنة هم أسعد الناس بتنفيذ وصية النبي صلي الله عليه وسلم في أهل بيته حيث قال: «أذكركم الله في أهل بيتي لأنهم يحبونهم جميعا ويتولونهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف بخلاف غيرهم من الروافض».
موقف الروافض من أهل البيت:
يزعم
الروافض أنهم شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيت النبي صلي الله
عليه وسلم ، وأنهم أولى الناس بهم، ويزعمون أن أصحاب النبي صلي الله عليه
وسلم قد جحدوا حق آل البيت وغصبوهم، واستحلوا دماءهم، وسأنقل لك أخي
القارئ هذه العبارة من كتاب حقوق آل البيت لبعض غلاتهم حيث يقول:
ولكن سيدي يا رسول الله يا نبي الرحمة والهدى، أي مودة قدمت إليك بعد رحلتك الشريفة؟
إنها
المودة التي أبعدوا بها وصيك وخليفتك عن مقامه وعن منصبه الذي أراده الله
له، وأردته له، إنها المودة التي كسروا بها ضلع عزيزتك الزهراء، وأسقطوا
جنينها، وأحرقوا بابها، ولطموا خدها وسودوا متونها، واقتادوا وصيك وأخيك
علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو الكرار عند منازعة الأبطال. نعم هي
المودة التي دسوا فيها السم بسبطك الحسن عليه السلام، والمودة التي أدت لحز
رأس سيد الشهداء من الوريد إلى الوريد، واقتياد بناتك سبايا أمام البغاة.
بلى
سيدي يا رسول الله إنهم ما أرادوا المودة ولا القربى وإنما أرادوا إبراز
البغضاء والحنقاء، ولا عجب وقد أبانوا ذلك عند احتضارك سيدي يا رسول الله
بقولهم والعياذ بالله إنه يهجر، وحاشاك من الهجر والنقص وقد مدحك الله
تعالى في كتابه في محكم التنزيل وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
نعم
هي الحقيقة عزيزي خذها هديت إلى الحق حتى يُفرج الله عن بقية الله الأعظم
الحجة بن الحسن المهدي، أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وجعلنا الله من أنصاره
وأعوانه ليثأر لله ولأهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وآله ويقيم
الحق ويدحض الباطل إن الباطل كان زهوقا. انتهى.
ولا أدري هل سيثأر هذا المنتظر من أبي بكر وعمر ومن المبشرين بالجنة، أم سيثأر من أهل السنة الذين لا يتبعون هذا الباطل.
ويكفي
لرد هذا الغلو أن نذكر كلام بعض أئمة آل البيت في الغلاة، ومن كتب الشيعة
أنفسهم قال جعفر الصادق: (لعن الله عبد الله سبأ، إنه ادعى الربوبية في
أمير المؤمنين، وكان والله أمير المؤمنين عبدًا طائعا لله. الويل لمن كذب
علينا).
وإن قومًا يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم.
(مودة آل البيت ص35، وعزاه إلى رجال الكشى ص106)
وقال
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (سيهلك فيّ صنفان، محب مفرط يذهب به الحب
إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيَّ
حالا النمط الأوسط فالزموه.(
(نهج البلاغة خطبة 127 السنة لابن أبي عاصم)
وقال
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لرجل ممن يغلو في آل
البيت: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله
فأبغضونا.
فقال الرجل: إنكم ذو قرابة من رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنتم أهل بيته.
فقال: ويحكم لو كان الله نافعًا بقرابة من رسول الله صلي الله عليه وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه وأمه.
والله إني لأخاف أن يضاعف الله للعاصي منا العذاب ضعفين. ووالله إني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين.
لقد
أساء آباؤنا وأمهاتنا إن كان ما تقولون من دين الله حقا ثم لم يخبرونا به
ولم يطلعونا عليه ولم يرغبونا فيه، فنحن والله أقرب منهم قرابة منكم وأوجب
عليهم حقا، وأحق بأن يرغبوا فيه منكم ولو كان الأمر كما تقولون إن الله
ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، إن كان علي لأعظم
الناس في ذلك خطيئة وجرمًا، إذ ترك أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن
يقوم فيه كما أمره ويعذر فيه إلى الناس.
فقال الرافضي: ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه؟
قال:
أما والله لو أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يعني بذلك الإمرة والسلطان
والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام
رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له
وأطيعوا فما كان من وراء هذا، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلي
الله عليه وسلم .
اللهم
إنا نشهدك أننا نحب آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم كما أوصانا
الحبيب المصطفى، فاجعل حبنا لآل بيت رسولك الكريم حبًا خالصًا مطهرًا
بعيدًا عمن يتوهمون حبهم ويستحلون دماءهم.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).